6 ـ ذهاب الثّلثين \ الكلام في تقدير الثّلثين بالوزن أو الكيل أو المساحة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6344


   السادس : ذهاب الثّلثين في العصير العنبي على القول بنجاسته بالغليان لكن قد عرفت أن المختار عدم نجاسته ، وإن كان الأحوط الاجتناب عنه فعلى المختار فائدة ذهاب الثلثين تظهر بالنسبة إلى الحرمة ، وأما بالنسبة إلى النجاسة فتفيد عدم الاشكال لمن أراد الاحتياط ، ولا فرق بين أن يكون الذهاب بالنار أو بالشمس أو بالهواء ((1)) ، كما لا فرق في الغليان الموجب للنجاسة على القول بها بين المذكورات ، كما أن في الحرمة بالغليان التي لا إشكال فيها والحلية بعد الذهاب كذلك ، أي لا فرق بين المذكورات (2) ،

 ـــــــــــــــــــــــ

 مطهِّريّة ذهاب الثّلثين

    (2) مرّ تفصيل هذه الفروع في مبحث النجاسات (2) وذكرنا أن الغليان مطلقاً يوجب حرمة العصير بل ونجاسته أيضاً ـ على تقدير القول بها ـ بلا فرق في ذلك بين استناد الغليان إلى نفسه واستناده إلى النار أو الشمس أو غيرهما، ودفعنا التفصيل بين الغلـيان بنفسه وهو المعبّر عنه بالنشيش والغليان بسبب النار أو غيرها ، بالقـول بالحرمة والنجاسة على الأوّل وبالحرمة فحسب على الثاني ، بما لا  مزيد عليه . نعم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قد مرّ الاشكال في ذهاب الثلثين بغير النار [ في المسألة 202 ] .

(2) في المسألة [ 202 ] .

ــ[174]ــ

وتقدير الثلث والثلثين إما بالوزن ((1)) أو بالكيل أو بالمساحة (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ذكرنا أن المطهّر أو المحلّل إنما هو خصوص ذهاب الثلثين بالطبخ وهو لا يكون إلاّ بالنار ، فذهابهما بنفسه أو بحرارة الشمس أو غيرهما مما لا يترتب عليه الحكم بالطهارة والحلية ، فليراجع .

   (1) ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) : أن المعتبر إنما هو صدق ذهاب الثلثين من دون فرق بين الوزن والكيل والمساحة وإن كان الأحوط الأولين ـ أي الوزن والكيل ـ بل قيل هو الوزن (2) . وتبعه الماتن في المقام ، ونقول في توضيح المسألة :

   إنّ المساحة والكيل أمران متحدان وهما طريقان إلى تعيين كم خاص ولا اختلاف بينهما . وأما الوزن فهو أمر يغاير الكيل والمساحة والنسبة بينه وبينهما عموم مطلق . والتحديد بمثلهما أمر لا محصل له لحصول الأخص وهو الكيل والمساحة في المقام قبل الأعم ـ  وهو الوزن  ـ دائماً ، ويعتبر في التحديد بشيئين أن تكون النسبة بينهما عموماً من وجه بحيث قد يتحقق هذا دون ذاك وقد يتحقق ذاك دون هذا ، على ما سبقت الاشارة إليه عند تحديد الكر بالوزن والمساحة ، حيث قلنا إن النسبة بين سبعة وعشرين شبراً وبين الوزن عموم من وجه ولا مانع من تحديد الكر بهما ، وهذا بخلاف ستة وثلاثين أو ثلاثة وأربعين إلاّ ثمن شبر فان الوزن حاصل قبلهما ، والأمر في المقام كذلك ، فان بقاء الثلث أو ذهاب الثلثين بحسب المساحة والكم الخارجي يتحقق قبل ذهابهما أو قبل بقاء الثلث بحسب الوزن ، وسرّه أن أوزان الأشياء المتحدة بحسب الكم الخارجي تختلف باختلافها ، فترى أن الخشبة والحديد المتحدين بحسب الأبعاد الثلاثة مختلفان وزناً إذ الحديد أثقل من الخشب ، وكذا الذهب والحديد المتوافقين بحسب الكم الخارجي فانّ الذهب أثقل الفلزات ، وهكذا كم خاص من الماء الصافي والعصير ، لأنّ العصير لاشتماله على المواد السكرية والأرضية أثقل ، فاذا غلى كل منهما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا عبرة به ، وإنما العبرة بالكيل والمساحة ، ويرجع أحدهما إلى الآخر .

