موقع البداء عند الشيعة - اقسام القضاء الالهي 

الكتاب : البيان في تفسـير القرآن - خطبـة الكتاب   ||   القسم : التفسير   ||   القرّاء : 11192


ــ[385]ــ

موقع البداء عند الشيعة:
ثم إن البداء الذي تقول به الشيعة الإمامية إنما يقع في القضاء غير المحتوم، أما المحتوم منه فلا يتخلف، ولا بد من أن تتعلق المشيئة بما تعلق به القضاء، وتوضيح ذلك أن القضاء على ثلاثة أقسام:
أقسام القضاء الالهي:
الأول: قضاء الله الذي لم يطلع عليه أحدا من خلقه، والعلم المخزون الذي استأثر به لنفسه، ولا ريب في أن البداء لا يقع في هذا القسم، بل ورد في روايات كثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام) أن البداء إنما ينشأ من هذا العلم.
روى الشيخ الصدوق في "العيون" بإسناده، عن الحسن بن محمد النوفلي أن الرضا (عليه السلام) قال لسليمان المروزي:
"رويت عن أبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال: إن لله عز وجل علمين علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء، وعلما علمه ملائكته ورسله، فالعلماء من أهل بيت نبيك يعلمونه..."(1).
وروى الشيخ محمد بن الحسن الصفار في "بصائر الدرجات" بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:
"إن لله علمين: علم مكنون محزون لا يعلمه إلا هو، من ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عيون أخبار الرضا: 2 / 159، باب 13 في ذكر مجلس الرضا مع سليمان المروزي، راجع البحار: 954، با ب 3، الحديث: 2.

ــ[386]ــ

يكون البداء وعلم علمه ملائكته ورسله وأنبياءه، ونحن نعلمه"(1).
الثاني: قضاء الله الذي أخبر نبيه وملائكته بأنه سيقع حتما، ولا ريب في أن هذا القسم أيضا لا يقع فيه البداء، وإن افترق عن القسم الأول، بأن البداء لا ينشأ منه.
قال الرضا (عليه السلام) لسليمان المروزي - في الرواية المتقدمة عن الصدوق -:
"إن عليا (عليه السلام) كان يقول: العلم علمان، فعلم علمه الله ملائكته ورسله، فما علمه ملائكته ورسله فانه يكون، ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله وعلم عنده محزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه يقدم منه ما يشاء، ويؤخر ما يشاء، ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء"(2).
وروى العياشي عن الفضيل، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: "من الأمور أمور محتومة جائية لا محالة، ومن الأمور أمور موقوفة عند الله يقدم منها ما يشاء، ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، لم يطلع على ذلك أحدا ـ يعني الموقوفة ـ فأما ما جاءت به الرسل فهي كائنة لا يكذب نفسه، ولا نبيه، ولا ملائكته"(3).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بصائر الدرجات: 2 / 109، باب 21 الحديث: 2، ورواه الشيخ الكليني عن أبي بصير أيضا، راجع الكافي: 1 / 147، الحديث: 8. وبحار الأنوار: 4 / 109، باب 3، رقم الحديث: 27.
(2) عيون أخبار الرضا: باب 13 ورواه الشيخ الكليني عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام)، الكافي: 1 / 147، رقم الحديث:6.
(3) راجع الكافي: 1 / 147، الحديث: 7.

ــ[387]ــ

الثالث: قضاء الله الذي أخبر نبيه وملائكته بوقوعه في الخارج إلا أنه موقوف على أن لا تتعلق مشيئة الله بخلافه. وهذا القسم هو الذي يقع فيه البداء:
{يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب 13: 39. لله الأمر من قبل ومن بعد}(29: 4).
وقد دلت على ذلك روايات كثيرة منها هذه:
1 ـ ما في "تفسير علي بن إبراهيم" عن عبدالله بن مسكان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:
"إذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة إلى سماء الدنيا، فيكتبون ما يكون من قضاء الله تعالى في تلك السنة، فإذا أراد الله أن يقدم شيئا أو يؤخره، أو ينقص شيئا أمر الملك أن يمحو ما يشاء، ثم أثبت الذي أراده. قلت: وكل شيء هو عند الله مثبت في كتاب؟ قال: نعم. قلت: فأي شيء يكون بعده؟ قال: سبحان الله، ثم يحدث الله أيضا ما يشاء تبارك وتعالى"(1).
2 ـ ما في تفسيره أيضا، عن عبدالله بن مسكان، عن أبي جعفر وأبي عبدالله وأبي الحسن (عليهم السلام) في تفسير قوله تعالى:
{فيها يفرق كل أمر حكيم}(44: 4).
"أي يقدر الله كل أمر من الحق ومن الباطل، وما يكون في تلك السنة، وله فيه البداء والمشيئة. يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نقلا عن البحار: راجع البحار: 4 / 99، باب 3، رقم الحديث: 9، و97 / 12، باب 53، الحديث: 18.

