أصالة الصحة‌ 

الكتاب : القواعد الفقهية والاجتهاد والتقليد (دراسات) ج4   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6921

أصالة الصحة

الفرق بينها و بين قاعدة الفراغ مدرك أصالة الصحة مثبتات أصالة الصحة و لوازمها العقلية تقدم أصالة الصحة على الاستصحاب‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 319‌

أصالة الصحة و المعروف جريانها في الجملة. و يقع الكلام فيها من جهات:

الجهة الأولى: في الفرق بينها و بين قاعدة الفراغ،

و هو من ناحيتين:

إحداهما: ان قاعدة الفراغ انما تجري في فعل الفاعل نفسه. و أصالة الصحة تجري في فعل الغير.

ثانيتهما: ان القاعدة يختص جريانها بما إذا كان الشك بعد الفراغ عن العمل، غايته عممنا ذلك من حيث الفراغ عن العمل المركب، و عن اجزائه. و أصالة الصحة تجري فيه، و فيما إذا كان الشك في الأثناء، فإذا رأينا أن أحدا يصلي على الميت، و في أثناء صلاته شككنا في ان الميت وضع على الأرض مقلوبا أو كما هو اللازم، يحمل فعله على الصحة، بناء على جريانها. فالفرق بينهما انما هو في ان القاعدة مختصة بفعل الفاعل نفسه، و لا تجري إلاّ بعد الفراغ عن العمل، بخلاف أصالة الصحة.

الجهة الثانية: في بيان مدرك أصالة الصحة.

تارة: يراد من الصحة فيها الحسن، و يقابله القبح و الحرام، فإذا شك في ان ما صدر عن الغير كان قبيحا أو حسنا يحمل على الحسن بمقتضى أصالة الصحة. و أخرى: يراد بها المؤثر، و يقابله الفاسد.

أما أصالة الصحة بالمعنى الأول، أي حمل فعل الغير على الحسن دون القبيح، فلا تستلزم صحته بالمعنى الثاني، أي ترتب الأثر عليه، كما هو واضح.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 320‌

و يدل عليها الكتاب و السنة، إلاّ أن موضوعها فعل المؤمن دون غيره.

و أما أصالة الصحة بالمعنى الثاني، أي بمعنى ترتب الأثر في المعاملات بالمعنى الأخص، بل بمعناها الأعم منها و من الإيقاعات، بل الأعم من ذلك و من التوصليات، بل في العبادات أيضا، فقد استدل عليها بوجوه:

الوجه الأول: الإجماع و اتفاق الأصحاب على إجرائها عند الشك في الصحة، فإذا ترافع شخصان في صحة معاملة و فسادها، كان المدعي من يدعي الفساد، و عليه الإثبات. و أما مدعي الصحة فهو مستريح عن ذلك، لأن قوله موافق لأصالة الصحة.

و فيه: ان تحصيل الاتفاق في كل مورد بخصوصه مشكل جدا، و كونه تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم أشكل.

الوجه الثاني: قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) «1» و قوله تعالى (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) «2» بدعوى: ان الخطاب يعم جميع المكلفين، و عمومه يقتضي ان يرتب كل أحد آثار الصحة على فعل غيره.

و فيه: أولا: ان الدليل أخص من المدعى، لاختصاصه بالعقود، و لو بمعناها اللغوي الشامل للإيقاع دون الاصطلاحي.

و ثانيا: بينا في محله ان الخطاب فيهما متوجه إلى الملاك دون غيرهم.

و ثالثا: ان التمسك بهما في موارد الشك من التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية، لورود مخصصات كثيرة عليهما، و يحتمل كون الصادر منها، و التمسك بالعامّ في الشبهات المصداقية غير جائز.

الوجه الثالث: التعليل الوارد في بعض اخبار أمارية اليد عن الملك،

______________________________
(1) المائدة: 1.

(2) النساء: 29.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 321‌

كقوله عليه السّلام «لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق» إذ كما ان اليد لو لم تكن كاشفة عن الملك، و احتاج إثبات مالكية كل من يبيع شيئا إلى قيام البينة على ذلك، اختلت الأسواق، كذلك إذا لم تجر أصالة الصحة في فعل الغير، و كلما شك في ترتب الأثر على المعاملة الصادرة من الغير جرى استصحاب عدم ترتب الأثر المرغوب منها، اختل النظام، و لزم جواز تزويج زوجات الناس، و عدم جواز شراء أموال الناس و استئجارها منهم، و هو واضح الفساد.

و هذا الوجه و إن كان تاما في الجملة إلاّ أنه غير جار في جميع الموارد، مثلا عدم جريان أصالة الصحة في غسل الثوب لا يلزم منه هرج و لا مرج.

الوجه الرابع: و هو العمدة، و هو قيام سيرة العقلاء إلى زمان الأئمة عليهم السّلام على إجراء أصالة الصحة في فعل الغير. كما ان سيرة المتدينين أيضا قائمة على ذلك في المعاملات و العبادات، و لم يرد عنها ردع من الأئمة عليهم السّلام، فتكون ممضاة، فتكون أصالة الصحة معتبرة مطلقا.

