2 ـ الأرض \ مطهِّريّة الأرض 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7077


   الثاني من المطهِّرات : الأرض وهي تطهر باطن القدم والنعل بالمشي عليها (2)

 ــــــــــــــــــــ
    مطهِّريّة الأرض

   (2) قد اتفقوا على أن الأرض تطهر باطن القدم والنعل والخف وغيرها مما يتعارف المشي به كالقبقاب بعد زوال العين عنه ، بل ادعوا على ذلك الاجماع في كلماتهم . والمسألة مما لا خلاف فيه عدا ما ربما يحكى عن الشيخ (قدس سره) في الخلاف من قوله : إذا أصاب أسفل الخف نجاسة فدلكه في الأرض حتى زالت تجوز الصلاة فيه عندنا ، إلى أن قال : دليلنا : أ نّا بيّنا فيما تقدم أن ما لا تتم الصلاة فيه بانفراده جازت الصلاة وإن كانت فيه نجاسة والخف لا تتم الصلاة فيه بانفراده ... (2) فانّ الظاهر من هذا الكلام أن الخف إذا أصابته النجاسة لا ترتفع نجاسته بالدلك على الأرض ، نعم يعفى عن نجاسته لأنه مما لا تتم فيه الصلاة .

   وعن المحقق البهبهاني أن استدلال الشيخ (قدس سره) بذلك غفلة منه . وما ذكره (قدس سره) هو الوجيه ولا مناص من حمل الاستدلال المذكور على الاشتباه ، وذلك لأن تجويزه الصلاة في الخف في مفروض الكلام لو كان مستنداً إلى كون الخف مما لا  تتم فيه الصلاة ، لأصبحت القيود المأخوذة في كلامه المتقدِّم نقله لغواً ظاهراً ، حيث إنّ صحّة الصلاة فيما لا تتم فيه غير مقيدة بوصول النجاسة إلى أسفله ولا بزوال النجاسة عنه ، ولا على إزالتها بدلكه بالأرض ، ضرورة أن النجاسة فيما لا تتم الصلاة فيه لا تكون مانعة عن صحتها سواء أصابت أسفله أم أعلاه وسواء زالت عنه العين أم

ـــــــــــــ

(2) الخلاف 1 : 217 المسألة 185 .

ــ[99]ــ

لم تزل ، كما في القلنسوة إذا أصابها البول ووضعها المكلف على رأسه فصلى مع بقاء العين فيها ، كما ورد في رواية زرارة (1) وإن لم يكن فيها تصريح ببقاء العين حال الصلاة ، وأيضاً سواء دلكه بالأرض أم لم يدلكه . وحيث إن تقييد موضوع الحكم بما لا يترتّب عليه أيّ أثر لغو ظاهر وبعيد الصدور من مثل الشيخ (قدس سره) ، فلا محالة يكون أخذها في كلامه قرينة ظاهرة على أن تجويزه الصلاة في الخف المتنجِّس مستند إلى طهارة أسفل الخف بالمشي به أو بدلكه على الأرض . فالاستدلال المتقدم محمول على الاشتباه ، ولا نرى مانعاً من صدور الاشتباه منه (قدس سره) لعدم عصمته عن الخطأ حيث إن العصمة لأهلها .

   فالمتلخص : أن مطهرية الأرض لباطن النعل والقدم والخف وغيرها ممّا يتعارف التنعل به مما لا ينبغي الخلاف فيه .

   وتدل على ذلك النصوص الواردة في المقام ، وجملة منها وإن كانت ظاهرة في إرادة الرجل والقدم أعني نفس العضو والبشرة فلا تعم ما قد يقترن بها من خف أو نعل أو غيرهما ـ  لعدم كونها نفس العضو والبشرة ولو تجوزاً بعلاقة المجاورة  ـ ومعه لا تكون الأرض مطهرة لغير العضو ممّا يتنعل به عادة ، إلاّ أنه لا بدّ من التعدي عن البشرة إلى كل ما يتعارف المشي به على الأرض لما ستقف عليه من الوجوه . وتوضيح الكلام في المقام يتوقف على نقل الأخبار الواردة في المسألة .

   منها : صحيحة زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : رجل وطئ على عذرة فساخت رجله فيها ، أينقض ذلك وضوءه ؟ وهل يجب عليه غسلها ؟ فقال : لا  يغسلها إلاّ أن يقذرها ، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلِّي»(2) وهي تامة الدلالة والسند إلاّ أنها مختصة بالرجل الظاهرة في إرادة نفس البشرة .

   ومنها : ما عن معلى بن خنيس قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخنزير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) إن قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثم صليت فقال : لا بأس» الوسائل 3 : 456 / أبواب النجاسات ب 31 ح 3 .

(2) الوسائل 3 : 458 / أبواب النجاسات ب 32 ح 7 .

ــ[100]ــ

يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء ، أمرّ عليه حافياً ؟ فقال : أليس وراءه شيء جاف ؟ قلت : بلى ، قال : فلا بأس إن الأرض يطهّر بعضها بعضاً»(1) وهي كسابقتها من حيث الدلالة واختصاصها بالبشرة .

