فصل في الماء المشكوك 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9411

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌2، ص: 197

[فصل في الماء المشكوك]

فصل في الماء المشكوك:

______________________________
المشكوك نجاسته، المشكوك إطلاقه، المشكوك إباحته، حكم الشبهة المحصورة، الشبهة غير المحصورة، العلم الإجمالي بأن الماء اما نجس أو مضاف و ملحقاته، ملاقي الشبهة المحصورة، انحصار الماء في المشتبهين، التيمم في هذه الحالة، حكم التوضي بهما، إراقة أحد المشتبهين، ضمان المشتبه بالغضب،

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 198‌

فصل الماء المشكوك نجاسته طاهر (1) إلا مع العلم بنجاسته سابقا،

______________________________
فصل في الماء المشكوك و هو على أقسام 1- الماء المشكوك نجاسته 2- الماء المشكوك إطلاقه 3- الماء المشكوك إباحته الماء المشكوك نجاسته

(1) لا إشكال في الحكم بطهارة الماء المشكوك نجاسته، لقاعدة الطهارة العامة الجارية في الماء، و غيره، و يدل عليها قوله عليه السّلام في موثقة عمار «1»: «كل شي‌ء نظيف حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمت فقد قذر، و ما لم تعلم فليس عليك» و كذا قاعدتها الخاصة بالماء، و يدل عليها‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1054 الباب 37 من أبواب النجاسات، الحديث 4.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 199‌

و المشكوك إطلاقه لا يجرى عليه حكم المطلق إلا مع سبق إطلاقه (1)

______________________________
قوله عليه السّلام في رواية حماد ابن عثمان
«1»: «الماء كله طاهر حتى يعلم أنه قذر» بل يمكن جريان استصحاب الطهارة الأصلية بضميمة ما دل على طهارة الماء في نفسه، لأن الماء خلق طهورا، أى طاهرا في نفسه، و مطهرا لغيره- كما في جملة من الروايات «2»- و انما يحكم بنجاسته لطرو النجاسة العرضية، فلو شك في بقاء الطهارة الأصلية فيه فالأصل بقائها. نعم إذا علم بطرو النجاسة ثم شك في زوالها فمقتضى الاستصحاب بقائه على النجاسة الى أن يعلم عروض المطهر و معه لا مجال لقاعدة الطهارة، لإحراز النجاسة بالاستصحاب.

الماء المشكوك إطلاقه

(1) لو شك في ماء أنه مطلق، أو مضاف فان علم حالته السابقة من إطلاق أو اضافة فيترتب عليه آثارها بمقتضى الاستصحاب، و ان لم يعلم حالته السابقة اما لعدمها، أو للجهل بها، أو لتوارد الحالتين فلا يجرى عليه أحكام الماء المطلق، فلا يجوز استعماله في رفع الحدث، و الخبث للشك في تحقق موضوعها، و هو الماء، لأن احتمال الإضافة مساوق لاحتمال عدم كونه ماء، و لا أصل يحرز به أنه ماء سوى الاستصحاب، و المفروض عدم جريانه، لعدم العلم بالحالة السابقة، كما لا يجرى عليه أحكام الماء المضاف. نعم يحكم بتنجسه بالملاقاة، و إن كان كرا خلافا للمصنف «قده» حيث حكم بالطهارة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 100 الباب 1 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5.

(2) المروية في الوسائل ج 1 ص 99 في الباب 1 من أبواب الماء المطلق.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 200‌

و المشكوك إباحته محكوم بالإباحة، إلا مع سبق ملكية الغير، أو كونه في يد الغير المحتمل كونه له (1)

______________________________
تمسكا بقاعدتها لاحتمال كونه ماء مطلقا، و قد تقدم تفصيل الكلام في الفصل الأول من فصول المياه
«1».

الماء المشكوك إباحته

(1) إذا شك في إباحة ماء، و حرمته، و كان هناك أصل موضوعي يثبت به أحدهما كان هو المرجع، كما لو كان الماء ملكا له، و شك في انتقاله عنه الى الغير بهبة، و نحوها، فشك في حلية التصرف فيه لذلك كان مقتضى الاستصحاب بقائه على ملكه، و يترتب عليه جميع آثار الملكية التي منها حلية التصرف فيه، كما أنه لو كان مسبوقا بملكية الغير، و شك في انتقاله اليه بسبب من أسباب النقل جرى استصحاب بقائه على ملك الغير، و حرم التصرف فيه بغير رضا مالكه، و هكذا لو كان في يد الغير و احتمل كونه له، فإنه يحرم التصرف فيه أيضا بغير رضاه، لأن اليد أمارة الملك، و لا يجوز التصرف في ملك الغير إلا برضاه.

و أما إذا لم يكن في البين أصل موضوعي- إما بأن لا يكون المال مسبوقا بإحدى الملكيتين، أو كان مسبوقا بملك الغير الا أنه علم إجمالا بانتقاله عنه اما اليه و اما الى غيره- فيقع الكلام فيه من جهتين: (الاولى) في جواز التصرفات الخارجية- كالشرب و الرش و نحوهما من الانتفاعات المرغوبة من الماء- (الثانية) في ترتيب آثار الملك- كالبيع و الهبة و غيرهما‌

______________________________
(1) في ذيل المسألة الخامسة، فراجع الجزء الأول، ص 52، الطبعة الثالثة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 201‌

..........

______________________________
من المعاملات.

اما الجهة الأولى: فلا ينبغي الإشكال فيها في الرجوع إلى عموم أصالة الحل «1» و قد يقال بعدم جريانها في الأموال- كما أشار إليه شيخنا الأنصاري «قده» في ذيل تنبيهات البراءة- بتوهم تخصيصها بالإجماع على أصالة الحرمة في الأموال المشكوكة حتى يعلم حليتها، و برواية محمد بن زيد الطبري [1] عن أبى الحسن الرضا عليه السّلام: «لا يحل مال الا من وجه أحله اللّه» بدعوى دلالتها على توقف حلية التصرف في الأموال على سبب محلل، و مع الشك فيه كان الأصل عدمه، و يترتب عليه عدم جواز التصرف، لانتفاء المسبب بانتفاء السبب، هذا.

و لكن القول المزبور غير صحيح لعدم صحة مستنده، أما الإجماع فلأنا لم نتحققه إجماعا تعبديا في المقام، لا سيما مع احتمال استناد القائلين الى الخبر المذكور، و ثبوت القدر المتيقن له من تحققه فيما إذا كان هناك أصل موضوعي يستكشف به الحرمة- كما ذكرنا- و أما الرواية فلضعفها سندا و‌

______________________________
[1] الكليني عن محمد بن الحسن، و عن علي بن محمد جميعا، عن سهل عن احمد بن المثنى، عن محمد بن زيد الطبري قال: «كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا- ع- يسأله الاذن في الخمس، فكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم، إن اللّه واسع عليم، ضمن على العمل الثواب، و على الضيق الهم، لا يحل مال إلا من وجه أحله اللّه، إن الخمس عوننا على ديننا، و على عيالنا و على موالينا. و ما نبذ له، و نشتري من أعراضنا ممن تخاف سطوته، فلا تزووه عنا و لا تحرموا أنفسكم دعانا ما قدرتم عليه، فان إخراجه مفتاح رزقكم، و تمحيص ذنوبكم.» (الوسائل ج 6 ص 375 الباب 3 من أبواب الأنفال، و ما يختص بالإمام، الحديث 2).

______________________________
(1) قد أشرنا إلى محل رواياتها في تعليقة ص 62.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 202‌

..........

______________________________
دلالة، أما السند فلعدم ثبوت وثاقة جملة من رجاله، منهم سهل بن زياد، و ان وثقه المجلسي اعتمادا على كونه من مشايخ الإجازة الا أن ذلك لا يجدى في ثبوت وثاقته، على أن في سنده غيره ممن هو مهمل، كأحمد بن المثنى، أو مجهول، كنفس محمد بن زيد الطبري.

