ــ[33]ــ
وأمّا المتنجِّس بسائر النجاسات عدا الولوغ ((1)) (1) فالأقوى كفاية الغسل مرّة (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على صدق عنوان الصبي سواء بلغ عمره سنتين أم زاد عليهما ، فما في بعض الكلمات من تخصيص الحكم بالصبي الذي لم يبلغ سنتين ضعيف .
(1) قد كتبنا في تعليقتنا أن استثناء الولوغ في المقام من اشتباه القلم بلا ريب والصحيح «عدا الاناء» لوضوح أن الولوغ لا خصوصية له في وجوب التعدّد فيه ، حيث إن الأواني بأجمعها كذلك ، والاناء قد يتنجّس بالولوغ وقد يتنجّس بغـيره ولكل منهما وإن كان حكم على حدة إلاّ أن الجميع يشترك في وجوب التعدّد فيه كما يأتي في محلِّه .
(2) وذلك لاطلاقات الروايات الآمرة بالغسل في مثل البول ـ من غير الآدمي ـ (2) والمني (3) والكافر (4) والكلب (5) وغير ذلك من النجاسات الواردة في الأخبار ، فان الأمر بالغسل إرشاد إلى أمرين : أحدهما : نجاسة ذلك الشيء . وثانيهما : أن الغسل بالماء مطهّر له ، ومقتضى إطلاق الأمر به كفاية الغسل مرّة واحدة ، ولعلّ هذا مما لا إشكال فيه .
وإنما الكلام في المتنجسات التي لم يرد فيها أمر مطلق بالغسل ، وذلك كما إذا استفدنا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ذكر كلمة الولوغ من سهو القلم والصحيح «عدا الاناء» .
(2) كما في حسنة عبدالله بن سنان قال : «قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» الوسائل 3 : 405 / أبواب النجاسات ب 8 ح 2 .
(3) كما في صحيحة محمّد بن مسلم «في المني يصيب الثوب، قال: إن عرفت مكانه فاغسله وإن خفى عليك فاغسله كله» الوسائل 3 : 423 / أبواب النجاسات ب 16 ح 1 .
(4) كما في موثقة أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) «في مصافحة المسلم اليهودي والنصراني ، قال : من وراء الثوب ، فان صافحك بيده فاغسل يدك» الوسائل 3 : 420 / أبواب النجاسات ب 14 ح 5 .
(5) كما في حسنة محمّد بن مسلم قال : «سألتُ أبا عبدالله (عليه السلام) عن الكلب السلوقي ، فقال : إذا مسسته فاغسل يدك» الوسائل 3 : 416 / أبواب النجاسات ب 12 ح 9 ، 1 : 274 / أبواب النواقض ب 11 ح 1 .
ــ[34]ــ
نجاسته من الأمر باعادة الصلاة الواقعة فيه ، وكما في ملاقي المتنجِّس بالبول أو غيره مما يجب فيه الغسل متعدداً ، ولا سيما في المتنجِّس بالمتنجس من دون واسطة فانّه يتنجّس بملاقاته من دون أن يكون هناك مطلق ليتمسك باطلاقه في الحكم بكفاية المرّة الواحدة فيه . نعم المتنجِّس بالمتنجس بالنجاسة التي يكفي فيها الغسل مرّة كالدم وغيره لا إشكال في كفاية المرّة الواحدة فيه . فهل يكتفى في أمثال ذلك بالمرة الواحدة أو لا بدّ فيها من التعدّد ؟ فقد يقال بكفاية المرّة الواحدة حينئذ ، وما يمكن أن يستدل به على ذلك وجوه :
الأوّل : الاجماع المركب وعدم القول بالفصل بين النجاسات التي ورد فيها أمر مطلق بغسلها وما لم يرد في غسلها أمر مطلق بوجه ، وحاصله دعوى الاجماع على أن كل مورد لم يقم فيه الدليل على اعتبار التعدّد يكفي فيه المرّة الواحدة . ويدفعه عدم إحراز إتفاقهم في المسألة كيف وقد ذهب جملة من متأخري المتأخرين إلى اعتبار التعدّد فيما لم يقم دليل على كفاية المرّة فيه . على أ نّا لو سلمنا ثبوت الاتفاق عندهم في المسألة أيضاً لم يمكن الاعتماد عليه ، لوضوح أنه ليس إجماعاً تعبّديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) لاحتمال استنادهم في ذلك إلى أحد الوجوه الآتية في الاستدلال .
