14 ـ جريان الاستصحاب في صورة الظن بالارتفاع 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4334


ــ[268]ــ
 

التنبيه الرابع عشر

 هل المراد من الشك المأخوذ في الاستصحاب خصوص تساوي الطرفين، أو عدم اليقين الشامل للظن غير المعتبر؟ وحيث إنّ الاستصحاب متقوّم باليقين والشك، فلا بدّ من التكلم فيهما.

 أمّا اليقين فقد تقدّم الكلام فيه في التنبيه الثاني(1)، وذكرنا أنّ اليقين التعبدي كاليقين الوجداني في صحة جريان الاستصحاب معه. ومنه يظهر أ نّه لا مجال لجريان الاستصحاب مع قيام الأمارة المعتبرة على ارتفاع الحالة السابقة، فانّه بمنزلة اليقين بالارتفاع بجعل الشارع، ويكون رفع اليد عن اليقين السابق بها من نقض اليقين باليقين، لا من نقض اليقين بالشك.

 وأمّا الشك فالظاهر أنّ المراد منه خلاف اليقـين الشامل للظن، فانّه هو المتعارف في لغة العرب، وجعل الظن مقابلاً للشك واليقين اصطلاح مستحدث، فالشك بمـفهومه العرفي شامل للظن. مضافاً إلى وجود القرينة على جريان الاستصحاب مع الظن بارتفاع الحالة السابقة في أدلة الاستصحاب، وهي أمران:

 الأوّل: ترك الاستفصال في صحيحة زرارة(2) في قوله (عليه السلام): «لا، حتى يستيقن أ نّه قد نام» بعد سؤاله بقوله: «فان حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم» فان قوله (عليه السلام): «لا» أي لا يجب عليه الوضوء، بلا استفصال بين الشك والظن يدل على عدم وجوب الوضوء مطلقاً، مع أنّ الغالب ـ فيما إذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 109.

(2) الوسائل 1: 245 / أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.

ــ[269]ــ

حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم ـ هو حصول الظن بالنوم، ولا أقل من الكثرة بمكان لايصدق معها الندرة، فلا يقال إنّ ترك الاستفصال إنّما هو لندرة حصول الظن، فهو ناظر إلى الغالب.

 الثاني: قوله (عليه السلام): «حتى يستيقن» إذ جعل اليقين بالنوم غايةً لعدم وجوب الوضوء، فيدخل الظن في المغيّى، فلا يجب الوضوء ما لم يحصل اليقين ـ وإن حصل الظن ـ وهو المطلوب، هذا.

 وذكر الشيخ (قدس سره) (1) وجهين آخرين لجريان الاستصحاب في صورة الظن بارتفاع الحالة السابقة:

 الوجه الأوّل: دعوى الاجماع على ذلك من القائلين بحجية الاستصحاب تعبداً للأخبار.

 وفيه أوّلاً: عدم تحـقق هذا الاجماع، فانّ من جملة الأقوال هو القول بالتفصيل بين الشك بارتفاع الحالة السابقة والظن به على ما نقله هو (قدس سره)(2). ومن المحتمل كون هذا المفصّل من القائلين بحجية الاستصحاب من باب التعبد للأخبار.

 وثانياً: عدم حجية مثل هذا الاجماع المعلوم مدركه، بل الاجماع المحتمل مدركه لا يكون إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن قول المعصوم (عليه السلام).

 الوجه الثاني: أنّ الظن بارتفاع الحالة السابقة إن كان مما دل دليل على عدم اعتباره كالظن القياسي، فوجوده كالعدم بالتعبد الشرعي، فيترتب على وجوده

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2: 687 ـ 688.

(2) فرائد الاُصول 2: 558، والمفصِّل هو العضدي في شرح المختصر وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أنّ كلامه صريح في اعتبار الاستصحاب من باب إفادته الظن فلاحظ.

ــ[270]ــ

كل ما كان مترتباً على عدمـه من الآثار، ومنها الحكم ببقاء الحالة السابقة بمقتضى الاستصحاب. وإن كان الظن مما لم يدل دليل على اعتباره، كالظن الحاصل من الشهرة مثلاً، فحيث إنّ اعتباره مشكوك فيه، يكون رفع اليد عن اليقين السابق به من نقض اليقين بالشك.

 وفيه: أنّ الكلام في وجود المقتضي، ومقدار دلالة الأدلة الدالة على حجية الاستصحاب، وأ نّها هل تشمل صورة الظن بارتفاع الحالة السابقة أم لا، وما ذكره (قدس سره) ليس إلاّ بيان عدم المانع، ولا فائدة في إحراز عدم المانع مع الشك في وجود المقتضي. ومع إحراز المقتضي وشمول الأدلة له ـ على ما ذكرناه ـ لا مجال لتوهم كون غير الحجة ـ وهو الظن غير المعتبر ـ مانعاً عن الحجة وهي الاستصحاب.

 وبعبارة اُخرى: معنى عدم اعتبار الظن ـ من جهة الدليل على عدم الاعتبار أو عدم الدليل على الاعتبار الراجع إليه بضميمة أصالة عدم الحجية ـ هو عدم إثبات المظنون، وهو يوجب الرجوع إلى الاُصول العملية، وحينئذ لا بدّ من ملاحظة أدلة الاستصحاب، فان كانت شاملة لموارد الظن بارتفاع الحالة السابقة فهو وإلاّ فيرجع إلى أصل آخر، فمجرد كون الظن غير معتبر لا يوجب شمول أدلة الاستصحاب لموارد الظن.

 وأمّا ما ذكره أخيراً من أنّ رفع اليد عن اليقين للظن المشكوك في اعتباره يكون من نقض اليقين بالشك.

 فيرد عليه: أ نّه لا بدّ في صدق نقض اليقين بالشك كون متعلق الشك واليقين واحداً، وفي المقام ليس كذلك فانّ اليقين متعلق بحدوث شيء والظن متعلق بارتفاعه، أمّا الشك فهو متعلق بحجية هذا الظن، فليس الشك متعلقاً بما تعلق به اليقين، وهذا ظاهر.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net