   ومنها : رواية حفص بن أبي عيسى قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) إن وطئت على عذرة بخفي ومسحته حتى لم أر فيه شيئاً ما تقول في الصلاة فيه ؟ فقال : لا  بأس»(2) وهي واردة في الخف .

   ولكن قد يقال : إن نفي البأس عن الصلاة في الخف بعد مسحه وازالة العين عنه لعلّه مستند إلى أن الخف مما لا تتم فيه الصلاة فلا يتيسر مع هذا الاحتمال أن يستدل بها على طهارة الخف بالمسح .

   ويدفعه : أن الظاهر المستفاد من السؤال والجواب الواردين في الرواية أنهما راجعان إلى طهارة الخف ونجاسته ، ولا ظهور للرواية في السؤال عن كون الخف مما لا تتم فيه الصلاة ليكون الجواب ناظراً إليه .

   على أن الإمام (عليه السلام) قرّر السائل على ما ارتكز في ذهنه من عدم جواز الصلاة في الخف على تقدير عدم إزالة العين عنه ، ولا خفاء في أن صحة الصلاة فيه لو كانت مستندة إلى كونه مما لا تتم فيه الصلاة ، لم يفرق في ذلك بين صورتي وجود العين وإزالتها على ما تقدمت الاشارة إليه سابقاً . وهذه قرينة واضحة على أن الرواية سيقت لبيان طهارة الخف بالمسح فلا مانع من الاستدلال بالرواية من هذه الجهة .

   نعم ، الرواية ضعيفة السند بحفص بن أبي عيسى المجهول فلا يمكن الاعتماد عليها من هذه الجهة .

   ومنها : صحيحة الأحول عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكاناً نظيفاً ، قال : لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً أو نحو ذلك»(3) وهي أيضاً مطلقة كما يأتي عليها الكلام .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ،  (2) الوسائل 3 : 458 / أبواب النجاسات ب 32 ح 3 ، 6 .

(3) الوسائل 3 : 457 / أبواب النجاسات ب 32 ح 1.

 
 

ــ[101]ــ

   ومنها : ما رواه محمّد الحلبي قال : «نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر فدخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) فقال : أين نزلتم ؟ فقلت : نزلنا في دار فلان فقال : إن بينكم وبين المسجد زقاقاً قذراً ، أو قلنا له : إن بيننا وبين المسجد زقاقاً قذراً فقال : لا بأس إن الأرض تطهر بعضها بعضاً . قلت والسرقين الرطب أطأ عليه فقال : لا يضرّك مثله»(1) وهي غير مقيدة بالقدم والبشرة ، بل مقتضى إطلاقها أن الأرض تطهر باطن القدم والخف وغيره مما يتنعل به عادة .

   ومنها : ما رواه في آخر السرائر نقلاً عن نوادر أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن المفضل بن عمر ، عن محمّد الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «قلت له : إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه ، فربّما مررت فيه وليس عليَّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته ، فقال : أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة ؟ قلت : بلى ، قال : فلا بأس إن الأرض تطهر بعضها بعضاً ، قلت : فأطأ على الروث الرطب ؟ قال : لا بأس أنا والله ربما وطئت عليه ثم اُصلّي ولا أغسله» (2) . وهي مقيدة بالقدم كما هو ظاهر .

   وربما يورد على هاتين الروايتين بأنهما متنافيتان نقلاً ، لأن ظاهرهما الحكاية عن قضية واحدة نقلها محمّد الحلبي ، وغاية الأمر أن الراوي عن الحلبي شخصان وقد رواها أحدهما مقيدة بالرجل ورواها الآخر مطلقة فأحد النقلين يناقض الآخر .

   هذا ، ولا يخفى أن الروايتين إن حملناهما على تعدد الواقعة ـ  كما هو غير بعيد  ـ بأن يقال إن الراوي سأله (عليه السلام) عن مسألة واحدة مطلقة تارة ومقيدة بالرجل اُخرى حتى يطمئن بحكمها ، فان المشي حافياً لا يناسب الحلبي ولا يصدر عن مثله إلاّ نادراً فسأله عن حكمه مرة ثانية حتى يطمئن به فهما روايتان ولا مانع من كون إحداهما مطلقة والاُخرى مقيدة بالرجل ، فنأخذ معه باطلاق المطلقة وهي تقتضي اطراد الحكم في كل ما يتعارف المشي به من أسفل القدم والخف وغيرهما .

   وأما إذا قلنا بوحدة الواقعة في الروايتين لاستبعاد التعدّد في الواقعة ـ  ولا نرى أي بُعد في تعدّدها كما مرّ  ـ سقطت الروايتان عن الاعتبار للعلم بعدم صدور إحداهما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ،  (2) الوسائل 3 : 458 / أبواب النجاسات ب 32 ح 4 ، 9 .

