دلالة الفعل على الزمان - المراد بالحال المأخوذ في عنوان المسألة 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 8696


عدم دلالة الفعل على الزمان

الأمر الثاني : أنّك عرفت ـ ممّا سبق(1)ـ خروج الأفعال عن محل النزاع لعدم صحّة حملها وجريها على الذات ، وذلك لعدم دلالتها إلاّ على انتساب المادّة وقد أشرنا سابقاً إلى عدم دلالتها على الزمان ، ويجدر بنا أن نتعرّض لذلك تفصيلا فنقول:

إنّ اعتبار مفهوم الزمان في الأفعال على أن يكون جزءاً من المعنى باطل جزماً  ، لأنّ كل فعل مشتمل على مادّة وهيئة ، أمّا المادّة فتفيد نفس الحدث ، وأمّا الهيئة فمفادها مفاد المعنى الحرفي ، وهو عبارة عن نسبة المادّة إلى الذات بنحو من النسبة ، والزمان أجنبي عن كليهما .

أمّا اعتبار الزمان قيداً في الأفعال على أن يكون معنى الفعل الحدث المقيّد بالزمان ، بنحو يكون القيد خارجاً عن المدلول والتقييد به داخلا ، فهو أمر ممكن في نفسه ، ولكنّه غير مأخوذ في الأفعال ، لما نرى من صحة استعمال الأفعال وإسنادها إلى نفس الزمان ، أو إلى ما فوق الزمان ، من دون عناية وتجريد عن الخصوصية فيقال : مضى الزمان ، وعلم الله . ولو كان الزمان مأخوذاً في الفعل لما صحّ إسناده إلى الزمان ، إذ الزمان لا يقع في الزمان ، وإلاّ لدار أو تسلسل . كما أنّ أفعال ما فوق الزمان لا تقع في الزمان ، لعدم تحديدها بحدّ ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص150 .

ــ[159]ــ

والإنصاف : أنّنا نجد الفرق بين الفعل الماضي والمضارع ، إذ لا يصحّ استعمال أحدهما في موضع الآخر ، وهو كاشف عن وجود خصوصية في كل منهما .

فالتحقيق أن يقال : إنّ الفعل الماضي يدلّ على تحقّق المادّة مقيّداً بكونه قبل زمن التكلّم ، وهو لا يكشف عن وقوعها في الزمن الماضي . فلو قلنا : الزمان وجد أو كان ، فمفاده تحقّق الزمان قبل زمن التكلّم ، دون وقوعه في الماضي .

نعم لو اُسند الفعل إلى الزماني مثل ضرب زيد ، فيدلّ بالمطابقة على تحقّق مادّة الضرب قبل زمن التلفّظ به ، وبالالتزام على وقوعه في الزمن الماضي ، من جهة أنّ الفاعل زماني ، ولا تصدر الأفعال منه إلاّ في الزمان ، وبما أنّه وقع قبل هذا الكلام فلا محالة يدلّ بالملازمة على تحقّقه في الزمن السابق .

وأمّا المضارع : فيدلّ على تحقّق المادّة في زمن التكلّم ، أو في الأزمنة المتأخّرة عنه ، وهذا لا يدلّ على وقوعها في الزمن الحالي أو الاستقبالي . فلو قلنا : يمضي الزمان ، أو يعلم الله ، فمفاده تحقّق المادّة حال تحقّق التلفّظ ، دون وقوعه في الحال أو الاستقبال .

نعم لو كان المسند إليه زمانياً فبالدلالة الالتزامية يدلّ المضارع على الحال أو الاستقبال ، باعتبار أنّ الزماني يقع في الزمان .

هذا كلّه لو كان الفعل مطلقاً ، وأمّا إذا قيّد بالسبق واللحوق بالإضافة إلى أمر آخر غير التكلّم ، فلابدّ حينئذ من لحاظهما بالإضافة إلى ذلك الأمر ، أو باللحوق إليه ، كما في مثل يجيء زيد في هذه السنة وقد ضرب غلامه . فالسبق إنّما هو بالإضافة إلى شيء آخر ، وهو المجيء ، لا زمن التكلّم .

فالمتحصّل : أنّ الأفعال لا تدلّ على الزمان بنحو الجزء أو القيد دلالة مطابقية  ، نعم بالدلالة الالتزامية لا مانع من دلالتها عليه إذا كان المسند إليه زمانياً وهو لا يوجب صيرورة الزمان جزءاً أو قيداً في المعنى ، لاشتراك الجمل الاسمية في

ــ[160]ــ

ذلك ، أي دلالتها بالالتزام على وقوع المحمول في أحد الأزمنة الثلاثة فيما لو كان الفاعل زمانياً ، مثل قولنا : زيد قائم .

الأمر الثالث : هل يراد بالحال المأخوذ في عنوان المسألة حال النطق ، أو التلبّس ؟ لا إشكال في عدم دلالة الأسماء على خصوص زمان ، لا بنحو الجزئية ولا القيدية ، سواء في ذلك أسماء الأجناس أم غيرها . كما لا دلالة فيها على أحد الأزمنة الثلاثة ، لأنّ تلك الأوصاف كما تستند إلى الزمانيات كذلك تستند إلى نفس الزمان وإلى ما فوقه .

فمرجع النزاع حينئذ إلى سعة المفاهيم الاشتقاقية وضيقها ، بمعنى أنّها وضعت بازاء مفاهيم لو وجدت في الخارج لكانت منطبقة على خصوص المتلبّس بالفعل ، أو بازاء مفاهيم كلّية لو حصلت خارجاً كان مصداقها الأعم من المتلبّس بالفعل أو من انقضى عنه .

وأمّا ما يدّعى من أنّ ظاهر حمل المشتق على شيء فعلية التلبّس ، بمعنى ظهوره في تلبّسه بالمبدأ حين النطق والتكلّم ، لأنّ ظاهر قولنا : زيد آكل ، كونه كذلك بالفعل ، فهو صحيح ، لكنّه لا يستلزم أن يكون ذلك من جهة الوضع لخصوص المتلبّس بالمبدأ حين النطق ، بل هذا الظهور مستفاد من الإطلاق وعدم التقييد بغير حال النطق .

وعليه فالمراد بالحال هو حال التلبّس ، لصحة قولنا : زيد كان ضارباً بالأمس ، أو سيكون ضارباً غداً ، حقيقة بلا إشكال ، وإن لم يكن حال النطق متلبّساً به .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net