اعتبار انقطاع البول في تحقّق الاستبراء - كيفيّة الاستبراء والمسحات المعتبرة فيه - اعتبار الترتيب في المسحات التسع 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8033


 فصل في الاستبراء

    والأولى في كيفياته أن يصبر حتى تنقطع دريرة البول (2) ثم يبدأ بمخرج الغائط فيطهّره (3) ،

ـــــــــــــــــــ
 فصل في الاستبراء

     (2) بل الصبر مما لا مناص عنه حتى تنقطع ، لوضوح أن الغرض من الاستبراء ليس إلاّ نقاء المجرى والمحل من الرطوبات البولية المتخلفة فيهما ، وهذا لا يحصل إلاّ بالاستبراء بعد الانقطاع ، فلو استبرأ قبله لزمه الاستبراء ثانياً ، لامكان أن تتخلف الرطوبات البولية في الطريق بالبول بعد استبرائه ولا يؤمن خروجها بعد الانقطاع إلاّ بأن يستبرئ ثانياً ، هذا .

   على أنه يمكن استفادة ذلك من رواية عبدالملك بن عمرو عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللاً ، قال : إذا بال فخرط ما بين المقعدة والانثيين ثلاث مرات وغمز ما بينهما ثم استنجى ، فان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي» (1) حيث إن الامام (عليه السلام) فرّع الخرط فيها على البول بلفظة «فاء» الظاهرة في اعتبار كون الخرط متأخراً عن البول .

   (3) لم ينص على ذلك في الأخبار إلاّ أنه يقتضيه أمران :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 282 / أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 2 .

ــ[390]ــ

ثم يضع إصبعه الوسطى (1) من اليد اليسرى (2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   أحدهما : أن لا تتلوث يده ولا موضع الاستبراء بالنجاسة ، حتى يحتاج إلى الغسل بالماء زائداً عما يحتاج إليه في البدء بمخرج الغائط .

   وثانيهما : استحباب تقديم الاستنجاء من الغائط على الاستنجاء من البول كما في بعض الروايات (1) لأنه كما يستحب تقديمه على الاستنجاء من البول كذلك يستحب تقديمه على الاُمور المعتبرة فيه لزوماً أو على غير وجه اللزوم .

   (1) كما في النبوي «من بال فليضع إصبعه الوسطى في أصل العجان ثم ليسلها (يسلتها) ثلاثاً» (2) ولا بأس بالعمل به رجاء ومن باب الانقياد .

   (2) للنهي عن الاستنجاء باليمين وعن مس الذكر بها (3) ولما عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من استحباب أن يجعل اليد اليمنى للطعام والطهور وغيرهما من أعالي الاُمور ، واليسرى للاستنجاء والاستبراء ونحوهما من الاُمور الدانية (4) .

   نعم ، الحكم باستحباب ذلك يبتني على التسامح في أدلة السنن .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كموثقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن الرجل إذا أراد أن يستنجي بالماء يبدأ بالمقعدة أو بالاحليل ؟ فقال : بالمقعدة ثم بالاحليل» الوسائل 1 : 323 / أبواب أحكام الخلوة ب 14 ح 1 .

(2) المستدرك 1 : 260 / أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 2 ، 3 .

(3) الوسائل 1 : 321 / أبواب أحكام الخلوة ب 12 .

(4) سنن أبي داود ج 1 ص 9 عن عائشة قالت : كانت يد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اليمنى لطهوره وطعامه وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى . وأيضاً فيه عن حفصة زوج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قالت : كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه ، ويجعل شماله لما سوى ذلك . وفي المنتهى للعلاّمة ج 1 ص 249 عن عائشة : كانت يد رسول الله اليمنى لطعامه وطهوره ويده اليسرى للاستنجاء ، وكان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) استحب أن يجعل اليمنى لما علا من الاُمور واليسرى لما دنى .

ــ[391]ــ

على مخرج الغائط ، ويمسح إلى أصل الذكر ثلاث مرات (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) اختلفت كلماتهم في عدد المسحات المعتبرة في الاستبراء ، فذهب المشهور إلى اعتبار أن تكون المسحات تسعاً ، بأن يمسح من مخرج الغائط إلى أصل القضيب ثلاث مرات بقوة ، ويمسح القضيب ثلاثاً ويعصر الحشفة وينترها ثلاثاً كما ذكره الماتن (قدس سره) . وعن جملة منهم (قدس سرهم) كفاية الست بالمسح من مخرج النجو إلى أصل القضيب ثلاثاً وينتره ثلاثاً . وعن علم الهدى (1) وابن الجنيد (2) أن المسحات المعتبرة في الاستبراء ثلاث ، وهو بأن ينتر الذكر من أصله إلى طرفه ثلاثاً . وعن المفيد (قدس سره) في المقنعة أنه يمسح باصبعه الوسطى تحت انثييه إلى أصل القضيب مرة أو مرتين أو ثلاثاً ، ثم يضع مسبحته تحت القضيب وإبهامه فوقه ، ويمرهما عليه باعتماد قوي من أصله إلى رأس الحشفة مرة أو مرتين أو ثلاثاً ليخرج ما فيه من بقية البول (3) وظاهر هذا الكلام عدم اعتبار العدد في الاستبراء والمدار فيه على الوثوق بالنقاء .

