المقدّمة - أقسام مسائل علم الاُصول 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5408

  

ــ[1]ــ

ــ[2]ــ

ــ[3]ــ

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وعترته الطيبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين . وبعد فقد لاحظت ما كتبه قرّة عيني الأعزّ العلاّمة السيّد علاء الدين آل بحر العلوم دام تأييده في هذه الكراريس تقريراً لأبحاثي الاُصولية فوجدتها وافية خالية من الايجاز المخل والاطناب المملّ فللّه تعالى درّه وعليه سبحانه أجره فأسأل الله تعالى أن يوفّقه لمراضيه ويجعل مستقبل أمره خيراً من ماضيه والسلام عليه ورحمة الله وبركاته .

        14 شهر ذى الحجّة الحرام                                                       أبو القاسم الموسوي الخوئي

        1380

ــ[4]ــ

ــ[5]ــ

المقدّمة

وله الحمد على ما أنعم وتفضّل ، والصلاة والسلام على نبيّه محمّد وعلى آله الطاهرين المعصومين .

حاولت ـ وأنا اُعدّ ملازم هذه البحوث ـ أن أضع بين يديها تمهيداً يؤرّخ لهذا العلم منذ بداية نشأته وتكوّنه ، ويتسلسل به عبر مراحله الزمنية ، ثمّ رأيت أنّ استيفاء البحث في هذا الموضوع أكثر من أن يتّسع له صدر هذه البحوث ، وربما احتاجت إلى كتاب كامل ، فرأيت أن أعدل عن هذه المحاولة إلى حديث عابر يمرّ بنا على هذه الأزمان مرّاً سريعاً يتناسب مع طبيعة التمهيد .

في بداية التشريع لم تكن الحاجة إلى هذا العلم ماسّة لتوضع له اُصوله وقواعده ، وبخاصة وأنّ الشريعة الإسلامية نزلت بلسان القوم ، ووفق مواضعاتهم الكلامية ، فكانوا يسمعون من النبي (صلّى الله عليه وآله) ما ينزل به الوحي ويدركون ظواهره بسهولة ويسر غالباً ، وربما استفسروه عمّا أشكل عليهم تفهّمه فأوضحه (صلّى الله عليه وآله) ببليغ من القول . ولمّا كان الكتاب العزيز متكفّلا للقواعد العامّة دون الدخول في تفصيلاتها ، احتاجوا إلى سنّة النبي (صلّى الله عليه وآله) قولا وفعلا وتقريراً ، ليأخذوا عنها تفصيل ما لم يفصّل في الكتاب ، أو تشريع ما لم يشرع فيه .

وبما أنّ هذه السنّة لم تدوّن لدى الصحابة على عهده (صلّى الله عليه وآله) من

ــ[6]ــ

جهة ، ولم يكمل بها التشريع من جهة اُخرى ، لأنّ كثيراً من الحوادث المستجدّة لم تكن على عهده (صلّى الله عليه وآله) احتاج أن يدّخر علمها عند أوصيائه (عليهم السلام) ليؤدّوها عنه في أوقاتها .

فالكتاب ـ إذن ـ والسنّة وأقوال أهل البيت هي المصادر التشريعية الاُولى وبما أنّ عهد الأئمّة (عليهم السلام) كان من العهود التي اختلطت فيها اللغات وتفاعلت  ، وتبدّل الكثير من مفاهيمها ، احتاجوا لحفظ الأحكام أن يضعوا القواعد في مباحث الألفاظ ، ليلجأ إليها الناس في التماس الأحكام الشرعية واستنباطها .

والظاهر أنّ الإمام الباقر (عليه السلام) هو أوّل من أملى على تلامذته قواعدها واُصولها ، ويأتي بعده الإمام الصادق (عليه السلام)(1) وفي مؤلّفات تلميذه هشام بن الحكم كتاب بهذا الاسم(2) وهو فيما نعلم أوّل من ألّف بهذا العلم ، وتلاه غير واحد من رواة الأئمّة (عليهم السلام) . بالإضافة إلى أنّ الاُصول الأربعمائة التي جمعها تلامذتهم حفلت بالكثير من قواعدها العامّة.

