حكم الاضطرار إلى ترك الجزء أو الشرط - مقتضى الأصل العملي 

الكتاب : مصابيح الاُصول - الجزء الأوّل من مباحث الألفاظ   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4232


الصورة الاُولى : أن يكون كل من دليل الأمر الاضطراري ودليل اعتبار الجزئية أو الشرطية في المأمور به مطلقاً .

ولابدّ من تقديم دليل الأمر الاضطراري على الدليل الثاني ، لحكومته عليه ومعنى ذلك هو الإجزاء ، فإنّ إطلاق الخطاب المتعلّق بالفعل الاضطراري يدلّ على

ــ[283]ــ

أنّه تمام الوظيفة ، فيدلّ على عدم إعادة العمل لو انكشف العذر في الأثناء . وهذا هو معنى إجزاء المأتي به حتّى لو ارتفع العذر وعادت للمكلّف القدرة على إتيان الفعل الاختياري .

الصورة الثانية : أن يكون دليل الأمر الاضطراري مطلقاً فقط ، دون دليل اعتبار الجزئية .

ولابدّ في هذه الصورة من الأخذ بدليل الأمر الاضطراري بالضرورة ومعناه هو الإجزاء .

الصورة الثالثة : أن يكون دليل اعتبار الجزئية أو الشرطية مطلقاً ، دون الأمر الاضطراري ، على العكس من الثانية .

وفي هذه الصورة لابدّ من الأخذ بدليل اعتبار الجزئية أو الشرطية بالضرورة دون الدليل الثاني ، ولازمه عدم الإجزاء ، لدلالة تلك الأدلّة على عدم سقوط الجزئية أو الشرطية بالإتيان بالعمل الاضطراري .

الصورة الرابعة : أن ينتفي الإطلاق من كلا الدليلين ، ولابدّ من الرجوع إلى الأصل العملي لا محالة .

وأمّا الأصل العملي : فقد ذهب صاحب الكفاية (قدّس سرّه)(1) إلى القول بالبراءة ، باعتبار أنّ المكلّف حينما كان متلبّساً بالعذر في نفس الوقت كان مخاطباً بالفعل الاضطراري قطعاً ، وقد أتى به ، وبعد ارتفاع عذره في الوقت نفسه يشكّ في توجّه خطاب بالفعل الاختياري إليه زائداً على ما جاء به من الفعل الاضطراري وهو شكّ في التكليف ، فيكون مورداً للبراءة بالنسبة إلى الإعادة في الوقت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 85 .

ــ[284]ــ

وقد أورد عليه بعض الأعاظم (قدّس سرّه)(1) بأنّ الأصل هنا الاشتغال لا البراءة ، لأنّه من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، باعتبار أنّا نعلم بأنّ الجامع بين الفعل الاضطراري والاختياري مشتمل على مقدار من المصلحة ـ ولذا جاز الإتيان بالفعل الاضطراري على الفرض ـ ونشكّ في أنّ الباقي من المصلحة الملزمة قائم بالجامع أيضاً ، لينتج الإجزاء ، ويكون الوجوب تخييرياً ، وقد امتثل الوجوب بأحد فرديه ، وهو الاضطراري ، فيكون مجزياً . أو أنّه قائم بخصوص الفرد الاختياري ، ليكون الوجوب تعيينياً ، فينتج عدم إجزاء ما أتى به ، ولابدّ من الإتيان بالفعل الاختياري . فهذا المقدار من المصلحة يكون مردّداً فيه بين كونه متقوّماً بالجامع ، أو بالخصوصية ، وهذا معنى دوران الأمر بين التعيين والتخيير .

وغير خفي أنّ ما قاله (قدّس سرّه) من أنّ الأمر في المقام دائر بين التعيين والتخيير صحيح ، إلاّ أنّ ما ذكره من أنّ الأصل هو الاشتغال غير تامّ ، وإلاّ لزم القول به في موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، مع أنّه لا يقول به .

وتوضيح المقام : أنّنا لا نلتزم في جميع موارد التعيين والتخيير بجريان أصل الاشتغال ، بل نلتزم بذلك في موردين فقط :

أحدهما : دوران الأمر بينهما في الحجّية ، كما إذا دلّ دليل على وجوب شيء والآخر على حرمته ، واحتمل الرجحان في حجّية أحدهما ، وكان أحد الدليلين مقطوع الحجّية بالإضافة إلى الآخر ، إمّا لأنّه هو الحجّة بخصوصه ، أو لأنّه أحد فردي التخيير ، فلا ريب من تقديم ما هو محتمل الرجحان ، فإنّ هذا مقطوع الحجّية والآخر محتملها ، والشكّ في الحجّية مساوق للقطع بعدمها .

ثانيهما : دوران الأمر بينهما في موارد التزاحم في مرحلة الامتثال بالإضافة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نهاية الأفكار 1 : 230 .

ــ[285]ــ

إلى حكمين إذا احتمل أهمية أحدهما ، فيكون الأخذ به متعيّناً ومؤمناً من العقوبة بخلاف الثاني .