   هذه هي أقوال المسألة ومنشأ اختلافها هو اختلاف الروايات الواردة في المقام .

   منها : رواية عبدالملك بن عمرو عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللاً ، قال : إذا بال فخرط ما بين المقعدة والانثيين ثلاث مرات وغمز ما بينهما ثم استنجى ، فان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي» (4) .

   ومنها : حسنة محمّد بن مسلم قال : «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) رجل بال ولم يكن معه ماء ، قال : يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه ، فإن خرج بعد ذلك شيء فليس من البول ولكنه من الحبائل» (5) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه عنه المحقق في المعتبر 1 : 134 .

(2) نقل عنه في المستمسك 2 : 227 .

(3) المقنعة : 40 .

(4) الوسائل 1 : 282 / أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 2 ، 3 .

(5) الوسائل 1 : 320 / أبواب أحكام الخلوة ب 11 ح 2 .

ــ[392]ــ

   ومنها : رواية حفص بن البختري عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في الرجل يبول قال ينتره ثلاثاً ثم إن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي» (1) وقالوا إن القاعدة تقتضي الاكتفاء بكل ما ورد في النصوص لاستبعاد تقييد بعضها ببعض ، ولا نرى نحن أيّ مانع من تقييد المطلق منها بالمقيد فان حالهما في المقام حال بقية المطلقات والمقيدات فقانون المطلق والمقيد يقتضي تقييد رواية عبدالملك الدالّة على كفاية التمسح بما بين المقعدة والانثيين ثلاثاً وغمز ما بينهما ، برواية حفص الدالّة على اعتبار مسح القضيب ثلاثاً ، كما يقتضي تقييد رواية حفص بحسنة محمد بن مسلم المشتملة على مسح الحشفة ثلاثاً أيضاً ، وبهذا يستنتج أن المعتبر في الاستبراء تسع مسحات كما هو المشهور .

   ثم إن رواية عبدالملك المتقدِّمة اشتملت على قوله : «وغمز ما بينهما» وفي الجواهر أن الغمز ـ أي غمز ما بين المقعدة والانثيين ـ لم يقل أحد بوجوبه فلا مناص من طرحه (2) . والظاهر أن الرواية لم تعتبر شيئاً زائداً على مسح القضيب ، حيث إن الضمير يرجع إلى الانثيين ، والمراد بما بينهما هو القضيب باعتبار وقوعه بين البيضتين وإنما لم يصرح (عليه السلام) به حياء ، وليس غمز الذكر إلاّ عصره ومسحه بشدّة والله العالم بحقيقة الحال .

   تتميم : ظاهر المتن اعتبار الترتيب في المسحات التسع المتقدِّمة ، حيث عبّر بكلمة «ثم» واعتبر تقدم المسحات الثلاث بين المقعدة والانثيين على المسحات الثلاث المعتبرة في القضيب ، كما اعتبر تقدم مسحات القضيب على المسحات الثلاث في الحشفة ، وهذا لم يقم عليه دليل ، بل الأخبار المتقدِّمة مطبقة على أن المسحات لا يعتبر الترتيب بينها ولا اختلاف بين الروايات من هذه الجهة ، وإن كان لا بدّ من تقييد مطلقها بمقيدها كما تقدم وذلك :

   أمّا رواية حفص بن البختري ، فلأن ظاهرها أن الضمير في «ينتره» راجع إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 282 / أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 2 ، 3 .

(2) الجواهر 3 : 114 .

ــ[393]ــ

البول المدلول عليه بجملة «يبول» كما في قوله عزّ من قائل : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّـقْوى ) (1) ومعنى ينتره أنه يجذب البول ، وانجذاب البول المتخلف في الطريق لا يتحقّق بعصر نفس القضيب ، لأن الاختبار أقوى شاهد على أن المتخلف من البول بين المقعدة وأصل القضيب أكثر من المتخلف في القضيب ، بحيث لو عصرت ما بينهما لرأيت أن البول يتقاطر من القضيب بأزيد مما يخرج في مسح القضيب ، وعليه فالرواية تدل على اعتبار عصر ما بين المقعدة ونهاية القضيب وجذب البول المتخلف فيما بينهما ثلاثاً ، وما بين المقعدة ونهاية الذكر قطعات ثلاث وهي : ما بين المقعدة والانثيين والقضيب ، والحشفة ، ومسح القطعات الثلاثة ثلاثاً تبلغ تسع مسحات كما تقدم ، فالرواية دلت على اعتبار المسحات التسع من دون أن تعتبر الترتيب بينها بحيث لو مسح من عند المقعدة إلى نهاية القضيب ثلاث مرات كفى في تحقق المسحات التسع المعتبرة في الاستبراء ، مع أن المسحات الثلاثة الاُولى لم تتقدم بأجمعها على المسحات الوسطى الثلاث ، كما أنها بتمامها لم تتقدم على المسحات الأخيرة الثلاث .

