ــ[316]ــ
فصل في أحكام التخلِّي
[ 421 ] مسألة 1: يجب في حال التخلي بل في سائر الأحوال ستر العورة عن الناظر المحترم(1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالمتلخص أن ما يشك في كونه إناء الذهب أو الفضة يجوز استعماله مطلقاً ، سواء كان الشك من جهة المادة أو الهيئة ، وسواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية .
فصل في أحكام التخلِّي
(1) وجوب ستر العورة عن الناظر المحترم من المسائل القطعية بل الضرورية في الجملة ، ويدل عليه قوله عزّ من قائل : (قُل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ )(1) وغيرها من الآيات المتحدة معها في المفاد ، حيث دلت على وجوب حفظ الفرج عن كل ما يترقّب منه من الاستلذاذات، إذ الاستلذاذ به قد يكون بلمسه وقد يكون بالنظر إليه ، وقد يكون بغير ذلك من الوجوه على ما تقتضيه القوة الشهوية والطبع البشري ، وذلك لأن حفظ الفرج في تلك الآيات الكريمة غير مقيد بجهة دون جهة . ومعه لا حاجة في تفسير الآية المباركة إلى مرسلة الصدوق (قدس سره) «سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ : (قُل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ) ، فقال : كل ما كان في كتاب الله من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلاّ في هذا الموضع فانّه للحفظ من أن ينظر إليه»(2) حتى يرد بارسالها .
وأيضاً يدل على ذلك جملة من الأخبار فيها روايات معتبرة وإن كان بعضها ضعيفاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النور 24 : 30 .
(2) الوسائل 1 : 300 / أبواب أحكام الخلوة ب 1 ح 3 .
ــ[317]ــ
فمنها : ما رواه حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه» (1) .
ومنها : حسنة رفاعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلاّ بمئزر»(2) حيث جعلت ستر العورة من لوازم الايمان فتدل على وجوب سترها مطلقاً ، بعد القطع بأن الاتزار ليس من الواجبات الشرعية في الحمام ، والجزم بأن الحمام ليست له خصوصية في ذلك ، فليس الأمر به إلاّ من جهة أن الحمام لا يخلو عن الناظر المحترم عادة ، كما أن الأمر به ليس مقدمة للاغتسال ومن هنا ورد جواز الاغتسال بغير إزار حيث لا يراه أحد ، وذلك كما في صحيحة الحلبي قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يغتسل بغير إزار حيث لا يراه أحد ، قال : لا بأس»(3) ، وهذه الصحيحة تدل على أن الأمر بالاتزار في الحسنة المتقدِّمة ليس إلاّ لوجوب ستر العورة عن الناظر المحترم .
وفي جملة من الأخبار «عورة المؤمن على المؤمن حرام» (4) وظاهرها أن النظر إلى عورة المؤمن حرام .
وقد يناقش في ذلك ، بأن المراد بالعورة هو الغيبة ، فالأخبار إنما تدل على حرمة غيبة المؤمن وكشف ما ستره من العيوب ، كما ورد تفسيرها بذلك في جملة من النصوص منها : ما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «سألته عن عورة المؤمن على المؤمن حرام ؟ فقال : نعم ، قلت أعني سفليه ، فقال : ليس حيث تذهب إنما هو إذاعة سرّه»(5) . ومنها : رواية زيد الشحام عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في عورة المؤمن على المؤمن حرام ؟ قال : ليس أن ينكشف فيرى منه شيئاً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1 : 299 / أبواب أحكام الخلوة ب 1 ح 1 .
(2) الوسائل 2 : 39 / أبواب آداب الحمام ب 9 ح 5 .
(3) الوسائل 2 : 42 / أبواب آداب الحمام ب 11 ح 1 .
(4) الوسائل 2 : 39 / أبواب آداب الحمام ب 9 ح 4 .
(5) الوسائل 2 : 37 / أبواب آداب الحمام ب 8 ح 2 .
ــ[318]ــ
إنما هو أن يزري عليه أو يعيبه»(1) ومنها غير ذلك من الروايات .