وحيث إنّ الرقعة الإسلامية بدأت تتسع ، وبدأ الناس يبعدون عن مصادر التشريع ، وربما عسر على الكثير منهم المثول بين يدي الإمام (عليه السلام) لاستفتائه فيما يجد من أحكام ، لبعدهم عنه ، أو لوقوف الظالمين من خصومهم دون بلوغهم إليه  ، فتح الأئمّة (عليهم السلام) لهم أبواب الاجتهاد ، فاحتاجوا إلى تأصيل اُصول يبلغ من بعضها إلى الحكم الواقعي ، ومن بعضها إلى الحكم الظاهري مع تعذّر البلوغ إليها ، كالاستصحاب والاحتياط ونظائرهما ممّا كانت مأثورة جميعاً عن أهل البيت (عليهم السلام) وأرشدوا إلى من يجيد تطبيقها من تلامذتهم في البلدان النائية أمثال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام (للمرحوم الحجّة السيّد حسن الصدر) : 310 .

(2) رجال النجاشي : 433 / 1164 ، وابن النديم في فهرسته ص217 .

ــ[7]ــ

زرارة ، ومحمّد بن مسلم ، ويونس بن عبدالرحمن . ومن يستعرض الموسوعات في الفقه والحديث يجد أخبارها مفصّلة ، كما يجدها في مظانّها من كتب الاُصول .

ولكن الاُستاذ محمد أبو زهرة في محاضراته(1) أبى ـ تبعاً للسيوطي ـ إلاّ أن يكون الشافعي هو الواضع الأول لعلم الاُصول ، كما احتمل الاُستاذ الشهابي(2) أن يكون قاضي القضاة أو الشيباني هو الواضع له ، مع أنّ الاُستاذين يعلمان بسبق الأئمّة (عليهم السلام) لهم زمناً ، وسبق تلامذتهم أيضاً في تدوين هذه القواعد والاُصول في اُصولهم ، بل سبق أمثال هشام في التأليف فيها مستقلا مع أنّ هشاماً توفّي قبلهم(3).

واشتدّت الحاجة إلى علم الاُصول في عصور الغيبة بعد أن فُتح باب الاجتهاد على مصراعيه ، فبدأت المؤلّفات توضع في هذا العلم ، وبدأ العلم ينمو تدريجاً ويتّسع على يد أمثال السيد المرتضى ، والشيخ الطوسي ، ثمّ العلاّمة الحلّي وتلامذته ثمّ صاحب المعالم ، ثمّ الشيخ محمد تقي صاحب الحاشية على المعالم ، والشيخ محمد حسين صاحب كتاب الفصول ، والميرزا القمّي صاحب كتاب القوانين (رحمهم الله جميعاً) .

وقد أوشك أن يبلغ القمّة على يد اُستاذ الفنّ الشيخ مرتضى الأنصاري (رحمه الله) المتوفّى سنة 1281 ، وتولّى تلامذة الشيخ من بعده تطويره في حوزاتهم الدراسية وتوسعته وتعميقه ، كصاحب الكفاية والسيد الشيرازي (قدّس سرّهما) ثمّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه الجعفري : 5 .

(2) في مقدّمته على كتاب فوائد الاُصول للمرحوم الحجّة الكاظمي 1 : 7 .

(3) هشام بن الحكم توفّي سنة 179 ، وقاضي القضاة أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم توفّي سنة 182 ، والشيباني توفّي سنة 189 ، والشافعي توفّي سنة 204 .

ــ[8]ــ

اُستاذنا النائيني (قدّس سرّه) وما يزال يتطور على أيدي تلامذتهم من أعلام الاُمّة وقادتها في محاضراتهم العلمية القيّمة في حوزة النجف الأشرف وغيرها .

