طهارة بخار البول وكذا بخار الماء المتنجِّس - عدم مطهِّريّة الانقلاب للمتنجِّس واختصاصه بالنّجس 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9725


ــ[167]ــ

   [ 365 ] مسألة 3 : بخار البول أو الماء المتنجِّس طاهر فلا بأس بما يتقاطر من سقف الحمّام إلاّ مع العلم بنجاسة السقف (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شرب ما في القدح .

   ومنها : رواية زكريّا بن آدم قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم كثير ومرق كثير ، قال فقال : يهراق المرق أو يطعمه أهل الذِّمّة ...» (1) مع أن القطرة مستهلكة في المرق الكثير لا محالة .

   ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : «ما يبل الميل ينجس حبّاً من ماء ، يقولها ثلاثاً» (2) فقد اتضح من جميع ما تلوناه في المقام أن الخمر في مفروض المسألة باقية على نجاستها ولا تشملها أخبار الانقلاب كما مر ، وأن في المقام مسألتين اختلطت إحداهما بالاُخرى ، والظاهر أن الثانية هي مراد الماتن (قدس سره) ولا نظر له إلى المسألة الاُولى ولا أنه بصدد التعرض لحكمها .

   (1) تقدّمت هذه المسألة في أوائل الكتاب (3) وذكرنا هناك أن ذلك من الاستحالة والتبدل في الصورة النوعية والحقيقة ، إذ البخار غير البول وغير الماء المتنجِّس لدى العرف وهما أمران متغايران ، ولا يقاسان بالغبار والتراب لأنّ العرف يرى الغبار عين التراب ، وإنما يصعد الهواء للطافته وصغره لا لأنه أمر آخر غير التراب . ومن هنا يصح عرفاً أن يقال عند نزول الغبار إنه ينزل التراب ، وأما البخار فلا يقال إنه ماء فاذا استحال البول أو الماء المتنجِّس بخاراً حكم بطهارته . فلو انقلب البخار ماء فهو ماء جديد قد تكوّن من البخار المحكوم بطهارته ، فلا مناص من الحكم بطهارته

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25 : 358 / أبواب الأشربة المحرمة ب 26 ح 1 ، 3 : 470 / أبواب النجاسات ب 38 ح  8 .

(2) الوسائل 25 : 344 / أبوا الأشربة المحرمة ب 20 ح 2 ، 3 : 470 / أبواب النجاسات ب 38 ح  6 .

(3) في ص 147 ـ 149 .

ــ[168]ــ

   [ 366 ] مسألة 4 : إذا وقعت قطرة خمر في حب خل واستهلكت فيه ، لم يطهر وتنجّس الخلّ إلاّ إذا علم انقلابها ((1)) خلاًّ بمجرد الوقوع فيه (1) .

   [ 367 ] مسألة 5 : الانقلاب غير الاستحالة إذ لا تتبدل فيه الحقيقة النوعية بخلافها ، ولذا لا تطهر المتنجسات به وتطهر بها (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لوضوح أنه ماء آخر غير الماء الأوّل المتبدِّل بالبخار ، وهذا في بخار البول أظهر منه في الماء المتنجِّس ، لأنّ الغافل قد يتوهّم أن الماء الحاصل بالبخار هو الماء السابق بعينه وإنما تبدّل مكانه ، ولكن هذا التوهّم لا يجري في بخار البول لأنّ الماء المتكوّن منه ماء صاف خال من الأجزاء البولية فكيف يتوهّم أنه البول السابق بعينه ، لأن حاله حال الماء المتحصل من الرمان أو غيره ، حيث إن الماء المصعد منه ماء صاف لا يتوهّم أنه الماء السابق قبل تبخيره .

   (1) القطرة الخمرية الواقعة في حب خل لو فرضنا تبدلها خلاًّ قبل ملاقاتهما ، كما إذا تبدّلت ـ بفرض غير واقع ـ بمجرد أن أصابها الهواء الكائن في السطح الظاهر من الخلّ فلا ينبغي التردّد في بقاء الخلّ على طهارته ، لأنه إنّما يلاقي جسماً طاهراً ، إلاّ أنّ في هذه الصورة لا يصدق وقوع الخمر في الخلّ ، لعدم بقائها على خمريتها حال الوقوع وكونها خمراً قبل ذلك لا يترتّب عليه أثر .

   وأما إذا فرضنا انقلابها خلاًّ بعد ملاقاتهما ولو بآن دقي حكمي ، فالخلّ محكوم بالإنفعال لأنه لاقى خمراً على الفرض . والأخبار المتقدِّمة إنما دلّت على طهارة الخمر فيما إذا انقلبت خلاًّ بنفسها أو بالعـلاج لا فيما إذا لاقت خلاًّ ثم تبدّلت إليه ، وعليه فلا  موقع للاستثناء الواقع في كلام الماتن (قدس سره) بل الصحيح هو الحكم بنجاسة الخلّ في مفروض المسألة مطلقاً .

   (2) الانقلاب والاستحالة متحدان حقيقة بحسب اللغة ، فان الحول والقلب بمعنى ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل حتى إذا علم ذلك .