و أما ضعف الدلالة فلوجهين (الأول): أن السؤال فيها انما وقع عن حكم مال يعلم كونه ملكا للغير، لأن السائل يستأذن الإمام عليه السّلام عن التصرف في سهمه من الخمس الذي هو ملكه، و حصته، فلم يأذن له الامام عليه السّلام في ذلك معتذرا بحاجته اليه، للاستعانة به على دينه، و دنياه، و بذله، و عطاه، تحفظا على كرامته، و شراء لعرضه ممن يخاف سطوته، مستدلا على حرمة التصرف فيه بدون الاذن بقوله عليه السّلام «و لا يحل مال الا من وجه أحله اللّه» و كأنه يشير بذلك الى قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «1» الذي مفاده عدم جواز أكل مال الغير إلا على وجه التجارة عن تراض، و أين هذا مما يشك في كونه ملكا للغير- كما هو مفروض الكلام- فلو كان مراد الامام عليه السّلام بيان حكم المشكوك- كما يرومه القائل- لم يرتبط الجواب بالسؤال بوجه فالصحيح أنها أجنبية عن المقام رأسا.

(الوجه الثاني): هو أنه لو أبيت إلا عن عموم الرواية لما نحن فيه و أغمضت النظر عما ذكرنا قلنا دعوى العموم في قوله عليه السّلام: «إلا من وجه أحله اللّه» فان من وجوه الحل و أحد أسبابه أصالة الإباحة الجارية في المشكوك، فإنها بعمومها تشمل الأموال، و لا تصلح الرواية لتخصيصها،

______________________________
(1) النساء 4: 29.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 203‌

..........

______________________________
لعدم المنافاة بينهما بوجه.

و أما (الجهة الثانية) و هي في جواز ترتيب آثار الملك على المشكوك كونه ملك الغير فيقع الكلام فيها في ضمن فروع تحيط بصور المسألة.

(الأول): ما إذا كان المال مسبوقا بالإباحة الأصلية- كسمك البحر و حطب البر، و ماء النهر، و نحو ذلك- و شك في ملكيته له بالحيازة من جهة احتمال سبق حيازة الغير له، و المرجع فيه استصحاب عدم حيازة الغير لأنها أمر حادث و الأصل عدمها، و بضمه إلى حيازة نفسه المحرزة بالوجدان يتم موضوع ملكيته له، و تترتب عليها آثارها من نفوذ المعاملات، و جواز الانتفاعات الخارجية.

(الثاني): ما إذا كان المال حينما وجد وجد إما ملكا له، أو لغيره من دون سبق الإباحة الأصلية، و ذلك مثل ما إذا تردد ماء بين كونه من بئره، أو بئر الغير، أو في بيضة أنها من دجاجته، أو دجاجة الغير، و في ثمر أنه من بستانه، أو بستان الغير، و هكذا. و في مثله لا تترتب آثار شي‌ء من الملكيتين، لا ملكية نفسه، و لا ملكية الغير، فلا ينفذ شي‌ء من معاملاته الواقعة عليه، كما لا يحرم التصرف فيه بدون إذن الغير، أما «الأول» فلاستصحاب عدم دخوله في ملكه، لأن الملكية لا بد و ان تستند إلى أسباب معينة، و هي مشكوك التحقق بالنسبة الى هذا المال، للشك في كونه نماء ملكه، و الأصل عدمه، و لا يعارضه استصحاب عدم دخوله في ملك الغير لأنه لا يثبت كونه ملكا له، إلا بالملازمة العقلية، و لو سلم المعارضة و تساقط الأصلين جرى الأصل في نفس المعاملة، و هو أيضا يقتضي فسادها، لأنه لو شك في صحة البيع- مثلا- كان مقتضى الاستصحاب عدم انتقال المبيع إلى المشترى، و‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 204‌

..........

______________________________
هكذا.

و أما «الثاني» فلأن مقتضى أصالة الحل جواز التصرف في المال المشكوك حرمته، فيجوز أكله، و شربه، و نحوهما من دون توقف على إذن من يحتمل كونه ملكا له، و عموم حرمة التصرف في مال الغير إلا برضاه غير جار في المقام، لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، بل مقتضى الأصل عدم دخوله في ملك الغير أيضا، و العلم الإجمالي بعدم مطابقة أحد الأصلين للواقع لا يضر بجريانهما ما لم يستلزم مخالفة عملية، كما قررنا في محله.

(الثالث): ما لو كان المال مسبوقا بملكية الغير، ثم علم إجمالا بانتقاله عنه إما اليه، أو الى غيره. و في هذه الصورة أيضا لا ينفذ شي‌ء من المعاملات المتوقفة على الملك، لعين ما ذكرناه في الفرع السابق من استصحاب عدم دخوله في ملكه، و قضية المعارضة باستصحاب عدم دخوله في ملك الغير قد عرفت ما فيها، على أن الأصل الجاري في نفس المعاملة يقتضي فسادها أيضا.

بل لو قلنا بجريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلى ثبت بقائه على ملك الغير، و أثره عدم نفوذ معاملات غير المالك، إذ المال قبل ذلك كان ملكا للغير يقينا، و هو المالك السابق، و يشك في بقائه على ما كان، و لو في ضمن فرد آخر مقارن لزوال الأول، فيستصحب كلى ملك الغير، إلا أنه قد قررنا في محله منع جريان الاستصحاب في هذا القسم من الكلى، هذا كله بالنسبة إلى الآثار المتوقفة على الملك.

و أما التصرفات الخارجية فهل تكون جائزة في هذه الصورة أيضا، كالصورتين السابقتين أولا، الظاهر عدم الجواز، لان المال لما كان مسبوقا‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 205‌

..........

______________________________
بملك الغير فلا بد في حل التصرف فيه إما من تجارة عن تراض، كما هي مفاد الآية الكريمة [1] أو رضاء المالك بالتصرف فيه، لحرمة التصرف في مال الغير إلا بطيبة نفسه، كما دلت عليها الأخبار [2] و مع الشك في تحققهما يستصحب عدمهما، و معه لا مجال للرجوع إلى أصالة الحل، لحكومة الاستصحاب المذكور عليها، و بذلك يفرق بين هذه الصورة و الصورتين السابقتين، و الآتية.

(الرابع) ما إذا علم بكون المال له في زمان، و لآخر في زمان آخر و شك في السبق و اللحوق جهلا بتاريخهما، و في هذه الصورة يسقط‌

______________________________
[1] قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ النساء 4: 29.

[2] و هي عدة روايات: (منها) موثقة سماعة عن ابي عبد اللّه- ع- (في حديث) ان رسول اللّه- ص- قال: «من كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها، فإنه لا يحل دم إمرء مسلم، و لا ماله إلا بطيبة نفس منه».

و (منها) رواية تحف العقول عن رسول اللّه- ص- انه قال في خطبة الوداع: «ايها الناس إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، و لا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه». مرسلة: (الوسائل ج 3 ص 424 الباب 3 من أبواب مكان المصلي، الحديث 1 و 3).

و (منها) رواية أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد على الشيخ ابي جعفر محمد بن عثمان العمري «قده» في جواب مسائلي الى صاحب الدار- ع- (في حديث): «فلا يحل لأحد ان يتصرف في مال غيره بغير إذنه.»

(الوسائل ج 6 ص 377 الباب 3 من أبواب الأنفال، الحديث 7) رواها عن الصدوق في إكمال الدين، و عن الطبرسي في الاحتجاج.

و قريب (منها) رواية محمد بن زيد الطبري المتقدمة في تعليقة ص 204 لقوله عليه السّلام فيها «لا يحل مال إلا من وجه أحله اللّه» ضعيفة كما ذكرنا، كما انه لا دلالة لها على اعتبار الرضا، لأنها أعم.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 206‌

[ (مسألة 1) إذا اشتبه نجس أو مغصوب في محصور]

(مسألة 1) إذا اشتبه نجس أو مغصوب في محصور كإناء في عشرة- يجب الاجتناب عن الجميع (1)

______________________________
الاستصحابان بالمعارضة على مسلكنا، و لا يجريان من رأس على مسلك صاحب الكفاية «قده» لشبهة عدم اتصال زمان اليقين بالشك، و على كل تقدير لا ينفذ شي‌ء من المعاملات المتوقفة على الملك، لعدم إحراز موضوعها، كما لا يحرم التصرفات الخارجية، لأصالة الحل، كما مر.

فتحصل من جميع ما ذكر: أنه لا تترتب آثار الملكية في شي‌ء من الصور الأربع إلا في الأولى، كما انه لا تحرم التصرفات الخارجية في شي‌ء منها إلا في الثالثة.