الجهة الثالثة: هل الصحة المترتبة على أصالة الصحة في فعل الغير هي الصحة عند الفاعل، أو الصحة الواقعية؟

الظاهر هو الثاني، لعدم ترتب الأثر على صحة العمل بنظر الفاعل ما لم يكن صحيحا بنظر الحامل. و السيرة جارية على ترتيب الحامل آثار الصحة على فعل الغير، فإذا فرضنا ان الفاعل يرى جواز تغسيل الميت ارتماسا، فإجراء أصالة الصحة في تغسيله لا يوجب سقوطه عن الحامل.

ثم موارد حمل فعل الغير على الصحة على صور:

الأولى: أن يكون الحامل عالما بجهل الفاعل بالمسألة حكما أو موضوعا.

الثانية: أن يكون جاهلا بذلك.

الثالثة: أن يكون عالما بعلمه بالمسألة.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 322‌

أما الصورة الأولى: فكما إذا علمنا بأن المتعاملين لا يعلمان حكم الرّبا، و لكن مع ذلك احتملنا ان المتماثلين في الجنس من الموزون لم يزد أحدهما على الآخر من باب الاتفاق. و الظاهر عدم تحقق السيرة على الحمل على الصحة في مثل ذلك.

و من هذا القبيل الجهل بالموضوع، سواء كان عذرا للفاعل أو لم يكن، لاقترانه بالعلم الإجمالي، كما إذا علمنا بان المشتري لا يعلم بأن أحد اللحمين ميتة، فاشترى أحدهما، و احتملنا كون ما اشتراه من باب الصدفة هو المذكى.

أما الصورة الثانية: فالظاهر جريان أصالة الصحة فيها، لقيام السيرة على الحمل على الصحة في مثل ذلك. بل أغلب مواردها من هذا القبيل.

و أما الصورة الثالثة: فتارة: ينحل حكم المسألة بحسب نظر الحامل و الفاعل، بأن كان أحدهما مقلدا للآخر، أو مقلدين لشخص واحد. و هذا هو المتيقن من مورد أصالة الصحة.

و أخرى: يختلف الحكم بالتباين بحسب نظريهما، بمعنى ان ما يراه الحامل شرطا يراه الفاعل مانعا، كما إذا كان الفاعل مسافرا إلى أربعة فراسخ، و يريد الرجوع ليومه، و يرى كونه موجبا لقصر الصلاة، و الحامل لا يراه موجبا له، فان الركعتين الأخيرتين بنظر الفاعل شرط، و بنظر الحامل مانع. و في مثله لا مجال لأصالة الصحة، فان حمل فعل الغير على الوجه الحسن المشروع ينافي حمله على ما يراه فاسدا، و لو كان هو الصحيح بنظر الحامل.

و ثالثة: لا يكون اختلاف الحكم بالتباين، بل يرى الحامل شيئا شرطا في العمل، و لا يراه الآخر شرطا، كالسورة في الصلاة، و لا مانعا. و في مثله و ان أمكن إجراء أصالة الصحة، كما ذكره الشيخ «1»، إذ يحتمل ان الفاعل أتى بذاك الشرط‌

______________________________
(1) فرائد الأصول: 2- 721 (ط. جامعة المدرسين).

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 323‌

و ان لم يره شرطا، من باب كونه أفضل الأفراد، و ليس حمل فعله على ذلك منافيا لحمله على الوجه الحسن، إلاّ ان السيرة لم يثبت قيامها على الحمل على الصحة في هذه الصورة، فلا يجوز للحامل الائتمام بصلاة الفاعل حينئذ.

نعم إذا فرضنا ان ما يراه الحامل شرطا لم يكن من الأركان، و لم يكن الإخلال به عن غير عمد موجبا للبطلان، كالتسبيحات الأربع، حيث ان الإخلال بها لا يوجب الإعادة، لحديث لا تعاد، و لو تبدل رأي المصلي بعد الفراغ عن الصلاة، كانت صلاته صحيحة واقعا، و لو علم المأموم بأنه تركه، فضلا عما إذا احتمل الترك فيجوز الائتمام.

لكن لا يجري هذا في السورة، لأن المأموم مكلف بالقراءة، و الإمام يتحملها عنه، فإذا فرض انه لم يقرأ السورة، لأنه لا يراه واجبا، لم يسقط عن المأموم، فلا يجوز له الائتمام إلاّ بعد ركوع الإمام و سقوط القراءة.

الجهة الرابعة [جريانها في موارد الشك في الصحة التأهلية و القابلية]

قد يكون العمل الواقع خارجا من عقد أو إيقاع أو غير ذلك مما أحرز صحته التأهلية، بمعنى قابلية الفاعل لصدور الفعل عنه، و قابلية المورد لوقوعه عليه شرعا و عقلا، و يشك في صحته الفعلية من بقية الجهات، كاحتمال فقدانه لشرط و نحوه مما اعتبر فيه. و هذا هو القدر المتيقن من مورد جريان أصالة الصحة.