والجواب عن ذلك ، أنه لا مناص من حمل تلك الروايات على تفسير كلامه بذلك في خصوص المورد أو الموردين أو أكثر ، فكأنه (عليه السلام) أراد منها معنى عاماً ينطبق على الغيبة وإذاعة السر في تلك الموارد تنزيلاً لهما منزلة كشف العورة ، ولا يمكن حملها على أن المراد بتلك الجملة هو الغيبة في جميع الموارد ، وأينما وقعت ، كيف وقد وردت في مورد لا يمكن فيه حملها على ذلك المعنى بوجه . وهذا كما في رواية حنان بن سدير عن أبيه قال : «دخلت أنا وأبي وجدي وعمي حماماً بالمدينة فاذا رجل في البيت المسلخ فقال لنا : مَن القوم ؟ فقلنا من أهل العراق ، فقال : وأي العراق ؟ قلنا : كوفيون ، فقال : مرحباً بكم يا أهل الكوفة أنتم الشعار دون الدثار ، ثم قال : ما يمنعكم من الاُزر فان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال عورة المؤمن على المؤمن حرام ، قال : فبعث إلى أبي كرباسة فشقها بأربعة ثم أخذ كل واحد منّا واحداً ثم دخلنا فيها ... فسألنا عن الرجل فاذا هو علي بن الحسين (عليه السلام) ومعه ابنه محمّد بن علي (عليهما السلام) »(2) . وذلك لأن ارادة الغيبة من قوله (عليه السلام) «فان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : عورة المؤمن ...» أمر غير ممكن بقرينة الحمام واتزارهم بالكرباس .
فالمتحصل إلى هنا أن وجوب ستر العورة مما لا إشكال فيه ، وكذا الحال في حرمة النظر إليها على ما دلت عليه الأدلّة المتقدِّمة .
وما عن بعض متأخري المتأخرين من أنه لو لم يكن مخافة خلاف الاجماع لأمكن القول بكراهة النظر ، دون التحريم كما نقله المحقق الهمداني (قدس سره) (3) فلعلّه مستند إلى مصححة ابن أبي يعفور قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) أيتجرّد الرجل عند صبّ الماء ترى عورته ؟ أو يصب عليه الماء ؟ أو يرى هو عورة الناس ؟
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 37 / أبواب آداب الحمام ب 8 ح 3 .
(2) الوسائل 2 : 39 / أبواب آدام الحمام ب 9 ح 4 .
(3) مصباح الفقيه (الطهارة) : 81 السطر 20 .
ــ[319]ــ
سواء كان من المحارم أم لا (1) رجلاً كان أو امرأة ، حتى عن المجنون والطفل المميِّز(2) ، كما أنه يحرم على الناظر أيضاً النظر إلى عورة الغير ولو كان مجنوناً أو طفلاً مميِّزاً (3) ، والعورة في الرجل القُبْل والبيضتان والدُّبْر ، وفي المرأة القُبْل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال : كان أبي يكره ذلك من كل أحد» (1) .
ولكن فيه أن الكراهة في الروايات لا يراد منها الكراهة بالمعنى المصطلح عليه عند الأصحاب لأنه اصطلاح حديث ، ومعناها الحرمة والبغض ما لم يقم على خلافها دليل ، وعلى ذلك فالرواية إما ظاهرة في الحرمة أو مجملة ، فلا يمكن جعلها قرينة على إرادة الكراهة المصطلح عليها في سائر الروايات . هذا تمام الكلام في وجوب ستر العورة وحرمة النظر إليها ، وأما خصوصيات ذلك فهي التي أشار إليها الماتن بقوله : سواء كان من المحارم ... .
(1) هذا وما بعده لاطلاق الأدلّة المتقدِّمة من الآيات والأخبار الدالتين على حرمة النظر إلى عورة الغير ووجوب حفظ الفرج مطلقاً ، وذلك لأنه لم يستثن منه سوى أزواجهم وما ملكت أيمانهم ، بلا فرق في ذلك بين المحرم كالأخ والاُخت والأب والاُم ونحوهم وبين غير المحرم .