الشبهة المحصورة للنجس أو المغصوب

(1) لتنجز العلم الإجمالي بتعارض الأصول في الأطراف، فيحكم ببطلان الوضوء في كلتا الصورتين، لاشتراط الطهارة، و الإباحة في مائه، و لم تحرزا مضافا الى تنجز احتمال حرمة التصرف في الصورة الثانية، و المراد هو الاكتفاء بالوضوء بأحد الأطراف، و أما الوضوء بالجميع مع تخلل تطهير الأعضاء بالإناء الثاني في صورة الاشتباه بالنجس فيأتي الكلام فيه ان شاء اللّه تعالى «1» و بالجملة إذا كانت الشبهة محصورة كما إذا تردد إناء نجس أو مغصوب بين إناءين- مثلا- فلا إشكال و لا خلاف في وجوب الاجتناب عن الجميع لتنجز العلم الإجمالي بتعارض الأصول من قاعدة الطهارة، أو‌

______________________________
(1) في (مسألة 10).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 207‌

و إن اشتبه في غير المحصور- كواحد في ألف [1] مثلا- لا يجب الاجتناب عن شي‌ء (1)

______________________________
الحل، و نحوهما في أطرافه. فيكون التكليف المحتمل منجزا في كل واحد منها، ففي محتمل النجاسة لا يجوز استعماله في شي‌ء مما يشترط فيه الطهارة، كالوضوء، و الغسل، و الشرب، و في محتمل الغصبية لا يجوز شي‌ء من التصرفات حتى ما لا يشترط فيه الطهارة، كالرش على الأرض، و نحوه، و هذا واضح.

الشبهة غير المحصورة لهما

(1) الحكم بعدم وجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة في المثال المذكور في المتن- أى الواحد في ألف- يبتنى على «كبرى» عدم تنجيز العلم الإجمالي في الشبهات غير المحصورة و «صغرى» أن الواحد في ألف من الشبهة غير المحصورة- دائما- و كلتاهما قابلتان للمنع.

ما هي الشبهة غير المحصورة؟ أما الكبرى فلعدم ثبوتها بدليل، لأن ما يستدل به عليها من أنه لو بلغ أطراف العلم الإجمالي من الكثرة بمقدار كان احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على كل واحد من الأطراف ضعيفا بحيث عد من الموهوم في نظر العقل لم يكن العلم الإجمالي منجزا، و إن لم يكن هناك مانع آخر عن التنجيز،

______________________________
[1] في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «كواحد في ألف»: (في كون اشتباه الواحد في ألف من الشبهة غير المحصورة دائما، و في عدم وجوب الاجتناب عنها اشكال، بل منع).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 208‌

..........

______________________________
- كالحرج، أو الاضطرار، أو الخروج عن محل الابتلاء، و نحو ذلك- بدعوى:

استقرار بناء العقلاء على عدم الاعتناء بمثل هذا الاحتمال الموهوم، كما يظهر ذلك بمشاهدة عملهم في الأمور الخارجية، كما لو حصل لهم العلم الإجمالي بوجود فاكهة مضرة بين ألف- مثلا- فإنهم لا يعتنون بهذا الاحتمال و يأكلون منها، فلو علم بوجود إناء نجس، أو مغصوب بين ألف جرى فيه ذلك، و لا يجب الاجتناب عن شي‌ء من الأطراف.

فممنوع لما حققناه في الأصول- بما لا مزيد عليه- من أنه لا عبرة بضعف الاحتمال، و قوته في تنجيز العلم الإجمالي بوجه، سواء أ كان الضعف ناشئا من كثرة الأطراف، أم غيرها من الأمور الأخر، بل الملاك فيه تعارض الأصول في أطرافه، و بعد تساقطها بالمعارضة يكون احتمال التكليف منجزا في كل واحد من الأطراف، لعدم المؤمّن حينئذ، من دون فرق بين قوة الاحتمال، و ضعفه فيها، كما هو الحال في الشبهة المحصورة، كما لو كان التكليف موهوما في بعض أطرافها لعلة خارجية، و مظنونا في الآخر كذلك، فلا فرق بين المحصور و غيره من هذه الجهة، كما أنه لا فرق بينهما من حيث التمكن من الموافقة القطعية فقط، أو المخالفة القطعية كذلك، أو هما معا، لتنجز التكليف في جميع الصور الثلاث، و لا بد من ترتيب كلا الأثرين إن أمكن، و إلا فيترتب الممكن منهما. و السر فيه هو أن مجرد احتمال التكليف في كل واحد من الأطراف يوجب التنجيز بعد سقوط المؤمّن بالمعارضة، فيجب الاجتناب عنه، و لو لم يتمكن من المخالفة القطعية للمعلوم بالإجمال بارتكاب جميع أطراف العلم الإجمالي بالحرمة- كما في المثال- فان الشخص لا يتمكن من الشرب من جميع ألف إناء- عادة- إلا أنه مع ذلك يجب الموافقة القطعية‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 209‌

..........

______________________________
بالاجتناب عن الجميع، إذ لا ملازمة بين الأثرين، فسقوط الأول بالعجز لا يوجب سقوط الثاني- على ما قررناه في محله- فتحصل مما ذكرنا: أن كبرى عدم تنجيز العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة بملاك كثرة الأطراف الموجبة لضعف الاحتمال، كما عن بعض، أو بملاك الملازمة بين وجوب الموافقة القطعية، و حرمة المخالفة القطعية، كما عن آخرين، غير تامة.

و «توهم» ثبوت بناء العقلاء على عدم الاعتناء بالاحتمال الضعيف على وجه الإطلاق «ممنوع» و من هنا نراهم يعتنون بالاحتمالات الضعيفة في الأمور المهمة الدنيوية، كالموت، و نحوه، و العقاب الأخروي أولى بذلك.

المناقشة في الصغرى و أما الصغرى فوجه المنع عنها أن الواحد من الألف لا يكون دائما من الشبهة غير المحصورة، بل يختلف الحال فيه باختلاف الموارد، فان الواحد في الألف إن كان في مثل شاة من ألف شياه البلد، أو في امرأة من ألف نساء البلد، كما لو علم إجمالا بحرمة إحداها عليه، لوقوع رضاع محرم بينهما- مثلا- صح عده من الشبهة غير المحصورة، و هب أنه لا يجب الاجتناب عن أطرافها، و أما إذا كان في مثل حبة من ألف حبة أرز فلا يصح عده من الشبهة غير المحصورة جزما، و من هنا لا يحتمل أحد عدم وجوب الاجتناب عن طعام من الأرز في إناء علم بنجاسة حبة واحدة منها، مع أن في الإناء آلافا من الحبات، بل ربما يشتمل على الملايين، كما لو كانت في قدر كبير، و نحوه. مع وضوح وجوب الاجتناب عن مثل القدر المذكور.

فالمتحصل من جميع ما ذكرنا: أنه يجب الاجتناب عن الإناء النجس،

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 210‌

[ (مسألة 2) لو اشتبه مضاف في محصور يجوز أن يكرر الوضوء]

(مسألة 2) لو اشتبه مضاف في محصور يجوز أن يكرر الوضوء، أو الغسل الى عدد يعلم استعمال مطلق في ضمنه (1) فإذا كانا اثنين يتوضأ بهما و إن كانت ثلاثة أو أزيد يكفى التوضؤ باثنين إذا كان المضاف واحدا، و إن كان المضاف اثنين في الثلاثة يجب استعمال الكل، و إن كان اثنين في أربعة تكفي الثلاثة و المعيار أن يزداد على عدد المضاف المعلوم بواحد.

و إن اشتبه في غير المحصور جاز استعمال كل منها [1] كما إذا كان المضاف واحدا في ألف، و المعيار أن لا يعد العلم الإجمالي علما،

______________________________
أو المغصوب المردد بين ألف، إما لمنع الصغرى، أو هي مع الكبرى، و قد بسطنا الكلام في تحديد الشبهة غير المحصورة على اختلاف المشارب فيها في بحث الأصول، و تخرجنا هناك بأنه لا مفهوم محصل لها، و أنه لا يفرق الحال في وجوب الاجتناب بين موارد العلم الإجمالي بوجه، فلاحظ.