الثاني : النبوي الذي رواه المؤالف والمخالف ـ كما عن السرائر ـ (1) أعني قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «خلق الله الماء طهوراً لا ينجّسه شيء إلاّ ما غير لونه أو طعمه أو ريحه» (2) لدلالته على حصول الطهارة بالماء مطلقاً . وفيه : أنه إنما يدل على ثبوت المطهرية للماء فحسب وأما كيفية التطهير به فلا يستفاد من الرواية بوجه . على أنها كما قدّمنا في الجزء الأوّل من كتابنا (3) نبوية ضعيفة السند ، حيث رويت بطرق العامة ولم تثبت روايتها من طرقنا فضلاً عن أن يكون نقلها متسالماً عليه بين المؤالف والمخالف .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السرائر 1 : 64 .
(2) الوسائل 1 : 135 / أبواب الماء المطلق ب 1 ح 9 ، المستدرك 1 : 190 / أبواب الماء المطلق ب 3 ح 11 .
(3) شرح العروة 2 : 11 .
ــ[35]ــ
الثالث : أصالة الطهارة ، بتقريب أن المتيقن من نجاسة الملاقي لشيء من النجاسات إنما هو نجاسته قبل غسله ، فاذا غسلناه مرّة واحدة لم ندر أنه طاهر أو نجس ومقتضى أصالة الطهارة طهارته . وهذا الوجه وإن كان وجيهاً في نفسه بناء على ما سلكناه من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهيّة ، لأنّ استصحاب نجاسة المتنجِّس ـ فيما نحن فيه ـ بعد الغسلة الواحدة معارض باستصحاب عدم جعل النجاسة عليه زائداً على المقدار المتيقن وهو نجاسته قبل غسله ، إلاّ أنه لا مجال للرجوع إليها في المسألة لاطلاق ما دلّ على نجاسة المتنجسات ، فان إطلاق ما دلّ على أن الصلاة الواقعة في ملاقي النجس باطلة أو تجب إعادتها أو ما دلّ على نجاسته بغير ذلك من أنحاء البيان يقتضي بقاءها على نجاستها إلى الأبد إلاّ أن يطرأ عليها مطهّر شرعي وهو غير محرز في المقام .
الرابع : إطلاقات الأخبار وقد عثرنا على ذلك في جملة من الروايات :
الاُولى : صحيحة زرارة التي هي من أدلة الاستصحاب قال : «قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني ... إلى أن قال : تعيد الصلاة وتغسله ...» الحديث (1) فان الظاهر أن السؤال فيها إنما هو عن مطلق النجاسة لا عن الدم فحسب ، فان قوله : «أو غيره» وإن كان يحتمل في نفسه أن يراد به غير الدم من النجاسات ليكون ذكر المني بعد ذلك من قبيل ذكر الخاص بعد العام ، كما يحتمل أن يراد به دم غير الرعاف إلاّ أن المستفاد من جملات السؤال والجواب الواردة في الصحيحة أن السؤال إنما هو عن طبيعي النجاسة ولا سيما قوله : «ولا تعيد الصلاة قلت لِمَ ذلك ؟ قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك ...» .
الثانية : موثقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) «أنه سئل عن رجل ليس عليه إلاّ ثوب ولا تحل الصلاة فيه وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع ؟ قال : يتيمّم ويصلِّي فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة» (2) فان قوله «ولا تحل الصلاة فيه» وإن كان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 477 / أبواب النجاسات ب 41 ح 1 ، 479 / ب 42 ح 2 .
(2) الوسائل 3 : 485 / أبواب النجاسات ب 45 ح 8 ، الوسائل 3 : 392 / أبواب التيمم ب 30 ح 1 .
ــ[36]ــ
يحتمل استناده إلى كون الثوب مما لا يؤكل لحمه إلاّ أن قوله (عليه السلام) «فاذا أصاب ماء غسله» كاشف عن أن عدم حلية الصلاة فيه كان مستنداً إلى نجاسته .
