2 ـ جريان قاعدة الفراغ في أجزاء الوضوء 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5151


 الأمر الثاني: بعد ما عرفت من عدم جريان قاعدة التجاوز في أجزاء الوضوء بالنص والاجماع، فهل تلحق بها قاعدة الفراغ في عدم جريانها في أجزاء الوضوء أم لا.

 التحقيق هو الثاني، لعموم الأدلة وعدم المانع عن العمل بها. أمّا عموم الأدلة، فقد تقدّم(1). وأمّا عدم المانع، فلأن عمدة الأدلة المانعة عن جريان قاعدة التجاوز في الوضوء هي قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة(2): «فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه... » إلخ، ومفادها وجوب الاعتناء بالشك والاتيان بالمشكوك فيه فيما إذا كان الشك في أصل الغسل أو المسح، لا ما إذا كان الشك في صحة الغسل أو المسح. فالصحيحة تدل على عدم جريان قاعدة التجاوز فقط في الوضوء، لا على عدم جريان قاعدة الفراغ أيضاً، فاذا شك في غسل الوجه ـ مع الاشتغال بغسل اليد اليسرى مثلاً ـ يجب غسل الوجه مع ما بعده لعدم جريان قاعدة التجاوز. وأمّا إذا شك في صحة غسل الوجه كما إذا شك في وقوعه من الأعلى مثلاً، فلا مانع من الرجوع إلى قاعدة الفراغ والحكم بالصحة.

 ولا فرق في جريان قاعدة الفراغ في أجزاء الوضوء بين الجزء الأخير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 322، 332.

(2) في ص 344.

ــ[349]ــ

وغيره، لعموم الأدلة على ما ذكرناه.

 نعم، لا تجري قاعدة الفراغ فيما إذا شك في صحة غسل الوجه مثلاً، لاحتمال كون الماء المغسول به مضافاً، لكون المأمور به وما سـمّاه الله هو الغسل بالماء، لقوله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ...) إلخ (1) بضميمة قوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا...) إلخ، فيكون الشك المذكور شكاً في وجود ما سـمّاه الله وأمر به لا في صحته، فلا تجري قاعدة الفراغ فيه.

 وكذا لا تجري قاعدة الفراغ فيما إذا شك في صحة غسل اليد اليمنى بعد الاشتغال بغسل اليد اليسرى، لاحتمال وقوع الغسل من الأعلى بناءً على كون الغاية في قوله تعالى: (... وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ا لْمَرَافِقِ...) غاية للغسل، إذ المأمور به وما سمّاه الله حينئذ هو الغسل من الأسفل، فيكون الشك المذكور شكاً في وجوده، فلا يكون مورداً لقاعدة الفراغ، ولكنّه مجرد فرض، إذ لا قرينة على كون الغاية غايةً للغسل، بل القرينة على كونها غاية للمغسول موجودة وهي قـوله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ا لْكَعْبَيْنِ) فانّه لا خلاف ظاهراً في كون الغاية فيه غايةً للممسوح لا للمسح، ولذا التزموا بجواز المسح من الكعبين إلى الأصابع. ووحدة السياق تشهد بأنّ الغاية في قوله تعالى: (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ا لْمَرَافِقِ) غاية للمغسول لا للغسل، وإنّما أوجبنا الغسل من الأعلى للروايات الواردة في المقام.

 وقد يستدل لعدم جريان قاعدة الفراغ في أجزاء الوضوء بموثقة ابن أبي يعفور من قوله (عليه السلام): «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5: 6.

ــ[350]ــ

في غيره، فليس شكك بشيء... » إلخ(1) بتقريب أنّ الضمير في قوله (عليه السلام): «في غيره» راجع إلى الوضوء، وأنّ الشيء في قوله (عليه السلام): «إذا شككت في شيء» باطلاقه شامل للوجود والصحة، فيكون مفادها أنّ الشك في جزء من أجزاء الوضوء ـ سواء كان متعلقاً بوجوده أو بصحته ـ إنّما لا يعتنى به إذا كان الشك بعد الفراغ، ومفهومه الاعتناء به إذا كان قبل الفراغ من الوضوء.

 والجواب عنه أوّلاً: ما تقدّم(2) من عدم صحة الاستدلال بهذه الموثقة، لاجمالها لاحتمال رجوع الضمير إلى الشيء.

 وثانياً: أ نّه لا إطلاق لها من هذه الجهة، إذ الظاهر أ نّها في مقام بيان أنّ الشك إذا كان حين العمل يعتنى به، وإذا كان بعد الفراغ منه لا يعتنى به، وليس إلاّ في مقام بيان هذا المقدار من المعنى. وأمّا كون المشكوك فيه هو الوجود أو الصحة، فليست الموثقة في مقام بيانه، فليس لها إطلاق من هذه الجهة حتى يؤخذ به، ويحكم بأنّ الشك مطلقاً ـ سواء كان متعلقاً بالوجود أو بالصحة ـ يعتنى به إذا كان حين العمل، ولا يعتنى به إذا كان بعد الفراغ منه.

 وثالثاً: أ نّه على تقدير تسليم دلالتها على وجوب الاعتناء بالشك في الصحة أيضاً إذا كان حين العمل يقع التعارض بينها وبين الروايات الدالة بعمومها على جريان قاعدة الفراغ في أجزاء الوضوء أيضاً، والنسبة بينها وبين الموثقة هي العموم من وجه، فانّ مفاد الموثقة وجوب الاعتناء بالشك في أجزاء الوضوء حين الاشتغال به، سواء كان الشك متعلقاً بالوجود أو بالصحة، ومفاد بقية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1: 469 ـ 470 / أبواب الوضوء ب 42 ح 2.

(2) في ص 332.

ــ[351]ــ

الروايات عدم الاعتـناء بالشك في الصـحة إذا كان الشـك بعد الفـراغ من المشكوك فيه، سواء كان من أجزاء الوضوء أو من غيرها، فمورد الاجتماع هو الشك في صحة جزء من الوضوء بعد الفراغ منه، وقبل الفراغ من الوضوء. ولا ينبغي الشك في تقدم تلك الروايات على الموثقة، إذ دلالتها بالعموم، ودلالة الموثقة بالاطلاق.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net