مرتبة علم الاُصول - الفرق بين القواعد الاُصولية والفقهية - موضوع العلم 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 8974


مرتبة علم الاُصول

اتّضح ممّا تقدّم أنّ مرتبة علم الاُصول متأخّرة عن بقية العلوم العربية ، فإنّ كل مسألة اُصولية في حدّ ذاتها قبل استنباط الحكم واستحصال النتيجة منها لابدّ من معرفة معناها ، والوقوف على مادّة القاعدة وهيئتها التركيبية منها والبسيطة

ــ[19]ــ

وكيفية طريق استحصال النتيجة من انضمام الصغرى إلى الكبرى ، وهذه الاُمور يتكفّل البحث عنها علم النحو والصرف واللغة والمنطق وسائر العلوم العربية الاُخر  . فالأحرى على كل من طلب دراسة الاُصول أن يقرأ العلوم العربية مقداراً يتأتّى منه الغرض المذكور .

وأمّا رتبة علم الاُصول بالاضافة إلى الفقه فإنّ الاُصول مقدّم على الفقه تقدّماً رتبياً ، لا فضيلة وشرفاً . والوجه فيه : أنّ الاُصول ـ كما عرفت ـ مباد يتوصّل بها إلى الحكم الشرعي ، وهو متقدّم عليه .

فالمتحصّل : أنّ علم الاُصول وسيط بين الفقه وسائر العلوم العربية ، فهو كالجزء الأخير من العلّة التامّة للاستنباط، وسائر العلوم العربية كالمقتضي والمعدّ للعلّة .

الفرق بين القواعد الاُصولية والفقهية

إنّ القواعد الفقهية على قسمين : قسم يجري في الشبهات الموضوعية ، وقسم يجري في الشبهات الحكمية .

القسم الأوّل : الفرق بينه وبين القواعد الاُصولية هو أنّ القواعد الجارية في الشبهات الموضوعية عبارة عن كبريات تنتج بعد انضمام الصغرى إليها حكماً جزئياً شخصياً ، كقاعدتي التجاوز والفراغ ، فإنّهما يفيدان عدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ والانتهاء من العمل ، أو بعد تجاوز محل المشكوك ، وهاتان الكبريان إذا ضممناهما إلى صغرياتهما ـ التي هي موارد ابتلاء الشخص نفسه ـ انتجتا صحّة عمله المشكوك .

وكذلك الحال في قاعدة اليد ، وقاعدة نفي الضرر والحرج في موارد الضرر أو الحرج الشخصي ، فإنّ الناتج من القواعد الفقهية الجارية في الشبهات الموضوعية حكم شخصي خاص .

ــ[20]ــ

وأمّا المسائل الاُصولية فالناتج منها ـ بعد الانضمام ـ حكم كلّي عام ثابت لجميع المكلّفين ، كمسألة حجّية خبر الواحد ، فإنّا لو ضممنا هذه القضية الكلّية إلى قضية صغروية ـ وهي الخبر الذي أثبت جزئية السورة في الصلاة ـ لأنتج من هذا جزئية السورة في حقّ كل واحد ، من دون اختصاص بفرد معيّن . فهذا هو الفارق بينهما .

والقسم الثاني : هي القواعد الجارية في الشبهات الحكمية ، مثل لا ضرر ولا حرج ، بناءً على جريانهما في موارد الضرر أو الحرج النوعي . وكذا قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، تنتج بعد الانضمام حكماً كبروياً كلّياً ، فإنّ مفاد الاُولى : أنّ كل حكم إذا استلزم ضرراً أو حرجاً ـ ولو كان الضرر والحرج نوعياً ـ فهو مرفوع، ومفاد الثانية : أنّ كل معاملة كان في صحيحها ضمان ففي فاسدها كذلك  ، وبالعكس أنّ كل معاملة لم يكن في صحيحها ضمان ففي فاسدها لا يكون الضمان أيضاً .