ــ[102]ــ

عن الإمام (عليه السلام) ولا ندري أنه أيهما . والوجه في اختلاف النقل حينئذ أن الحلبي إما أنه نقل الرواية لأحد الراويين بألفاظها ونقلها للآخر بمعناها بتوهم عدم اختلاف المعنى بذلك ، أو أنه نقلها لكلا الراويين بالألفاظ ، إلاّ أن أحدهما نقل الرواية على غير النمط الذي سمعه .

   ثم إنك إذا أحطت خبراً بالأخبار الواردة في المقام عرفت أن الصحيح عدم اختصاص الحكم بالرجل والبشرة وأنه مطرد في كل ما يتنعل به عادة . ويمكن الاستدلال على ذلك بوجوه :

   الأوّل : التقريب المتقدم في الاستدلال برواية حفص ـ مع الغض عن سندها ـ فانّها دلت على طهارة الخف بمسحه بالأرض ، وحيث إن الخف لا يحتمل أن تكون له خصوصية في المقام فيستكشف بذلك عمومية الحكم للنعال وغيره مما يتعارف المشي به .

   الثاني : عموم التعليل الوارد في بعض الأخبار المتقدِّمة(1) أعني قوله (عليه السلام) «إن الأرض يطهّر بعضها بعضاً» حيث يدل على أن الأرض تطهر النجاسة الحاصلة منها مطلقاً من دون فرق في ذلك بين أسفل القدم والخف وغيرهما . بيان ذلك : أن نجاسة أسفل القدم أو الخف أو غيرهما إنما حصلت من الأرض كما اُشير إليه في بعض الروايات بقوله «إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه» وفي آخر : «إن بيننا وبين المسجد زقاقاً قذراً» (2) ولأجله صح أن يقال إن الأرض الطاهرة تطهر الأرض النجسة ، وهذا لا بمعنى أنها تطهر الأرض النجسة بنفسها بل بمعنى أنها تطهر الأثر المترشح من الأرض القذرة وهو النجاسة ، فوزان ذلك وزان قولنا : الماء يطهر البول والدم وغيرهما من الأعيان النجسة ، مع أن العين النجسة غير قابلة للتطهير ولا يكون الماء مطهّراً لها بوجه ، إلاّ أنه لما أمكن أن يكون مزيلاً ومطهّراً من الآثار الناشئة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّمت هذه الجملة في الرواية الاُولى والثانية للحلبي ورواية المعلى ، وتأتي في حسنة محمّد ابن مسلم الآتية .

(2) وهما روايتا الحلبي المتقدِّمتان في ص 101 .

ــ[103]ــ

عن الأعيان النجسة وهي النجاسة صح أن يقال إن الماء مطهّر للبول .

   وهذا تعبير صحيح ولا حاجة معه إلى تفسير الجملة المذكورة بما عن المحدث الكاشاني (قدس سره) من أنها بصدد بيان أمر عادي وهو انتقال القذارة من الموضع المتنجِّس من الأرض إلى الموضع الآخر منها بوضع القدم ورفعها حتى لا يبقى على الأرض شيء من النجاسة (1) .

   ولا إلى تفسيرها بما عن الوحيد البهبهاني (قدس سره) من أن معناها أن بعض الأرض ـ أي الطاهرة منها ـ يطهر بعض المتنجسات كالنعل ، لمكان أن «بعضاً» نكرة وذلك لما عرفت من أن ظاهره حسب المتفاهم العرفي أن الأرض الطاهرة تطهر الأرض النجسة بالمعنى المتقدم وهي واردة لبيان أمر شرعي ، فحملها على إرادة بيان أمر عادي أو على كون الأرض مطهرة لبعض المتنجسات خلاف الظاهر ولا يمكن المصير إليه .

   ثم إن تلك الجملة وإن كانت مجملة في بعض مواردها كما في حسنة محمد بن مسلم قال : «كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) إذ مرّ على عذرة يابسة فوطئ عليها فأصابت ثوبه ، فقلت : جعلت فداك قد وطئت على عذرة فأصابت ثوبك ، فقال : أليس هي يابسة ؟ فقلت : بلى ، قال : لا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضاً» (2) لأن عدم تنجس ثوبه (عليه السلام) وطهارته من جهة يبوسة العذرة غير مرتبطة بقوله : «إن الأرض يطهر بعضها بعضاً» وهو كمضمون رواية عمار : «كل شيء يابس زكي» (3) ومن الواضح أن ذلك أجنبي عن التعليل الوارد في الرواية ، فالجملة مجملة في الحسنة إلاّ أن إجمالها في مورد لا يضرها في غيره ، لما عرفت من أنها واضحة الدلالة على مطهرية الأرض للأثر الناشي من الأرض النجسة . وكيف كان فمقتضى عموم التعليل اطراد الحكم وشموله لكل ما يتنعل به عادة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مفاتيح الشرائع 1 : 79 .

(2) الوسائل 3 : 457 / أبواب النجاسات ب 32 ح 2 .

(3) الوسائل 1 : 351 / أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 5 إلاّ أن الرواية عن عبدالله بن بكير بدل عمار .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net