ــ[46]ــ
ويجب إجراء الماء فلا يكفي المسح به ، وحدّه أن يجري من جزء إلى جزء آخر ولو بإعانة اليد ، ويجزئ استيلاء الماء عليه وإن لم يجر إذا صدق الغسل (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجب أن يغسل وجه نفسه ، فاذا كان وجهه أكبر عن المتعارف أو أصغر منه فلا بدّ من أن يرجع إلى المتعارف بالمعنى المتقدم ، وهو مراد الماتن (قدس سره) أيضاً ، وإن كانت عبارته كغيره من الفقهاء الذين اعتبروا المراجعة في المقام إلى المتعارف لا تخلو عن مسامحة ، لأن ظاهرها يعطي لزوم الغسل بمقدار الوجه المتعارف لدى الناس ، وقد عرفت عدم إمكان إرادته فليلاحظ .
وجوب الغسل في الوضوء :
(1) الاحتمالات في ذلك ثلاثة :
الأوّل : أن يكون الغسل المعتبر في الوجه واليدين هو الغسل المعتبر في تطهير الأجسام المتنجسة ، بأن يعتبر فيه استيلاء الماء على البشرة وانفصال غسالته عنه كما هو الحال في تطهير المتنجسات ، فانّ مجرّد وصول الماء إليها من غير انفصال غسالتها غير كاف في تحقق الغسل وصدق عنوانه لدى العرف .
وربما يشهد لذلك ما ورد في صحيحة زرارة من قوله (عليه السلام) : «كل ما أحاط به من الشعر فليس للعباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ، ولكن يجرى عليه الماء» (1) لدلالتها على اعتبار الجريان في الوضوء فلا يكفى مجرد وصول الماء إلى البشرة ، بل لا بدّ في صحته من إيصال الماء إليها وجريانه ، أي انتقاله من جزء إلى جزء آخر حتى تنفصل غسالته .
الثاني ، وهو مع الاحتمال المتقدم على طرفي النقيض : أن يكون المعتبر في غسل الوجه واليدين مجرد إيصال النداوة إلى البشرة ولو بامرار اليد عليها ، فكما أن النداوة تكفي في المسح ، كذلك تكفى في الغسل المعتبر في الوضوء ، وهذا لا بمعنى أن المعتبر في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1 : 476 / أبواب الوضوء ب 46 ح 3 .
ــ[47]ــ
الوجه واليدين أيضاً هو المسح ، كيف وهو على خلاف ما نطق به الكتاب ودلت عليه السنة القطعية ، لدلالتهما على أن الوضوء غسلتان ومسحتان وأن الغسل معتبر في الوجه واليدين كما يعتبر المسح في الرأس والرجلين ، فللمسح موارد معيّنة ولا يجزي في غيرها أعني الوجه واليدين ، بل لأن الواجب فيهما إيصال النداوة إلى البشرة وحيث إن ذلك لا يتحقق في الغالب بل الدائم إلاّ بالمسح ، فيكون المسح مقدمة لما هو الواجب في الوجه واليدين ، والدليل إنما دلّ على أن المسح ليس بواجب فيهما ، ولم يدلنا أيّ دليل على حرمته حتى لا يجوز الاتيان به مقدمة لتحقق ما هو الواجب في الوجه واليدين .
وقد يستدل على هذا الاحتمال بعدة من الأخبار الكثيرة التي فيها الصحيحة والموثقة ، الدالة على أن الوضوء يكفي فيه مسمى الغسل ولو مئل الدهن منها : صحيحتي زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «إنما الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه ، وأن المؤمن لا ينجّسه شيء ، إنما يكفيه مثل الدهن» (1) ومنها : موثقة (2) اسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) «أن عليّاً (عليه السلام) كان يقول : الغسل من الجنابة والوضوء يجزئ منه ما اُجزئ من الدهن الذي يبل الجسد» (3) ومنها غير ذلك من الروايات .