الثالثة : مرسلة محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن (عليه السلام) «في طين المطر أنه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام ، إلاّ أن يعلم أنه قد نجّسه شيء بعد المطر فان أصابه بعد ثلاثة أيام فاغسله ...» (1) وهذه الأخبار كما ترى مطلقة ومقتضاها كفاية الغسلة الواحدة في التطهير عن مطلق النجس .
نعم ، لا يمكن الاستدلال على ذلك بالرواية الأخيرة لضعف سندها بالارسال ، وإمكان المناقشة في دلالتها من جهة أن الطريق سواء علمنا بطهارته أم بنجاسته لا يختلف حكمه قبل الثلاثة وبعدها ، فانّه إن كان طاهراً فهو كذلك قبل الثلاثة وبعدها ، وإذا كان نجساً فكذلك أيضاً ، فلم يظهر لنا وجه صحيح لمدخلية ثلاثة أيام في الحكم الوارد في الرواية .
ومن جملة الأخبار التي يمكن أن يستدل بها على المدعى موثقة ثانية لعمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في الرجل إذا قصّ أظفاره بالحديد أو جزّ شعره أو حلق قفاه فانّ عليه أن يمسحه بالماء قبل أن يصلي ، سئل فان صلّى ولم يمسح من ذلك بالماء ؟ قال : يعيد الصلاة لأنّ الحديد نجس ...» (2) فان حكمه بكفاية المسح بالماء معللاً بأن الحديد نجس يعطي أنّ طبيعة النجس تنجس ملاقياتها بالرطوبة ، وتزول نجاستها بمجرد أن أصابها الماء وهو معنى كفاية الغسل مرّة واحدة . نعم تطبيق ذلك على الحديد لا يخلو من عناية ، لوضوح عدم كون الحديد نجساً ولا أنه منجّس لما يلاقيه إلاّ أنه أمر آخر . والضابط الكلي في المسألة أن ما دلّ على نجاسة الملاقي لشيء من الأعيان النجسة كالأمر بغسله أو باعادة الصلاة الواقعة فيه ونحوهما ، إما أن يكون مطلقاً وإما أن لا يكون وإنما دلّ على نجاسته في الجملة .
فعلى الثاني لا بدّ من الاكتفاء في نجاسته بالمقدار المتيقن وهو ما إذا لم يغسل الملاقي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 522 / أبواب النجاسات ب 75 ح 1 .
(2) الوسائل 1 : 288 / أبواب النواقض ب 14 ح 5 ، 3 : 530 / أبواب النجاسات ب 83 ح 6 .
ــ[37]ــ
أصلاً ولو مرّة واحدة فانّه حينئذ محكوم بالنجاسة قطعاً ، وأما إذا غسلناه مرّة واحدة فلا محالة يشك في نجاسته وطهارته وبما أنه لا إطلاق لما دلّ على نجاسته ، فلا بدّ من المراجعة إلى الاُصول الجارية في المسألة ، ولا بأس باستصحاب بقاء النجاسة بعد الغسل مرّة بناء على جريانه في الأحكام الكلية الإلهيّة ، وحيث لا نلتزم بذلك يتعيّن الرجوع إلى أصالة الطهارة لا محالة .
وأما على الأوّل فلا مناص من التمسك باطلاق الدليل عند الشك في نجاسة المتنجِّس وطهارته بعد الغسلة الواحدة ، إلاّ أنك عرفت أن الاطلاق يقتضي كفاية الغسل مرّة في مطلق النجاسات سوى ما قام الدليل فيه على التعدّد .
ثم لو ناقشنا في تلك المطلقات سنداً أو دلالة ولو بدعوى عدم كونها في مقام البيان من تلك الناحية ، فلا بدّ من النظر إلى ما ورد من الدليل في كل واحد من النجاسات فان كان له إطلاق من حيث كفاية الغسل مرّة واحدة ـ مضافاً إلى إطلاقه من حيث بقائه على نجاسته إلى أن يطرأ عليه مزيل ـ فهو ، وإلاّ فلا بدّ من غسله ثانياً حتى يقطع بطهارته ، هذا بحسب كبرى المسألة .