المضاف المشتبه في المحصور

(1) لو اشتبه مضاف في محصور فلا إشكال في لزوم الاحتياط بأن يتوضأ على نحو يحصل له العلم بالوضوء بالماء المطلق، لعدم حرمة التوضؤ بالمضاف تكليفا غايته البطلان- بخلاف المغصوب- فإذا كرر الوضوء بعدد يزداد على عدد المضاف المعلوم بالإجمال بواحد- كالأمثلة المذكورة في المتن- يحصل له اليقين بالطهارة المائية، إلا أن الكلام في الشبهة غير المحصورة على ما يأتي.

______________________________
[1] في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «جاز استعمال كل منها»: (بل اللازم هو الاحتياط بتكرار الوضوء حتى يعلم بحصول التوضي بالماء المطلق. على تفصيل ذكرناه في محله).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 211‌

و يجعل المضاف المشتبه بحكم العدم (1) فلا يجرى عليه حكم الشبهة البدوية أيضا، و لكن الاحتياط أولى.

______________________________
المضاف المشتبه في غير المحصور

(1) إن قلنا بعدم الفرق في تنجيز العلم الإجمالي بين المحصور، و غيره- كما هو الصحيح على ما عرفت في ذيل المسألة السابقة- فلا يفرق الحال بين فروض المسألة، فيجب الاحتياط بتكرار الوضوء بمقدار يحصل العلم بالتوضؤ بالماء المطلق مطلقا حتى لو كان المضاف المعلوم بالإجمال واحدا من ألف، فيجب التوضؤ باثنين تحصيلا للفراغ اليقيني.

المعيار في الشبهة غير المحصورة و أما لو قلنا بعدم تنجيزه في الشبهات غير المحصورة- كما هو المعروف- و جعلنا المثال المذكور من مصاديقها فهل يجوز الاكتفاء بالتوضؤ بإناء واحد لو تردد المضاف في ألف إناء، أولا. وجهان مبنيان على ما اختلف الأعلام فيه من أن الشبهة حينئذ كلا شبهة- أى المعلوم بالإجمال في حكم العدم- أو أن العلم الإجمالي كلا علم لسعة أطرافه، فيجري عليه حكم الشبهة البدوية، و قد خلط المصنف «قده» بين الأمرين حيث قال في المتن:

«المعيار أن لا يعد العلم الإجمالي علما، و يجعل المضاف المشتبه بحكم العدم.» مع أنه يختلف الحكم في كون المعيار هذا، أو ذاك، إذ لو قلنا بأن العلم الإجمالي في حكم العدم جرى على كل واحد من الأطراف حكم الشبهة البدوية و لا بد فيها من الرجوع الى الأصول العملية، حسب اختلاف الموارد، و هو- في المقام- يقتضي الاحتياط فلا يجوز الاكتفاء بالوضوء بواحد من الأطراف، لبقاء احتمال الإضافة في كل واحد منها، و لا بد من‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 212‌

..........

______________________________
إحراز كون المستعمل في الوضوء ماء مطلقا، و لم يحرز، فيجب التكرار الى أن يحصل العلم بالطهارة بمقتضى قاعدة الاشتغال، و هذا بخلاف ما لو قلنا بأن المعلوم بالإجمال في حكم العدم، و أن المضاف المعلوم كالمعدوم، إذ لا يجرى عليه حينئذ حكم الشبهة أيضا، و كأن الجميع ماء، فلا يجب التكرار، إلا أن ظاهر عبارته «قده» اختيار المبنى الثاني حيث صرح بعدم جريان حكم الشبهة البدوية أيضا.

و كيف كان فدعوى فرض العلم الإجمالي في الشبهات غير المحصورة كلا علم غير مجدية في المقام، للزوم التكرار بمقتضى قاعدة الاشتغال، لأنها الأصل الجاري في الأطراف، و دعوى فرض المعلوم بالإجمال كالمعدوم و إن كانت مجدية، لفرض المضاف حينئذ كالعدم، و كأنه لا يحتمله إلا أنه لا دليل عليه، و «دعوى» بناء العقلاء على إلغاء الاحتمال في الشبهات الكثيرة الأطراف بشهادة عملهم في المضار الدنيوية، فإنهم لا يعتنون بها فيما لو كانت في أطراف كثيرة، حتى مع العلم الإجمالي بوجودها في بعضها «غير ثابتة» كما أشرنا في ذيل المسألة السابقة، لعدم ثبوته بالنسبة إلى المضار العظيمة، كالموت، و نحوه من المضار الدنيوية، فكيف بمثل العقاب من المضار الأخروية.

فالمتحصل: أنه يجب الاحتياط بالتكرار في محتمل الإضافة في موارد الشبهات غير المحصورة حتى على القول بعدم تنجيز العلم الإجمالي فيها، لأن غاية ما يمكن إثباته إلغاء العلم، لا المعلوم فان احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على كل واحد من الأطراف وجداني، و لا دليل على إلغائه، لا من الشرع، و لا من العقلاء، فلا بد من إجراء الأصل، و هو يقتضي التكرار في المقام. و الذي‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 213‌

[ (مسألة 3) إذا لم يكن عنده إلا ماء مشكوك إطلاقه، و إضافته]

(مسألة 3) إذا لم يكن عنده إلا ماء مشكوك (1) إطلاقه، و إضافته و لم يتيقن أنه كان في السابق مطلقا يتيمم للصلاة، و نحوها، و الأولى الجمع بين التيمم، و الوضوء به.

______________________________
يسهل الخطب أن العلم الإجمالي مطلقا يكون منجزا.

صور الماء المشكوك إطلاقه

(1) لهذه المسألة صور:

(إحداها): أن يكون الماء المشكوك إطلاقه و إضافته ذا حالة سابقة معلومة، و هي إما الإطلاق و إما الإضافة، و فيها يجرى استصحاب تلك الحالة السابقة، و تترتب عليها أحكامها، فإن كانت ماء وجب الوضوء، و هذا ظاهر.

(الثانية): أن لا يكون للماء حالة سابقة معلومة بحيث يشك في إطلاقه، و إضافته من أول آنات حدوثه، و يجرى فيها على المختار استصحاب العدم الأزلي- أى استصحاب عدم كونه ماء أزلا- لأن المائية صفة حادثة لهذا المائع، و مع الشك في حدوثها له يستصحب عدمها، و لو بالعدم الأزلي قبل وجود الموصوف، و لا يعارض باستصحاب عدم كونه مضافا، لأنه لا يثبت كونه ماء، فيجب التيمم للصلاة، و نحوها مما يشترط فيه الطهارة، لعدم وجود الماء، لأن المشكوك محكوم بعدم كونه ماء بمقتضى الاستصحاب نعم لا بأس بالاحتياط بضم الوضوء اليه، لمجرد احتمال كونه ماء، لأن التعبد بعدمه لا ينفى الاحتمال الوجداني، فما في المتن من الحكم بالتيمم للصلاة في هذه الصورة يتم على هذا المبنى، و أما إذا لم نقل به فيجري فيها ما يجري في الصورة.

(الثالثة): و هي ما إذا كان الماء مما توارد عليه الحالتان- الإطلاق و‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 214‌

..........

______________________________
الإضافة- و شك في المتقدم منهما و المتأخر، إذ لا يجرى فيه حينئذ استصحاب العدم الأزلي، لانقطاعه بالعلم بانتقاضه بكونه ماء في زمان، لأن المفروض العلم باتصافه بصفة المائية في زمان، و إنما الشك في تقدمها على صفة الإضافة و تأخرها عنها، كما لا يجرى فيها استصحاب الحالتين أما بالمعارضة، أو بعدم جريانه في نفسه، و عليه يستقر الشك في كونه ماء أو مضافا من دون أصل يحرز به أحدهما، و ينشأ من ذلك علم إجمالي بوجوب الوضوء، أو التيمم، لوجوب الأول على الأول، و الثاني على الثاني، و هل يكون مثل هذا العلم الإجمالي المتعلق بأمرين طوليين، كالوضوء، و التيمم منجزا، فيجب الاحتياط بالجمع بينهما أم لا، فيجوز الاكتفاء بالتيمم، كما هو الأقوى؟ كلام سنتعرض له في ذيل المسألة الخامسة- إن شاء اللّه تعالى- عند تعرض المصنف لحكم إراقة أحد المشتبهين بالمضاف، و الظاهر أن المصنف «قده» لم يرد هذه الصورة في المقام، و إنما أراد الصورة الثانية [1]

______________________________
[1] وجه الاستظهار أنه «قده» اكتفى في هذه المسألة عند عدم العلم بالحالة السابقة بالتيمم، و جعل الجمع بينه، و بين الوضوء اولى، و لكنه أوجب الاحتياط بالجمع بينهما في ذيل المسألة الخامسة فيما لو أريق أحد المشتبهين بالمضاف و بقي الأخر، فإنه احتاط- وجوبا- بالجمع بين الوضوء بالإناء الباقي، و التيمم و لا فارق بين المسألتين إلا جريان استصحاب العدم الأزلي في صفة المائية في المقام، و عدم جريانه في المسألة الآتية، للعلم بانتقاض الحالة السابقة الأزلية، كما هو الحال في الصورة الثالثة- أعني توارد الحالتين- التي فرضناها هنا.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 215‌

[ (مسألة 4) إذا علم إجمالا أن هذا الماء إما نجس، أو مضاف يجوز شربه]

(مسألة 4) إذا علم إجمالا أن هذا الماء إما نجس، أو مضاف يجوز شربه، و لكن لا يجوز التوضؤ به، و كذا إذا علم أنه إما مضاف، أو مغصوب.