و قد يكون الشك فيه من جهة الشك في قابلية الفاعل لصدور الفعل عنه، أو المورد لوقوعه عليه. و هذا هو مورد الخلاف بين العلامة و المحقق الثاني و بين شيخنا الأنصاري.

ثم القابلية المشكوكة قد تكون مما اعتبرها العقلاء في الفاعل، كما إذا شككنا في صحة البيع الصادر من أحد لاحتمال ان لا يكون مميزا، فان عقد الصبي غير المميز ليس صحيحا عند العقلاء، أو في المورد، كما إذا شككنا في صحة بيع لاحتمال‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 324‌

أن لا يكون المبيع مالا أو خنفساء مثلا، بناء على اعتبار المالية فيه عقلا. و يحتمل أن يكون هذا هو مورد الخلاف بين المحقق و العلامة و بين الشيخ.

و قد تكون مما اعتبرها الشارع فقط في الفاعل، كما إذا شك في صحة عقد لاحتمال عدم كون العاقد بالغا، فان اعتبار البلوغ انما هو بدليل شرعي لقوله عليه السّلام «حتى يحتلم» «1» و ليس معتبرا عند العقلاء، أو في المورد، كما إذا شككنا في صحة البيع لاحتمال كون المبيع خمرا أو خنزيرا، فان كلا منهما مال عرفا إلاّ ان الشارع منع عن بيعه.

و الظاهر ان الخلاف المذكور جار حتى في ما إذا كان الشك في ما اعتبر في قابلية الفاعل أو المورد شرعا، و ان احتمل اختصاصه بما اعتبر في ذلك عقلا.

و يشهد للعموم تمثيلهم لمورد الشك في القابلية بما إذا شك في بلوغ العاقد، و انه لا يكون موردا لأصالة الصحة.

و بالجملة ذهب المحقق و العلاّمة «2» إلى اختصاص أصالة الصحة بما إذا كانت الصحة التأهلية محرزة، و كان الشك في الصحة الفعلية، و أنها لا تجري فيما إذا كان الشك في الأركان أعني القابلية. و ذهب الشيخ إلى التعميم، و انها جارية.

و الصحيح: ما ذهب إليه المحقق و العلاّمة.

و يظهر ذلك بالرجوع إلى بناء العقلاء و سيرتهم، فانا نرى بالوجدان ان أحدا إذا باع مالا لم يكن تحت يده، و احتملنا كونه مالكا أو وكيلا أو أجنبيا، ليس بناء العقلاء على حمل فعله على الصحة، و الحكم بكونه مالكا للبيع، و ترتيب آثار الصحة على بيعه. و كذا إذا طلق أحد زوجة غيره، و احتملنا كونه وكيلا عن الزوج أو كونه أجنبيا، ليس بناء العقلاء على مباينة الزوجة عن زوجها بمجرد ذلك، و لا‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: 1- باب 4 من أبواب مقدمة العبادات، ح 11.

(2) القواعد: 177. و التذكرة: 1- 87.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 325‌

يخطبونها و لا يتزوجون بها بمجرد حمل فعل المطلّق على الصحة. هذا من حيث الشك في قابلية الفاعل.

و هكذا إذا شك في قابلية المورد، كما إذا شككنا في صحة صلاة من يصلي على الميت، لاحتمال ان لا يكون المصلّى عليه ميتا، لم يثبت من العقلاء بناء على الاكتفاء بصلاته.

هذا و لو شككنا في ثبوت السيرة و عدمها، كان مجرد الشك كافيا في عدم جريان أصالة الصحة، كما هو واضح. فما أفاده الشيخ من العموم غير تام.

و بالجملة ربما يقال: بجريان أصالة الصحة في المعاملات من العقود و الإيقاعات بمجرد تحقق الالتزام في الخارج، و لو لم يحرز صدق عنوان العقد أو الإيقاع عليه عرفا، كما إذا تحقق بيع في الخارج، و شككنا في كونه من البيع الصحيح عند العقلاء، لاحتمال كون البائع صبيا غير مميز، فتجري فيه أصالة الصحة، و يبنى على صحته.

و نسب هذا إلى الشيخ قدّس سرّه، حيث ادعى ان العقلاء من المتدينين و غيرهم يدخلون السوق و يشترون الأموال من أهل السوق، مع أنهم يحتملون انتقالها إليهم من الصبي أو السارق أو الغاصب. كما انهم يبنون على مالكية أنفسهم لما في أيديهم إذا احتملوا أنهم شروها من الصبي أو السارق و نحوهم ممن ليس أهل للمعاملة حتى عند العقلاء.