(2) الجواهر 6 : 292 .

ــ[175]ــ

وذهب ثلثاهما بحسب الكم كان الثلث الباقي من العصير أثقل من الثلث الباقي من الماء ، لكثافة الأوّل ـ  من جهة ذهاب الأجزاء المائية وبقاء المواد الأرضية والسكرية  ـ وخفّة الثاني لصفائه . وعليه فذهاب الثلثين وزناً يتأخر دائماً عن ذهابهما كيلاً ومساحة ، ومع كون النسبة بين الوزن والكم أي المساحة والكيل عموماً مطلقاً لا يمكن تحديد الحرمة أو هي مع النجاسة بهما بل لا بدّ من تحديدها بأحدهما .

   وهل المدار على الذهاب وزناً أو على الذهاب كماً ؟ لا بدّ في ذلك من النظر إلى الروايات لنرى أن المستفاد منها أيّ شيء .

   والكلام في تحقيق ذلك يقع في مقامين : أحدهما : فيما تقتضيه الأدلّة الاجتهادية . وثانيهما : فيما يقتضيه الأصل العملي .

   أمّا المقام الأوّل : فقد يقال إن المعتبر هو الوزن ويستدل عليه بوجهين :

   أحدهما : أن جملة من الأخبار الواردة في العصير دلّت على أنه إذا غلى حرم أو نجس أيضاً ، وهي باطلاقها تقتضي بقاء حرمته أو نجاسته مطلقاً ذهب ثلثاه أم لم يذهبا . منها : رواية حماد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «سألته عن شرب العصير ، قال : تشرب ما لم يغل فاذا غلى فلا تشربه ...» (1) ومنها : حسنته عنه (عليه السلام) قال : «لا يحرم العصير حتى يغلي» (2) ومنها : موثقة ذريح قال : «سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : إذا نش العصير أو غلى حرم» (3) .

   وفي قبال هذه الروايات جملة اُخرى دلت على أن الحرمة والنجاسة تزولان بذهاب ثلثي العصير وبقاء ثلثه ، وفي بعضها «أن ثلثيه للشيطان وثلثه لآدم (عليه السلام) » (4) وهي تخصّص المطلقات المتقدِّمة بما إذا لم يذهب ثلثاه ، ولكنّها مجملة لاجمال المراد بالثلث والثلثين ، للشك في أن المراد منهما خصوص الوزني أو الكمِّي ومقتضى القاعدة في المخصصات المجملة المنفصلة الأخذ بالمقدار المتيقّن والرجوع في الزائد المشكوك فيه إلى العام ، والذي نتيقن بارادته في المقام هو الوزني الذي يحصل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) ، (3) الوسائل 25 : 287 / أبواب الأشربة المحرمة ب 3 ح 3 ، 1 ، 4 .

(4) الوسائل 25 : 282 / أبواب الأشربة المحرمة ب 2 .

ــ[176]ــ

بعد الكمِّي كما عرفت ، وأما الاكتفاء بخصوص الذهاب الكمي فهو مشـكوك فيه فيرجع فيه إلى العمومات والمطلقات الدالّة على بقاء الحرمة والنجاسة حتى يذهب ثلثاه بحسب الوزن .

   وثانيهما : الأخبار : منها : ما رواه ابن أبي يعفور عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا  زاد الطلا على الثلث أوقية فهو حرام» (1) لدلالتها على أن المراد بالثلث هو الثلث الوزني لمكان قوله : «أوقية» وهي من أسماء الأوزان ، ومنها : ما رواه عقبة بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في رجل أخذ عشرة أرطال من عصير العنب فصب عليه عشرين رطلاً ماء ثم طبخهما حتى ذهب منه عشرون رطلاً وبقي عشرة أرطال ، أيصلح شرب تلك العشرة أم لا ؟ فقال : ما طبخ على الثلث فهو حلال» (2) وقد دلت على أن المراد من الثلث والثلثين هو الوزني خاصة . ومنها : رواية عبدالله ابن سنان قال : «العصير إذا طبخ حتى يذهب منه ثلاثة دوانيق ونصف ثم يترك حتى يبرد فقد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه» (3) هذا .

