قبول اسلام الصبيّ المميّز - حكم تعريض المرتدّ الفطريّ نفسه للقتل 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5835


ــ[208]ــ

   [ 384 ] مسألة 3 : الأقوى قبول إسلام الصبي المميز إذا كان عن بصيرة (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مثل أبي سفيان وغيره من بعض أصحابه معاملة الاسلام ، لاظهارهم الشهادتين مع العلم بعدم إيمانهم بالله طرفة عين وإنما أسلموا بداعي الملك والرئاسة ، كيف وقد أخبر الله سبحانه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بنفاق جماعة معينة عنده من المسلمين مع التصريح بإسلامهم ، حيث قال عزّ من قائل : (قالَتِ الأَعْرابُ آمَنّا قُل لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِن قُولُوا أَسْلَمْنا ) (1) .

   فتحصل أن الظاهر كفاية إظهار الشهادتين في الحكم باسلام مظهرهما ولو مع العلم بالمخالفة ، ما لم يبرز جحده أو تردده .

   (1) فان الصغير قد يكون أذكى وأفهم من الكبار ، ولا ينبغي الاشكال في قبول إسلامه والحكم بطهارته وغيرها من الأحكام المترتبة على المسلمين ، وذلك لاطلاق ما دلّ على طهارة من أظهر الشهادتين واعترف بالمعاد ، أو ما دلّ على جواز تزويجه المسلمة وغير ذلك من الأحـكام ، ولا شبهة في صدق المسلم على ولد الكافر حينئذ إذ لا نعني بالمسلم إلاّ من اعترف بالوحدانية والنبوة والمعاد . اللّهمّ إلاّ أن يكون غير مدرك ولا مميز ، لأن تكلمه حينئذ كتكلم بعض الطيور ، وهذا بخلاف المميز الفهيم لأنه قد يكون في أعلى مراتب الايمان .

   ولا ينافي إسلامه حديث رفع القلم عن الصبي (2) لأنه بمعنى رفع الإلزام والمؤاخذة ولا دلالة فيه على رفع إسلامه بوجه .

   نعم ، قد يتوهّم أن مقتضى ما دلّ على أن عمد الصبي خطأ (3) عدم قبول إسلامه لأنه في حكم الخطأ ولا أثر للأمر الصادر خطأ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحجرات 49 : 14 .

(2) الوسائل 1 : 42 / أبواب مقدمة العبادات ب 4 وغيره من الأبواب المناسبة .

(3) صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : عمد الصبي وخطؤه واحد . الوسائل 29 : 400 / أبواب العاقلة ب 11 ح 2 .

ــ[209]ــ

   ويندفع بأن الحديث لم يثبت إطلاق له ليدل على أن كل ما يصدر عن الصبي من الأفعال الاختيارية فهو بحكم الفعل الصادر خطأ ، بحيث لو قلنا بصحّة عبادات الصبي وتكلم في أثناء الصلاة أو أكل في صيامه متعمداً لم تبطل صلاته وصومه ، لأن التكلّم أو الأكل خطأ غير موجب لبطلانهما ، وهذا للقطع ببطلان الصلاة والصوم في مفروض المثال ، وعليه فالحديث مجمل للقطع بعدم إرادة الاطلاق منه . فلا مناص من حمله على ما ورد في رواية اُخرى من أن عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة (1) وهذا لا لقانون الاطلاق والتقييد لعدم التنافي بينهما ، بل للقطع بعدم إرادة الاطلاق منه ومقتضى الجمع العرفي حينئذ ما ذكرناه ، ومعه يختص الحديث بالديات ومدلوله أن القتل الصادر عن الصبي عمداً كالقتل خطأ تثبت فيه الدية على عاقلته ولا يقتص منه .