فكلتا القاعدتين من حيث النتيجة متحدة مع علم الاُصول من حيث انتاج الحكم الكلّي ، إلاّ أنّ هناك فرقاً بينهما، فإنّ نتائج هذه القواعد لا تقع في طريق استنباط الحكم ، ولا أنّها ممّا ينتهى إليه بعد العجز عن استنباط الحكم الشرعي ، وإنّما هي من الحكم المستنبط المنطبق على موارده ، مثلا المستفاد من دليل لا ضرر أنّ الحكم الضرري مرفوع ، وهو بنفسه حكم شرعي ينطبق على موارده ، مثل اللزوم في المعاملة الغبنية ، فإنّه ضرري نوعاً، فهو مرفوع شرعاً . وكذا قاعدة ما لا يضمن
فإنّها تنطبق على مثل الهبة والعارية ، فإنّ صحيحهما لم يكن فيه ضمان فكذا فاسدهما  ، بخلاف البيع ، فإنّ صحيحه مضمون ففاسده كذلك.

وهذا بخلاف المسائل الاُصولية ، فإنّ نتائجها بين ما أمكن أن يستنبط

  
 

ــ[21]ــ

منه الحكم الشرعي ، وما يكون مرجعاً للفقيه في تعيين الوظيفة الفعلية، وقد مرّ بيان ذلك فيما تقدّم(1). نعم أصل حكم القاعدة الفقهية إنّما استفيد من المسائل الاُصولية كما هو الحال في جميع المسائل الفقهية . وبهذا البيان اتّضح الفرق بين المسائل الاُصولية والفقهية ، هذا .

وقد تصدّى المحقّق النائيني (قدّس سرّه)(2) لبيان الفارق بين علمي الاُصول والفقه ، وأفاد بأنّ علم الاُصول ما كانت نتيجته لا تقبل الإلقاء لعامّة المكلّفين ، فلا معنى لأن يكتب المجتهد في رسالته أنّ الأمر ظاهر في الوجوب ، أو أنّ خبر الواحد حجّة ، فإنّ العامي يعجز عن تطبيق هذه الكبرى على الصغرى لاستنتاج النتيجة بخلاف علم الفقه فإنّ نتيجته تقبل الإلقاء نحو المكلّفين ، وبامكانهم تطبيقها على مواردها ، فيقول المجتهد لهم : من شكّ في طهارة ثوبه ونجاسته فليبن على طهارته . وتطبيق هذا المعنى أمر سهل على المكلّف .

ولا يخفى أنّ ما ذكره (قدّس سرّه) لم يظهر لنا وجهه ، فإنّ ما أفاده وإن كان يتم غالباً ، إلاّ أنّ هناك بعض القواعد الفقهية لا يمكن إلقاؤها إلى العامي ، ولا يستطيع معرفتها فضلا عن تطبيقها ، وذلك كقاعدة ما لا يضمن ، أو التسامح في أدلّة السنن  ، أو قاعدة لا ضرر ولا حرج ، بداهة أنّ المكلّف العامي عاجز عن تطبيق هذه القواعد على مواردها ، فإنّ كثيراً من فروع العلم الإجمالي ـ التي ذكرها في العروة  ـ قد نشأ الاختلاف فيها من الاختلاف في تطبيق تلك القواعد على مواردها  . فإذا كان التطبيق ممّا يخفى أمره على الأعلام فما ظنّك بالعامي المحض ، أو من كان له حظّ من العلم . إذن فالصحيح ما قلناه كما تقدّم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص9 وما بعدها .

(2) أجود التقريرات 4 : 9 .

ــ[22]ــ

موضوع العلم

البحث في موضوع العلم يقع في جهات ثلاث :

الاُولى : في الحاجة إلى تصوير الموضوع لكل علم .

الثانية : في بيان العوارض الذاتية والغريبة .

الثالثة : في المحمولات وهل أنّها يلزم أن تكون من العوارض الذاتية .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net