و قد يقال: بعدم جريان أصالة الصحة إلاّ بعد إحراز صحة المعاملة عرفا فيما إذا شك في صحتها شرعا، لاحتمال فقدانها لما اعتبره الشارع فيها، كما إذا شككنا في صحة بيع الصبي المميز، أو في كون البائع صبيا، أو احتملنا كون المبيع خمرا أو ميتة. و أما إذا كان الشك في صحة المعاملة عرفا، فلا يمكن إثباتها بأصالة الصحة.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 326‌

و ربما لا يقنع بهذا، و يقال: باعتبار إحراز قابلية الفاعل و المورد للمعاملة شرعا أيضا، و إلاّ فلا مجال لأصالة الصحة فيما إذا شك في أهلية الفاعل أو المورد للمعاملة شرعا. و ذهب إلى هذا المحقق الثاني و العلاّمة. و هو الصحيح، لعدم ثبوت سيرة العقلاء و المتدينين على أصالة الصحة في غير الفرض الأخير.

و بما ذكرناه ظهر الفرق بين ما إذا شك في بلوغ العاقد بناء على اعتباره، و ما إذا كان الشك في الصحة من جهة احتمال عدم بلوغ البائع الحقيقي الّذي يستند إليه البيع حقيقة، أعني المالك و من بحكمه. فان أصالة الصحة تجري في الأول، لتمامية أركان البيع، و إحراز أهلية البائع، و كون الشك في ما اعتبره الشارع في منشئ الصيغة و هو العاقد. و لا تجري في الثاني، لكون الشك في أهلية البائع للبيع.

و يشهد لما اخترناه أنه في مورد المرافعة يكون مدعي الوكالة على الطلاق أو للبيع مثلا، و جامعه مدعي الصحة، هو المدعي، و عليه الإثبات، و الزوج أو المالك المدعي للفساد هو المنكر، لموافقة قوله للأصل. و لو كانت أصالة الصحة جارية انعكس الأمر، لموافقة قول مدعي الصحة لأصالة الصحة، و هذا واضح.

ثم انّ ما ذكره الشيخ من الحمل على الصحة في الموارد المذكورة انما هو من جهة اليد لما في يد غيره أو في يد نفسه، فان اليد أمارة الملك مطلقا، فهو خارج عن محل الكلام، لأن مورد البحث انما هو الاعتماد على مجرد أصالة الصحة، و موارد الاطمئنان أو ثبوت أمارة على الملك خارجة عنه.

ثم ان شيخنا الأنصاري ذكر ما حاصله: انه على فرض التنزل عما اختاره من جريان أصالة الصحة، و لو كان الشك من جهة قابلية الفاعل أو المورد، و البناء على لزوم إحراز ذلك في جريانها، انما لا تجري أصالة الصحة في الإيقاعات و في العقود إذا شك في قابلية كلا الطرفين. و أما إذا أحرز القابلية في أحد الطرفين دون الآخر، فتجري أصالة الصحة في فعله، و يترتب عليه آثار العقد الصحيح التام من‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 327‌

حصول الملكية و النقل و الانتقال «1» مثلا.

و فيه: ما لا يخفى، فانه لا يترتب على أصالة الصحة إلاّ صحة العمل من الجهة المشكوك فيها، و ترتب الأثر من تلك الناحية، لا من بقية الجهات.

و بعبارة أخرى: إذا كان الأثر مترتبا على أمرين، كل منهما جزء من السبب، فجريان أصالة الصحة في أحد الجزءين لا يقتضي تحقق الجزء الآخر، و لا ترتب أثر مجموع الجزءين. و انما يترتب عليها أثر نفس ذاك الجزء. و إن شئت عبر عنه بالصحّة التأهلية، بمعنى كونه قابلا لأن يكون جزء من السبب الفعلي إذا انضم إليه الجزء الآخر.

و بهذا ظهر الحال في إجراء أصالة الصحة في عقد الفضول، فانه لا يستدعي إلاّ صحة العقد بما هو عقد، لا بما انه مستند إلى اذن المالك أو إجازته، فلا يترتب عليها النقل و الانتقال المترتب على أمرين، تحقق العقد الصحيح و استناده إلى المالك. و هكذا في بيع الصرف و السلم و في الهبة و نحوها، مما اعتبر فيه القبض، حيث ان صحة العقد لا يترتب عليها تحقق القبض، و لا يترتب على أصالة الصحة فيه ترتب أثر المجموع كما هو واضح.

و بما ذكرناه ظهر الحال في بيع العين المرهونة فيما إذا اذن المرتهن في البيع و تحقق بعده أمران، بيع العين من المالك و الرجوع من المرتهن، و اختلفا في سبق البيع على الرجوع و العكس. و ذهب فيه جمع إلى فساد البيع، تمسكا بأصالة الصحة في الرجوع، فان صحته تستدعي عدم ترتب الأثر على البيع. و بعض ذهب إلى صحته، لأصالة الصحة في اذن المرتهن، فان صحة اذنه تستدعي صحة البيع.

و الظاهر عدم إمكان إثبات شي‌ء من صحة البيع و فساده بأصالة الصحة‌

______________________________
(1) فرائد الأصول: 2- 725 (ط. جامعة المدرسين).

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 328‌

أصلا، لما عرفت من ان صحة الاذن لا يستلزم صحة البيع، بل قد يتحقق الاذن في الخارج صحيحا و لا يتحقق البيع أصلا، و اذن المرتهن انما هو جزء السبب بالنسبة إلى حصول المبادلة، فانها مترتبة على البيع مع اذن المرتهن. و قد عرفت ان إجراء أصالة الصحة في أحد الجزءين لا يقتضي صحة الجزء الآخر. كما ان صحة الرجوع أيضا لا تستدعي فساد البيع، لأنه من آثار تأخر البيع عن الرجوع و كونه بدون اذن المرتهن، و ليس أثر صحة الرجوع بما هو.

