الكلام في جواز أخذ البلل من سائر الأعضاء عند جفاف اليد 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6126


ــ[178]ــ

وكفاية كونه برطوبة الوضوء وإن كانت من سائر الأعضاء ، فلا يضر الامتزاج المزبور ، هذا إذا كانت البلّة باقية في اليد ، وأما لو جفت فيجوز الأخذ من سائر الأعضاء ((1)) بلا إشكال من غير ترتيب بينها على الأقوى (1) ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أزيد من بقائها في الحاجبين ، لأنها تأخذ الماء أكثر مما يأخذه الحاجبان أو أشفار العينين ، ولأجل ذلك قال (عليه السلام) «وإن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك» إلخ ، ولم يقل وإن لم تكن بلّة في لحيتك ، لاستحالة فقدان البلّة من اللحية وبقائها في الحاجبين عادة ، هذا .

   وقد جاء في كلام صاحب الحدائق (قدس سره) بعد ذكر هذه المرسلة : ومثلها رواية زرارة (2) والظاهر أنه من سهو القلم والاشتباه ، إذ ليست لزرارة رواية مثل مرسلة الصدوق (قدس سره) نعم له رواية كبقية الأخبار الواردة في من نسي المسح ودخل في الصلاة ، والآمرة بالمسح من بلّة اللحية فليراجع (3) .

    أخذ البلل من سائر الأعضاء :

   (1) لا إشكال ولا كلام في جواز أخذ البلل من اللحية عند جفاف اليد كما ورد في غير واحد من الروايات ، وهي وإن كان أكثرها ضعيفة السند إلاّ أن بينها رواية واحدة قابلّة للاعتماد عليها في الاستدلال وهي صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «إذا ذكرت وأنت في صلاتك أنك قد تركت شيئاً من وضوئك ـ إلى أن قال ـ  ويكفيك من مسح رأسك أن تأخذ من لحيتك بللها إذا نسيت أن تمسح رأسك فتمسح به مقدّم رأسك» (4) وهي بظاهرها وإن كانت مطلقة من حيث جفاف اليد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأظهر الاقتصار على الأخذ من بلّة اللحية الداخلة في حدّ الوجه ، وبذلك يظهر الحال في بقية المسألة .

(2) الحدائق 2 : 281 .

(3) ، (4) الوسائل 1 : 408 / أبواب الوضوء ب 21 ح 3 ، 2 .

ــ[179]ــ

ورطوبتها ، إلاّ أنه بالنظر إلى أن الأغلب جفاف نداوة اليد فيما إذا ترك المتوضئ المسح ودخل في الصلاة ، وتكون الصحيحة كالمختصة بصورة جفاف اليد وتدلنا على أن من جفت يده ثم تذكر أنه ترك مسح الوضوء جاز له أن يأخذ من بلّة لحيته ، وهذا مما لا كلام فيه .

   وإنما الكلام في أن الأخذ من اللحية هل يتعيّن حينئذ أو أنه بعد جفاف اليد لا  ترتيب بين أعضاء الوضوء ، فله أن يأخذ البلل من لحيته كما أن له أخذ البلل من يده اليسرى أو من سائر أعضائه كحاجبيه وأشفار عينيه ؟ فيه كلام وخلاف بين الأصحاب (قدس سرهم) .

   وقد يستدل على الثاني باطلاقات ما دلّ على وجوب مسح الرأس والرجلين من دون تقييده بشيء ، كما في الآية المباركة وغيرها من الروايات الآمرة بمسح الرأس والرجلين بعد تقييدهما بأن يكون المسح ببلّة اليد ، إذ القدر المتيقن من التقييد إنما هو صورة وجود البلّة في اليد ، إذ حينئذ لا يجوز المسح ببلّة غيرها من الأعضاء بلا كلام وأما إذا جفت ويبست فلا مناص من الرجوع إلى المطلقات ، وحيث إنه لا دليل على تقييد المطلقات المذكورة بشيء فمقتضاها جواز المسح ببلّة الوضوء ، سواء أ كانت البلّة بلّة اللحية أو بلّة غيرها من أعضاء الوضوء .

   ويدفعه أمران : أحدهما : ما حققناه في المباحث الاُصولية من أن إطلاق دليل المقيد مقدّم على إطلاق دليل المطلق (1) ، وبما أن ما دلّ على لزوم كون المسح بالبلة الموجودة في اليد غير مقيد بحالة رطوبة اليد وعدم جفافها فلا مناص من رفع اليد بذلك عن المطلقات في كلتا صورتي رطوبة اليد ويبوستها ، والحكم بأن المسح ببلّة اليد مطلقاً جزء معتبر في الوضوء ، وذلك لأن صحيحة زرارة وغيرها مما قدّمنا (2) دلالته على التقييد قد وردت إرشاداً إلى اعتبار المسح ببلّة اليد وجزئية ذلك في الوضوء ، بلا فرق في ذلك بين صورتي التمكّن من المسح ببلّة اليد وعدمه ، ومعه لا إطلاق للمطلقات بعد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع مصباح الاُصول 2 : 462 .

(2) في ص 136 .