   وأمّا حسنة محمد بن مسلم ، فلأن أصل الذكر الوارد في الحسنة ظاهره العروق التي يقوم عليها الذكر ، ولم يرد به آخر القضيب وهو القسمة الأخيرة المرئية خارجاً ، كما أن أصل الشجر يطلق على العروق المنشعبة المتشتتة تحت الأرض ، وهي التي يقوم بها الشجر ، وهذه العروق هي الكائنة فيما بين المقعدة والانثيين ، وعليه فالحسنة تدل على اعتبار المسح فيما بين المقعدة وطرف الذكر ثلاث مرات ، ولا دلالة لها على اعتبار تقدم المسحات الثلاث في القطعة الاُولى على مسحات القطعة الوسطى الثلاث ، بل لو مسح من عند المقعدة إلى طرف القضيب مرة وهكذا في المرة الثانية والثالثة كفى في حصول الاستبراء بمقتضى الحسنة . وهذا الذي ذكرناه في تفسيرها إما أنه الظاهر المستفاد منها لدى العرف ، وإما أنه محتمل الارادة منها في نفسه ، ومعه تصبح الرواية مجملة . وكيف كان فليست الحسنة ظاهرة الدلالة على اعتبار الترتيب بين المسحات .

   هذا ، وقد يتوهم أن قوله (عليه السلام) «وينتر طرفه» مطلق ولا دلالة له على نتر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 8 .

ــ[394]ــ

ثم يضع سبابته ((1)) فوق الذّكر وإبهامه تحتـه (1) ويمسح بقوّة إلى رأسه ثلاث مرّات ، ثم يعصر رأسه ثلاث مرّات .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطرف ثلاثاً ، ويندفع بأنه (عليه السلام) لم يرد بقوله «وينتر طرفه» أن مسح أصل الذّكر مغاير مع نتر طرفه ، بأن يراد مسح الذكر إلى الحشفة ثلاثاً مرّة ، ومسح نفس الحشفة اُخرى ، بل الظاهر أنه (عليه السلام) أراد المسح من أصل الذّكر إلى نهايته ثلاث مرّات ودفعاً لتوهم عدم اعتبار نتر الحشفة أضاف قوله : «وينتر طرفه» أي يمسح القضيب وينتر طرفه في كل واحد من المسحات الثلاث ، فالحسنة والرواية المتقدِّمة متطابقتان .

   وأما رواية عبدالملك ، فقد تقدم أن المراد من «غمز ما بينهما» إنما هو عصر القضيب بقوة لأنها معنى الغمز ، وحيث إنها مطلقة بالاضافة إلى تعدد الغمز وعدمه فلا مناص من تقييدها بالروايتين المتقدمتين الدالتين على اعتبار غمز الذكر ثلاثاً ، ومعه تدل الرواية على اعتبار المسحات التسع فيما بين المقعدة والانثيين والقضيب وطرفه ، من غير أن تدل على اعتبار الترتيب بوجه ، فهي متطابقة مع الروايتين المتقدمتين ، وعلى ذلك لو مسح من عند المقعدة إلى نهاية الذكر مرة وهكذا في المرة الثانية والثالثة تحقّقت به المسحات التسع المعتبرة في الاستبراء .

   والمتحصل : أن الأخبار الواردة في المقام مطبقة على عدم اعتبار الترتيب في المسحات ، فالقائل باعتبار التسع إن أراد ما قدمنا تفصيله فهو ، وأما لو أراد مسح كل قطعة من القطعات الثلاث ثلاثاً مترتبة على الترتيب الذي ذكره الماتن (قدس سره) فهو مما لا دليل عليه .

   (1) لم نعثر على ذلك في شيء من الروايات معتبرها وضعيفها ولا نستعهده في فتاوى أصحابنا ، فان الموجود في كلماتهم عكس ما ذكره الماتن (قدس سره) على أنه من الصعوبة بمكان لأنه خلاف المتعارف المعتاد ، فان الطبع والعادة جريا على مسح

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر أن وضع السبابة تحت الذكر والابهام فوقه أولى .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net