و أما أصالة الصحة في نفس البيع، فانه فعل يشك في صحته و فساده، فهي غير جارية، لما ذكرنا من عدم جريانها فيما إذا كان منشأ الشك في الصحة احتمال عدم قابلية الفاعل لصدور الفعل عنه، و المقام من هذا القبيل، فلا يمكن التمسك بأصالة الصحة رأسا، لا في البيع و لا في الاذن و لا في الرجوع، فتصل النوبة إلى بقية الأصول. و استصحاب بقاء الاذن إلى زمان البيع معارض باستصحاب عدم تحقق البيع إلى زمان ارتفاع الاذن و تحقق الرجوع، فلا يمكن في المقام إثبات تقارن الجزءين و تحققها معا في زمان واحد بالأصل، كما أمكن ذلك في مثل الصلاة المأتي بها مع استصحاب الطهارة السابقة، حيث لم يقطع بارتفاعها، لعدم كون المقام من هذا القبيل، إذ المفروض اليقين بحدوث أحد الجزءين و ارتفاعه، فلا محالة يكون استصحاب بقائه إلى زمان وجود الجزء الآخر معارضا باستصحاب عدم تحققه إلى زمان ارتفاعه، فيسقطان معا، و لا يثبت تقارنهما في التحقق، فلا بد من الرجوع إلى أصل آخر، و هو استصحاب عدم ترتب الأثر من النقل و الانتقال، و بقاء المال على ملك مالكه السابق.

ثم انه ظهر بما ذكرناه انه يعتبر في جريان أصالة الصحة ان يكون تحقق أصل الفعل الجامع بين الصحيح و الفاسد محرزا، و يكون الشك في صحته و فساده لاحتمال كونه فاقدا لشرط أو مقرونا بمانع. و أما إذا شك في صدور أصل الفعل‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 329‌

فلا يمكن إحرازه بأصالة الصحة.

و عليه ففي العناوين القصدية لا مجال لجريانها فيما إذا شك في ان الفاعل قصد ذاك العنوان أو لم يقصده. مثلا إذا شك في ان المصلي قصد بفعله عنوان صلاة الظهر أو لم يقصده، لا يمكن الحكم بذلك بأصالة الصحة، لأن الشك في صدور أصل الفعل خارجا و عدمه. بل الحال كذلك في غير العناوين القصدية أيضا، كالغسل الشرعي المزيل للنجاسة، الّذي لا يعتبر في تحققه قصد الغسل، فلا يكفي تحقق ذاته في جريان أصالة الصحة فيه عند الشك، فإذا رأينا أحدا يغسل ثوبه، و لم نعرف أنه في مقام الغسل الشرعي، أي تطهير الثوب من النجاسة، أو في مقام الغسل العرفي و إزالة الوسخ عنه، لا يمكن إثبات الغسل الشرعي و الحكم بطهارة الثوب بأصالة الصحة. بل انما تجري فيما إذا أحرزنا أنه في مقام التطهير، و شككنا في أنه غسله بماء مطلق أو مضاف، فيجري أصالة الصحة، و يحكم بطهارة الثوب.

و بالجملة لا بد في جريانها من تحقق الفعل خارجا و إحراز قصد الفاعل لعنوان الفعل في العناوين القصدية، بل في غيرها أيضا، غايته اعتبار ذلك في العناوين القصدية أوضح.

و السر في ذلك ان دليل أصالة الصحة منحصر بالسيرة، و لم يثبت بناء من العقلاء على الحكم بصحة و ترتيب آثار العمل الصحيح فيما إذا شك في وجود العمل أو في قصد الفاعل لعنوانه القصدي أو غير القصدي.

و من هنا ظهر الحال في النيابة فيما إذا أتى النائب بالعمل و شككنا في أنه قصد به وقوعه عن المنوب عنه أو لم يقصد ذلك، فانه لا يمكن الحكم بفراغ ذمة المنوب عنه و استحقاق الأجير للأجرة و إحراز قصد النيابة بأصالة الصحة، لأن الشك انما هو في أصل تحقق الفعل عن المنوب عنه خارجا، و قد عرفت عدم جريان أصالة الصحة عند الشك في وجود العمل.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 330‌

و لشيخنا الأنصاري في المقام كلام حاصله: التفصيل بين استحقاق النائب للأجرة و فراغ ذمة المنوب عنه، بتقريب: ان الفعل الصادر نيابة عن الغير فيه حيثيتان. حيثية صدوره عن الفاعل، و لذا يكون تابعا لما هو وظيفة الفاعل من بعض الجهات، كالتستر في الصلاة، فان النائب إذا كان رجلا لا يجب عليه إلاّ ستر عورتيه و ان كان المنوب عنه امرأة، و كذا العكس، و هكذا الجهر و الإخفات، فان الصلاة فيهما تابعة لما هو وظيفة الفاعل دون المنوب عنه. و حيثية كونه عن المنوب عنه، و لهذا يتبع في بعض الأحكام وظيفة المنوب عنه، كالقصر و التمام و الترتيب و نحو ذلك.

