حكمة تشريع صدقة النجوى - تعصب مكشوف - تعقيب 

الكتاب : البيان في تفسـير القرآن - خطبـة الكتاب   ||   القسم : التفسير   ||   القرّاء : 4177

حكمة تشريع صدقة النجوى:
وفي نسخ هذا الحكم بعد وضعه ظهرت حكمة التشريع، وانكشفت منة الله على عباده وبان عدم اهتمام المسلمين بمناجاة النبي الأكرم، وعرف مقام أميرالمؤمنين (عليه السلام) من بينهم. وهذا الذي ذكرناه يقتضيه ظاهر الكتاب، وتدل عليه أكثر الروايات. وأما إذا كان الأمر بتقديم الصدقة بين يدي النجوى أمرا صوريا امتحانيا - كأمر إبراهيم بذبح ولده - فالآية الثانية لا تكون ناسخة للآية الأولى نسخا اصطلاحيا، بل يصدق على رفع ذلك الحكم الامتحاني: النسخ بالمعنى اللغوي:
ونقل الرازي عن أبي مسلم: أنه جزم بكون الأمر امتحانيا، لتمييز من آمن إيمانا

ــ[377]ــ

حقيقيا عمن بقي على نفاقه فلا نسخ. وقال الرازي: "وهذا الكلام حسن ما به بأس" (1).
وقال الشيخ شرف الدين: إن محمد بن العباس ذكر في تفسيره سبعين حديثا من طريق الخاصة والعامة تتضمن أن المناجي للرسول هو أمير المؤمنين (عليه السلام) دون الناس أجمعين... ونقلت من مؤلف شيخنا أبي جعفر الطوسي هذا الحديث ذكره أنه في جامع الترمذي، وتفسير الثعلبي باسناده عن علقمة الأنماوي يرفعه إلى علي (عليه السلام) أنه قال:
"بي خفف الله عن هذه الأمة لأن الله امتحن الصحابة، فتقاعسوا عن مناجاة الرسول، وكان قد احتجب في منزله من مناجاة كل أحد إلا من تصدق بصدقة، وكان معي دينار، فتصدقت به، فكنت أنا سبب التوبة من الله على المسلمين حين عملت بالآية، ولو لم يعمل بها أحد لنزل العذاب، لامتناع الكل من العمل بها"(2).
أقول: إن هذه الرواية لا وجود لها في النسخة المطبوعة من جامع الترمذي ولم أظفر بشيء من نسخه القديمة المخطوطة، ولم أظفر أيضا بتفسير الثعلبي الذي نقل عنه في جملة من المؤلفات، ولا أعلم بوجوده في مكان. وكيف كان فلا ريب في أن الحكم المذكور لم يبق إلا زمنا يسيرا ثم ارتفع، ولم يعمل به أحد غير أميرالمؤمنين (عليه السلام) وبذلك ظهر فضله، سواء أكان الأمر حقيقيا أم كان امتحانيا.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير الرازي: 8 / 167 طبع المطبعة العامرة.
(2) بحار الأنوار: 35 / 381، باب 18، رقم الحديث: 8 و41 / 26، باب 102، الحديث: 1. وتفسير البرهان 2/ 1100.

ــ[378]ــ

تعصب مكشوف:
اعتذر الرازي عن ترك شيوخ الصحابة العمل بالآية المباركة، إذا كانوا قد وجدوا الوقت لذلك ولم يفعلوا، فقال ما نصه:
"وذلك الاقدام على هذا العمل مما يضيق قلب الفقير، فإنه لا يقدر على مثله فيضيق قلبه، ويوحش قلب الغني، فانه لما لم يفعل الغني ذلك وفعله غيره صار ذلك الفعل سببا للطعن في من لم يفعل، فهذا الفعل لما كان سببا لحزن الفقراء ووحشة الأغنياء لم يكن في تركه كبير مضرة، لأن الذي يكون سببا للالفة أولى مما يكون سببا للوحشة، وأيضا فهذه المناجاة ليست من الواجبات، ولا من الطاعات المندوبة، بل قد بينا أنهم إنما كانوا كلفوا بهذه الصدقة ليتركوا هذه المناجاة، لوما كان الأولى بهذه المناجاة أن تكون متروكة لم يكن تركها سببا للطعن"(1).
تعقيب:
أقول: هذا عذره، وأنت تجد أنه تشكيك لا ينبغي صدوره ممن له أدنى معرفة بمعاني الكلم، هب ان في هذا المقام لم ترد فيه رواية أصلا، أفلا يظهر من قوله تعالى: {ءأشفقتم...} أنه عتاب على ترك المناجاة خوفا من الفقر أو حرصا على المال؟ وأن الله تعالى قد تاب عليهم عن هذا التقصير، إلا أن التعصب داء عضال، ومن الغريب أنه ذكر هذا، وقد اعترف قبيل ذلك بأن من فوائد هذا التكليف أن يتميز به محب الآخرة من محب الدنيا، فان المال محك الدواعي!!.
وأما ان الفعل المذكور يكون سببا لحزن الفقراء، ووحشة الأغنياء فيكون تركه الموجب للالفة أولى، أما هذا الذي ذكره فلو صح لكان ترك جميع الواجبات المالية
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير الرازي: 8 / 167.

