جواز استعمال غير الأواني المعمول من الذّهب أو الفضّة - المراد بالإناء 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6050


ــ[291]ــ

   [ 405 ] مسألة 8  : يحرم ما كان ممتزجاً منهما وإن لم يصدق عليه اسم أحدهما بل وكذا ما كان مركّباً منهما ، بأن كان قطعة منه من ذهب و قطعة منه من فضّة (1) .

   [ 406 ] مسألة 9 : لا بأس بغير الأواني إذا كان من أحدهما (2) كاللّوح من

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فلا  ينبغي الاشكال في حرمته إذ لا يعتبر في الأحكام المترتبة على آنية الذهب والفضة خلوصهما من غيرهما كما يعتبر ذلك في حرمة لبس الحرير ، لوضوح أن إطلاق الأدلّة تشمل الرديء والجيد كليهما .

   (1) الأدلّة اللّفظية الواردة في المقام وإن كانت قاصرة الشمول للممتزج من الذّهب والفضّة ، وكذا ما كان مركّباً منهما بأن كان نصفه من الفضّة ونصفه من الذّهب أو غير ذلك من أنحاء الامتزاج ، وذلك لأن الممتزج منهما لا يصدق عليه إناء الذهب ولا إناء الفضة ومع عدم صدق أحد العنوانين عليه لا يحكم بحرمة الأكل والشرب منه ، إلاّ أنه لا بدّ من الالتزام بحرمته بمقتضى الفهم العرفي والارتكاز ، وذلك لقيامهما على أن المركب من عدّة أشياء محرّمة ـ  بانفرادها  ـ محرم وإن لم ينطبق عليه شيء من عناوين أجزائه ، مثلاً إذا ركّبنا معجوناً من الميتة والدم الطاهرين أو من التراب والنخاع حرم أكله حسب الفهم العرفي والارتكاز وإن لم يصدق على المركب عنوان الميتة أو الدم أو غيرهما من أجزائه ، وذلك لحرمة أكل الأجزاء بانفرادها .

   (2) لاختصاص الأخبار الواردة بالآنية لكونها مأخوذة في موضوعها ولسانها فأدلة التحريم لا تشمل غيرها ، ولوجود الدليل على الجواز وهو صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام) قال : «سألته عن المرآة هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة فضة ؟ قال : نعم ، إنما يكره استعمال ما يشرب به» (1) .

   مضافاً إلى الأخبار الواردة في موارد خاصة كما ورد في ذي الفقار سيف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أنه هبط به جبرئيل من السماء وكانت حلقته فضّة(2) وما ورد في ذات الفضول درعه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أن لها ثلاث حلقات

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 3 : 511 / أبواب النجاسات ب 67 ح 5 ، 3 .

ــ[292]ــ

الذهب أو الفضة ، والحلي كالخلخال، وإن كان مجوّفاً بل وغلاف السيف والسكين وأمامة الشطب، بل ومثل القنـديل ، وكذا نقش الكتب والسـقوف والجدران بهما .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من فضّة : حلقة بين يديها وحلقتان من خلفها(1) أو أربع حلقات : حلقتان في مقدّمها وحلقتان في مؤخّرها (2) وغير ذلك من الروايات ، هذا .

   وقد يقال بحرمة غير الأواني منهما كأوانيهما ويستدل عليها بجملة من الأخبار :

   منها : خبر الفضيل بن يسار قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن السرير فيه الذهب ، أيصلح إمساكه في البيت ؟ فقال : إن كان ذهباً فلا وإن كان ماء الذهب فلا  بأس» (3) لدلالتها على حرمة إمساك السرير الذي فيه الذهب .

   ويدفعه إن إمساك الذهب لم يقم دليل على حرمته كما مر والمحرم إنما هو استعمال آنيته مطلقاً أو في خصوص الأكل والشرب ، فلا مناص من حمل الرواية على الكراهة لأن اتخاذ السرير الذهبي من أعلى مراتب الاقبال على نشأة الدنيا المؤقتة وهو بهذه المرتبة مذموم بتاتاً . على أن الرواية ضعيفة السند كما مر .

   ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه المروية بأسانيد متعددة قال : «سألته (عليه السلام) عن السرج واللجام فيه الفضة أيركب به ؟ قال : إن كان مموّهاً لا يقدر على نزعه فلا بأس وإلاّ فلا يركب به» (4) .

   وفيه ما قدّمناه في الرواية المتقدِّمة من أن مضمونها مقطوع الخلاف فان جعل الفضة في السرج أو اللجام لم يقم على حرمته دليل . بل نفس الصحيحة تدلنا على الجواز لأنها علقت الحرمة على التمكن من النزع ، فلو كان جعل الفضة في السرج واللجام كاستعمال آنيتها محرماً لم يفرق في حرمته بين التمكن من نزعها وعدمه ، وذلك لأنه متمكن من تعويضهما أو من تعويض المركب أو المشي راجلاً ، حيث لم يفرض في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) ، (3) الوسائل 3 : 512 / أبواب النجاسات ب 67 ح 7 ، 4 ، 1 .

(4) الوسائل 3 : 511 / أبواب النجاسات ب 67 ح 5 .

ــ[293]ــ

الرواية عدم القدرة من تلك الجهات حتى يتوهم أن نفيه (عليه السلام) البأس من أجل الاضطرار ، هذا .

   مضافاً إلى النصوص الواردة في موارد خاصة كما تقدم بعضها ، ومع ذلك لا مناص من حمل الرواية على الكراهة وذلك لأن المراد من المموه ليس هو المطلي جزماً إذ لا فضة فيه ليتمكن من نزعها أو لا يتمكن منه ، وإنما المطلي يشتمل على ماء الفضة فحسب ، بل المراد به تلبيس السرج أو اللجام بالفضة وهو كما ترى من أعلى مراتب الاقبال على الدنيا ونشأتها . هذا على أ نّا لو تنازلنا عن ذلك فغاية الأمر أن نلتزم بحرمة الفضة في مورد الصحيحة فحسب وهو السرج واللجام فالاستدلال بها على حرمتها مطلقاً مما لا وجه له .

   ومنها : صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن آنية الذّهب والفضّة فكرههما ، فقلت قد روى بعض أصحابنا أنه كان لأبي الحسن (عليه السلام) مرآة ملبسة فضة فقال : لا والحمد لله (1) أو لا والله (2) إنما كانت لها حلقة من فضّة وهي عندي ، ثم قال : إن العباس حين عُذر عمل له قضيب ملبّس من فضة من نحو ما يعمله الصبيان تكون فضة نحواً من عشرة دراهم فأمر به أبو الحسن (عليه السلام) فكسر» (3) إذ لولا حرمة استعمال الذهب والفضة في غير الأواني أيضاً لم يكن وجه لتشديده (عليه السلام) في الانكار .

   ويندفع بأن استنكاره (عليه السلام) إنما هو لكذبهم في إخبارهم ، كيف فان المرآة الملبّسة إنما تناسب العرس والطرب ولا يتناسب مع المؤمنين فضلاً عن الامام (عليه السلام) وليست فيها أية دلالة على حرمة استعمال الفضّة في غير الاناء .

   وعن بعضهم الاستدلال على حرمة استعمالهما في غير الأواني بما عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «إن هذين حرام على ذكور اُمّتي ، حلّ لاُناثهم»(4) مشيراً إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في الكافي 6 : 267 / 2 .

(2) كما في التهذيب 9 : 91 / 125 .

(3) الوسائل 3 : 505 / أبواب النجاسات ب 65 ح 1 .