و عليه تجري أصالة الصحة في العمل من الحيثية الأولى، فيحكم بصحة فعل النائب بما هو فعله، و يترتب عليه استحقاق الأجرة، و ان لم يترتب عليه فراغ ذمة المنوب عنه «1»، انتهى.

و لا بد من عده من غرائب كلام الشيخ، و ذلك لأن مورد الإجارة لم يكن الفعل الصحيح مطلقا، و لو لم يقصد به النيابة أصلا أو قصد به النيابة عن غير المنوب عنه. و انما مورد الإجارة هو الفعل الصادر بعنوان النيابة عن المنوب عنه بخصوصه، فإذا فرضنا ان أصالة الصحة لا تثبت ذلك فبما ذا يستحق الأجرة. و ان فرضنا انه يثبته و يكون الفعل صادرا عن المنوب عنه بحكم أصالة الصحة فلما ذا لا تفرغ ذمة المنوب عنه، فان فراغ ذمته لا يتوقف على أكثر من ذلك.

و الصحيح: كما عرفت ان أصالة الصحة غير جارية، فلا يثبت استحقاق الأجرة للأجير، و لا فراغ الذّمّة للمنوب عنه.

نعم إذا أحرز انه قصد النيابة و شك في صحة العمل من بقية الجهات جرى فيه أصالة الصحة، و حكم بصحة العمل، و يترتب عليها استحقاق الأجرة و فراغ‌

______________________________
(1) فرائد الأصول: 2- 727- 728 (ط. جامعة المدرسين).

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 331‌

ذمة المنوب عنه.

بقي الكلام في كيفية إحراز قصد النيابة. فهل يعتبر إحرازه بالعلم الوجداني، أو بقيام البينة؟ الظاهر عدمه، لاستحالة إحراز القصد الّذي هو من الأمور النفسانيّة بذلك عادة. فهل يكتفي فيه بمجرد اخباره مطلقا، أو إذا كان عادلا، و لذا اعتبر بعضهم العدالة في النائب، أو فيما إذا كان موثقا؟ الظاهر هو الأخير، و فساد الأولين.

أما اعتبار اخباره بذلك مطلقا لكون المخبر مما لا يعلم إلاّ من قبله، فمما لم يقم عليه الدليل إلاّ في موارد خاصة، ليس المقام منها. و أما اعتبار العدالة فقط، فلا شاهد عليه إلاّ في البينة و نحوها. فيبقى اعتبار الوثوق و التحرز عن الكذب و ان لم يكن متحرزا عن سائر المعاصي، و هي مما دل على اعتباره في الاخبار و سيرة العقلاء، على ما تقدم تفصيله في بحث حجية الخبر، فلا بد و ان يكون النائب موثقا ليكون اخباره بالفعل و قصد النيابة حجة.

الجهة الخامسة [عدم حجية مثبتات أصالة الصحة]

ذكرنا سابقا ان حجية المثبتات لا بد من قيام دليل عليها، من غير فرق بين الأمارات و الأصول العملية، ففي كل مورد قام الدليل على ترتيب آثار اللوازم العقلية أو العادية أو الملزومات أو الملازمات ثبت ذلك، و إلاّ فلا.

و من هنا قلنا: بعدم حجية مثبتات بعض الأمارات، كالظن في القبلة، فانه حجة من باب الكاشفية، و إذا استلزم ثبوت الزوال مثلا لا يمكن ترتيب آثاره.

و عليه نقول: مثبتات أصالة الصحة و لوازمها العقلية لا تترتب عليها، سواء قلنا بأنها من الأمارات أو بنينا على كونها أصلا عمليا، لقصور دليلها عن إثبات ذلك، فان دليلها السيرة، و لم يثبت بناء العقلاء و المتدينين إلاّ على ترتيب آثار نفس الصحة، دون لوازمها العقلية و العادية. هذا مضافا إلى ان الظاهر انها من الأصول، و ليس اعتبارها من جهة كاشفيتها، و لذا لا يستكشف بها الصحة‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 332‌

الواقعية، بل ظاهر حال المسلم إذا صار في مقام الإتيان بعمل أنه يأتي به على النحو الصحيح عنده و قد أمضاه الشارع.

و كيف كان فانّ عدم اعتبار مثبتات أصالة الصحة أمر واضح، غير محتاج إلى الاستشهاد. إلاّ ان شيخنا الأنصاري أوضح ذلك بأمثلة ثلاثة، حكى اثنين منها عن العلاّمة، و أضاف هو قدّس سرّه إليها فرعا ثالثا. و هو ما إذا علمنا بأن زيدا باع داره من شخص، و شككنا في ان ثمنه كان خمرا أو خنزيرا أو ميتة أو نحوها مما لا يجوز المعاوضة عليه شرعا أو جعل ثمنه مائة دينار شخصي مثلا من مال المشتري، فلا محالة يشك في صحة البيع و فساده، إلاّ أنه لا يمكن الحكم بخروج مائة دينار عن ملك المشتري و عدم كونه من تركته بعد موته بإجراء أصالة الصحة في البيع، لأنه من لوازم صحة البيع عقلا «1».

