أقسام الشعر النابت على الوجه :
الأوّل : ما نقطع بصدق عنوان المحيط عليه ، لغزارته وكثافته المانعتين عن وقوع حس البصر على البشرة ، وهذا مما نعلم باحاطته على الوجه وكونه مشمولاً للأخبار الدالة على أن الوجه المحاط بالشعر لا يجب غسله بل يجزئ غسل ظاهر الشعر عن غسله .
الثاني : ما نقطع بعدم انطباق عنوان المحيط عليه ، إما لخفته أو لأن كل فرد من أفراده قد نبت مستقلاً ومنفصلاً عن الآخر ، أي من غير التفاف بعضها ببعض ، بحيث تظهر البشرة الواقعة تحته بوضوح ولا يكون شعرها مانعاً عن رؤيتها ، وهذا أيضاً لا إشكال في حكمه ، فان غسله لا يجزئ عن غسل البشرة في الوضوء ، لعدم إحاطته بالوجه على الفرض ، فلا مناص من غسل الوجه حينئذ .
وهل يجب غسل الشعر أيضاً وإن لم يكن محيطاً أو لا يجب ؟ الظاهر هو الوجوب وهذا لا لأن الشعر من توابع الوجه الواجب غسله ، لأن التابع لا دليل على اتحاد
ــ[64]ــ
حكمه مع المتبوع دائماً ، ولا من جهة الأصل العملي بدعوى أن المأمور به وهو الطهارة معلوم للمكلف وإنما يشك في سببه وأنها هل تحصل بغسل الوجه فحسب أو لا بدّ من غسل الشعر أيضاً ، ومع الشك في المحصل والسبب لا بدّ من الاحتياط ، وقاعدة الاشتغال فيه هي المحكمة ، وذلك لما مر من أن الطهارة ليست مسببة عن الوضوء ، بل الطهارة هي نفس الوضوء ، ومعه يرجع الشك إلى الشك في التكليف بالمقدار الزائد ويندرج المقام في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، ويرجع في الزائد على القدر المتيقن إلى البراءة .
بل الوجه فيما ذكرناه صحيحة زرارة المتقدِّمة الآمرة بغسل الوجه من أول القصاص إلى الذقن بما دارت عليه الاصبعان ، أعني الوسطى والإبهام ، وذلك لضرورة أن الشعر النابت على الوجه أيضاً مما تدور عليه الاصبعان ، فان هذا المقدار من الوجه واجب الغسل في الوضوء ، وهو يشمل الشعر النابت عليه أيضاً وإن لم يكن محيطاً بالوجه .
الثالث : ما نشك في صدق عنوان المحيط عليه ، وهذا إما من جهة الشبهة المفهومية ، كما إذا لم ندر أن المحيط هل هو الشعر الكثيف المانع عن مشاهدة البشرة دائماً ، أو أنه يعم ما إذا كان خفيفاً وغير مانع عن وقوع النظر على البشرة دائماً أو في بعض الأحيان ، كما عند ملاعبة الريح مع اللحية ، وإما من جهة الشبهة المصداقية ، بأن علمنا بالمفهوم وأن المحيط هو الذي يمنع عن وقوع حس البصر على البشرة دائماً ، إلاّ أ نّا شككنا في مورد في أنه من المحيط المانع عن الرؤية أو أنه ليس كذلك ، وفي كلتا الشبهتين يجب غسل كل من البشرة والشعر .
أمّا في الشبهة المفهومية ، فلأجل أن مقتضى صحيحة زرارة المتقدمة المحددة لما يجب غسله من الوجه بما دارت عليه الاصبعان ، وغيرها مما دلّ على وجوب غسل الوجه في الوضوء ، أن المعتبر في الوضوء إنما هو غسل البشرة والوجه ، وقد قيدناها بالصحيحة الثانية لزرارة الدالة على أن ما أحاط به الشـعر من الوجه لا يجب غسله بل يكفي عنه غسل ظاهر الشعر ، وإذا فرضنا أن المخصّص أو المقيّد مجمل فلا بدّ من
ــ[65]ــ
الأخذ بالمقدار المتيقن منه ، وهو ما يمنع عن وقوع حس البصر على البشرة دائماً ، وأما في غيره فيرجع إلى العموم أو الاطلاق ، ومقتضاهما كما عرفت إنما هو وجوب غسل البشرة ، ففي موارد الشبهة لا بدّ من غسل البشرة حسبما تقتضيه المطلقات ، كما يجب غسل الشعر أيضاً بمقتضى ما قدمناه من الدليل ، وإن لم يكن محيطاً بالوجه .