   وفي كلا الوجهين ما لا يخفى أمّا أوّلهما : فلأجل أن الأشياء تختلف بحسب الاعتبار فان في بعضها الاعتبار بالعدد كما في الحيوان والانسان وغيرهما من المعدودات ، وفي بعضها الآخر بالوزن كما في الحنطة والشعير والاُرز وغيرها مما يوزن ، وفي ثالث بالمساحة كما في الأراضي ، والعرف لا يكاد يشك في أن المائعات التي منها الماء والعصير مما يعتبر فيه المساحة ، فاذا قيل العصير يعتبر في حليته وطهارته ذهاب ثلثيه وبقاء ثلثه ، حمل على إرادة الثلثين بحسب المساحة فلا إجمال في المخصص بوجه .

   ويدل على ذلك أنهم (عليهم السلام) أطلقوا اعتبار ذهاب الثلثين في حلية العصير من دون أن يخصصوا ذلك بشخص دون شخص ، مع أن أكثر أهل البلاد لا يتمكن من وزن العصير حيث لا ميزان عندهم فكيف بالصحاري والقرى ، وما هذا شأنه لا  يناط به الحكم الشرعي من غير أن يبين في شيء من الروايات .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25 : 285 / أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 9 .

(2) الوسائل 25 : 295 / أبواب الأشربة المحرمة ب 8 ح 1 .

(3) الوسائل 25 : 291 / أبواب الأشربة المحرمة ب 5 ح 7 .

ــ[177]ــ

   وممّا يؤيِّد ذلك ما ورد في بعض الروايات ـ بياناً لكيفية طبخ العصير ـ من قوله (عليه السلام) «ثم تكيله كله فتنظركم الماء ثم تكيل ثلثه» (1) فانّه كالصريح في أن الاعتبار بالكيل والمساحة . نعم لم نستدل بتلك الرواية في الحكم بحرمة العصير بالغليان للمناقشة فيها سنداً ودلالة فليراجع ما ذكرناه في البحث عن نجاسة العصير وحرمته (2) هذا كله في الوجه الأوّل من الوجهين السابقين .

   وأمّا ثانيهما : وهو الاستدلال بالأخبار ، فلأنّ الرواية الاُولى منها وإن كانت تامّة دلالة إلاّ أنها مرسلة ، لأنّ الكليني (قدس سره) إنما ينقلها عن بعض أصحابنا (3) فلا  يمكن الاعتماد عليها . وأما الرواية الثانية فلأن الوزن فيها إنما ذكر في كلام السائل دون جواب الإمام (عليه السلام) فان كلامه غير مشعر بارادة الوزن أبداً . وقد عرفت أن إطلاق الثلث أو غيره من المقادير في المائعات منصرف إلى الكيل والمساحة . مضافاً إلى ضعف سندها بعقبة بن خالد ومحمد بن عبدالله بناء على أنه محمد بن عبدالله بن هلال كما هو الظاهر . وأما الرواية الثالثة فلأن الدانق معرب «دانك» بالفارسية ، والمراد به سدس الشيء عند الإطلاق ، وهو من أسماء المقادير بالمساحة فلا دلالة لها على إرادة الوزن . على أن سندها ضعيف من وجوه منها : عدم توثيق منصور بن العباس الواقع في سلسلته فليراجع (4) .

   وأمّا المقام الثاني : فقد يقال : إن مقتضى استصحاب حرمة العصير أو نجاسته قبل ذهاب الثلثين عنه هو الحكم بحرمته ونجاسته بعد الغليان وذهاب ثلثيه كما ، وذلك للشك في طهارته وحليته بذلك ، ولا مسوغ لرفع اليد عن اليقين بحرمته ونجاسته حتى يقطع بحليته وطهارته ، وهذا إنما يحصل بذهاب الثلثين وزناً .

   وفيه : أن الشبهة مفهومية في المقام للشك فيما يراد من الثلث الباقي أو الثلثين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25 : 289 / أبواب الأشربة المحرمة ب 5 ح 2 .

(2) في المسألة [ 202 ] .

(3) الكافي 6 : 421 / 9 .

(4) رجال النجاشي : 413 / 1102 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net