و ما أفاده و ان كان متينا، إلاّ أن كلامه غير خال عن المسامحة، فان ظاهره جريان أصالة الصحة في البيع و عدم ترتب لازمه العقلي.

و لكن الصحيح ان أصالة الصحة غير جارية في ذلك أصلا، لأن إجرائها في البيع في الجملة لا يترتب عليها أثر. و وقوعه على مائة دينار مشكوك رأسا. و على الخمر أو الخنزير غير صحيح قطعا، فلا مجال لأصالة الصحة.

و بعبارة أخرى: الشك في البيع في الفرض ناشئ من الشك في قابلية المورد لوقوع العقد عليه، و قد عرفت عدم جريانها في ذلك.

و أما ما حكاهما عن العلاّمة، فأحدهما: انه إذا وقع الخلاف بين الموجر و المستأجر، فقال الموجر: آجرتك الدار مثلا كل شهر بدرهم، و قال المستأجر:

آجرتني سنة بدينار. فانه قدّس سرّه أي العلاّمة بنى على ان الموجر يدعي البطلان، لبنائه على ان الإجارة كل شهر بدينار فاسدة، لعدم انضباط مدة الإجارة، و مع ذلك‌

______________________________
(1) فرائد الأصول: 2- 728 (ط. جامعة المدرسين).

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 333‌

لا بد للمستأجر من إقامة البينة على الصحة، لعدم جريان أصالة الصحة، حيث لا أثر لها في الفرض إلاّ ثبوت الإجارة سنة كاملة بدينار، و هو من اللوازم العقلية لصحة الإجارة، و قد ذكرنا عدم ثبوتها.

ثم بعد ذلك ذكر في القواعد- على ما حكاه عنه في جامع المقاصد- فان قدمنا قول المالك، فالأقوى صحة العقد في الشهر الأول هنا. و لفظ هنا ساقط في ما ينقله الشيخ، لكنه ثابت في جامع المقاصد، و استظهر منه ثبوت خصوصية في المقام تقتضي صحة الإجارة في الشهر الأول.

و لا بد من التكلم في مقامين:

المقام الأول: في حكم المسألة، أعني إجارة كل شهر بدرهم. و الظاهر صحتها بالنسبة إلى الشهر الأول، لأن الإجارة كالبيع و ان كانت واحدة صورة إلاّ أنها تنحل إلى إجارة الشي‌ء كل مدة بما يقابلها من الأجرة. و من هنا قلنا بصحة البيع فيما يملك إذا انضم إلى ما لا يملك، كبيع الشاة و الخنزير، خصوصا إذا عين ثمن كل منهما بأن قال: بعتك الشاة بدرهم، و الخنزير بدرهم.

و عليه فإذا آجر داره كل شهر بدرهم ينحل ذلك إلى إجارة هذا الشهر بدرهم، و بقية الشهور كل شهر منها بدرهم، فإذا فرضنا بطلان الإجارة في الضميمة لعدم انضباط المدة فيها، لا يوجب ذلك فساد المنضم إليه و هو الشهر الأول مع أنها منضبطة. و هكذا الحال في البيع، فإذا بيع من مشاهد بدرهم، و غيره من جنسه مما لم يشاهد كل منّ بدرهم، و قلنا بفساده في ما لم يشاهد من جهة الغرر، لا يوجب ذلك فساد بيع المنّ المشاهد. فالتقييد بلفظ هنا في المقام بلا موجب.

المقام الثاني: في حكم نزاع الموجر و المستأجر. أما ان قلنا: بفساد الإجارة كل شهر بدرهم حتى في الشهر الأول، فالمستأجر لا بد له من إثبات الصحة، لعدم‌

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 334‌

جريان أصالة الصحة فيها كما عرفت، إذ لا يترتب عليها أثر سوى لازمها العقلي، و قد عرفت عدم إمكان ترتيبها. و أما بناء على صحة الإجارة كذلك في الشهر الأول، فهما متفقان في صحة الإجارة في الجملة، و يختلفان في تحققها في ضمن أي فرد، فالمؤجر يدعي تحققها في ضمن الشهر الواحد بدرهم و المستأجر على سنة بدينار، فيكون من باب التداعي و الترافع، و الحكم فيه هو التحالف، ثم يحكم بانفساخ العقد، و بقاء المنفعة في ملك الموجر و الأجرة في ملك المستأجر. و هذا قد يتحقق في البيع أيضا إذا اختلف البائع و المشتري في الثمن أو المثمن بعد اتفاقهما على صحة طبيعي البيع، فلفظ هنا في هذا المقام أيضا غير لازم.

