المسألة الاُولى : إجزاء المأمور به الاضطراري عن الاختياري لو ارتفع العذر أثناء الوقت 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4143


أمّا البحث عن المسألة الاُولى : فليعلم أنّ محل النزاع هو ما إذا كان المأتي به في أوّل الوقت مأموراً به بالأمر الواقعي الاضطراري ، أمّا إذا كان مأموراً به بالأمر الخيالي أو الظاهري فهو مشمول للمسألتين الآتيتين .

توضيح ذلك : أنّ الموضوع للأمر الواقعي ] الاضطراري [ إمّا أن يكون وجود العذر حين الإتيان بالواجب ، أو العذر المستوعب لجميع الوقت ، ومورد الكلام هو الصورة الاُولى . أمّا الصورة الثانية فليست من مصاديق الأمر الاضطراري ، إذ أنّ جواز البدار إلى الإتيان بالعمل الاضطراري إمّا أن يكون للقطع باستيعاب العذر ، أو لقيام الحجّة ـ كالبيّنة ـ على الاستيعاب ، ومع انكشاف الخلاف في هاتين الصورتين ينكشف أنّه لا أمر اضطراري ابتداءً ليقال إنّه مجز عن الواقع أو لا . فمحل البحث حقيقة في المأتي به بالأمر الاضطراري وإجزائه عن الأمر الواقعي لو انكشف له العذر أثناء الوقت .

وقد ذهب صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(1) إلى إنّ الأمر لا يخلو من صور أربع  :

الصورة الاُولى : أن يكون المأمور به بالأمر الاضطراري وافياً بتمام الغرض والمصلحة التي اشتمل عليها الأمر الواقعي ، لكن جواز البدار حينئذ يدور مدار كون العمل بمجرد الاضطرار مطلقاً ، أو بشرط الانتظار ، أو مع اليأس عن طروء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 84 .

ــ[277]ــ

الاختيار ذا مصلحة ووافياً بالغرض .

الصورة الثانية : أن يكون وافياً ببعض المصلحة ، ولا يمكن استيفاء الباقي .

الصورة الثالثة : أن يكون وافياً بالبعض ، ويجب تدارك الباقي .

الصورة الرابعة : أن يكون وافياً بالبعض ، ويستحبّ تدارك الباقي .

أمّا الصورة الاُولى : فلا إشكال في إجزائها عن الأمر الواقعي ، وذلك لعدم الفرق بين صورتي القدرة على القيد وعدمه في وفاء المأتي به بالملاك .

وأمّا الصورة الثانية : فلابدّ من القول بالإجزاء فيها ، وذلك لعدم إمكان تدارك الباقي من المصلحة ، نعم لا يجوز البدار حينئذ ، لأنّ فيه تفويت مقدار من المصلحة ، إلاّ أن يكون في البدار مصلحة أهم من المقدار الفائت من مصلحة الواجب  ، بل لولا أهمية مصلحة الوقت لما جاز الأمر بذلك الناقص ، لأنّه مفوّت لبعض الغرض والمصلحة ، ولكن مصلحة الوقت اقتضت أن يأمر الشارع بالناقص وإن استلزم امتثاله فوات مقدار من مصلحة الواجب .

وأمّا الصورة الثالثة : فالمتيقّن فيها القول بعدم الإجزاء ، لأنّ المأتي به حال الاضطرار ناقص عن المصلحة الواقعية ، والمفروض أنّ المكلّف يستطيع بعد ارتفاع العذر أن يأتي بالعمل تامّاً . فهو مخيّر بين البدار بإتيان الناقص ، وإعادة عمله بعد ارتفاع العذر ، أو الانتظار حتّى ارتفاع العذر وإتيان العمل الاختياري تامّاً .

وأمّا الصورة الرابعة : فلابدّ من القول بالإجزاء فيها أيضاً ، وذلك لعدم إلزام الشارع بالباقي .

هذا بحسب مقام الثبوت ، وأمّا بحسب مقام الإثبات فقد حكم(1) بالإجزاء من جهة إطلاق الدليل إن كان ، وإلاّ فبأصالة البراءة من وجوب الإعادة والقضاء .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 85 .

ــ[278]ــ

وقد ادّعى شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) الإجزاء في جميع الصور المتقدّمة ثبوتاً ، بلا حاجة إلى معرفة مرحلة الإثبات ، وذلك لأنّ تكليف العبد حين العذر بالأمر الاضطراري وتكليفه بإعادة العمل بعد ارتفاعه يقتضي أن يكون المطلوب من المكلّف ست صلوات في اليوم الواحد ، مع أنّ الروايات الشريفة(2) والإجماع والضرورة من الدين تقتضي الخمس ، دون الست . وأمّا الجمع بين الظهر والجمعة أو القصر والإتمام في بعض الموارد فإنّما هو للاحتياط .

ومن هنا يعلم إجزاء المأتي به بالأمر الاضطراري عن الأمر الواقعي إذا انكشف العذر أثناء الوقت .

وغير خفي أنّ ما جاء به شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) متين جدّاً ، ولكنّه أخصّ من المدّعى ، حيث يتم في الصلاة خاصّة ، لقيام الإجماع والروايات ، دون غيرها من سائر الواجبات ، مع أنّ البحث اُصولي ، لا يختصّ بباب دون باب .

ثمّ اعلم أنّ ما جاء به صاحب الكفاية (قدّس سرّه) من تقسيم الأمر الاضطراري إلى ما يترتّب عليه الإجزاء ـ وهو الصورة الاُولى ، والثانية والرابعة  ـ وإلى ما لا يترتّب عليه الإجزاء وهو الصورة الثالثة ، فهو ممّا لا يمكن الالتزام به ، إذ الأمر الاضطراري في الصورة الثالثة غير معقول ، لاستلزامه التخيير بين الأقل والأكثر كما اعترف هو (قدّس سرّه) بذلك ، وهو غير ممكن كما سيجيء البحث عنه إن شاء الله تعالى(3)، فإنّ الشارع بعد أن ألزم العبد باتيان العمل التامّ بعد ما يرتفع العذر ـ سواء بادر إلى إتيان الناقص أم لم يبادر ـ فلا معنى لإيجابه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 1 : 284 .

(2) الوسائل 4 : 10 / أبواب أعداد الفرائض ب2 .

(3) راجع محاضرات في اُصول الفقه 3 (موسوعة الإمام الخوئي 45) : 229 وما بعدها .

ــ[279]ــ

الإتيان بالفعل الناقص في بداية الوقت ، إذ لازمه أن يكون العمل الناقص واجباً على تقدير المسارعة ، وليس بواجب على تقدير عدم المسارعة ، وهو باطل .

وبعبارة اُخرى : الأقل هو إتيان العمل تامّاً بعد ارتفاع العذر ، والزائد عليه وهو الإتيان بالعمل ناقصاً حال الاضطرار . فالمكلّف إذا كان مخيّراً بين الإتيان بالناقص حال الاضطرار مع الإتيان بالتامّ بعد الارتفاع ، وبين الإتيان بالعمل تامّاً فقط بعد زوال العذر ، فلازمه تعيّن الإتيان بالتامّ وتخيير المكلّف بين الإتيان بالناقص وعدمه ، ومعه كيف يمكن الالتزام بوجوب الناقص أيضاً ، فإنّ مرجعه إلى أنّه واجب يجوز تركه لا إلى بدل ، وهو غير معقول .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net