(2) لأنه مقتضى اطلاق الأدلّة المتقدِّمة . وعدم حرمة كشف العورة والنظر إليها في حق الطفل والمجنون نظراً إلى اعتبار العقل والبلوغ في التكليف ، لا يستلزم جواز كشف العورة عندهما ، أو جواز النظر إلى عورتيهما في حق المكلفين ، نعم لا يجب ستر العورة عن الصبي غير المميز ولا عن المجنون غير المدرك ـ لشدة جنونه ـ وذلك لأن الظاهر المنصرف إليه من الأدلّة المتقدِّمة أن العورة إنما يجب سترها عن الناظر المدرك دون الناظر فاقد الشعور والإدراك ، فان حاله حال الحيوان فكما لا يحرم الكشف عنده فكذلك الناظر غير الشاعر المدرك .
(3) لاطلاق ما دلّ على حرمة النظر إلى عورة الغير ، وإنما خرجنا عن هذا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 2 : 33 / أبواب آداب الحمام ب 3 ح 3 .
ــ[320]ــ
والدُّبر ((1)) (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاطلاق في الطفل غير المميز بالسيرة الجارية على جواز النظر إلى عورته كما تأتي الاشارة إليه في المسألة الثالثة إن شاء الله .
(1) الذي ورد في الأدلّة المتقدِّمة من الآيات والروايات هو عنوان الفرج والعورة والظاهر أنهما والسوءة من الألفاظ المترادفة كالانسان والبشر ، ومعناها ما يستحيي ويأبى من إظهاره الطبع البشري ، والقدر المتيقن من ذلك هو القُبل والدُّبر في المرأة والدبر والقضيب والبيضتان في الرجل ، وحرمة النظر إلى الزائد عن ذلك كحرمة كشفه تحتاج إلى دليل ، وما استدل به على التعميم روايات ثلاث :
إحداها : رواية قرب الاسناد عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) أنه قال : «إذا زوج الرجل أمته فلا ينظرن إلى عورتها ، والعورة ما بين السرّة والرّكبة» (2) .
وثانيتها : خبر بشير النبال قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الحمام فقال : تريد الحمام ؟ قلت : نعم ، فأمر باسخان الماء ثم دخل فاتزر فغطى ركبتيه وسرّته ، ثم أمر صاحب الحمام فطلى ما كان خارجاً عن الازار ، ثم قال : اخرج عني ثم طلى هو ما تحته بيده ، ثم قال : هكذا فافعل» (3) .
وثالثتها : حديث الأربعمائة المروي في الخصال عن علي (عليه السلام) «إذا تعرى أحدكم (الرجل) نظر إليه الشيطان فطمع فيه ، فاستتروا ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذيه ويجلس بين قوم» (4) وهي تدل على أن العورة الواجبة سترها هي ما بين السرّة والرّكبة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل ما بين السرة والركبة على الأحوط .
(2) الوسائل 21 : 148 / أبواب نكاح العبيد والاماء ب 44 ح 7 ، قرب الاسناد : 103 / 345 .
(3) الوسائل 2 : 35 / أبواب آداب الحمام ب 5 ح 1 ، 67 / ب 31 ح 1 .
(4) الوسائل 5 : 23 / أبواب الملابس ب 10 ح 3 ، الخصال 2 : 630 .
ــ[321]ــ
واللاّزم ستر لون البشرة دون الحجم وإن كان الأحوط ستره أيضاً وأما الشبح وهو ما يتراءى عند كون الساتر رقيقاً ، فستره لازم ، وفي الحقيقة يرجع إلى ستر اللّون (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلاّ أن هذه الأخبار ساقطة عن الاعتبار لضعف اسنادها ولا يمكن الاستدلال بها بوجه ، على أنها معارضة بمثلها من الأخبار الضعاف :
منها : مرسلة الصدوق عن الصادق (عليه السلام) «الفخذ ليس من العورة» (1) .
ومنها : مرسلة أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال : «العورة عورتان : القبل والدبر ، والدبر مستور بالاليتين فاذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة» (2) .
ومنها : مرسلة الكليني : «أما الدبر فقد سترته الاليتان ، وأما القبل فاستره بيدك» (3) وبما ذكرناه تحمل الطائفة المتقدِّمة على الاستحباب ـ بناء على التسامح في أدلّته ـ أو على المحافظة على الجاه والشرف .
