حكم التخلِّي مع اشتباه القبلة - جواز إقعاد الطّفل للتخلِّي إلى القبلة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5913


ــ[340]ــ

اشتبهت القبلة (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وإذا كان المدرك هو التسالم والاجماع ، لم يبق دليل على حرمة استقبال القبلة واستدبارها عند التزاحم ، وذلك لأن التسالم لا يقتضي حرمتهما إلاّ في الجملة وفي غير مورد التزاحم ، وأما معه فلا مقتضي لحرمتهما كما هو ظاهر .

   (1) قد يتمكن المكلف عند اشتباه القبلة من الاحتياط ، كما إذا دار أمر القبلة بين نقطتين متقابلتين ، لأنه يتمكن حينئذ من البول إلى غيرهما من النقاط ، وكذا إذا دارت بين الجهات الأربع أو الأقل أو الأكثر في نقاط معينة ، بحيث لو تقاطع خطان من تلك النقاط ـ  على وجه حصلت منهما زوايا أربع  ـ علم بوجود القبلة في منتهى أحد الخطوط الأربعة ، لتمكنه حينئذ من البول إلى غيرها كما إذا بال بين خطين منها .

   وقد لا يتمكن من الاحتياط ، كما إذا دار أمر القبلة بين جهات متعددة بحيث احتملنا القبلة في كل نقطة من نقاطها ، فان تمكن من الانتظار إلى أن ينكشف له القبلة ـ  لوصوله إلى منزله أو لدخول الليل وظهور الأنجم أو لطلوع الشمس أو غير ذلك مما يستكشف به القبلة  ـ تعيّن ، وبقيت حرمة التخلي إلى القبلة أو استدبارها بحالها .

   وإن لم يتمكن من الانتظار اندرجت المسألة في كبرى الاضطرار إلى أحد أطراف الشبهة لا بعينه ، وقد بيّنا في محله أن العلم الاجمالي لا يسقط عن التنجيز بالاضطرار (1) لأنه لم يتعلق بمخالفة الحكم الواقعي ، إذ لا اضطرار للمكلف إلى البول مستقبل القبلة أو مستدبراً لها ، وإنما تعلق بارتكاب أحد أطراف الشبهة ، ولا يسقط بذلك سوى وجوب الموافقة القطعية مع بقاء المخالفة القطعية بحرمتها ، وقد ذكرنا في المباحث الاُصولية أن الموافقة القطعية مع التمكن منها في أطراف العلم واجبة والمخالفة القطعية محرمة ، ومع العجز عنها تسقط عن الوجوب وتبقى المخالفة القطعية على حرمتها ، خلافاً لصاحب الكفاية (قدس سره) حيث ذهب إلى سقوط العلم الاجمالي عن التنجيز بطروء الاضطرار إلى أحد الأطراف لا بعينه (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2 : 382 .

(2) كفاية الاُصول : 360 .

 
 

ــ[341]ــ

لا يبعد العمل بالظن (1) ولو ترددت بين جهتين متقابلتين اختار الاُخريين ، ولو تردد بين المتصلتين فكالترديد بين الأربع ، التكليف ساقط فيتخيّر بين الجهات .

   [ 435 ] مسألة 15 : الأحوط ترك إقعاد الطفل للتخلِّي على وجه يكون مستقبلاً أو مستدبراً (2) ولا يجب منع الصبي والمجنون إذا استقبلا أو استدبرا عند

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) إذا ظن بالقبلة في جهة فهل يحرم التخلي إلى تلك الجهة ، أو أن الظن كالشك ولا يمكن الاعتماد عليه فلا محالة يتخيّر بينها وبين سائر الجهات ؟

   الصحيح أن الظن حجّة في باب القبلة مطلقاً ، وذلك لاطلاق صحيحة زرارة قال : «قال أبو جعفر : يجزئ التحرِّي أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (1) لدلالتها على كفاية الأخذ في باب القبلة بما هو أحرى وأرجح في نظر المكلف ، ولا إشعار فيها باختصاص ذلك بباب الصلاة ، بل مقتضى إطلاقها حجية الظن في تعيين القبلة بالاضافة إلى الأحكام المترتبة عليها ، وجوبية كانت كما في الصلاة والدفن ونحـوهما أم تحريمية كما في التخلي ، أم شرطاً كما في الذبح ، وهذا من الموارد التي أثبتنا حجية الظن فيها بالخصوص .

   (2) قد يستفاد من الدليل المتكفل لبيان حرمة الشيء أو من الخارج أن ذلك الشيء مبغوض مطلقاً ، وأن المولى لا يرضى بصدوره ولو من غير المكلفين كما في الخمر واللّواط والزِّنا وقتل النفس وأمثالها مما علمنا أن الشارع لا يرضى بصدورها ولو من الصبي ، وفي مثل ذلك يحرم ايجاده وإصداره بالصبي بالاختيار ، لأنه ايجاد للمبغوض شرعاً .

