اختصاص فهم القرآن - النهي عن التفسير بالرأي 

الكتاب : البيان في تفسـير القرآن - خطبـة الكتاب   ||   القسم : التفسير   ||   القرّاء : 7115

1 ـ اختصاص فهم القرآن:
إن فهم القرآن مختص بمن خوطب به، وقد استندوا في هذه الدعوى إلى عدة روايات واردة في هذا الموضوع، كمرسلة شعيب بن أنس، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال لأبي حنيفة:
"أنت فقيه أهل العراق؟ قال: نعم. قال(عليه السلام): فبأي شيء تفتيهم؟ قال: بكتاب الله وسنة نبيه. قال (عليه السلام): يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته، وتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: نعم. قال(عليه السلام): يا أبا حنيفة لقد ادعيت علما – ويلك – ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ما هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا (صلى الله عليه وآله) وما ورثك الله تعالى من كتابه حرفاً"(2).
ــــــــــــ
(2) الوسائل: 27 / 47، باب 6، الحديث: 33177.

ــ[266]ــ

وفي رواية زيد الشحام، قال:
"دخل قتادة على أبي جعفر (عليه السلام) فقال له:أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون. فقال (عليه السلام): بلغني أنك تفسر القرآن. قال: نعم (إلى أن قال) يا قتادة إن كنت قد فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت قد فسرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت، يا قتادة – ويحك - إنما يعرف القرآن من خوطب به"(1).
والجواب:
إن المراد من هذه الروايات وأمثالها أن فهم القرآن حق فهمه، ومعرفة ظاهره وباطنه، وناسخه ومنسوخه مختص بمن خوطب به. والرواية الأولى صريحة في ذلك، فقد كان السؤال فيها عن معرفة كتاب الله حق معرفته، وتمييز الناسخ من المنسوخ، وكان توبيخ الإمام (عليه السلام) لأبي حنيفة على دعوى معرفة ذلك.
وأما الرواية الثانية فقد تضمنت لفظ التفسير، وهو بمعنى كشف القناع، فلا يشمل الأخذ بظاهر اللفظ، لأنه غير مستور ليكشف عنه القناع، ويدل على ذلك أيضا ما تقدم من الروايات الصريحة في أن فهم الكتاب لا يختص بالمعصومين (عليهم السلام).
ويدل على ذلك أيضا قوله (عليه السلام) في المرسلة: "وما ورثك الله من كتابه حرفا"(2) فإن معنى ذلك أن الله قد خص أوصياء نبيه (صلى الله عليه وآله) بإرث الكتاب، وهو معنى قوله تعالى:
{ثم أورثنا الكتاب الذين أصطفينا من عبادنا} (35: 32).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل: 27 / 185، باب 13، الحديث: 33556.
(2) الوسائل: 27 / 48، باب 6، الحديث: 33177.

ــ[267]ــ

فهم المخصوصون بعلم القرآن على واقعه وحقيقته، وليس لغيرهم في ذلك نصيب. هذا هو معنى المرسلة وإلا فكيف يعقل أن أبا حنيفة لا يعرف شيئا من كتاب الله شيء مثل قوله تعالى:
{قل هو الله أحد} (111: 1).
وأمثال هذه الآية مما يكون صريحا في معناه، والأخبار الدالة على الاختصاص المتقدم كثيرة جدا، وقد تقدم بعضها.
2 ـ النهي عن التفسير بالرأي:
إن الأخذ بظاهر اللفظ من التفسير بالرأي، وقد نهى عنه في روايات متواترة بين الفريقين.
والجواب:
إن التفسير هو كشف القناع كما قلنا، فلا يكون منه حمل اللفظ على ظاهره، لأنه ليس بمستور حتى يكشف، ولو فرضنا أنه تفسير فليس تفسيرا بالرأي، لتشمله الروايات الناهية المتواترة، وإنما هو تفسير بما يفهمه العرف من اللفظ، فإن الذي يترجم خطبة من خطب نهج البلاغة - مثلا - بحسب ما يفهمه العرف من ألفاظها، وبحسب ما تدل القرائن المتصلة والمنفصلة، لا يعد عمله هذا من التفسير بالرأي.
وقد أشار إلى ذلك الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: "إنما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم يقفوا على معناه، ولم يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بارائهم، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء فيعرفونهم" (1).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل: 27 / 201، باب 13، الحديث: 33593.

ــ[268]ــ

ويحتمل أن معنى التفسير بالرأي الاستقلال في الفتوى من غير مراجعة الأئمة (عليهم السلام)، مع أنهم قرناء الكتاب في وجوب التمسك، ولزوم الانتهاء إليهم، فإذا عمل الإنسان بالعموم أو الإطلاق الوارد في الكتاب، ولم يأخذ التخصيص أو التقييد الوارد عن الأئمة (عليهم السلام) كان هذا من التفسير بالرأي.
وعلى الجملة حمل اللفظ على ظاهره بعد الفحص عن القرائن المتصلة والمنفصلة من الكتاب والسنة، أو الدليل العقلي لا يعد من التفسير بالرأي بل ولا من التفسير نفسه، وقد تقدم بيانه، على أن الروايات المتقدمة دلت على الرجوع إلى الكتاب، والعمل بما فيه. ومن البين أن المراد من ذلك الرجوع إلى ظواهره، وحينئذ فلابد وأن يراد من التفسير بالرأي غير العمل بالظواهر جمعا بين الأدلة.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net