وهذه بحوث أضعها اليوم بين يدي هواة علم الاُصول في دقائق مسائلها ليعرفوا مدى ما بلغه هذا العلم من أصالة وعمق في مدرسة النجف العلمية ، وعلى يد اُستاذها إمام الفن ومجدّده سماحة سيّدنا الأجل آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (دام ظلّه العالي) وهي تقريرات دوّنتها ممّا اُفدته من محاضراته القيّمة ، التي كان وما يزال يلقيها على المئات من تلامذته في حوزته الكبرى في النجف الأشرف  ، وقد تفضّل سماحته مشكوراً فشملها بلطفه ، ولاحظ جميع فصولها وأقرّها  ، وتوّجها برأيه الكريم ، وهو منشور في صدر هذا الكتاب .

وبعد ، فإن وفّقت في تدوين هذه البحوث ، وعرضها بالشكل الذي يتناسب مع ما لها من قيمة علمية ، فهو غاية ما أرجوه ، وآمله من الله عزّوجلّ ، ومنه أستمدّ العون والصواب ، إنّه كريم مجيد .

                                          النجف الأشرف    

علاء الدين بحر العلوم

ــ[9]ــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .

لا يشكّ أحد في أنّ الشريعة الإسلامية المقدّسة قد اشتملت على أحكام إلزامية ، فوجب على المكلّف أن يقوم بامتثالها وأدائها ، وأنّ كثيراً من تلك التكاليف لم تكن ضرورية وبديهية ليكفي في الوقوف عليها مجرد الالتفات والنظر من دون احتياج إلى إقامة برهان ، بل هي نظرية محتاجة إلى اتّخاذ مباد يتوصّل بها إلى الحكم الشرعي ، ويقف المكلّف عليه ، والمبادي التي اشتملت على هذه الغاية هي علم الاُصول ، دون بقيّة العلوم ، وهذه المبادي على أقسام :

منها : ما يوصل المكلّف إلى الحكم الشرعي وصولا علمياً وجدانياً ، على نحو يكون المكلّف بواسطة تلك القواعد باتاً بالحكم ، وجازماً به . وهي مباحث الاستلزامات العقلية ، كمقدّمة الواجب ، وبحث الضدّ ، واجتماع الأمر والنهي ودلالة النهي على الفساد . فإنّ العقل إذا أدرك الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته وحكم بالتلازم بينهما وعدم الانفكاك ، نقطع بوجود أمر بالمقدّمة إذا تعلّق خطاب بذيها .

وكذا لو تمّت دلالة الأمر بالشيء على النهي عن الضدّ الخاص ، فإنّ العقل إذا أدرك الملازمة بين وجوب شيء وحرمة ضدّه فإنّنا ننتقل إلى حرمة الصلاة فيما إذا وجبت إزالة النجاسة عن المسجد .

وكذا إذا أدرك العقل استحالة الأمر والنهي فإنّنا نجزم حينئذ بعدم صحّة الصلاة في الدار المغصوبة . وكذلك إذا ثبتت الملازمة بين حرمة عبادة أو معاملة

ــ[10]ــ

وفسادها فإنّنا نجزم حينئذ بفساد العبادة أو المعاملة فيما إذا تعلّق النهي بها ، فهذا القسم من المبادي يبحث عنه في علم الاُصول ، وغايته الإيصال إلى الحكم الشرعي على نحو القطع .

ومنها : ما يوصل إلى الحكم الشرعي لا على نحو يوجب العلم الوجداني ، بل يوجب العلم التعبّدي به ، كمباحث الألفاظ والحجج ، وهي على نحوين : النحو الأول : ما يبحث عن الصغرى بعد الاعتراف بالكبرى . النحو الثاني : بالعكس ، ما يبحث فيه عن الكبرى بعد تسليم الصغرى .