و إذا علم أنه إما نجس، أو مغصوب فلا يجوز شربه أيضا، كما لا يجوز التوضؤ به (1)

______________________________
العلم الإجمالي بأن الماء إما نجس، أو مضاف

(1) المذكور في هذه المسألة صور ثلاث:

(الأولى): أن يعلم إجمالا أن هذا الماء إما مضاف، أو نجس، و هذا يجوز استعماله في كل ما لا يعتبر فيه الإطلاق، كالشرب، و نحوه، و احتمال النجاسة مدفوع بقاعدة الطهارة، و أما احتمال الإضافة فغير ضائر، لجواز شرب المضاف.

و لا يجوز استعماله في رفع الحدث سواء الوضوء، أو الغسل، بل و كذا في رفع الخبث، للعلم التفصيلي ببقائهما إما من جهة نجاسة الماء، أو من جهة إضافته، إذ يعتبر في رافعهما الطهارة، و الإطلاق- معا- و نعلم إجمالا بفقد أحدهما.

العلم الإجمالي بأن الماء إما مضاف، أو غصب (الثانية): أن يعلم إجمالا أن هذا الماء إما مضاف، أو مغصوب، و هذه الصورة حكمها كالصورة الأولى، فيجوز استعمال المشكوك فيما لا يشترط فيه الإطلاق، كالشرب، و احتمال الحرمة من جهة الغصب مدفوع بأصالة الإباحة، و لا ضير في احتمال الإضافة- كما ذكرنا- و لا يستعمل في رفع الحدث، و لا الخبث، أما الحدث فللعلم التفصيلي ببقائه المتولد من العلم‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 216‌

و القول (1) بأنه يجوز التوضؤ به ضعيف جدا.

______________________________
الإجمالي بفقد أحد الشرطين- نظير ما ذكرناه في الصورة الأولى- إذ كما يعتبر في رافع الحدث الإطلاق، و الطهارة، كذلك يعتبر فيه الإطلاق و الإباحة، و نعلم إجمالا بفقد أحدهما. و أما الخبث فإنه و إن لم يشترط في رفعه إباحة الماء، لزوال النجاسة بالماء المغصوب، إلا أنه يعتبر فيه الإطلاق و مع الشك فيه يستصحب نجاسة المغسول، إذ لا أصل يحرز به الإطلاق. و ان شئت فقل: انا نعلم إجمالا أن هذا الماء اما أنه لا يرفع الخبث- على تقدير الإضافة- و اما أنه يحرم التصرف فيه- على تقدير الغصبية- فيثبت الأثر الشرعي على كل تقدير.

العلم الإجمالي بأن الماء إما نجس، أو غصب (الثالثة): أن يعلم إجمالا بأن الماء إما نجس، أو مغصوب، و هذا لا يجوز شربه، للعلم التفصيلي بالحرمة على كل تقدير- سواء أ كان نجسا، أم غصبا- و لا يجوز أيضا استعماله في رفع الحدث، للعلم بالبطلان اما من جهة النجاسة، أو من جهة الغصبية، كما أنه لا يجوز استعماله في رفع الخبث، للعلم الإجمالي إما بعدم كونه رافعا للخبث- على تقدير كونه نجسا- و إما بحرمة التصرف فيه- على تقدير كونه غصبا- و في المقام قول بجواز التوضؤ به، كما أشار إليه في المتن، و نتعرض له، و لضعفه بعيد هذا.

كلام مع الشيخ محمد طه نجف (قده)

(1) نسب هذا القول الى العالم الجليل الشيخ محمد طه نجف، و تبعه تلميذه الشيخ على آل صاحب الجواهر، و يبتنى ذلك على ما اشتهر بينهم،

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 217‌

..........

______________________________
بل ادعى عليه الإجماع من أن عدم الغصب من الشرائط العلمية لصحة العبادة لا الواقعية، فالغصب بوجوده الاحرازى يكون مانعا عن صحة العبادة، لا بوجوده الواقعي، و على ذلك بنوا صحة الصلاة في الدار المغصوبة في حال الجهل، و كذلك الوضوء بالماء المغصوب- حتى بناء على امتناع اجتماع الأمر و النهى- معللين ذلك بأن الحرمة المجهولة لا تنافي قصد القربة، فتصح العبادة لا محالة.

و عليه لا أثر في المقام لأحد طرفي العلم الإجمالي، إذ لو كان الماء غصبا واقعا لا يوجب بطلان الوضوء، لأنه مجهول، فينحصر المانع في احتمال النجاسة، و هو مدفوع بقاعدة الطهارة، و معنى ذلك أنه يجرى الأصل في أحد طرفي العلم الإجمالي من دون معارض، إذ لا اثر للمعلوم بالإجمال على تقدير كونه غصبا بالنسبة إلى صحة الوضوء، و لا تنجيز للعلم الإجمالي إلا بتعارض الأصول في أطرافه، و لا تعارض الا فيها إذا ترتب الأثر على جميع الأطراف.

و لا ينتقض المقام بما إذا علم إجمالا بغصبية أحد الإنائين حيث اتفقوا على عدم جواز الوضوء بشي‌ء منهما، و ذلك لأن الغصب هناك معلوم بالإجمال و الجهل انما هو في انطباقه على هذا، أو ذاك، فيكون منجزا بالعلم الإجمالي لتعارض الأصول في أطرافه حينئذ، و هذا بخلاف المقام، فإنه لم يعلم بالغصب لا تفصيلا، و لا إجمالا، لأن العلم قد تعلق بالجامع بينه، و بين النجس، فلا وجه للإيراد عليهما بذلك.

نعم يرد عليهما فساد المبنى، و الابتناء.

أما (الأول) فلما ذكرناه في بحث اجتماع الأمر، و النهى من أنه لا أصل لما اشتهر من أن عدم الغصب شرط علمي، لا واقعي، لعدم ثبوته بدليل،

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 218‌

..........

______________________________
و الإجماع التعبدي غير متحقق في أمثال المقام، و تعليلهم ذلك بأن الغصب الواقعي لا يكون مانعا عن التقرب عليل، لأن المبغوض لا يصلح لأن يكون مقربا، فلو كان العبد جاهلا، و قصد التقرب فهو تقرب خيالي، لا واقعي، فإن قتل ابن المولى- مثلا- مبغوض له واقعا، و ان قصد العبد التقرب به بتخيل أنه عدوه، بل قد ذكرنا في ذاك البحث أنه لو كانت الحرمة ناشئة من قبل الموضوع، كالوضوء بالماء المغصوب، و السجدة على الأرض المغصوبة، و نحو ذلك، كانت العبادة باطلة من دون ابتنائه على القول بامتناع اجتماع الأمر و النهى، و تقديم جانب الحرمة، لأن ذلك من قبيل النهي في العبادة، لتخصيص دليل الوجوب بغير الفرد المحرم، و لا يرتبط ذلك ببحث اجتماع الأمر و النهى أصلا، و بالجملة: ثبوت الحرمة الواقعية يمنع عن تحقق الامتثال، و صدق المأمور به على الفرد المحرم، فتكون العبادة باطلة لا محالة من دون فرق بين صورتي العلم، و الجهل، لبقاء الأمر على حاله، فيجب اعادة الوضوء، و كذا الصلاة عند انكشاف الخلاف، و ارتفاع الجهل.

و عليه يكون الأثر- و هو بطلان الوضوء- ثابتا على كل تقدير.