وأمّا في غير هذين الموردين فنحكم بالبراءة ، لأنّ تعلّق الأمر بالجامع مقطوع به ، وتعلّقه بالخصوصية الزائدة مشكوك فيه ، ومقتضى ذلك هو إجراء البراءة بالنسبة إلى الخصوصية الزائدة ، وهذا كما في موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين .

وفي المقام نقول : الجامع بين الفعل الاختياري والاضطراري قد تعلّق الأمر به ، وتعلّق الأمر بخصوص الفعل الاختياري مشكوك فيه ، للشكّ في أنّ فيه ملاكاً ملزماً يخصّه ، وما دام الشكّ متعلّقاً بأصل التكليف فمقتضى القاعدة هو البراءة .

تنبيه : إنّ تعلّق الأمر الاضطراري بالفعل الناقص ، وجواز البدار إلى ذلك مع تمكّن المكلّف من إتيان الفعل الاختياري بعد ارتفاع عذره أثناء الوقت محتاج إلى دليل ، وقد قام الدليل بخصوصه على ذلك في موارد التقيّة ، وأنّ البدار جائز فيها ، كما قام الدليل بخصوصه في الطهارة الترابية في نظر جماعة منهم صاحب العروة (قدّس سرّه) حيث أفاد ذلك في المسألة الثالثة من أحكام التيمّم وجوّز البدار فيها فقال : الأقوى جواز التيمّم في سعة الوقت وإن احتمل ارتفاع العذر في آخره ، بل أو ظنّ به . إلى أن يقول (قدّس سرّه) في المسألة نفسها : فيجوز المبادرة مع العلم بالبقاء ويجب التأخير مع العلم بالارتفاع(1).

ولكن المختار في مسألة التيمّم عدم جواز البدار مع فرض ارتفاع العذر في آخر الوقت ، لأنّ المطلوب من المكلّف إتيان الصلاة مع طهارة مائية في ضمن الوقت المحدّد بين المبدأ والمنتهى ، وإذا كان متمكّناً من الإتيان بالطبيعة كاملة مع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العروة الوثقى 1 : 355 المسألة ] 1141 [ .

ــ[286]ــ

طهارة مائية أثناء الوقت ولو في وقت متأخّر ، لا يصدق في حقّه أنّه غير واجد للماء  ، ولا دليل بالخصوص في باب التيمّم كما ادّعاه السيد (قدّس سرّه) في العروة وقد أوضحناه في محلّه(1).

وأمّا الأدلّة العامّة فلا يمكن استفادة ذلك منها بالنسبة إلى كل نقيصة تحصل في العمل ، بحيث يكون فيها أمر اضطراري متعلّقاً بالباقي ، مع فرض تمكّن المكلّف من الإتيان بالعمل اختياراً في أثناء الوقت .

أمّا حديث رفع الاضطرار والإكراه(2) فالمستفاد منه رفع الحكم دون الإثبات ، بمعنى أنّ وجوب المركّب من الجزء الذي اضطرّ إلى تركه مرتفع ، أمّا الأجزاء الاُخر التي تمكّن المكلّف منها فالحديث لا يثبت التكليف فيها . مثلا : وجوب الصلاة مع الطهارة المائية في صورة الاضطرار مرفوع ، وأمّا لزوم الإتيان بالصلاة مع الطهارة الترابية فهو محتاج إلى الدليل . وكذا حديث النسيان .

على أنّ الاضطرار أو النسيان إنّما تعلّق بحصّة من المأمور به ، وتلك الحصّة لا أمر بها بخصوصها ، وأمّا الطبيعي الجامع بين الأفراد فلم يتعلّق به النسيان أو الاضطرار ، فلا وجه لسقوط وجوبه .

وأمّا قاعدة الميسور ، فمع قطع النظر عن الخدشة في سند ما دلّ على هذه القاعدة ودلالته ـ كما أوضحناها في محلّها(3)ـ فهي أجنبية عن المورد ، لأنّ الشخص الذي يكون متمكّناً من إتيان الطبيعة كاملة أثناء الوقت بعد ارتفاع عذره لا يصدق في حقّه أنّه معسور عليه إتيان الطبيعة بفرد كامل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة الوثقى 10 : 325 .

(2) الوسائل 15 : 369 / أبواب جهاد النفس ب56 ح1 .

(3) راجع مصباح الاُصول 2 (موسوعة الإمام الخوئي 47) : 552 وما بعدها .

ــ[287]ــ

وبعبارة اُخرى : المأمور به إتيان الطبيعة ضمن الوقت المحدّد ، وتمكّن المكلّف من الإتيان بفرد كامل يوجب عدم صدق المعسور في حقّ ذلك الشخص ليكون هذا الناقص ميسوره .

والحاصل : أنّ الأدلّة العامّة لا تثبت تعلّق الأمر الاضطراري بالعمل الناقص مع التمكّن من إتيانه كاملا أثناء الوقت بعد ارتفاع عذره ، وأمّا الأدلّة الخاصّة فهي لم تقم إلاّ في موارد التقية(1).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع شرح العروة الوثقى 5 : 267 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net