أمّا النحو الأول : فهو مباحث الألفاظ ، حيث يبحث فيها عن ظهور الأمر في الوجوب ، أو ظهور النهي في الحرمة ، وغير ذلك ، فإنّ الكبرى مسلّمة ، وهي أنّ كل ظاهر حجّة ، لأنّ السيرة العقلائية قد جرت على الأخذ بظهور الكلام وما ينسبق إلى الذهن عند التوجّه إليه ، والشارع المقدّس لم يتّخذ طريقاً خاصاً في مقام تفهيم معاني كلماته التي كان في صدد إبدائها للمكلّفين غير الطريقة التي جرى عليها العقلاء من الأخذ بالظهور ، ولأجل هذه الجهة لم يناقش أحد في أصل حجّية الظهور  ، وإنّما هي من القواعد المسلّمة التي لا تقبل التردّد والتشكيك . فالنزاع في مباحث الألفاظ يقع عن تشخيص الصغرى للكبرى المسلّمة ، ويقع البحث عنه في جهتين :

الجهة الاُولى : في دلالة نفس اللفظ من دون ضميمة شيء له ، كالبحث عن ظهور الأمر في الوجوب ، وظهور النهي في الحرمة ، ودلالة القضية الشرطية على الانتفاء عند الانتفاء ، وظهور الكلام في الإطلاق إن تمّت مقدّمات الحكمة .

الجهة الثانية : في دلالة اللفظ بعد انضمام شيء آخر إليه ، كظهور العام في الباقي بعد التخصيص بدليل منفصل ، فإنّ البحث عن تشخيص ظهوره لا من جهة نفس

ــ[11]ــ

اللفظ وحده ، بل من أجل إحالته(1) بعد الانضمام .

وأمّا النحو الثاني ـ الذي يبحث فيه عن الكبرى ـ : فهو كمباحث حجّية خبر الواحد والشهرة وظواهر الكتاب ، فالبحث في جميعها يقع عن ثبوت الحجّية ويلتحق بهذا النحو بحث الظنّ الانسدادي على الكشف ، حيث يتنازع في أنّ مقدّمات الانسداد إذا تمّت فهل يدرك العقل أنّ الشارع جعل الظن حجّة في حقّ كل من انسدّ عليه الطريق . فالبحث في الحقيقة كبروي قد وقع عن حجّية الظنّ تعبّداً .

وكذا يلحق بهذا النحو بحث التعادل والترجيح ، فإنّ البحث فيه عن أيّ الخبرين إذا تعارضا يكون حجّة . فهذا القسم من المبادي بكلا نحويه يوصل إلى حكم شرعي تعبّدي .

ومنها : ما لا يكون موصلا إلى حكم شرعي واقعي مقطوع به جزماً ولا تعبّداً ، وإنّما يوصل إلى وظيفة شرعية قد جعلت للمكلّف في مرحلة الشكّ ، وهي الاُصول العملية من البراءة الشرعية والاشتغال الشرعي والاستصحاب ، فإنّ جميعها يوصل المكلّف إلى وظيفة شرعية مقرّرة في ظرف وجود الشكّ والجهل بالواقع .

ومنها : ما يوصل إلى وظيفة مقرّرة من جانب العقل بعد تعذّر المراحل المتقدّمة ، وتسمّى بالاُصول العقلية ، كالبراءة والتخيير والاشتغال . فالالتجاء إلى هذه الاُصول العقلية يكون بعد فقد الدليل الموصل إلى الحكم الوجداني والتعبّدي وإلى الوظيفة الشرعية . ويلحق بهذا القسم بحث الظنّ الانسدادي على الحكومة فإنّه بحث عمّا يعيّنه العقل من الوظيفة الفعلية لامتثال الأحكام المعلومة بالإجمال بعد عدم التمكّن من الامتثال القطعي أو عدم وجوبه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ] هكذا في الأصل ، ويحتمل أن تقرأ : « دلالته » أو « حالته » [ .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net