وأمّا في الشبهات المصداقية ، فلمكان المطلقات ، وهذا لا لأجل التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية ، بل لأجل استصحاب عدم إحاطة الشعر بالوجه ، ولا سيما بملاحظة أنه من الاستصحاب النعتي دون المحمولي ، أعني استصحاب العدم الأزلي حتى يقال إنه مبني على القول بجريان الأصل في الأعدام الأزلية ، وذلك لأن شعر كل إنسان حتى بعد إنبات لحيته لا يكون محيطاً بوجهه من الابتداء ، بل هو مسبوق بعدم الاحاطة أوّلاً ، والأصل عند الشك أنه كما كان ، وبعد ذلك تشمله الاطلاقات الدالة على أن الوجه إذا لم يحط به الشعر وجب غسله ، كما يجب غسل الشعر لما تقدم .
فالمتحصِّل أنه في جميع الصور المتصورة في المسألة لا بدّ من غسل كل من الوجه والشعر إلاّ في صورة واحدة ، وهي ما إذا كان الشعر محيطاً بالوجه ، لما عرفت من أن غسل البشرة والوجه غير واجب وقتئذ ، هذا .
ثم لا يخفى الفرق الواضح بين ما ذكرناه في المقام وما اعتمد عليه جملة من الأعلام ومنهم المحقق الهمداني (قدس سره) من العلم الاجمالي بوجوب غسل الوجه إذا لم يكن الشعر محيطاً ، أو بوجوب غسل الشعر إذا كان محيطاً ، ومقتضى العلم الاجمالي بوجوب أحدهما هو الاحتياط وغسل كل من البشرة والشعر(1) .
والفارق هو أ نّا إذا قلنا بوجوب غسل كل من الوجه والشعر بأصالة الاشتغال لم يجز له أن يتمسح ببلة شيء منهما ، لعدم العلم بكونه بلة الغسل المأمور به ، فان ما وجب غسله على المكلف إنما هو أحدهما لا كلاهما ، فأحدهما الآخر غير واجب الغسل ولا يجوز التمسح ببلته ، وحيث إنه غير معلوم فلا يجوز للمكلف أن يتمسح
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقيه (الطهارة) : 139 السطر 19 .
ــ[66]ــ
[ 491 ] مسألة 1 : يجب إدخال شيء من أطراف الحدّ من باب المقدّمة وكذا جزء من باطن الأنف ونحوه (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ببلة شيء منهما ، وهذا بخلاف ما قررناه ، فانه عليه يتمكن من المسح ببلة كل منهما لدلالة المطلقات والأدلة على وجوب غسل كل من الوجه والشعر .
هذا على أن ما ذكره المحقق الهمداني (قدس سره) غير تام في نفسه ، لأن تنجيز هذا العلم الاجمالي يتوقف على القول بعدم وجوب غسل الشعر مع الوجه ـ كما إذا لم يكن محيطاً بالوجه ـ وأما إذا قلنا بوجوبه كما اخترناه وعرفت فالعلم الاجمالي منحل لا محالة ، وذلك للقطع بوجوب غسل الشعر على كل تقدير ، سواء أ كان محيطاً أم لم يكن ، ونشك في وجوب غسل الوجه وعدمه ، ولا مانع وقتئذ من الرجوع إلى أصالة البراءة .
غسل شيء من الأطراف مقدمة :
(1) إذا شككنا في وجوب غسل شيء من الوجه على نحو الشبهة المفهومية أو الموضوعية ، فالرجوع معه إلى الاحتياط أو البراءة يبتني على الخلاف المتقدم ، في أن المأمور به الواجب تحصيله على المكلفين هل هو عنوان بسيط ، أعني الطهارة التي هي معلومة لدى المكلف ، ولكنه يشك فيما يحصّلها ، وما هو سبب لتحققها في الخارج ، أو أن الواجب أمر مركب وهو نفس الغسلتين والمسحتين .
فعلى الأول إذا شككنا في وجوب غسل شيء من الوجه لا بدّ من أن نرجع إلى قاعدة الاشتغال ، كما أنه على الثاني لا بدّ من الرجوع إلى أصالة البراءة ، لأن الشك في أصل توجه التكليف إلى الزائد ، بناء على ما هو الصحيح من جريان البراءة عند دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، هذا فيما إذا شككنا فيما يجب غسله من الوجه .
وأمّا إذا علمنا بالمقدار الواجب غسله من الوجه، وهو ما دارت عليه الاصبعان
|