(4) في سنن النسائي 8 : 160 وسنن أبي داود 4 : 50 ومسند أحمد بن حنبل 1 : 96  كلّهم عن    أبي زرير الغاففي قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخذ بيمينه حريراً وأخذ ذهباً لشماله ثم رفع بهما يديه وقال : إن هذين حرام على ذكور اُمتي ، ورواه ابن ماجة في سننه 2 : 1189 / 3595 مع زيادة «حلّ لاُناثهم» في آخره . وفي سنن الترمذي على هامش الماحوذي 4 : 217 / 1720 عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال : حرام لباس الحرير والذهب على ذكور اُمّتي واُحلّ لاُناثهم .

ــ[294]ــ

الحرير والذّهب . ويرد على الاستدلال به اُمور :

   الأوّل : أن الحديث نبوي لم يثبت من طرقنا فلا يمكن الاعتماد عليه .

   الثاني : أنه غير شامل للفضة لاختصاصه بالذهب والحرير .

   الثالث : أن الحديث يختص بالرجال وكلامنا إنما هو في حرمة الذهب والفضة لمطلق المكلفين ذكوراً كانوا أم إناثاً .

   الرابع : أن التحريم الوارد في الحديث لا يراد به سوى تحريم لبسهما فحسب ، إذ لا يحتمل حرمة استعمال الحرير بفرشه أو بغير ذلك من الاستعمالات .

   فالمتلخص أنه لا دلالة في شيء من الأخبار المتقدِّمة على المدعى .

   وأما الاستدلال عليه ببعض الوجوه الاعتبارية كدعوى أن استعمال الذهب والفضة في غير الأواني كنقش الكتب والسقوف والجدران تعطيل للمال وتضييع له في غير الأغراض الصحيحة ، وأنه يستلزم الخيلاء وكسر قلوب الفقراء وغير ذلك مما ربما يستدل به في المقام فمما لا ينبغي الاصغاء إليه ، لأنه أي تضييع للمال في جعلهما حلقة للمرآة أو السيف أو في استعمالهما في موارد اُخر ، وأي فرق بين إبقائهما في مثل المرآة والسقف ونحوهما وبين إبقائهما في الصندوق من غير استعمالهما في شيء ، كما أن استعمالهما لا يستلزم العجب وكسر القلوب كيف وقد تقدّم أن درع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسيفه كانا مشتملين على حلقات الفضّة ، وذلك لوضوح أن استعمالهما كاستعمال بقية الأشياء الثمينة والأحجار الكريمة الغالية التي لا خلاف في جواز استعمالها .

ــ[295]ــ

   [ 407 ] مسألة 10 : الظاهر أن المراد من الأواني ما يكون من قبيل الكأس والكوز والصيني والقدر والسماور والفنجان وما يطبخ فيه القهوة وأمثال ذلك مثل كوز القليان ((1)) بل والمِصفاة والمشقاب والنعلبكي ، دون مطلق ما يكون ظرفاً ، فشمولها لمثل رأس القليان ورأس الشطب ، وقراب السيف ، والخنجر ، والسكّين وقاب الساعة ، وظرف الغالية ، والكحل ، والعنبر والمعجون والترياك ونحو ذلك غير معلوم وإن كانت ظروفاً ، إذ الموجود في الأخبار لفظ الآنية وكونها مرادفاً للظرف غير معلوم ، بل معلوم العدم وإن كان الأحوط في جملة من المذكورات الاجتناب . نعم لا بأس بما يصنع بيتاً للتعويذ إذا كان من الفضة ، بل الذهب أيضاً ، وبالجملة فالمناط صدق الآنية ، ومع الشك فيه محكوم بالبراءة (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) إن من العسير جداً تعيين معاني الألفاظ وكشف حقائقها بالرجوع إلى كتب اللغة ، لأنّ شأن اللغوي إنما هو التفسير بالأعم وشرح الألفاظ ببيان موارد استعمالاتها ، وليس من شأنه تعيين المعاني الحقيقية ولا أنه من أهل خبرة ذلك . إذن لا  سبيل إلى تعيين معنى الإناء لأن ما ذكروه في تفسيره من أنه كوعاء وزناً ومعنى (2)أو أنه الوعاء والجمع آنية وجمع الجمع أوان كسقاء وأسقية وأساق (3) تفسير بالأعم لعدم صحة استعمال الإناء فيما يصح استعمال الوعاء فيه ، إذ الوعاء مطلق الظرف يجمع فيه الزاد أو المتاع فيصدق على مثل الصندوق وغيره مما لا يصدق عليه الإناء . ففي كلام علي (عليه أفضل الصلاة) : «يا كميل بن زياد إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها» (4) فترى أنه (سلام الله عليه) قد أطلق الأوعية على القلوب مع أنه لا يصح إطلاق الآنية عليها إذ لا يصح أن يقال : القلوب آنية ، فبذلك يظهر أن الوعاء لا  يرادف الاناء فهو من التفسير بالأعم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في كونه من الاناء إشكال .