و أما (الثاني)- أعني فساد الابتناء لو سلم المبنى- فلأن الغصب على هذا المبنى و ان لم يكن له أثر في حال الجهل بالنسبة إلى بطلان العبادة، لأن المفروض أنه مانع بوجوده العلمي، لا الواقعي، الا أنه يترتب عليه الأثر بلحاظ التصرفات الخارجية، لحرمة جميع أنحاء التصرف في الماء المغصوب- من غسل النجس، أو القذر به أو رشه على الأرض، و نحو ذلك- و موضوعها- حسب ما هو ظاهر الأدلة- الغصب الواقعي، لا المعلوم، فلا محالة يكون الغصب في محل الكلام طرفا للعلم الإجمالي بلحاظ هذا الأثر‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 219‌

[ (مسألة 5) لو أريق أحد الإنائين المشتبهين من حيث النجاسة]

(مسألة 5) لو أريق أحد الإنائين المشتبهين من حيث النجاسة، أو الغصبية لا يجوز التوضؤ بالآخر (1)

______________________________
- أعني حرمة التصرف- و ان لم يكن طرفا له بلحاظ بطلان الوضوء، لحصول العلم الإجمالي حينئذ اما بفساد الوضوء بهذا الماء- على تقدير النجاسة- أو بحرمة التصرف فيه- على تقدير الغصبية- فتكون قاعدة الطهارة معارضة بأصالة الحل، و يتنجز العلم الإجمالي بذلك بالنسبة إلى احتمال الغصب، فلا يجوز الوضوء به.

و ببيان آخر: ان الوضوء بالماء المغصوب حيث أنه من أحد أنحاء التصرف في مال الغير يكون حراما لا محالة مع قطع النظر عن كونه عبادة لأن الوضوء عبارة عن الغسل بالماء على وجه مخصوص، و هو من أحد أنحاء التصرف و هذه الحرمة و إن لم تكن طرفا للعلم الإجمالي من حيث مانعيتها عن الوضوء وضعا على الفرض، إلا أنها تكون طرفا له من حيث كونها حكما تكليفيا يوجب مخالفته العقاب، فحينئذ ينشأ من العلم الإجمالي بنجاسة الماء، أو غصبيته علم إجمالي بفساد الوضوء به- على تقدير النجاسة- و بحرمته- على تقدير الغصبية- فإذا تنجزت الحرمة بذلك، لتعارض قاعدة الطهارة مع أصالة الإباحة حكم ببطلان الوضوء به، على كل تقدير، لأن الحرمة المنجزة في حكم الحرمة المعلومة من حيث اقتضائها بطلان العبادة، فتدبر.

إراقة أحد المشتبهين بالنجس أو الغصب

(1) لبقاء احتمال النجاسة، أو الحرمة في الباقي من دون مؤمن، لأن الأصل فيه معارض بقاء بالأصل الجاري في المراق حدوثا، فتكون المعارضة‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 220‌

و ان زال العلم الإجمالي (1) و لو أريق أحد المشتبهين من حيث الإضافة لا يكفى الوضوء بالآخر، بل الأحوط الجمع بينه، و بين التيمم (2) [1]

______________________________
باقية حتى بعد إراقة أحدهما، لبقاء العلم الإجمالي بأن النجس، أو الغصب إما هو المراق، أو الباقي بعد الإراقة، فتكون قاعدة الطهارة، أو الحل في المراق في ظرف وجوده معارضة بجريانهما في الباقي. نعم لم يبق بعد إراقة بعض الأطراف علم إجمالي ببقاء النجس أو الغصب بالفعل إلا أن ذلك لا ينافي بقاء العلم الإجمالي بحدوثهما في أحدهما، فظهر أنه لا فرق في وجوب الاجتناب عن الباقي بين أن يكون التنجيز بملاك نفس العلم الإجمالي، أو بملاك التعارض في الأصول، لبقاء المعارضة حتى بعد الإراقة- كما ذكرنا- و عليه لا يجوز الوضوء بالباقي، بل ينتقل الفرض الى التيمم إذا لم يكن عنده ماء آخر.

إراقة أحد المشتبهين بالمضاف

(1) أى ببقاء النجس، أو الغصب بالفعل، و إلا فالعلم الإجمالي بحدوث أحدهما إما في المراق، أو في الباقي فباق على حاله، كما ذكرنا آنفا.

(2) إذا علم إجمالا بأن أحد الإناءين مضاف يجب عليه أن يكرر الوضوء بهما عند الانحصار تحصيلا للطهارة المائية، فلو أريق أحدهما فهل يجب الوضوء بالباقي أيضا، كما كان قبل ذلك، أو يحتاط بالجمع بين الوضوء به و التيمم- كما في المتن- أو يجوز له الاكتفاء بالتيمم وحده- كما هو المختار-

______________________________
[1] في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «بل الأحوط الجمع»: (و إن كان لا يبعد جواز الاكتفاء بالتيمم).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 221‌

..........

______________________________
احتمالات ثلاثة:

(الأول): تعين الوضوء بالباقي، و الوجه فيه استصحاب وجوب الوضوء، لأنه قبل الإراقة كان يجب عليه الوضوء، للعلم بوجود الماء في البين، و بعد إراقة أحد الإناءين يشك في بقاء الوجوب، للشك في بقاء الماء لاحتمال كون المراق هو المضاف، فيستصحب.

(و فيه): أن هذا من استصحاب الكلى القسم الثاني، لأن الشك في أن الحادث هو الزائل، أو الباقي، و هو و إن كان حجة- كما حققنا في محله- إلا أنه لا يترتب عليه أثر في المقام، إذ لا يثبت أن الإناء الباقي هو الماء المطلق، و لا بد في وجوب الوضوء به من إحراز كونه ماء مطلقا.

(الثاني): وجوب الاحتياط بالجمع بين الوضوء بالباقي و التيمم. و الوجه فيه وجود العلم الإجمالي بوجوب أحدهما، لأنه لو كان الباقي هو الماء المطلق وجب الوضوء به، و إن كان هو المضاف وجب التيمم، فلا بد من الاحتياط بالجمع بين الأمرين، و هذا هو الوجه لمختار المصنف «قده».

(و فيه): أن مثل هذا العلم الإجمالي المتعلق بأمرين طوليين- كالتيمم و الوضوء- لا يوجب التنجيز، لأن الأصل في أحدهما حاكم على الأصل في الآخر، و به ينحل العلم الإجمالي. «و توضيحه»: أن المستفاد من الآية الشريفة [1] إنما هو أن الوضوء وظيفة الواجد للماء، و التيمم وظيفة من لم يجد، لان التفصيل بين الواجد و الفاقد- في الآية الكريمة- قاطع للشركة فلا يكون شخص واحد مكلفا بهما معا، لانه إما واجد للماء، أو ليس بواجد له‌

______________________________
[1] قوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ. وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ، أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ، أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً. المائدة 5: 7.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 222‌

..........

______________________________
ثم إن المراد من عدم الوجدان ما هو أعم من عدم الوجدان التكويني، إذ يعمه و التشريعي- كالممنوع من استعمال الماء لمرض و نحوه- بقرينة ذكر المريض في الآية الكريمة في عداد من يجب عليه التيمم، و ورود روايات
«1» كثيرة تدل على أن من يضره الماء يتيمم، فالقرينة الداخلية في الآية الكريمة و الخارجية تدلان على أن المراد من عدم الوجدان أعم ممن لم يكن عنده ماء، أو كان و لكن لم يتمكن من استعماله، لمرض و نحوه. بل أعم منه و ممن لا يتمكن من الطهارة المائية، و لو تمكن من استعماله تكوينا و تشريعا- كما إذا انحصر الماء في ملك الغير، و أذن له في جميع التصرفات إلا الوضوء، و الغسل- فان مثل هذا الشخص لا يتمكن من الطهارة المائية، لتوقفها على نية القربة، و لا تتحقق منه مع منع المالك عن الوضوء، لحرمة هذا التصرف الخاص، و إن جاز له غسل الوجه و اليدين بلا نية، لإذن المالك فيه- فرضا- و بالجملة: موضوع وجوب التيمم- بعد ضم الأدلة بعضها ببعض- هو من لم يجد الماء و لو تشريعا، و بتعبير آخر هو من لم يتمكن من الطهارة المائية، و في مقابله المتمكن منها، فيكون وظيفته الوضوء.

