تعارض احاديث الجمع مع الكتاب - مخالفة احاديث الجمع مع حكم العقل 

الكتاب : البيان في تفسـير القرآن - خطبـة الكتاب   ||   القسم : التفسير   ||   القرّاء : 4901

3 ـ تعارض أحاديث الجمع مع الكتاب:
إن هذه الروايات معارضة بالكتاب، فإن كثيرا من آيات الكتاب الكريمة دالة

ــ[251]ــ

على أن سور القرآن كانت متميزة في الخارج بعضها عن بعض، وان السور كانت منتشرة بين الناس، حتى المشركين وأهل الكتاب، فان النبي (صلى الله عليه وآله) قد تحدى الكفار والمشركين على الإتيان بمثل القران، وبعشر سور مثله مفتريات، وبسورة من مثله، ومعنى هذا: أن سور القرآن كانت في متناول أيديهم.
وقد أطلق لفظ الكتاب على القرآن في كثير من آياته الكريمة، وفي قول النبي (صلى الله عليه وآله): "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي" وفي هذا دلالة على أنه كان مكتوبا مجموعا، لأنه لا يصح إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور، بل ولا على ما كتب في اللخاف، والعسب، والاكتاف، إلا على نحو المجاز والعناية، والمجاز لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة، فإن لفظ الكتاب ظاهر فيما كان له وجود واحد جمعي، ولا يطلق على المكتوب إذا كان مجزءا غير مجتمع، فضلا عما إذا لم يكتب، وكان محفوظاً في الصدور فقط.
4 ـ مخالفة أحاديث الجمع مع حكم العقل!
إن هذه الروايات مخالفة لحكم العقل، فإن عظمة القرآن في نفسه، واهتمام النبي (صلى الله عليه وآله) بحفظه وقراءته، واهتمام المسلمين بما يهتم به النبي (صلى الله عليه وآله) وما يستوجبه ذلك من الثواب، كل ذلك ينافي جمع القرآن على النحو المذكور في تلك الروايات، فإن في القرآن جهات عديدة كل واحدة منها تكفي لأن يكون القرآن موضعا لعناية المسلمين، وسببا لاشتهاره حتى بين الأطفال والنساء منهم، فضلا عن الرجال. وهذه الجهات هي:
1 ـ بلاغة القرآن: فقد كانت العرب تهتم بحفظ الكلام البليغ، ولذلك فهم يحفظون أشعار الجاهلية وخطبها، فكيف بالقرآن الذي تحدى ببلاغته كل بليغ،

ــ[252]ــ

وأخرس بفصاحته كل خطيب لسن، وقد كانت العرب بأجمعهم متوجهين إليه، سواء في ذلك مؤمنهم وكافرهم، فالمؤمن يحفظه لإيمانه، والكافر يتحفظ به لأنه يتمنى معارضته، وإبطال حجته.
2 ـ إظهار النبي (صلى الله عليه وآله) رغبته بحفظ القرآن، والاحتفاظ به: وكانت السيطرة والسلطة له خاصة، والعادة تقضي بأن الزعيم إذا أظهر رغبته بحفظ كتاب أو بقراءته فإن ذلك الكتاب يكون رائجا بين جميع الرعية، الذين يطلبون رضاه لدين أو دنيا.
3 ـ إن حفظ القرآن سبب لارتفاع شأن الحافظ بين الناس، وتعظيمه عندهم: فقد علم كل مطلع على التاريخ ما للقراء والحفاظ من المنزلة الكبيرة، والمقام الرفيع بين الناس، وهذا أقوى سبب لاهتمام الناس بحفظ القرآن جملة، أو بحفظ القدر الميسور منه.
4 ـ الأجر والثواب الذي يستحقه القارئ والحافظ بقراءة القرآن وحفظه: هذه أهم العوامل التي تبعث على حفظ القرآن والاحتفاظ به، وقد كان المسلمون يهتمون بشأن القرآن، ويحتفظون به أكثر من اهتمامهم بأنفسهم، وبما يهمهم من مال وأولاد. وقد ورد أن بعض النساء جمعت جميع القرآن.
أخرج ابن سعد في الطبقات: "أنبأنا الفضل بن دكين، حدثنا الوليد بن عبدالله بن جميع، قال: حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبدالله بن الحارث، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يزورها، ويسميها الشهيدة وكانت قد جمعت القرآن، ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين غزا بدرا، قالت له: أتأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وامرض مرضاكم لعل الله يهدي لي شهادة؟ قال: إن الله مهد لك شهادة…"(1).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاتقان: 1 / 125، النوع 20.

ــ[253]ــ

وإذا كان هذا حال النساء في جمع القرآن فكيف يكون حال الرجال؟ وقد عد من حفاظ القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) جم غفير. قال القرطبي: "قد قتل يوم اليمامة سبعون من القراء، وقتل في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ببئر معونة مثل هذا العدد"(1).
وقد تقدم في الرواية "العاشرة" أنه قتل من القراء يوم اليمامة أربعمائة رجل على أن شدة اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله) بالقرآن، وقد كان له كتاب عديدون، ولا سيما أن القرآن نزل نجوما في مدة ثلاث وعشرين سنة، كل هذا يورث لنا القطع بأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان قد أمر بكتابة القرآن على عهده.
روى زيد بن ثابت، قال: "كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) نؤلف القرآن من الرقاع". قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وفيه الدليل الواضح: أن القرآن إنما جمع على عهد رسول الله (2).
وأما حفظ بعض سور القرآن أو بعض السورة فقد كان منتشرا جدا، وشذ أن يخلو من ذلك رجل أو امرأة من المسلمين. روى عبادة بن الصامت قال:
"كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشغل، فإذا قدم رجل مهاجر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن"(3).
وروى كليب، قال:
"كنت مع علي (عليه السلام) فسمع ضجتهم في المسجد يقرؤون القران، فقال: طوبى لهؤلاء..."(4).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاتقان: 1 / 122، النوع 20، وقال القرطبي في تفسيره: 1 / 59: وقتل منهم "القراء" في ذلك اليوم "يوم اليمامة" فيما قيل سبعمائة.
(2) سنن الترمذي: كتاب المناقب، رقم الحديث: 3889. ومسند احمد: مسند الانصار، رقم الحديث: 20622.
(3) مسند احمد: 5 / 325، كتاب باقي مسند الانصار، رقم الحديث: 21703.
(4) كنز العمال: 2 / 185، الطبعة الثانية. فضائل القرآن.

ــ[254]ــ

وعن عبادة بن الصامت أيضا:
"كان الرجل إذا هاجر دفعه النبي (صلى الله عليه وآله) إلى رجل منا يعلمه القرآن، وكان يسمع لمسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضجة بتلاوة القرآن، حتى أمرهم رسول الله أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا"(1).
نعم إن حفظ القرآن ولو ببعضه كان رائجا بين الرجال والنساء من المسلمين، حتى أن المسلمة قد تجعل مهرها تعليم سورة من القرآن أو أكثر(2) ومع هذا الاهتمام كله كيف يمكن أن يقال: إن جمع القرآن قد تأخر إلى زمان خلافة أبي بكر، وإن أبابكر احتاج في جمع القرآن إلى شاهدين يشهدان أنهما سمعا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مناهل العرفان. ص 324.
(2) رواه الشيخان، وأبو داود والترمذي والنسائي. التاج: 2 / 332.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net