البينة و الطهارة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6001


   [ 393 ] مسألة 1 : إذا تعارض البيِّنتان أو إخبار صاحبي اليد في التطهير وعدمه تساقطا ويحكم ببقاء النجاسـة(3) وإذا تعارض البيِّنة مع أحد الطرق المتقدِّمة ما عدا  العلم الوجداني تقدّم البيِّنة(4).

 ـــــــــــــــــــــــــ

   (3) لأنّ أدلّة الاعتبار لا تشملهما معاً لاستلزامه الجمع بين المتضادين أو المتناقضين ، ولا لأحدهما دون الآخر لأنه من غير مرجح فأدلّة اعتبار الطرق والأمارات تختص بصورة عدم ابتلائها بالمعارض ، هذا في البيِّنتين وإخبار صاحبي اليد وكذا الحال في إخبار العدلين أو أحدهما مع غيبة المسلم أو غسله .

   (4) لأنها أقوى الأمارات والحجج عدا العلم فتتقدّم على غيرها . نعم يتقدّم عليها الاقرار على ما يستفاد من الأخبار الواردة في القضاء ، ولقد أسلفنا جملة من الكلام على ذلك في مباحث المياه فليراجع (4) .

 ــــــــــــــ
(2) الوسائل 17 : 89 / أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 4 .

(3) شرح العروة  2 : 261 .

(4) شرح العروة  2 : 269 المسألة [ 130 ] .

ــ[255]ــ

   [ 394 ] مسألة 2 : إذا علم بنجاسة شيئين فقامت البينة على تطهير أحدهما غير المعيّن ، أو المعيّن واشتبه عنده أو طهّر هو أحدهما ثم اشتبه عليه حكم عليهما بالنجاسة عملاً بالاستصحاب بل يحكم بنجاسة ملاقي كل منهما (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لما اخترناه في مباحث الاُصول من أن العلم الاجمالي بنفسه غير منجز ولا مانع من جريان الاُصول في أطرافه في نفسه ، وإنما المانع عن ذلك لزوم الترخيص في المخالفة القطعية على تقدير جريانها في أطرافه ، فمتى لم يلزم من جريانها محذور المخالفة القطعية جرت في أطرافه (1)، والحال في المقام كذلك لأن استصحاب النجاسة في كل من الطرفين لا يستلزم الترخيص في المخالفة العملية إذ المعلوم بالاجمال طهارة أحدهما غير المعيّن ولا معنى للمخالفة العملية في مثلها . إذن لا مانع عن جريان الاستصحاب في الطرفين والحكم بنجاسة ملاقي أي منهما ، وإن قلنا بعدم النجاسة في ملاقي بعض أطراف الشبهة وذلك لجريان استصحاب النجاسة في المقام ، هذا .

   ولقد التزم شيخنا الأنصاري (قدس سره) بذلك في مباحث القطع وذكر أن المخالفة الالتزامية غير مانعة عن جريان الاُصول في الأطراف (2) ، ولكنه (قدس سره) منع عن جريان الاسـتصحاب فيها في مباحث الاسـتصحاب(3) وهذا لا لأجل المحـذور المتقدم ليختص بما إذا لزم من جريانه الترخيص في المخالفة العملية ، بل من جهة لزوم المناقضة بين الصدر والذيل في قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة «ولا تنقض اليقين أبداً بالشك وإنما تنقضه بيقين آخر» (4) حيث منع عن نقض اليقين بالشك في صدره وأمر بنقض اليقين باليقين في ذيله ، فان الشك في صدره واليقين في ذيله مطلقان فاطلاق الشك يشمل البدوي والمقرون بالعلم الاجمالي ، كما أن إطلاق اليقين يشمل اليقـين الاجمالي والتفصيلي ، وهذان الاطلاقان لا يمكن التحفّظ عليهما في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2 : 347 .

(2) فرائد الاُصول 1 : 30 .

(3) فرائد الاُصول 2 : 743 .

(4) الوسائل 1 : 245 / أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1 .

ــ[256]ــ

أطراف العلم الاجمالي ، لأن مقتضى إطلاق الصدر جريان الاستصحاب في كلا الطرفين ومقتضى إطلاق الذيل عدم جريانه في أحدهما وبهذا تصبح الصحيحة مجملة . وعلى الجملة إن جريان الاستصحاب في أطراف الشبهة وإن كان لا اشكال فيه بحسب الثبوت إلاّ أنه غير ممكن بحسب الاثبات فالمانع اثباتي وهو لزوم المناقضة بين الصدر والذيل .