إذا عرفت ذلك فنقول: إن من انحصر مائه في الباقي من الإناءين المشتبهين بالمضاف- بعد إراقة أحدهما- لا يتمكن من تحصيل الطهارة المائية لأنه مستصحب الحدث بعد الوضوء به- دائما- من جهة الشك في أن المستعمل في الوضوء ماء مطلق، أو مضاف، و من كان مستصحب الحدث بعد الوضوء بهذا الماء ليس ممن يتمكن من الطهارة المائية- بحكم الشارع- لأنه محدث في حكمه- دائما- فكيف يكون متمكنا من تحصيل الطهارة المائية‌

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 966 الباب 5 من أبواب التيمم.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 223‌

[ (مسألة 6) ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة]

(مسألة 6) ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة (1) لكن الأحوط الاجتناب [1].

______________________________
بمثل هذا الماء، و مثله يخرج عن موضوع وجوب الوضوء، و يكون داخلا فيمن وظيفته التيمم، لأن التفصيل قاطع للشركة، كما أشرنا. و إذا كان الأصل الجاري في أحد طرفي العلم الإجمالي الطوليين منقحا لموضوع الطرف الآخر انحل العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي بتعين الطرف الآخر، فان استصحاب بقاء الحدث بعد الوضوء بالماء المذكور ينقح به موضوع وجوب التيمم- و هو من لم يتمكن من الطهارة المائية- فلا يعارضه استصحاب الحدث بعد التيمم، لحكومة الأصل في ذاك الطرف عليه، لأنه به يتم موضوع التيمم دون العكس، إذ لا يترتب على استصحاب الحدث بعد التيمم أنه واجد للماء، و هذا بخلاف استصحابه بعد الوضوء بالماء المذكور، فإنه يترتب عليه أنه فاقد للماء، فيتعين عليه التيمم لا غير، فالأقوى هو ما نبهنا عليه في التعليقة من جواز الاكتفاء بالتيمم و هو الاحتمال (الثالث) من الاحتمالات المذكورة في المقام، فتدبر.

ملاقي الشبهة المحصورة

(1) لا يخفى: أن وجوب الاجتناب عن أطراف الشبهة المحصورة ليس من جهة كونها محكومة بالنجاسة، كيف و الحكم بالنجاسة الواقعية مناف للعلم الإجمالي لتعلقه بنجاسة بعضها- واقعا- دون جميعها، و الحكم‌

______________________________
[1] في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «لكن الأحوط الاجتناب»: (هذا إذا كانت الملاقاة بعد العلم الإجمالي، و إلا وجب الاجتناب عن الملاقي ايضا على تفصيل ذكرناه في محله).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 224‌

..........

______________________________
بالنجاسة الظاهرية تشريع محرم، لعدم قيام أمارة، أو أصل تثبت ذلك على الفرض؟! بل من جهة استقلال العقل به، لاحتمال انطباق المعلوم بالإجمال على كل واحد من الأطراف، و عدم وجود المؤمن، لتساقط الأصول المؤمنة بالمعارضة و كم فرق بين الحكم بنجاسة الأطراف شرعا، و الحكم بوجوب الاجتناب عنها عقلا؟! فإن الأول حكم شرعي وضعي، و الثاني حكم عقلي إرشادي. نعم غايته ثبوت احتمال النجاسة في كل واحد منها، و عليه يكون ملاقي الأطراف أولى بأن لا يحكم بنجاسته، لا واقعا، و لا ظاهرا، بل غايته وجوب الاجتناب عنه، كنفس الأطراف فما وقع في كلمات بعضهم كالمصنف «قده» من عدم الحكم بنجاسة الملاقي ليس المراد به ما يوهمه ظاهر العبارة من كونه في مقابل احتمال الحكم بالنجاسة، كي يقال: إن عدم الحكم بنجاسته مما لا ينبغي الإشكال فيه، بل المراد أنه لا يجب الاجتناب عنه بخلاف نفس الأطراف، و عليه يكون الاحتياط في المتن استحبابيا، لأنه مسبوق بفتوى عدم الحكم عليه بالنجاسة بالمعنى الذي ذكرناه، لا وجوبيا، كما قد يتوهم.

و كيف كان فلا بأس بتفصيل الكلام في ملاقي أطراف الشبهة المحصورة في الجملة، كي يتضح لك حكم جميع الأقسام و (هي خمسة) نذكرها في طي صور ثلاث، لأن الملاقاة إما أن تكون بعد حدوث العلم الإجمالي بنجاسة أحد الأطراف، أو تكون قبله، و على الثاني إما أن تكون الملاقاة، و العلم بها سابقين على العلم الإجمالي، أو تكون الملاقاة سابقة عليه، و العلم بها متأخرا عنه. و بعبارة أخرى: قد يكون العلم الإجمالي سابقا على نفس الملاقاة، و على العلم بها- معا- و اخرى يكون متأخرا عنهما- معا- و ثالثة يكون متوسطا بينهما، بأن يسبقه الملاقاة، و يتأخر عنه العلم بها.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 225‌

..........

______________________________
(أما الصورة الاولى)- و هي ما إذا كانت الملاقاة بعد حدوث العلم الإجمالي بنجاسة أحد الأطراف و تنجز المعلوم بالإجمال به قبل تحقق الملاقاة- فهل يجب الاجتناب عن الملاقي حينئذ؟

ربما يقال بوجوب الاجتناب، و يستدل له بوجهين:

(الوجه الأول): ان نجاسة المتلاقيين نجاسة واحدة توسعت بالملاقاة فثبتت لشيئين بعد أن كانت ثابتة لشي‌ء واحد، فهي نظير ما إذا قسم أحد الأطراف إلى قسمين، كما إذا أفرغ من أحد الإناءين في إناء ثالث، فصار المجموع ثلاثة، فإنه لا إشكال حينئذ في وجوب الاجتناب عن الجميع، فكذلك في المتلاقيين، و الطرف الآخر.

و الجواب عنه: أن هذه الشبهة مبنية على القول بالسراية، و لا نقول بها، بل النجاسة في الملاقي حكم جديد ثابتة له بسبب الملاقاة، فهناك سبب و مسبب، لا توسعة في نجاسة واحدة، و هل نجاسة الملاقي إلا كطهارة المغسول بالماء الطاهر؟ فكما أن الثوب المغسول بالكر- مثلا- يثبت له طهارة مستقلة غير طهارة الكر، كذلك ملاقي النجس يثبت له نجاسة مستقلة غير نجاسة الملاقي- بالفتح.

(الوجه الثاني): أنه يتولد بالملاقاة علم إجمالي جديد بنجاسة الملاقي- بالكسر- و الطرف الآخر، و مقتضاه وجوب الاجتناب عن الملاقي أيضا لتعارض الأصل الجاري فيه مع الأصل في الطرف الآخر.

و أجاب عنه شيخنا الأنصاري «قده»: بأنا لا ننكر وجود هذا العلم إلا أنه لا أثر له من حيث تنجيزه المعلوم بالإجمال، و ذلك لتنجز الحكم في الطرف الآخر بالعلم الإجمالي الأول، لتعارض الأصول في أطرافه، فلا‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 226‌

..........

______________________________
يكون العلم الثاني منجزا على كل تقدير، لتنجز الحكم في أحد طرفيه و هو طرف الملاقي- بالفتح- بمنجز سابق فإنه كان محكوما بوجوب الاجتناب عنه قبل حدوث العلم الثاني، و المتنجز لا يتنجز ثانيا، فيكون الشك في الملاقي في حكم الشك البدوي فيجري فيه الأصل بلا معارض.

أقول: الصحيح هو التفصيل بين ما إذا لم يختص الطرف الآخر بأصل طولى يجرى فيه دون الملاقي- بالفتح- و بين ما إذا اختص به، ففي الأول لا يجب الاجتناب عن الملاقي- بالكسر- بخلاف الثاني، فهنا قسمان:

(القسم الأول): هو ما إذا لم يختص الطرف الآخر بأصل طولى غير معارض، كما إذا علم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين، فإن جميع الأصول فيهما متعارضة، سواء أ كان أصلا موضوعيا، أم حكميا سببيا، أم مسببيا فان استصحاب عدم ملاقاة كل منهما للنجس معارض به في الآخر، و كذا استصحاب طهارته، أو قاعدتها، كما أن أصالة الإباحة في كل منهما معارض بها في الآخر، فان جميع هذه الأصول مع اختلاف مراتب بعضها عن بعض من حيث الطولية و العرضية معارضة في الطرفين، لجريان جميعها في كل منهما و في هذا القسم لا يجب الاجتناب عن الملاقي، لأنه من الشك في حدوث نجاسة جديدة، لتنجز المعلوم بالإجمال في الزمان السابق، فيكون مجرى للأصل النافي لاحتمال النجاسة- من استصحاب عدم ملاقاته للنجس، أو استصحاب طهارته، أو قاعدتها- من دون معارض، فيكون محكوما بالطهارة لا محالة.