   بل إن الحديث في نفسه ظاهر في الاختصاص بموارد الدية مع قطع النظر عن القرينة الخارجية ، وذلك لأن المفروض في الرواية ثبوت حكم للخطأ غير ما هو ثابت للعمد وأنه يترتب على عمد الصبي أيضاً ، وهذا إنما يكون في موارد الدية فلا  حاجة إلى إقامة قرينة خارجية عليه . نعم إذا كان الوارد في الحديث : عمد الصبي كلا عمد احتجنا إلى قيام القرينة على ما ذكرناه من الخارج ، وعلى ذلك فلا مجال لما عن بعضهم من الحكم ببطلان عقد الصبي ومعاملاته ولو باذن من الولي ، نظراً إلى أن العقد الصادر منه خطأ لا يترتب أثر عليه ، وذلك لما ذكرناه من أن الحديث لم يثبت إطلاقه ليدل على أن كل عمل اختياري يصدر عن الصبي فهو بحكم الخطأ وإنما هو ناظر إلى الدية كما عرفت . وعلى الجملة لا دلالة للحديث على أن الاسلام الصادر عن الصبي بالاختيـار خطأ ، فهو مسلم حقيقة لاعترافه بكل ما يعتبر في الاسلام ويترتّب عليه ما كان يترتب على سائر المسلمين من الأحكام وأظهرها الطهارة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواها إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) أن عليّاً (عليه السلام) كان يقول عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة . الوسائل 29 : 400 / أبواب العاقلة ب 11 ح 3 ، وفي رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) إنه كان يقول في المجنون والمعتوه الذي لا  يفيق والصبي الذي لم يبلغ ، عمدهما خطأ تحمله العاقلة وقد رفع عنهما القلم . الوسائل 29 : 90 / أبواب القصاص في النفس ب 36 ح 2 .

ــ[210]ــ

   [ 385 ] مسألة 4 : لا يجب((1)) على المرتد الفطري بعد التوبة تعريض نفسه للقتل ، بل يجوز له الممانعة منه ، وإن وجب قتله على غيره (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وإن شئت قلت : إن الدليل على نجاسة أولاد الكفار ـ على ما عرفت ـ منحصر بما مرّ من صدق اليهودي أو النصراني أو المشرك أو غير ذلك من العناوين المحكومة عليها بالنجاسة على الصبي المميز المعتقد بما يعتقد به أبواه ، ويحكم بنجاسة غير المميز بعدم القول بالفصل ، ومن الظاهر أن المميز المعترف بالاسلام لا يصدق عليه شيء من تلك العناوين . فالمقتضي للنجاسة قاصر الشمول له في نفسه فهو بعد إظهاره الشهادتين محكوم بالطهارة قُبِل إسلامه أم لم يقبل . نعم غير الطهارة من أحكام المسلمين كجواز تزويجه المرأة المسلمة وغيره يتوقف على قبول إسلامه كما مر ، هذا كلّه في اسلام ولد الكافر .

   وأمّا إذا ارتد ولد المسلم وأنكر الاسلام فهل يحكم بنجاسته وغيرها من أحكام الارتداد عن فطرة ؟ التحقيق أن يفصّل في المقام بالحكم بنجاسته لصدق أنه يهودي أو نصراني حسب اعترافه بهما ، دون وجوب قتله وتقسيم أمواله وبينونة زوجته وذلك لحديث رفع القلم(2) الدال على عدم الزام الصبي بشيء من التكاليف حتى يحتلم فلا  اعتداد بفعله وقوله قبل البلوغ ولا يحكم عليه بشيء من الأحكام المذكورة حتى يشب ، فاذا بلغ ورجع في أوّل بلوغه فهو ، وإلاّ فيحكم بوجوب قتله وغيره من الأحكام المتقدِّمة ، فحاله قبل الاحتلام حال المرتد عن ملة في قبول توبته وعدم ترتّب الأحكام المتقدِّمة عليه . وأما الحكم بنجاسته فهو في الحقيقة إلزام لسائر المكلفين بالتجنّب عنه ، لا أنه إلزام للصبي حتى يحكم بارتفاعه بالحديث . وعلى الجملة الأحكام الثلاثة المتقدِّمة غير ثابتة على الصبي . نعم لا بأس بتأديبه كغيره من المعاصي والمنكرات .

   (1) قد يفرض الكلام قبل ثبوت الارتداد عند الحاكم واُخرى بعد ثبوته :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد الوجوب بعد حكم الحاكم بلزوم قتله .

(2) قدّمنا مصدره في ص 208 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net