(2) كما في المصباح المنير : 28 .

(3) كما في أقرب الموارد 1 : 23 .

(4) نهج البلاغة : 495 باب المختار من حكم أمير المؤمنين (عليه السلام) رقم 147 .

ــ[296]ــ

   بل قد يقال : إنه من التفسير بالمباين لأن الوعاء قد اُخذ فيه مفهوم اشتقاقي بمعنى المحل ويعينه ما يضاف إليه فيقال وعاء من أوعية الماء ، وليس كذلك الاناء فتفسير أحدهما بالآخر من التفسير بالمباين ، وصدقهما على بعض الموارد إنما هو باعتبارين بمعنى أن الاناء إنما يطلق الوعاء عليه بالاضافة إلى ما يوضع فيه ولا يطلق عليه إذا لوحظ الظرف شيئاً مستقلاً في نفسه .

   والمتحصل أن مفهوم الاناء من المفاهيم المجملة ومعه لا بدّ من الاقتصار على المقدار المتيقن منه ويرجع إلى البراءة في الزائد المشكوك فيه لأنه من الشبهات الحكمية التحريمية ، والقدر المتيقن من مفهوم الاناء هو الظروف المعدة للأكل والشرب منها قريباً أو بعيداً ، فيشمل المشقاب والقدر والمصفاة والصيني الموضوع فيه الظرف الذي يؤكل فيه أو يشرب منه ، كما يشمل السماور حيث إن نسبته بالاضافة إلى الماء المصبوب منه كنسبة القدر بالاضافة إلى ما يطبخ فيه ، ولا يشمل كوز القليان ولا قراب السيف ولا رأس الشطب وغير ذلك مما ذكروه في المقام لعدم كونها مستعملة في الأكل والشرب ولو بعيداً ، هذا .

   بل يمكن أن يقال إن الاناء يختص بما يكون قابلاً لأن يشرب به لصحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة(1) المشتملة على قوله (عليه السلام) «نعم ، إنما يكره استعمال ما يشرب به» لأنها رواية معتبرة قد دلت على حصر الحرمة بما يشرب به وإن كان قد يستعمل في الأكل أيضاً كالكأس ونحوه، فلا يشمل الصيني والقدر والمصفاة والمشقاب وحلقات الذهب أو الفضة التي يتعارف وضع الاستكان فيها في بعض البلدان وصحاف الذهب أو الفضة التي يؤكل فيها الطعام وغيرها وذلك لعدم كونها قابلة لأن يشرب بها .

   نعم ، يشمل الحب وغيره مما يشرب به الماء ولو مع الواسطة كما يأتي . فالصحيحة على ذلك شارحة للفظة الاناء الواردة في الأخبار وموجبة لاختصاص الحرمة بما يشرب به ، وإن كان الأحوط الاجتناب عن كل ما يستعمل في الأكل والشرب ولو بعيداً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 291 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net