تحرير محل النزاع - كلام الميرزا النائيني في خروج بعض العناوين عن محل النزاع 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4995


ــ[149]ــ

المشتق

لا إشكال في صحّة إطلاق المشتق على من تلبّس بالمبدأ فعلا ، وعلى من تلبّس به وانقضى عنه ، أو على من يتلبّس به مستقبلا. كما لا شبهة في أنّ إطلاقه في الحال على من يتلبّس به مستقلا مجاز بعلاقة المشارفة ، وأنّ إطلاقه على من تلبّس به بالفعل إطلاق حقيقي .

إنّما البحث في اختصاصه بخصوص من تلبّس به بالفعل ، أم يعمّ المنقضي عنه بأن يكون موضوعاً للجامع بينهما ، ويكون إطلاقه على كل واحد منهما حقيقياً . وقبل البدء في المطلب يجدر بنا أن نذكر اُموراً لها مساس بالبحث .

الأمر الأول : محل النزاع في المقام يختص ببعض المشتقّات ، ويعمّ بعض الجوامد ، فإنّ المشتق ـ أعني به ما تكون هيئته ومادّته موضوعتين بوضعين ـ قد يصدق على ذات باعتبار تلبّسها بمبدئه ، كاسم الفاعل ، والمفعول ، والآلة ، والمكان والزمان ، والصفة المشبهة ، وصيغ المبالغة . وقد لا يصدق عليها ، كالمصادر المزيدة بل المجرّدة والأفعال . وأمّا الجامد ـ أعني به ما يكون بهيئته ومادّته موضوعاً بوضع واحد لمعنى واحد ـ فهو على قسمين : إذ قد يوضع الجامد لمعنى ينتزع عن خارج مقام الذات ، وقد يوضع لمعنى ينتزع عن مقام الذات . فهذه أربعة أقسام ، ومحل النزاع هو القسم الأول من كل من المشتق والجامد.

بيان ذلك : أنّ كل مشتق قابل لأن يحمل على شيء باعتبار تلبّسه بالمبدأ

ــ[150]ــ

المأخوذ في ذلك المشتق نحو تلبّس ، فهو داخل في محل النزاع ، باعتبار أنّ التلبّس المعتبر في صحّة صدقه هل يعمّ التلبّس فيما انقضى وانصرم ، أو أنّه يختص بالتلبّس الفعلي ؟ فالنزاع في سعة المفهوم الاشتقاقي وضيقه ، باعتبار وضع هيئته من دون اختصاص لها بمادّة دون مادّة .

ومن هنا يظهر عدم اختصاص النزاع بما إذا لم يكن المبدأ ذاتياً ، فإنّ خصوصية المبدأ لا دخل لها في وضع الهيئات ، فما يستفاد من هيئة ناطق وحيوان هو بعينه ما يستفاد من هيئة قائم وعطشان . نعم فيما إذا كان المبدأ ذاتياً لا يعقل فيه بقاء الذات وزوال التلبّس ، لكن الهيئة لا يختص وضعها بتلك المادّة ، فلا مانع من وضعها للأعمّ ، وسيجيء توضيح ذلك بعد ذلك إن شاء الله تعالى(1).

نعم كل مشتق لا يقبل أن يحمل على الذات فهو خارج عن محل الكلام وذلك كالمصادر المزيدة مثل الإكرام ، بناءً على أنّ أصل المشتقّات المصادر المجرّدة فالمزيدة مشتقّة منها ، إلاّ أنّها تخرج عن البحث ، لعدم صحّة حملها على الذات ، فلا يقال : زيد إكرام . أمّا بناءً على أنّ أصل الاشتقاق شيء غير المصادر المجرّدة فالمصادر المجرّدة بنفسها مشتقّة منه ، لكنّها تخرج عن محل النزاع أيضاً ، لعدم صحّة حملها على الذات ، فلا يقال : زيد كرم ، إلاّ مبالغة أو مجازاً .

وهكذا الأفعال بجميع أقسامها لا يشملها النزاع ، لعدم جريانها على الذات وإن كانت من جملة المشتقّات .

أمّا الجوامد فبعض منها داخل في البحث ، وبعض منها خارج . فإنّ الجامد إذا كان منتزعاً عن مقام الذات ـ كالإنسان ، والحجر ، والتراب ، وغير ذلك ـ فهو خارج عن محل البحث ، والوجه فيه : أنّ العناوين في أمثال ذلك مقوّمة للذات

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص152 ـ 153 .

ــ[151]ــ

وبانتفائها تنتفي نفس الذات ، وهكذا سائر العناوين الذاتية . فلو استحال الخشب رماداً أو الإنسان ملحاً ، فقد انعدمت الحقيقة السابقة ووجدت حقيقة اُخرى ، ومع انعدام الحقيقة السابقة تنتفي التسمية أيضاً ، لأنّها تتبع بقاء الصورة النوعية ، أمّا المادّة المشتركة بين الجميع ـ المعبّر عنها بالهيولى ـ فليست قوام الاسم ، بل القوام له نفس الصورة النوعية ، ولا ريب أنّها تنعدم بانعدام الصورة السابقة . فحيث لم تكن ذات باقية بعد انعدام العنوان لا يشملها النزاع ، ولا يبحث عن أنّ الإطلاق عليها حال انقضاء الصورة النوعية حقيقة أو مجاز .