ــ[379]ــ

أولى من فعلها، ولكان أمره تعالى بالفعل أمرا بما يحكم العقل بأولوية تركه، وليس ببعيد أن يلتزم الرازي بهذا، وبما هو أدهى منه لينكر فضيلة من فضائل علي (عليه السلام).
ومن المناسب ـ هنا ـ أن أنقل كلاما لنظام الدين النيسابوري، قال ما نصه: قال القاضي:
"هذا - تصدق علي بين يدي النجوى - لا يدل على فضله على أكابر الصحابة، لأن الوقت لعله لم يتسع للعمل بهذا الفرض، وقد قال فخر الدين الرازي: سلمنا أن الوقت قد وسع إلا أن الإقدام على هذا العمل مما يضيق قلب الفقير الذي لا يجد شيئا، وينفر الرجل الغني، ولم يكن في تركه مضرة، لأن الذي يكون سببا للالفة أولى مما يكون سببا للوحشة، وأيضا الصدقة عند المناجاة واجبة، أما المناجاة فليست بواجبة ولا مندوبة، بل الأولى ترك المناجاة، لما بينا من أنها كانت سببا لسآمة النبي (صلى الله عليه وآله).
قلت: هذا الكلام لا يخلو عن تعصب ما، ومن أين يلزمنا أن نثبت مفضولية علي (رضي الله عنه) في كل خصلة؟ ولم لا يجوز أن يحصل له فضيلة لم توجد لغيره من أكابر الصحابة؟!.
فقد روي عن ابن عمر:
كان لعلي (رضي الله عنه) ثلاث لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم: تزويجه فاطمة (رضي الله عنها)، وإعطاوه الراية يوم خيبر، وآية النجوى، وهل يقول منصف: إن مناجاة النبي (صلى الله عليه وآله) نقيصة، على أنه لم يرد في الآية نهي عن المناجاة، وإنما ورد تقديم الصدقة على المناجاة فمن عمل بالآية حصل له الفضيلة من جهتين: سد خلة بعض الفقراء، ومن جهة محبة نجوى الرسول (صلى الله عليه وآله) ففيها القرب

ــ[380]ــ

منه، وحل المسائل العويصة، وإظهار أن نجواه أحب إلى المناجي من المال(1).

*****

36 ـ {ما افاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي آلقربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}(59: 8).
فقد نقل عن قتادة أنها منسوخة، وأنه قال: الفيء والغنيمة واحد وكان في بدو الإسلام تقسيم الغنيمة على هذه الأصناف، ولا يكون لمن قاتل عليها شيء إلا أن يكون من هذه الأصناف. ثم نسخ الله ذلك في سورة الأنفال فجعل لهؤلاء الخمس، وجعل الأربعة الأخماس لمن حارب قال الله تعالى(2).
{واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه}(8 : 41).
وقد رفض المحققون هذا القول، وقالوا: إن ما يغنمه المسلمون في الحرب يغاير موضوعا ما أفاء الله على رسوله بغير قتال، فلا تنافي بين الآيتين لتنسخ إحداهما الأخرى.
أقول: إن ما ذكره المحققون بين لا ينبغي الجدال فيه، ويؤكده أنه لم ينقل من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) أن يخص بالغنائم نفسه وقرابته دون المجاهدين. ومما يبطل النسخ ما قيل من أن سورة الأنفال نزلت قبل نزول سورة الحشر(3) ولا أدنى من الشك في ذلك، ومما لا ريب فيه أن الناسخ لا بد من تأخره عن المنسوخ.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري: 28 / 24.
(2) الناسخ والمنسوخ للنحاس: ص 231.
(3) تفسير القرطبي: 18 / 14.

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net