الإشكال على التقسيم بخروج بعض القواعد - غاية علم الاُصول 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4811


ــ[12]ــ

فالذي تحصّل من هذا : أنّ مسائل علم الاُصول تارةً توصل إلى الحكم الشرعي الواقعي بنحو يقطع المكلّف ويعلم به علماً وجدانياً ، كمباحث الملازمات العقلية .

واُخرى توصل إلى حكم تعبّدي من قبل الشارع المقدّس ، وهو على نحوين  : منه ما يبحث فيه عن الصغرى مع تسليم الكبرى كمباحث الألفاظ ، ومنه ما يبحث فيه عن الكبرى فقط كبحث الحجج ، ويلحق بالأخير بحث الظنّ الانسدادي على الكشف وبحث التعادل والترجيح.

وثالثة توصل إلى وظيفة شرعية كالاُصول العملية الشرعية .

ورابعة توصل إلى وظيفة عقلية مقرّرة في مرحلة الشكّ ، ويلحق بهذا الأخير بحث الظنّ الانسدادي على الحكومة .

فكل قاعدة من قواعد علم الاُصول لابدّ من أن تندرج تحت إحدى هذه الأقسام ، وإلاّ فهي خارجة عن علم الاُصول .

وربما يورد على التقسيم المذكور بخروج بعض القواعد عنه مع الاعتراف بأنّها من مسائل علم الاُصول :

منها : بحث اجتماع الأمر والنهي ، فإنّه لو بني على عدم جواز الاجتماع نظراً إلى ما يدركه العقل من استحالة اجتماع إرادتين فعليتين متناقضتين في شيء واحد لما أوصلنا إلى حرمة الصلاة في الدار المغصوبة مثلا إلاّ بملاحظة أمرين خارجيين  :

أحدهما : أنّ الغالب من أحد الخطابين على الآخر هو خطاب الغصب ، ولابدّ من تحقيقه من الخارج ، وقد يكون الغالب خطاب الصلاة فتصحّ الصلاة هناك .

وثانيهما  : أنّ النهي عن العبادة يدلّ على فسادها . فلم تكن القاعدة وحدها موصلة إلى حكم واقعي قطعي ، بل تحتاج إلى قاعدة اُخرى نستطيع بسببهما مجموعاً الوصول إلى الحكم القطعي ، فلا تكون هي وحدها من مسائل الاُصول .

ــ[13]ــ

والجواب عنه : أنّنا لا نشترط في المسألة الاُصولية ترتّب الأثر على كلا طرفي المسألة من الثبوت والعدم ، بل يكفي في صدق المسألة الاُصولية على قاعدة ترتّب الأثر على أحد الطرفين دون الآخر ، والأثر هنا مرتّب على القول بالجواز ، حيث إنّ العقل إذا أدرك عدم الاستحالة في اجتماع الخطابين الفعليين ، ولم يجد ثمّة منافاة في فعلية كل منهما ، فاللازم فعلية خطاب الصلاة وصحّتها إذا وقعت في الدار المغصوبة لإمكان التقرّب بها في ذلك المكان ، وهذا المقدار كاف في اندراج المسألة في فنّ الاُصول بلا حاجة إلى ترتّب الأثر على التقديرين .

وهذا هو الحال في مباحث الألفاظ وغيرها من المسائل الاُصولية ، فإنّ الأثر لا يترتّب على كل من تقديري ظهور الأمر مثلا في الوجوب وعدمه ، وإنّما يترتّب على القول بالظهور . وكذا الكلام في حجّية خبر الواحد وبقية مباحث الحجّية .

ومنها : مبحث الضدّ ، فإنّ دلالة الأمر بالشيء على النهي عن الضدّ الخاص لو تمّت فلا يثبت بها إلاّ أنّ ضدّ الواجب الفعلي محرّم ، وهو حكم كبروي مستنبط من دليله ينطبق على موارده الخاصّة كقاعدة ما لا يضمن ، وليس من قبيل ما يستنبط منه الحكم ، ولا ريب أنّ ضابط المسألة الاُصولية المعنى الثاني دون الأول . مضافاً إلى أنّ صيرورة الصلاة مثلا محرّمة لا تقتضي عدم صحّتها ما لم ينضم إلى ذلك قاعدة اُخرى ، وهي أنّ النهي عن العبادة يقتضي الفساد ، وعليه فليست القاعدة وحدها موصلة إلى الحكم الشرعي القطعي .

والجواب عنه : أنّ البحث في هذه المسألة لا يقع عن حرمة ما يضادّ الواجب الفعلي من الأفعال كي يرد عليه ما ذكر ، وإنّما يقع البحث فيها عن الملازمة العقلية بين وجوب الشيء وحرمة ضدّه ، فالمبحوث عنه أمر واقعي يترتّب على إحرازه الجزم بالحكم الشرعي .

