ــ[338]ــ
ولو اضطرّ إلى أحد الأمرين تخيّر ، وإن كان الأحوط الاستدبار (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الاستنجاء ، وقوله (عليه السلام) في ذيلها : «وإنما عليه أن يغسل ما ظهر منه وليس عليه أن يغسل باطنه» أيضاً يدل على ذلك ولا أقل من أنه مشعر به ، لأنه ناظر إلى دفع ما ربما يتوهّمه الغافل من اعتبار ادخال الأنملة لتنظيف الباطن أو الاسترخاء ، أو التفريج الزائد أو غيرها من الاُمور .
وأما الاستبراء فهو أيضاً كسابقه ولا دليل فيه على حرمة استقبال القبلة واستدبارها .
وقد يقال فيه بالحرمة ، نظراً إلى أنه قد يخرج بسببه قطرة بول أو قطرتان أو أكثر فاذا استبرأ المكلف مستقبلاً للقبلة أو مستدبراً لها ـ وهو عالم بخروج البول منه ـ فقد ارتكب الحرام ، لخروج البول منه نحو القبلة أو دبرها .
ويندفع بأن الحكم في لسان الدليل قد يتعلق بخروج البول من مخرجه ، ولا شبهة حينئذ في أن خروج القطرة يكفي في ترتب الحكم عليه ، وهذا كما في الوضوء لأن المكلف إذا توضأ ثم استبرأ فخرج منه البول ولو قطرة بطل وضوءه لترتب الحكم على خروج البول منه ، وقد يتعلق بالبول ، وأن البول إلى القبلة محرم كما في المقام ، ولا تأمل في عدم ترتب الحكم حينئذ على مجرد خروج قطرة أو قطرتين ، لأنه لا يصدق بذلك أنه قد بال ، ومع عدم صدقه لا مانع من استقبال القبلة أو استدبارها ، هذا كلّه بناء على أن المدرك في المسألة هو الروايات .
وأما إذا استندنا إلى التسالم والاجماع فالأمر أوضح ، لأن المتيقن منه إنما هو حرمة استقبال القبلة أو استدبارها لدى البول أو الغائط دون الاستبراء كما لعله ظاهر .
(1) لأن استدبار القبلة أقرب إلى إجلالها وتعظيمها .
هذا والصحيح أن المسألة تختلف باختلاف المدركين وذلك لأن المدرك في الحكم
ــ[339]ــ
ولو دار أمره بين أحدهما وترك الستر مع وجود الناظر وجب الستر (1) ولو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بحرمة استقبال القبلة واستدبارها إن كان هو الأخبار ، فمقتضى إطلاقها عدم الفرق في حرمتهما بين الاضطرار وغيره ، ومعه تندرج المسألة في كبرى التزاحم ، لعدم قدرته على امتثال التكليفين مع الاضطرار إلى ترك أحدهما ، فيرجع إلى مرجحات المتزاحمين ، وحيث إن الحرمة في استقبال القبلة محتملة الأهمية دون الحرمة في استدبارها ، فلا مناص من تقديمها وبذلك يتعيّن عليه الاستدبار ويكون الاحتياط به وجوبياً حينئذ .
وأما إذا كان المدرك هو التسالم والاجماع كما قربناه ، اندرجت المسألة في دوران الأمر بين التعيين والتخيير بحسب الجعل ، وذلك لأن الاجماع والتسالم إنما يوجبان حرمة استقبال القبلة واستدبارها في الجملة ، ولا يسببان حرمتهما على نحو الاطلاق حتى في موارد عدم التمكن من كليهما ، وبما أن المكلف قد عجز عن أحدهما فلا يحتمل حرمتهما في حقه معاً ، فالحرمة في حال الاضطرار إما أنها مجعولة في خصوص استقبال القبلة ـ لاحتمال كونها أهم ـ أو أنها جعلت لاستقبالها واستدبارها مخيراً ، وقد أسلفنا في محله أن مقتضى الأصل النافي للتعيّن هو التخيير (1) ومعه يكون الاحتياط بالاستدبار احتياطاً ندبياً لا محالة .
(1) كما إذا كان في غير القبلة ودبرها ناظر محترم لا يمكن التستر عنه ، فان أمره يدور بين ترك استقبال القبلة واستدبارها والبول من دون تستر ، وبين البول مستقبلاً لها أو مستدبراً ، ولا إشكال في وجوب التستر حينئذ ، بلا فرق في ذلك بين كون المدرك هو الأخبار وكونه التسالم والاجماع ، فانّه وقتئذ بحث علمي لا نتيجة عملية له . فان المدرك لو كان هو الأخبار وقعت المزاحمة بين حرمتهما وحرمة كشف العورة وحيث إن الثانية أهم بالارتكاز فتتقدم على حرمتهما ، ويجوز للمكلف أن يبول مستقبل القبلة أو مستدبراً لها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الاُصول 2 : 448 .
|