   وقد لا يستفاد من نفس الدليل ولا من الخارج إلاّ حرمة الشيء على المكلفين ، ولا مانع في مثله من إصداره بغير المكلفين ، لعدم كونه مبغوضاً من مثله ، والأمر في المقام كذلك ، لأن غاية ما ثبت بالاجماع والروايات إنما هي حرمة استقبال القبلة واستدبارها من المكلفين ، لأن الخطاب مختص بهم كما في بعضها : «إذا دخلت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 307 / أبواب القبلة ب 6 ح 1 .

ــ[342]ــ

التخلِّي (1) ويجب ردع البالغ العاقل العالم بالحكم والموضوع من باب النهي عن المنكر ، كما أنه يجب ارشاده إن كان من جهة جهله بالحكم، ولا يجب ردعه إن كان من جهة الجهل بالموضوع(2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المخرج ...»(1) أو «لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها»(2) فلا يكون استقبالها واستدبارها مبغوضاً من غير البالغين ، ومعه لا مانع من إقعاد الطفل إليها للتخلِّي ، هذا ولو شككنا في ذلك ولم نعلم أن المنهي عنه مبغوض مطلقاً أو مبغوض من المكلفين ، أيضاً لا مانع من إقعاد الطفل إليها لأصالة البراءة عن حرمته .

   (1) كما يظهر وجهه مما يأتي في التعليقة الآتية .

   (2) المتخلي مستقبل القبلة أو مستدبراً لها قد يكون عالماً بالحكم وموضوعه وقد لا يكون ، وغير العالم قد يكون ناسياً وغافلاً وقد يكون جاهلاً بالحكم أو موضوعه .

   أما العالم بالحكم وموضوعه فلا إشكال في وجوب ردعه ، لوجوب النهي عن المنكر وحرمة العمل في حقه .

   وأما غير العالم ، فقد يكون جهله رافعاً للحرمة الواقعية عنه كما في الناسي والغافل ، ولا يجب الردع في مثله لأنّ ما يصدر منهما عمل محلل حقيقة وغير مبغوض في حقهما ، وقد يكون جهله مسوغاً للعمل في مرحلة الظاهر فحسب ولا يتصف بالحلية الواقعية لأجله ، بل هو باق على مبغوضيته وحرمته كما هو الحال في موارد الجهل بالموضوع إذا ارتكب العمل اعتماداً على أصل أو أمارة ، نظير ما إذا ظن بالقبلة في جهة معينة أو قامت الأمارة على ذلك وبال المكلف إلى غيرها وصادف القبلة واقعاً لخطأ الأمارة أو الظن ، والردع في هذه الصورة أيضاً غير واجب ، وهذا لا لأن العمل مباح واقعاً ، بل لأنه مرخص في الارتكاب ، ومع الترخيص المولوي ولو في مرحلة الظاهر لا يبقى مجال للردع عنه ، وهذا هو الحال في جميع الشبهات الموضوعية إذا اعتمد فيها على أصل أو أمارة معتبرة ولم يصادفا الواقع إلاّ في موارد علمنا فيها باهتمام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 1 : 302 / أبواب أحكام الخلوة ب 2 ح 5 ، 6 .

ــ[343]ــ

ولو سأل عن القبلة فالظاهر عدم وجوب البيان (1) نعم لا يجوز إيقاعه في خلاف الواقع (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــ

الشارع وعدم رضائه بصـدورها ولو من غير المكلّفين، وذلك كما في النفـوس والأعراض والأموال الخطيرة ، فاذا أراد تزويج امرأة وعلمنا أنها اُخته ، أو أراد قتل شخص باعتقاد أنه سبع أو كافر وعلمنا أنه مؤمن محرم القتل ، وجب ردعه عن عمله وإن كان مستنداً في عمله ذلك إلى حجة معتبرة .

   وأما لو كان المكلف جاهلاً بالحكم ولم يكن جهله رافعاً للحرمة الواقعية ـ  كما في موارد الغفلة والنسيان  ـ فيجب ارشاده من باب وجوب البيان وتبليغ الأحكام الشرعية وحفظها عن الانطماس والاندراس .

   (1) لأنه من السؤال عن الموضوع الخارجي ولا يجب فيه البيان . نعم لو سأل عن حكمها لوجب الجواب والبيان ، لوجوب تبليغ الأحكام وإرشاد الجهال .

   (2) كما لو عيّن القبلة في غير جهتها ليبول إلى جهة القبلة ، نظير ما إذا قدّم طعاماً نجساً للجاهل ليأكله ، وقد ذكرنا في بحث المياه أن الشارع إذا نهى المكلف عن عمل دلّنا ذلك بحسب الارتكاز على أن مبغوض الشارع مطلق الوجود ، بلا فرق في ذلك بين إيجاده بالمباشرة وإيجاده بالتسبيب ، فايجاد البول إلى القبلة بالتسبيب كاصداره بالمباشرة حرام .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net