ــ[388]ــ

الآجال والأرزاق والبلايا والأعراض والأمراض، ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء.." (1).
3 ـ ما في كتاب "الاحتجاج" عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أن قال:
"لولا آية في كتاب الله، لأخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية: يمحو الله..."(2).
وروى الصدوق في الأمالي والتوحيد بإسناده عن الأصبغ عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) مثله.
4 ـ ما في "تفسير العياشي" عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
"كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: لولا آية في كتاب الله لحدثتكم بما يكون إلى يوم القيامة. فقلت: أية آية؟ قال: قول الله: يمحو الله..." (3).
5 ـ ما في "قرب الإسناد" عن البزنطي عن الرضا (عليه السلام) قال:
قال أبوعبدالله، وأبو جعفر، وعلي بن الحسين، والحسين بن علي، والحسن بن علي، وعلي بن أبي طالب(عليهم السلام): "لولا آية في كتاب الله لحدثناكم بما يكون إلى أن تقوم الساعة: يمحو الله..."(4).
إلى غير ذلك من الروايات الدالة على وقوع البداء في القضاء الموقوف.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نفس المصدر ص 134.
(2) الاحتجاج للطبرسى: ص 137 المطبعة المرتضوية ـ النجف الأشرف.
(3) تفسير العياشي: 2/ 215 الحديث: 59. راجع بحار الأنوار: 4 / 118، باب 3، رقم الحديث 52.
(4) قرب الاسناد: ص 353، رقم الحديث: 1266. نفس المصدر ص 97، باب 3، الحديث: 5.

ــ[389]ــ

وخلاصة القول: ان القضاء الحتمي المعبر عنه باللوح المحفوظ، وبأم الكتاب، والعلم المخزون عند الله يستحيل أن يقع فيه البداء. وكيف يتصور فيه البداء؟ وأن الله سبحانه عالم بجميع الأشياء منذ الأزل، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
روى الصدوق في "إكمال الدين" بإسناده، عن أبي بصير وسماعة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:
"من زعم أن الله عز وجل يبدو له في شيء اليوم لم يعلمه أمس فابرؤوا منه"(1).
وروى العياشي، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول:
"إن الله يقدم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء، ويمحو ما يشاء، ويثبت ما يشاء وعنده أم الكتاب، وقال: فكل أمر يريده الله فهو في علمه قبل أن يصنعه، وليس شيء يبدو له إلا وقد كان في علمه، إن الله لا يبدو له من جهل"(2).
وروى أيضا عن عمار بن موسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام):
"سئل عن قول الله: يمحو الله... قال: إن ذلك الكتاب كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت، فمن ذلك الذي يرد الدعاء القضاء، وذلك الدعاء مكتوب عليه الذي يرد به القضاء، حتى إذا صار إلى أم الكتاب لم يغن الدعاء فيه شيئا"(3).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إكمال الدين: ص 70.
(2) تفسير العياشي: 2 / 218، الحديث: 71.
(3) نفس المصدر: 2 / 220، الحديث 74.

ــ[390]ــ

وروى الشيخ الطوسي في "كتاب الغيبة" بإسناده عن البزنطي، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال علي بن الحسين، وعلي بن أبي طالب قبله، ومحمد بن علي وجعفر بن محمد (عليهم السلام):
"كيف لنا بالحديث مع هذه الآية {يمحو الله...} فأما من قال بأن الله تعالى لا يعلم الشيء إلا بعد كونه فقد كفر وخرج عن التوحيد"(1).
والروايات المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام) أن الله لم يزل عالما قبل أن يخلق الخلق(2)، فهي فوق حد الإحصاء، وقد اتفقت على ذلك كلمة الشيعة الإمامية طبقا لكتاب الله وسنة رسوله، جريا على ما يقتضيه حكم العقل الفطري الصحيح.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب الغيبة: ص 430، الحديث: 240. وروى الشيخ الكليني بإسناده عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: "ما بدا لله في شيء إلا كان في علمه قبل أن يبدو له" الكافي: 1 / 148، الحديث: 9.
(2) الكافي: 1 / 108، الحديث: 6 و 1 / 148، الحديث: 11. و...




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net