(1) ظاهر الأدلّة المتقدِّمة الدالّة على وجوب حفظ الفرج وحرمة النظر إلى عورة الغير أن المحرم وقوع النظر على العين نفسها ، لأنه الظاهر من كلمة النظر في موارد استعمالاتها ، فالمنسبق إلى الذهن في مثل قولنا : زيد نظر إلى كذا ، أنه نظر إلى عين ذلك الشيء ونفسه ، والفقهاء (قدس سرهم) عبّروا عن ذلك بحرمة النظر إلى لون البشرة وأرادوا بذلك بيان أن وقوع النظر على نفس العورة هو الحرام ، وذلك لوضوح أن لون البشرة لا مدخلية له في الحكم بوجه ، لأن من قام وراء زجاجة حمراء أو صفراء مثلاً بحيث لا ترى عورته إلاّ بغير لونها ، لم يجز النظر إلى عورته بوجه ، ولم يكف التلوّن في الستر الواجب أبداً .
ويترتّب على ذلك أن اللاّزم إنما هو ستر نفس العورة لا حجمها ، ولا مانع من النظر إليه لعدم صدق النظر إلى العورة حينئذ . نعم يحرم النظر إلى ما يتراءى تحت
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) ، (3) الوسائل 2 : 35 / أبواب آدام الحمام ب 4 ح 4 ، 2 ، 3 .
ــ[322]ــ
[ 422 ] مسألة 2 : لا فرق في الحرمة بين عورة المسلم والكافر على الأقوى((1)) (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الساتر الرقيق غير المانع عن وقوع النظر إلى نفس العورة لما فيه من الخلل ، وذلك لأن في مثله يصدق النظر إلى العورة حقيقة فلا يمكن الاكتفاء به في الستر الواجب بوجه .
(1) ما أفاده (قدس سره) بالاضافة إلى وجوب ستر العورة مما لا إشكال فيه ، لأن مقتضى الأدلّة المتقدِّمة وجعله من لوازم الايمان كما في بعضها وجوب ستر العورة عن الناظر مطلقاً ، بلا فرق في ذلك بين المسلم وغيره . على أن كشف العورة لدى الكافر ينافي احترام المسلم ، فعلى ذلك لو فرضنا أن من في الحمام بأجمعهم يهود أو نصارى مثلاً لم يجز الدخول فيه من غير إزار .
وأما بالاضافة إلى حرمة النظر إلى عورة الكافر ففيه كلام وخلاف ، وقد ورد جوازه في روايتين ـ وإن كان يحتمل اتحادهما ـ إحداهما : حسنة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار» (2) وثانيتهما : مرسلة الصدوق عن الصادق (عليه السلام) أنه قال : «إنما أكره النظر إلى عورة المسلم ، فأمّا النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار» (3) وهما صريحتان في الجواز كما ترى ، ولعل الوجه فيه أن غير المسلم نازل عن الانسانية وساقط عن الاحترام فحالهم حال الحيوان ، لأنهم كالأنعام بل هم أضل .
وهذا أعني القول بالجواز هو المحكي عن جماعة ، وهو ظاهر الوسائل والحدائق(4) بل الصدوق(5) أيضاً ، لأن إيراده الرواية في كتابه يكشف عن عمله على طبقها .
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) في القوة إشكال وإن كان هو الأحوط .
(2) ، (2) الوسائل 2 : 35 / أبواب آداب الحمام ب 6 ح 1 ، 2 .
(4) الحدائق 2 : 5 .
(5) الفقيه 1 : 63 / 236 .
ــ[323]ــ
وما ذهبوا إليه لا يخلو عن قوة ، لصراحة الحسنة في الجواز واعتبارها بحسب السند هذا ، وقد يناقش في الاستدلال بها من جهتين :
إحداهما : أنها ضعيفة السند بالارسال ، لأن ابن أبي عمير قد نقلها عن غير واحد عن أبي عبدالله (عليه السلام) وفي الحدائق وصفها بالارسال وإن كان قد عمل على طبقها .
وهذه المناقشة ساقطة ، وذلك لا لأن مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده ، لما مر غير مرة من أن المراسيل ساقطة عن الحجية مطلقاً ، كان مرسلها ابن أبي عمير ونظراءه أم غيرهم ، بل لأن قوله : عن غير واحد ، معناه أن الرواية وصلت إليه عن جماعة من الرواة ، لعدم صحة هذا التعبير فيما إذا رواها واحد أو اثنان ، وتلك الجماعة نطمئن بوثاقة بعضهم على الأقل ، لأنه من البعيد أن يكون كلهم غير موثقين .