وأمّا ما ذكر من أنّ الحكم بفساد العبادة إذا كانت مضادّة للواجب الفعلي لا

ــ[14]ــ

يترتّب على القول بدلالة الأمر بالشيء على النهي عن ضدّ ذلك الشيء إلاّ بضميمة القول بدلالة النهي على الفساد ، فالجواب عنه قد ظهر ممّا سبق ، إذ لا يعتبر في المسألة الاُصولية ترتّب الأثر على التقديرين ، بل يكفي ترتّبه على طرف واحد
والأثر هنا مترتّب على تقدير العدم ، أي عدم الدلالة والاقتضاء للنهي ، فإذا فرضنا أنّ ضدّ الواجب لا يكون محرّماً انتج هذا أنّ العبادة المضادّة للواجب الفعلي يمكن أن يتقرّب العبد بها ، فتقع صحيحة في ذلك الحال ، وهو كاف في صيرورتها مسألة اُصولية .

ومنها : مسألة مقدّمة الواجب ، وذلك من جهة أنّ المستنتج منها هو وجوب المقدّمة ، وهذا حكم كبروي ينطبق على مصاديقه نظير قاعدة ما لا يضمن ، وقد عرفت أنّ المسألة الاُصولية ما وقعت نتيجتها في طريق الاستنباط ، فهي خارجة عن المسائل الاُصولية .

والجواب عنه : أنّ البحث في هذه المسألة ليس بحثاً عن ثبوت الوجوب للمقدّمة ، بل هو بحث عن إدراك العقل للملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته ، ويترتّب على ذلك الجزم بوجوب المقدّمة شرعاً حينما علمنا بوجوب ما يتوقّف وجوده عليها خارجاً ، إلاّ أنّا سنذكر في مسألة مقدّمة الواجب أنّ البحث في هذه المسألة لا أثر له أصلا(1)، وليس من شأن الفقيه البحث عن الوجوب الغيري لعدم حاجته في ذلك ، بل إنّما حاجته في الوجوبات النفسية التي يستحقّ تاركها العقاب وفاعلها الثواب ، وأمّا ما ذكر من الأثر للقول بوجوب المقدّمة كلّه مندفع وسوف يأتي الكلام عليه إن شاء الله .

ومنها : مباحث الاُصول العملية ، فقد يقال : إنّ نتائج هذه المباحث من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ] لكنّه ذكر هناك أنّ للنزاع ثمرة فراجع ص414 و415 [ .

ــ[15]ــ

الأحكام المستنبطة ، وليست ممّا يستنبط منه الحكم الشرعي ، فإنّ معنى البراءة الشرعية أنّ كل حكم يشك فيه فهو مرفوع شرعاً ، وهو حكم كلّي ينطبق على موارده ، وليس ممّا يستنبط منه الحكم . وكذلك الحال في سائر الاُصول العملية . فهذه المباحث خارجة عن المسائل الاُصولية .

والجواب عنه : أنّ الاُصول العملية وإن كانت من هذه الناحية كالقواعد الفقهية ، ولكنّها تفترق عن تلك القواعد من جهة انتهاء المجتهد إليها في مقام العمل لأنّ فيها جهة تأمين عن الواقع ، ولأنّها في طول الحكم الواقعي، وبديهي أنّ كل ما كان كذلك وكان محصّلا للوظيفة الفعلية في مقام العمل كان من المسائل الاُصولية وهذا بخلاف القواعد الفقهية ، فإنّها ليست كذلك .

فاتّضح من جميع ما تقدّم : أنّ كل قاعدة رجعت إلى قسم من الأقسام الأربعة كانت من المسائل الاُصولية ، وإلاّ فهي خارجة عنه .

غاية علم الاُصول

إنّ فائدة علم الاُصول هي تحصيل الوظيفة الفعلية للمكلّف في مرحلة العمل فإنّ كل فرد من أفراد البشر بعد أن علم إجمالا بوجود أحكام إلزامية كان عليه القيام بأدائها ، رسماً للعبودية وحرصاً على تحصيل المنفعة ودفع المفسدة، فلابدّ له من سلوك طريق يؤمّنه من العقوبة ويضمن له تفريغ ذمّته من مسؤولية التكليف ولا ينهض بهذه المهمّة إلاّ القواعد المدرجة في علم الاُصول ، المحصّلة للوظيفة الفعلية التي يجب العمل على مقتضاها ، أعمّ من كونها توجب القطع الوجداني أو التعبّدي بالحكم الشرعي ، أو لما قرّره الشارع في مرحلة الشك ، أو العقل في مرحلته الأخيرة  . فالفائدة هي تحصيل الوظيفة الفعلية للمكلّف في مرحلة العمل .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net