وأمّا تطبيقها على صغرياتها ، فاعلم أن الأدلّة الواردة في نجاسة الأعيان النجسة بأجمعها مطلقة ، وذلك لأنها إنما تستفاد من الأمر بغسـلها وإزالتها عن الثوب والبدن أو بإعادة الصلاة الواقعة في ملاقياتها ، والأخبار الآمرة بالغسل مطلقة . فقد ورد في البول «إغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(1) ومقتضى إطلاقه كفاية الغسل مرّة واحدة ، وقد خرجنا عن ذلك بما دلّ على لزوم التعدّد في بول ما لا يؤكل لحمه أو خصوص بول الانسان ـ على الخلاف ـ وكذلك الحال في الغائط لأنه باطلاقه وإن لم ترد نجاسته في رواية إلاّ أنها يستفاد مما دلّ على نجاسة البول لعدم القول بالفصل بينهما . وأما الغائط من الانسان فهو لا يحتاج إلى الغسل إذ يكفي في إزالته التمسح بالأحجار ونحوها. وورد في الكلب «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله...»(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما في حسنة ابن سنان المروية في الوسائل 3 : 405 / أبواب النجاسات ب 8 ح 2 .
(2) كما في صحيحة أبي العباس المروية في الوسائل 3 : 414 / أبواب النجاسات ب 12 ح 1 .
ــ[38]ــ
وفي الخنزير «عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع به ؟ قال : إن كان دخل في صلاته فليمض ، فان لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلاّ أن يكون فيه أثر فيغسله ...»(1) وفي أهل الكتاب «في مصافحة المسلم اليهودي والنصراني ، قال : من وراء الثوب فان صافحك بيده فاغسل يدك» (2) وقد أسلفنا تحقيق الكلام في نجاستهم وعدمها في محلِّه(3) فليراجع . وفي عرق الابل الجلالة «وإن أصابك شيء من عرقها فاغسله»(4) نعم بيّنا في محلِّه(5) عدم نجاسته ، وقلنا إن الوجه في الأمر بغسله أنه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه واستصحابها في الصلاة يمنع عن صحتها . وفي المني «إن عرفت مكانه فاغسله وإن خفي عليك فاغسله كلّه» (6) وفي الميت «يغسل ما أصاب الثوب» (7) وفي الخمر «إذا أصاب ثوبك فاغسله إن عرفت موضعه وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه ، وإن صلّيت فيه فأعد صلاتك» (8) . وفي الدم «إن اجتمع قدر حمصة فاغسله وإلاّ فلا» (9) أي وإلاّ فلا يعاد منه الصلاة فلا يلزم غسله لذلك ، لا أنه طاهر إذا كان أقل من حمصة كما ذهب إليه الصدوق(10) .
وهذه الأخبار كما ترى مطلقة دلت على نجاسة الأعيان الواردة فيها كما أنها اقتضت كفاية الغسل مرّة واحدة ، وإن كان لا يعتمد على بعضها لضعف سندها أو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهي صحيحة علي بن جعفر المروية في الوسائل 3 : 417 / أبواب النجاسات ب 13 ح 1 .
(2) وهي موثقة أبي بصير المروية في الوسائل 3 : 420 / أبواب النجاسات ب 14 ح 5 .
(3) في مبحث النجاسات قبل المسألة [ 198 ] .
(4) وهي حسنة حفص بن البختري المروية في الوسائل 3 : 423 / أبواب النجاسات ب 15 ح 2 .
(5) في مبحث النجاسات قبل المسألة [ 210 ] .
(6) وهي صحيحة محمّد بن مسلم المروية في الوسائل 3 : 423 / أبواب النجاسات ب 16 ح 1 .
(7) وهي حسنة الحلبي المروية في الوسائل 3 : 462 / أبواب النجاسات ب 34 ح 2 .
(8) وهي صحيحة علي بن مهزيار الآمرة بالأخذ بقول أبي عبدالله (عليه السلام) المروية في الوسائل 3 : 468 / أبواب النجاسات ب 38 ح 2 .
(9) وهي رواية مثنى بن عبدالسلام المروية في الوسائل 3 : 430 / أبواب النجاسات ب 20 ح 5 .
(10) الفقيه 1 : 42 .
ــ[39]ــ
لغيره من الجهات المتقدِّمة في مواردها ، هذا كله في المتنجِّس بالأعيان النجسة . فتلخص أن المرّة الواحدة كافية في ازالتها .
|