   ولقد وافقه شيخنا الاُستاذ (قدس سره) على هذا المدعى وإن لم يرتض برهانه حيث أجاب عما استدل به (قدس سره) بما ذكره صاحب الكفاية من أن دليل اعتبار الاستصحاب غير منحصر بتلك الصحيحة المشتملة على الذيل ، فهب أنها مجملة إلاّ أن الأخبار التي لا تشتمل على هذا الذيل مطلقة وهي شاملة لكل من الشبهات البدوية والمقرونة بالعلم الاجمالي ، لوضوح أن إجمال أي دليل لا يسري إلى الآخر(1)هذا .

   على أن ظاهر اليقين الوارد في ذيل الصحيحة خصوص اليقين التفصيلي ، وذلك لأن ظاهر الذيل جواز نقض اليقين الأول باليقين الثاني المتعلق بما تعلق به اليقين الأول لانقضه بمطلق اليقين وإن كان متعلقاً بشيء آخر ، ومن الضروري أن اليقين في موارد العلم الاجمالي لا يتعلق بما تعلق به اليقين السابق أعني اليقين بنجاسة كلا الاناءين مثلاً ، إذ لا يقين بطهارة هذا وذاك وإنما اليقين تعلق بطهارة أحدهما ، فمتعلق اليقين الثاني في موارد العلم الاجمالي أمر آخر غير ما تعلق به اليقين السابق عليه ومعه لا محذور في استصحاب نجاستهما والمانع الإثباتي لا تحقق له . وإنما لا نلتزم بجريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي للمانع الثبوتي وتقريبه :

   أن الاستصحاب أصل إحرازي تنزيلي ، ومعنى ذلك أن الشارع في مورد الاستصحاب قد نزّل المكلف منزلة العالم تعبداً وإن كان شاكاً وجداناً ، ومن البيّن أن جعل المكلف عالماً بنجاسة كل من الاناءين بالتعبد مع العلم الوجداني بطهارة أحدهما أمر غير معقول ، لأنه تعبد على خلاف المعلوم بالوجدان ، وهذا يختص

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فوائد الاُصول 4 : 20 ـ 23 ، كفاية الاُصول : 432 .

ــ[257]ــ

بالأصل التنزيلي ولا يجري في غيره من الاُصول المثبتة للتكليف في أطراف العلم الاجمالي كأصالة الاحتياط عند العلم بجواز النظر إلى إحدى المرأتين ، لأنه لا مانع من الحكم بعدم جواز النظر إليهما من باب الاحتياط وإن علمنا بجواز النظر إلى إحداهما وسرّه أن الشارع لم يفرض المكلف عالماً بعدم جواز النظر واقعاً ، هذا كله فيما إذا قامت البينة على طهارة أحد الاناءين أو علمنا بطهارته من غير تعيين .

   وأما إذا قامت البينة على طهارة أحدهما المعيّن أو علمنا بطهارته ثم اشتبه بغيره فقد بنى على عدم جريان الاستصحاب في الطرفين ، وذكر في وجهه زائداً على المناقشة المتقدِّمة وجهاً آخر وهو أن اليقين بالنجاسة في أحدهما المعيّن حال قيام البيِّنة على طهارته أو العلم بها قد انقطع وزال وسقط فيه الاستصحاب عن الاعتبار لتبدّل اليقين بالنجاسة باليقين بطهارته ، فاذا اشتبه بالآخر لم يمكن استصحاب النجاسة في شيء منهما ، وذلك لاشتباه ما انقطعت فيه الحالة السابقة بغيره ، فالطرفان كلاهما من الشبهات المصداقية لحرمة نقض اليقين بالشك ولا يمكن التمسك فيها بالعموم أو الاطلاق .

   وقد ظهر بما سردناه في المقام أن ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدس سره) لو تم فانّما يتم في الاُصول الإحرازية التنزيلية ولا يجري في سائر الاُصول كأصالة الاحتياط في المثال ، فما ربما يقال من أنه لو تم لشمل الاُصول العملية بأسرها ولا يختص بالاستصحاب مما لا أساس له .