وثانيتهما : أن الرواية مهجورة لاعراض الأصحاب عن العمل على طبقها ، كما يستكشف من إطلاق كلماتهم في حرمة النظر إلى عورة الغير .
ويرد على هذه المناقشة :
أوّلاً : أن إعراضهم عن الرواية لم يثبت بوجه ، لأنه من المحتمل أن يستندوا في الحكم بحرمة النظر مطلقاً إلى ترجيح الأدلّة المعارضة وتقديمها على رواية الجواز كما ربّما يظهر من كلام شيخنا الأنصاري (قدس سره) (1) فتركهم العمل على طبقها من جهة مخالفة الرواية لاطلاق الآية والروايات ، والاعراض عن الرواية إنما يسقطها عن الحجية فيما إذا كشف عن ضعفها ، دون ما إذا كان مستنداً إلى علة اُخرى كما في المقام . على أن مثل الصدوق وغيره ممن ذهبوا إلى الجواز قد عملوا على طبقها فصغرى الاعراض غير ثابتة .
وثانياً : أن كبرى سقوط الرواية عن الحجية باعراضهم لا يمكن الالتزام بها بوجه كما قدّمناه في محلِّه(2) وعلى ذلك لا إشكال في الرواية سنداً كما لا كلام في دلالتها على
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب الطهارة 1 : 422 .
(2) مصباح الاُصول 2 : 203 .
ــ[324]ــ
الجواز ، فهي مقيدة للأدلة المتقدِّمة الدالّة على حرمة النظر إلى عورة الغير على تقدير كونها مطلقة ، هذا .
على أ نّا لو أغمضنا عن رواية الجواز ، أيضاً لا يمكننا الحكم بحرمة النظر إلى عورة الكافر ، وذلك لقصور المقتضي في نفسه حيث لا اطلاق فيما دلّ على حرمة النظر إلى عورة الغير حتى يشمل الكفار ، لأن الأخبار الواردة في ذلك مقيدة بالمؤمن أو المسلم أو الأخ ، وأما الآية المباركة : (قُل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ )(1) فهي أيضاً لا دلالة لها على المدعى وذلك :
أمّا أوّلاً : فلأن الظاهر من الآية المباركة أنها ناظرة إلى الجامعة الاسلامية وتكفلت ببيان وظيفة بعضهم بالاضافة إلى بعض آخر ، فلا اطلاق لها حتى تشمل غير المسلمين .
وأمّا ثانياً : فلأنها على تقدير اطلاقها وشمولها لغير المسلمين ، لا بدّ من تقييدها برواية حريز وما تقدم عن حنان بن سدير وغيرهما من الأخبار المشتملة على الأخ المؤمن أو المسلم ، والسر في ذلك أن تقييد موضوع الحكم بوصف أو بغيره من القيود يدل على أن الحكم في القضية لم يترتب على الطبيعة باطلاقها وأينما سَرَت ، وإنما ترتب على الحصة المتصفة بذلك الوصف أو القيد ، لأنه لولا ذلك لكان تقييد الموضوع بأحدهما لغواً ظاهراً ، وقد تقدم في مبحث المفاهيم أن ذلك متوسط بين القول بمفهوم الوصف وإنكاره(2) حيث لا نلتزم بالمفهوم في الأوصاف بأن ننفي الحكم عن غير المتصف ولو بسبب آخر ، ولا ننكر مدخليته في ثبوت الحكم رأساً ، بل ندعي أن للقيد دخالة في ترتب الحكم على موضوعه ، إلاّ أنه لا يدل على عدم مدخلية غيره من القيود فيه ، مثلاً تقييد الرجل بالعلم في قولنا : أكرم الرجل العالم يدل على أن له دخلاً في الحكم بوجوب إكرام الرجل ، ولا يدل على أن العـدالة مثلاً ليست كذلك لأنه يحتمل أن تكون العدالة أيضاً كالعلم علة للحكم .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المتقدِّمة في ص 316 .
(2) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 133 .
|