ــ[169]ــ

فيقال قلبه قلباً : حوّله عن وجهه ، ولم ترد الاستحالة في شيء من الأخبار ليتكلم في مفهومها ، وإنما حكمنا بالطهارة معها لانعدام موضوع النجاسة وارتفاع حكمه . نعم بين الاستحالة والانقلاب فرق في مصطلح الفقهاء وقد تصدى الماتن (قدس سره) لبيان الفارق بينهما بحسب الاصطلاح ، وتوضيح ما أفاده :

   أنّ النجاسة في الأعيان ـ كما تقدّم ـ مترتبة على عناوينها الخاصّة من البول والخمر والدم وهكذا ، فالخمر بما هي خمر نجسة لا بما أنها جسم مثلاً وهكذا الحال في غيرها من الأعيان ، وهو معنى قولهم : الأحكام تتبع الأسماء بمعنى أنها تدور مدار العناوين المأخوذة في موضوعاتها ، فاذا زال عنها عنوانها زال حكمها لا محالة ، فيحكم بعدم نجاسة الخمر وعدم حرمتها إذا سلب عنها عنوانها واتصفت بعنوان آخر ، فلا يعتبر في زوال النجاسة أو الحرمة زوال الخمر وانعدامها بذاتها أو انعدام البول كذلك أو غيرهما .

   ومن هنا يظهر أن استصحاب النجاسة عند زوال عنوان النجس بالانقلاب من الأغلاط التي لا نتمكن من تصحيحها ، فان النجاسة كحرمة المسكر الجامد ـ كالبنج ـ فكما أنه إذا زال عنها إسكاره ارتفعت حرمته لكونها مترتبة على البنج المسكر ، كذلك الحال في المقام فهل يمكن استصحاب حرمته حينئذ ؟ وهذا بخلاف المتنجسات لعدم ترتب النجاسة فيها على عناوينها وإنما ترتبت على ذواتها ، فهي متنجسة بما أنها جسم فلا ترتفع نجاستها بزوال عناوينها لبقاء الجسمية بمرتبتها النازلة ، بل يتوقف زوال حكمها على انعدام ذواتها وتبدل صورتها الجسمية بجسم آخر ، كما إذا تبدل النبات المتنجِّس حيواناً ، فانّ الصورة الجسمية في أحدهما غير الصورة في الآخر وحيث إن ارتفاع النجاسة في الأعيان النجسة لا يحتاج إلى تبدل الذات بل يكفي فيه تبدل العنوان على خلاف المتنجِّسات ، فاصطلح الفقهاء (قدس الله أسرارهم) في زوال العنوان بالانقلاب كما اصطلحوا في زوال الذات والحقيقة بالاستحالة ، تمييزاً بينهما وبياناً للفارق بين النجاسات والمتنجسات ، لا من جهة أن الانقلاب غير الاستحالة حقيقة لما عرفت من أنهما شيء واحد .

ــ[170]ــ

   [ 368 ] مسألة 6 : إذا تنجس العصير بالخمر ثم انقلب خمراً وبعد ذلك انقلب الخمر خلاًّ ، لا يبعد طهارته لأنّ النجاسة العرضية صارت ذاتية بصيرورته خمراً ، لأنها هي النجاسة الخمرية ، بخلاف ما إذا تنجس ((1)) العصير بسائر النجاسات فان الانقلاب إلى الخمر لا يزيلها ولا يصيّرها ذاتية ، فأثرها باق بعد الانقلاب أيضاً (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وإن شئنا عكسنا الأمر وعبّرنا عن زوال الذات بالانقلاب وعن تبدل العناوين بالاستحالة وقلنا : انقلاب الحقائق والذوات واستحالة العناوين وتحولاتها من المطهرات ، فانّه صحيح وإن كان على خلاف الاصطلاح ، ولا بأس بما اصطلحوا عليه تمييزاً بين القسمين المتقدمين، وعلى ذلك اتضح عدم اختصاص مطهرية الانقلاب بالخمر فانّه مطهر في مطلق النجاسات العينية المترتبة على العناوين والأسماء ، فان أحكامها ترتفع بزوال عناوينها وهو الانقلاب ، كما أنه لا يترتّب عليه أثر في المتنجسات فإن زوال العنوان غير مؤثر في ارتفاع أحكامها لترتبها على ذواتها. اللّهمّ إلاّ أن تتبدّل صورتها الجسمية بصورة جسمية اُخرى كما مرّ وهو الاستحالة بحسب الاصطلاح .

   (1) لاغبار فيما أفاده (قدس سره) بناء على ما ذكرناه من أن نجاسة العنب أو العصير أو غيرهما بسبب الملاقاة غير مانعة عن طهارة الخمر الحاصلة منه بانقلابها خلاًّ ، لاندكاك نجاستها العرضية في نجاستها الذاتية ، فان العرف لا يرى في مثلها نجاستين بأن تكون إحداهما عرضية قائمة بجسمها وثانيتهما ذاتية قائمة بعنوانها ، بل تقدم أ نّا لو سلمنا اشتمالها على نجاستين أيضاً التزمنا بالطهارة ، لاطلاقات الأخبار وشمولها لما إذا كانت الخمر متنجسة أيضاً ، ولعل هذا هو الغالب في الخمور لتنجسها حال كونها عصيراً أو خلا بيد صنّاعها مسلماً كان أو غيره ، لبعد تحفظهم على عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مرّ حكم ذلك آنفاً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net