ولكن الاستدلال بهذه الروايات يتوقف على أن يكون وجه الشبه في تشبيه الماء بالدهن كفاية البلة والنداوة الواصلة إلى البشرة ، ولو بامرار اليد عليها وجريانه وانتقاله من جزء إلى جزء آخر ، فتدلنا هذه الروايات على أن هذا المقدار من البلة المائية كاف في صحة الوضوء ، إلاّ أنه لم تقم أية قرينة في شيء من الأخبار المتضمنة للتشبيه على أن ذلك هو وجه الشبه بينهما ، بل من المحتمل القوي أن يكون وجه الشبه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1 : 484 / أبواب الوضوء ب 52 ح 1 .
(2) عدّ هذه الرواية موثقة باعتبار أن غياث بن كلوب الواقع في سندها وإن لم يوثق في الرجال ولكن الشيخ [ في العدّة 1 : 56 السطر 12 ] نقل أن الطائفة قد عملت برواياته .
(3) الوسائل 1 : 484 / أبواب الوضوء ب 52 ح 5 .
ــ[48]ــ
في الروايات هو قلة الدهن في التدهين ، فان في موارد التدهين لا يستعمل الدهن إلاّ قليلاً ، فتؤخذ بمقدار الراحة من الدهن فيدهن به ، كما ورد التصريح بذلك في صحيحة محمد بن مسلم الواردة في كيفية الوضوء ، حيث قال أبو جعفر (عليه السلام) «يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها جسـده ، والماء أوسع ...» (1) فكذلك الحال في الوضوء ، فيكتفى فيه بالمقدار القليل من الماء ، ولا يعتبر فيه استعمال الماء الكثير وأوسعية الماء في الصحيحة إنما هي بلحاظ سرعة جريانه ، وقد ورد في صحيحة الحلبي الأمر بالاسباغ عند كثرة الماء ، والاكتفاء بالقليل عند قلته ، حيث قال : «اسبغ الوضوء إن وجدت ماءً ، وإلاّ فانه يكفيك اليسير» (2) ، وعلى الجملة التشبيه إنما هو في الكم والمقدار دون الكيف وإيصال النداوة بالتمسح .
وما ذكرناه إما هو الظاهر من الأخبار المتقدمة ، أو لا أقل من أنه القدر المتيقن منها ، كيف وحملها على كفاية إيصال النداوة بالمسح ينافي الصحيحة المتقدمة التي دلّت على اعتبار جريان الماء في الوضوء ، كما ينافي ذلك ما ورد في الآية المباركة والروايات من الأمر بغسل الوجه واليدين ، فان الغسل يعتبر فيه استيلاء الماء على البشرة وانفصاله عنها كما لا يخفى ، ومجرد إيصال النداوة إلى البشرة غير كاف في تحقق مفهوم الغسل ، لوضوح أن النداوة ليست بماء ، وأيضاً ينافيه الأخبار البيانية الواردة في الوضوء المشتملة على حكاية فعلهم (عليهم السلام) من أنه أخذ كفاً من الماء وغسل به وجهه ويديه (3) .
الثالث : أن يكون المعتبر في غسل الوجه واليدين أمراً متوسطاً بين الاحتمالين المتقدّمين ، بأن يكون الواجب هو استيلاء الماء على البشرة دون مجرّد إيصال النداوة إليها ، إلاّ أنه لا يعتبر انفصال الغسـالة عنها ، بل لو أوصل الماء إلى بشرته ـ ولو بالتمسّح ـ على نحو لم ينفصل عنها ولو قطرة واحدة كفى هذا في صحّة وضوئه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1 : 391 / أبواب الوضوء ب 15 ح 7 .
(2) الوسائل 1 : 485 / أبواب الوضوء ب 52 ح 4 .
(3) الوسائل 1 : 387 / أبواب الوضوء ب 15 .
|