وأمّا إذا كان الجامد منتزعاً عن خارج مقام الذات ، فهو أيضاً داخل في محل النزاع ، وإن لم يكن مشتقاً اصطلاحاً ، وذلك نظير الزوج والحرّ والرقّ ، باعتبار صحّة حمله على الذات بلحاظ اتّصافها بأمر خارج عنها .

ويشهد لما قلناه ـ من دخول هذا القسم من الجامد في محل الكلام ـ ما ذهب إليه فخر المحقّقين(1)، والشهيد الثاني (قدّس سرّهما) في المسالك(2) من ابتناء الحرمة في المرضعة الكبيرة الثانية على مسألة المشتقّ ، في مسألة من كانت له زوجتان كبيرتان ، وزوجة صغيرة ، وقد أرضعت الكبيرتان زوجته الصغيرة ، إذ لا إشكال في حرمة الكبيرة الاُولى والصغيرة ، لصدق اُمّ الزوجة على الكبيرة ، والبنتية على الصغيرة . إنّما البحث في الكبيرة الثانية ، فقد رتّب الحكم بالحرمة فيها على النزاع في المشتقّ ، فبناءً على أنّه حقيقة في الأعم يصدق عليها اُمّ الزوجة ، أمّا بناءً على الاختصاص بالتلبّس الفعلي فلا تحرم الكبيرة الثانية ، لأنّها ليست باُمّ زوجة فعلا بل هي اُمّ من كانت زوجة سابقاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إيضاح الفوائد 3 : 52 .

(2) مسالك الأفهام 7 : 268 .

ــ[152]ــ

والغرض من بيان ذلك هو الاستشهاد على أنّ الفقهاء تنبّهوا لعدم اختصاص البحث بخصوص المشتقّات الاصطلاحية ، أمّا فقه المسألة فقد بيّناه في بحث الرضاع(1) بما لا مزيد عليه .

ثمّ إنّ شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) ذهب إلى خروج بعض العناوين عن النزاع ، وهي العناوين العرضية المنتزعة عن مقام الذات ، وإن لم تكن من الذاتيات ـ في باب الكلّيات الخمس ـ التي هي مقوّمة للذات ، كعنوان الممكن والواجب والممتنع ، فإنّ الإمكان ـ مثلا ـ منتزع عن ذات الإنسان بما هي ، ولو كانت الذات غير متّصفة به في نفسها ، بل بلحاظ أمر خارج عنها ، للزم أن تكون في مقام الذات متّصفة بالوجوب أو الامتناع ، لعدم خلوّها عن شيء من الأشياء الثلاثة .

وعليه فالإمكان وأمثاله اُمور خارجة عن الذات ، لكنّها منتزعة عنها بلا ضميمة شيء آخر إليها ، وتسمّى بالخارج المحمول . وإنّما خرجت عن النزاع لأنّها كالعناوين الذاتية ، باعتبار أنّه لا يعقل صدق ذات انقضى عنها التلبّس بالإمكان ليبحث عن إطلاق الممكن عليها حقيقة أو مجازاً .

وغير خفي أنّ البحث في المشتق ـ كما أشرنا إليه ـ إنّما هو في وضع الهيئات فيقال : هيئة فاعل وضعت لخصوص المتلبّس الفعلي ، أو للأعمّ . وقد عرفت أنّ وضع الهيئات نوعي ، ووضع المواد شخصي . والنزاع هنا في هيئة مفعل ـ  كالمنعم  ـ التي هي اسم فاعل من الإفعال ، ولا ريب أنّ المادّة في هذه الهيئة قابلة الانفكاك عن الذات في الجملة ، فيقع النزاع عنها عند الانقضاء ، ولا يضرّ أن لا تكون المادّة في بعض أفراد الهيئة كالممكن كذلك ، أي لا يمكن تصوّر زوال الوصف فيها ، إذ لا يعقل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أحكام الرضاع في فقه الشيعة : 145 .

(2) أجود التقريرات 1 : 78 ـ 79 .

ــ[153]ــ

فيها ذات انقضى عنها التلبّس بالمبدأ ، فإنّ محطّ البحث هو الكلّي وعدم قابلية بقاء الذات في بعض المصاديق لا يوجب لغوية البحث عن سعة المفهوم وضيقه ، بعد ما كانت الذات قابلة للبقاء في أكثر المواد .

نعم الخارج عن البحثِ العناوينُ الذاتية في الجوامد ، كالشجر والحجر باعتبار أنّ الوضع شخصي فيها ، ويستحيل انفكاك المبدأ فيها عن الذات فيجري فيها النزاع .

فقد تحصّل : أنّ النسبة بين ما هو البحث في محل الكلام ، وبين كل من المشتق والجامد نسبة العموم والخصوص من وجه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net