الفرع الثاني: ذكر العلاّمة في القواعد: ان الموجر و المستأجر إذا اختلفا في تعيين الأجرة، أو المدة، أو فيهما معا، فادعى الموجر عدم تعيينهما أو أحدهما و نتيجة ذلك فساد الإجارة، و المستأجر التعيين، ففي تقديم قول المستأجر إشكال.

و لا يبعد ذلك فيما إذا لم يستلزم دعوى زائدة.

و ذكر المحقق في جامع المقاصد في شرح كلامه ما حاصله «1»: ان المستأجر المدعي لصحة الإجارة ربما يدعي كون الأجرة أقل من أجرة المثل، و قد لا يدعي ذلك. فعلى الأول صحة الإجارة تستلزم كون الإجارة أقل من أجرة المثل، فبما ان جريان أصالة الصحة تستلزم ذلك، و قد عرفت عدم ترتب لوازمها العقلية عليها، فلا مجال لها. و على الثاني لا تستلزم صحة الإجارة أمرا زائدا عليها، فلا مانع من جريانها.

و أورد عليه الميرزا قدّس سرّه بأنه في فرض تساوي أجرة المسمى التي يدعيها المستأجر مع أجرة المثل لا أثر لجريان أصالة الصحة أصلا، لأن الموجر يستحق تلك الأجرة من المستأجر، كانت الإجارة صحيحة أو فاسدة، فأي أثر يترتب‌

______________________________
(1) جامع المقاصد: 7- 310.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 335‌

على إجراء أصالة الصحة «1».

و نقول: ما ذكره الميرزا قدّس سرّه انما يتم فيما إذا حدث الخلاف بينهما بعد انقضاء مدة الإجارة، فانه حينئذ لا يترتب في فرض التساوي على صحة العقد و فسادها أي أثر عملي. و أما إذا فرضنا وقوع النزاع بينهما في الأثناء، بأن انقضى من مدة الإجارة زمان و بقي زمان فوقع الخلاف، فان الإجارة ان كانت فاسدة يكون للمؤجر ان يؤجر العين لشخص آخر، أو ينتفع بها بنفسه، أو يزيد في إجارته، و هذا بخلاف ما إذا كانت الإجارة صحيحة، فانه ليس له شي‌ء من ذلك، فيترتب على جريان أصالة الصحة فيها جميع هذه الأمور. فما أفاده الميرزا بإطلاقه غير تام.

و ما ذكره المحقق في شرح كلام العلاّمة تام، و تجري أصالة الصحة في الإجارة إذا لم تستلزم دعوى زائدة، فانها لا تثبت بها.

الجهة السادسة [تقدم أصالة الصحة على الاستصحاب]

لا إشكال في تقدم أصالة الصحة على الاستصحابات الحكمية، كاستصحاب عدم حصول الانتقال و ترتب الأثر، و إلاّ لاختص جريانها بموارد نادرة. و لم يستشكل أحد فيما نعلم في تقدمها عليها.

و إنّما الكلام في تقدمها على الاستصحابات الموضوعية، كما إذا كان شي‌ء خمرا و احتمل انقلابه خلا فبيع، فان الاستصحاب يقتضي بقائه خمرا، و هو يوجب الفساد. و كذا إذا احتمل بلوغ البائع حين البيع، فان الاستصحاب يقتضي عدم بلوغه. فهل تتقدم أصالة الصحة على الاستصحاب أو يتقدم الاستصحاب الموضوعي على أصالة الصحة، أو يسقطان بالمعارضة؟ وجوه مبتنية على كون أصالة الصحة أمارة، أو أصلا محرزا، أو غير محرز، و هكذا الاستصحاب. و قد أطال شيخنا الأنصاري الكلام في «2» المقام.

______________________________
(1) فوائد الأصول: 4- 669.

(2) فرائد الأصول: 2- 729- 730.

القواعد الفقهية و الاجتهاد و التقليد (دراسات)، ج‌4، ص: 336‌

و التحقيق: أنّه لا مجال لشي‌ء من ذلك، لما عرفت من ان دليل أصالة الصحة منحصر بالسيرة، ففي كل مورد قامت السيرة على جريانها تجري، و تتقدم على الاستصحاب الموضوعي و الحكمي، لأن السيرة القائمة على ذلك كالمخصص لدليل الاستصحاب، و لو قلنا بان أصالة الصحة أصل غير محرز و الاستصحاب أمارة. و في كل مورد لم يثبت قيام السيرة عليها لا تجري، لعدم المقتضي، لا لوجود المانع، و لو بنينا على كونها أمارة، فانّ الأمارة إنّما تكون حجة فيما قام الدليل عليها.

و قد بينا موارد عدم قيام السيرة أو عدم ثبوتها، و قلنا: إذا كان منشأ الشك في الصحة قابلية الفاعل لصدور الفعل عنه، أو المورد لورود الفعل عليه، لا تجري.

و إذا كان الشك في الصحة ناشئا من احتمال اختلال الشروط الاخر تجري، لقيام السيرة عليها.

و على هذا يسقط جملة من المباحث المسطورة في المقام.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net