   نعم ، لا تسعنا المساعدة على ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدس سره) وذلك لأنه إنما يتم فيما إذا كان اليقين والشك في كلا الطرفين مورداً لاستصحاب واحد بان شملهما شمولاً واحداً ، فان التعبد بالنجاسة في مجموعهما تعبد على خلاف العلم الوجداني بعدم نجاسة أحدهما ، فعلى تقدير أن يكون لنجاسة المجموع أثر شرعي كما إذا فرضنا أن لبسهما معاً محرم في الصلاة لم يمكن الحكم ببقاء النجاسة في مجموعهما باستصحاب واحد لأنه على خلاف ما علمناه بالوجدان . وأما إذا كان كل واحد من اليقين والشك في الطرفين مورداً للاستصحاب مستقلاً فلا وجه لما أفاده ، وذلك لأن كل واحد من

ــ[258]ــ

الطرفين معلوم النجاسة سابقاً ومشكوك فيه بالفعل وهو مورد للاستصحاب من دون علم وجداني على خلافه ، لأن العلم الاجمالي إنما يتعلق بالجامع دون الأطراف فمرتبة الاستصحاب في كل واحد من الطرفين محفوظة فلا مانع من جريانه فيه ، ولا يضره العلم بمخالفة أحد الاستصحابين للواقع لأن المخالفة الالتزامية غير مانعة عن جريان الاُصول في الأطراف كما مر .

   ويترتّب على ما ذكرناه من جريان الاستصحاب في كلا الطرفين أنه إذا لاقى أحدهما شيئاً برطوبة حكم بنجاسته ، إلاّ أن الطرفين إذا كانا ثوباً وكرر الصلاة فيهما صحت صلاته ، وذلك أما في صورة عدم التمكن من الصلاة في الثوب المعلوم طهارته تفصيلاً فواضح . وأما في صورة التمكن منها فلما بيّناه غير مرة من أن الامتثال الاجمالي إنما هو في عرض الامتثال التفصيلي لا في طوله ، ومعه لا مانع من تكرار الصلاة في الثوبين مع التمكن من تحصيل العلم بالطاهر منهما ، هذا كله في صورة العلم الاجمالي بطهارة أحد الطرفين .

   وأما إذا علم طهارة أحدهما تفصيلاً أو شهدت البينة بطهارته معيناً ثم اشتبه بغيره فيتوجه على ما أفاده أن الشبهة المصداقية للاستصحاب أو لسائر الاُصول العملية لا مصداق لها بوجه ، لما ذكرناه في محله من أن اليقين والشك من الاُمور الوجدانية التي لا يتطرق عليها الشك والترديد ، إذ لا معنى لتردد الانسان في أنه متيقن من أمر كذا أو أنه شاك فيه ، وإنما الشبهة المصداقية تتحقق في الاُمور التكوينية ، وبما أن نجاسة كل واحد من الاناءين كانت متيقنة سابقاً ومشكوكة بحسب البقاء فلا مانع من جريان الاستصحاب في كليهما . نعم يحتمل في كل منهما أن يكون هو الذي قد علمنا بطهارته وانقطع باليقين بنجاسته إلاّ أن العلم بالطهارة في أحدهما المعيّن قبل التردد والاشتباه غير مانع عن جريان الاستصحاب بعد الاشتباه ، إذ اليقين على خلاف اليقين السابق إنما يمنع عن الاستصحاب ما دام باقياً وأما لو ارتفع وشك المكلف في بقاء المتيقن فاليقين بالطهارة ـ  بوجوده المرتفع بالفعل  ـ لا يكون مانعاً عن استصحاب النجاسة .

   ونظيره ما إذا علم فسق أحد ثم قطع بعدالته ثم شك في أن قطعه بالعدالة هل كان مطابقاً للواقع أم كان جهلاً مركباً فانّه يستصحب فسقه لعدم بقاء اليقين بعدالته . وعلى

ــ[259]ــ

لكن إذا كانا ثوبين وكرّر الصلاة فيهما صحت (1) .

ــــــــــــــــــــــ

الجملة اليقين بالطهارة إنما يمنع عن استصحاب النجاسة على تقدير بقائه لا فيما إذا انعدم وزال كما يأتي في المسألة الآتية إن شاء الله .

   (1) كما اتضح مما سردناه في التعليقة المتقدِّمة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net