ــ[180]ــ

يبوسة اليد حتى نتمسك بها في إثبات جواز المسح ببلّة أعضاء الوضوء ، لوضوح أن كفاية المسح ببلّة غير اليد وقتئذ يحتاج إلى دليل ، ولم يقم دليل إلاّ على كفاية المسح ببلّة اللحية فحسب ، فلا مناص من الاقتصار عليه والحكم بعدم جواز المسح ببلّة غيرها من الأعضاء .

   ثانيهما : أنه على تقدير التنازل وتسليم صحة الرجوع إلى المطلقات في غير الصورة المتيقنة من تقييدها ، وهي صورة رطوبة اليد ، أعني ما إذا لم يتمكّن المتوضئ من المسح ببلّة اليد ، فالمطلقات غير منطبقة على ما نحن فيه ، وذلك لضرورة أن عدم التمكن من المسح ببلّة اليد الذي عرفت أنه جزء للمأمور  به يختص بالوضوء المأتي به ولا يعم طبيعي الوضوء ، لوضوح أن المكلف يتمكّن من أن يأتي بفرد آخر من الوضوء ويمسح فيه ببلّة يده ، وما سلمناه من شمول المطلق لصورة العجز من الجزء أو القيد فانما هو فيما إذا كان العجز وعدم التمكن من إتيانه غير مختص بفرد دون فرد ، كما إذا عجز عن إتيانه بين المبدأ والمنتهى على ما شرحنا تفصيله في بحث الاُصول، وحيث إن المكلّف في المقام متمكن من إتيان الجزء المعتبر في المأمور  به في ضمن فرد آخر من أفراد الطبيعي المأمور  به فلا وجه لدعوى شمول المطلقات للفرد الناقص بوجه .

   واُخرى يستدل على عدم تعيّن المسح ببلّة اللحية بمرسلة الصدوق المتقدِّمة (1) بتقريب أن ظاهرها أن المدار على المسح ببلّة الوضوء كما في قوله «فامسح عليه وعلى رجليك من بلّة وضوئك» بلا فرق في ذلك بين بلّة عضو وبلّة عضو آخر . وأما الترتيب الذي اُشير إليه في المرسلة من المسح ببلّة اللحية أوّلاً ، فالظاهر أنه من جهة أن اللحية تشتمل على البلّة أكثر مما يشتمل عليه غيرها من الأعضاء ، فيكون جفافها بعد جفاف بقية الأعضاء ، ومن هنا لم يقل : فاذا لم تكن بلّة في لحيتك فخذ من حاجبيك ، لأنه بعيد عادة ، وإنما قال : «وإن لم يكن لك لحية» ، هذا .

   وظهور المرسلة في المدعى وإن كان غير قابل للانكار ، غير أن ضعف سندها بالارسال مانع عن الاعتماد عليها في مقام الاستدلال .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 177 .

 
 

ــ[181]ــ

   والمتحصل : أن المسح لا بدّ وأن يكون ببلّة اللحية بعد يبوسة اليد ، بل الأقوى عدم جواز المسح بغير بلتها فيما إذا لم يكن هناك لحية أو كانت ولكنها يبست ، فلا يجوز المسح ببلّة الحاجبين أو أشفار العينين ، لعدم دلالة الدليل على كفاية المسح ببلّة غير اللحية .

   نعم ، وردت في ذلك عدة روايات إلاّ أنها ضعيفة السند كما أشرنا إليه سابقاً .

   ويدل على ما ذكرناه موثقة مالك بن أعين عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «من نسي مسح رأسه ثم ذكر أنه لم يمسح فان كان في لحيته بلل فليأخذ منه وليمسح رأسه وإن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف وليعد الوضوء» (1) .

   وقد يقال : إن عدم تعرض الرواية لأخذ البلّة من غير اللحية وحكمها بالاعادة عند عدم البلّة في اللحية لعله من جهة أن من البعيد عادة بقاء الرطوبة في غير اللحية من الحاجبين أو أشفار العينين أو غيرهما من الأعضاء مع يبوسة بلّة اللحية ، فلأجل التلازم العادي بين يبوسة اللحية ويبوسة الحاجبين والأشفار أو غيرهما أمر (عليه السلام) باعادة الوضوء عند يبوسة اللحية ، لا من جهة عدم كفاية المسح ببلّة غير اللحية من الأعضاء كما لا يخفى .

   وفيه : أن غلبة فقدان البلّة في غير اللحية عند ارتفاعها وزوالها عن اللحية وإن كانت صحيحة كما ذكر ، إلاّ أن بقاء الرطوبة في غيرها من الأعضاء عند يبوسة اللحية أيضاً كثير وليس من الندرة بمكان ، وذلك كما إذا تمندل ونشّف لحيته بعد الوضوء وتذكّر أنه ترك المسح قبل أن تنشف يده ، فان الرطوبة باقية في يده وقتئذ مع جفاف لحيته ، والتمندل أمر متعارف لدى الناس وإن احتمل كراهته أو استحباب تركه ، ومع كون بقاء الرطوبة في غير اللحية أمراً كثيراً متعارفاً إذا حكم بوجوب الاعادة عند جفاف اللحية وارتفاع بللها ، فلا محالة يستفاد من ذلك عدم كفاية المسح بغير بلّة اللحية كما ذكرناه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 409 / أبواب الوضوء ب 21 ح 7 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net