(القسم الثاني): هو ما إذا اختص الطرف الآخر بأصل طولى غير معارض، و ذلك كما إذا علم إجمالا بنجاسة الإناء، أو الثوب- مع فرض‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 227‌

..........

______________________________
ملاقاة شي‌ء للثوب- فان جميع الأصول المتقدمة جارية في الطرفين إلا أصالة الإباحة، فإنها تختص بالماء، و لا تجري في الثوب، لأن الثوب النجس لا يحرم لبسه، بخلاف الماء، فإنه يحرم شربه إذا كان نجسا، و مع الشك في حرمته من جهة احتمال النجاسة يجري فيه أصالة الإباحة من دون معارض فيحل شربه و إن لم يجز الوضوء به، و الشك في الحرمة و ان كان مسببا عن الشك في النجاسة إلا أنه لم تصل النوبة الى الأصل في المسبب إلا بعد سقوط الأصل في السبب بالمعارضة و بالجملة لا مانع من جريان الأصل الطولى المختص ببعض الأطراف، لما ذكرنا في محله من أن تنجيز العلم الإجمالي بالنسبة إلى الموافقة القطعية إنما هو بتعارض الأصول في أطرافه لا بنفس العلم- كما قيل- للفرق بين العلم التفصيلي و الإجمالي، فإن الثاني مشوب بالشك في انطباق المعلوم بالإجمال على كل واحد من الأطراف، فمن الجائز أن يرخص المولى في ارتكاب بعضها، و يكتفى بالامتثال بالباقي بدلا عن الواقع، لأن أمر ذلك بيد المولى، إذ لا محذور فيه عقلا، و عليه إذا كانت الأصول الترخيصية جارية في جميع الأطراف سقطت بالمعارضة، فيكون نفس احتمال التكليف في كل واحد منها منجزا للواقع، لعدم المؤمن، و إذا اختص بعضها بأصل طولى فيجري فيه بلا معارض، و ليس شأن العلم الإجمالي المنع عن جريانه فيه- كما أشرنا- و على هذا يجب الاجتناب عن الملاقي في هذا القسم، لتعارض الأصل الجاري فيه مع الأصل المختص بالطرف الآخر، ففي المثال تكون قاعدة الطهارة في ملاقي الثوب معارضة بأصالة الحل في الماء، لحدوث علم إجمالي جديد بنجاسة الملاقي- بالكسر- أو حرمة شرب الماء، و بعد تعارض الأصلين في طرفيه يكون منجزا لمتعلقه، فيجب الاجتناب عن الملاقي، بل‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 228‌

..........

______________________________
يجب الاجتناب عن شرب الماء أيضا، و إن كان جائزا قبل الملاقاة، فإن العلم المذكور أوجب سقوط الأصل في الطرفين.

(أما الصورة الثانية) و هي أن تكون الملاقاة و العلم بها سابقتين على العلم الإجمالي بالنجاسة- بأن حصلت الملاقاة و العلم بها، ثم حصل العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي- بالفتح- أو الطرف الآخر- فهل يجب الاجتناب عن الملاقي في هذه الصورة؟ فيه خلاف بين الاعلام، فذهب صاحب الكفاية «قده» الى القول بالوجوب مستدلا على ذلك بقوله: «ضرورة أنه حينئذ نعلم إجمالا إما بنجاسة الملاقي و الملاقي، أو بنجاسة الآخر، كما لا يخفى، فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين، و هو الواحد أو الاثنين» و يريد بذلك أن العلم الإجمالي قد تعلق بنجاسة المتلاقيين، و الطرف الآخر، فأحد طرفيه أمران، و الطرف الآخر أمر واحد، و لا فرق في التنجيز بين وحدة كل من الأطراف، و تعدده، و هل هذا إلا نظير ما إذا علم إجمالا بنجاسة الإناء الكبير، أو الإنائين الصغيرين، أو بوجوب قضاء صلاة الفجر، أو الظهرين؟! فإنه لا يتوهم أن تكون أحد الإنائين الصغيرين طرفا للعلم الإجمالي مع الإناء الكبير دون الآخر، أو تكون صلاة الظهر طرفا للعلم الإجمالي مع الفجر دون العصر، بل يكون طرف الإناء الكبير الإنائين الصغيرين معا، و كذا طرف صلاة الفجر الظهرين معا، هذا.

و لكن شيخنا الأستاذ «قده» لم يرتض بذلك، و ذهب الى القول بعدم وجوب الاجتناب في هذه الصورة أيضا- كالأولى- تبعا لشيخنا الأنصاري «قده» و أورد على المحقق المزبور بأن الأصل الجاري في الملاقي متأخر رتبة عن الأصل الجاري فيما لاقاه، لأن نجاسته مسببة عن نجاسته، فإذا كان‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 229‌

..........

______________________________
الأصل في السبب مبتلا بالمعارض جرى الأصل في المسبب من دون معارض، فكم فرق بين المقام، و المثالين؟! فان نجاسة أحد الإنائين الصغيرين ليست مسببة عن نجاسة الأخر، بل نجاستهما في عرض واحد، و كذا ليس وجوب العصر مسببا عن وجوب الظهر، كي يكون الشك في أحدهما مسببا عن الشك في الآخر، فالإناآن، و الظهران يكونان طرفا للعلم الإجمالي في عرض واحد، فتكون الأصول متعارضة لا محالة.

أقول: الصحيح هو التفصيل بين ما إذا كان زمان المعلوم بالإجمال سابقا على زمان الملاقاة، و بين أن يكونا متقارنين في الزمان، فلا يجب الاجتناب عن الملاقي في الأول، دون الثاني، و لا أثر للسبق و اللحوق الرتبيين في هذا الباب بوجه- كما ستعرف- فلهذه الصورة أيضا قسمان:

(القسم الأول): هو أن يكون زمان النجاسة المعلومة بالإجمال سابقا على زمن الملاقاة، كما إذا تحققت الملاقاة يوم الجمعة، و علم بها، ثم علم يوم السبت بنجاسة الملاقي- بالفتح- أو الطرف الآخر من يوم الخميس، فيكون زمان النجاسة المعلومة بالإجمال يوم الخميس، و زمان الملاقاة يوم الجمعة، و زمان العلم الإجمالي يوم السبت، و في هذا القسم لا يجب الاجتناب عن الملاقي، و ذلك لجريان الأصل فيه بلا معارض، لسبق زمان المعلوم بالإجمال على زمان الملاقاة، و إن تأخر العلم به عنها، و العبرة بزمان المنكشف، لا الكاشف، بمعنى ان المنكشف يتنجز من حينه، و إن تأخر الكاشف. و السر فيه هو ان زمان المعلوم بالإجمال حيث كان سابقا على الملاقاة لا يحتمل انطباقه على الملاقي، بل هو خارج عن أطرافه، لأن المفروض نجاسة أحد الإنائين يوم الخميس، و حصول الملاقاة يوم الجمعة،

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 230‌

..........

______________________________
فلو كان الملاقي نجسا فإنما هو فرد آخر من النجس حدث يوم الجمعة، فدائرة المعلوم بالإجمال منحصرة في نفس الإنائين، و أما نجاسة الملاقي- لو كانت- فهي نجاسة جديدة يشك في أصل حدوثها في زمان متأخر، فتكون مجرى الأصل بلا معارض، و إنما التعارض في نفس الأطراف.

نعم: لو كان الطرف الآخر مختصا بأصل طولى وقعت المعارضة بينه و بين الأصل في الملاقي، فيجري في هذا القسم ما أسلفناه في الصورة الاولى من القسمين. و مما ذكرنا ظهر الفرق بين المقام، و المثالين الذين قدمنا هما في تقريب ما ذهب اليه صاحب الكفاية «قده» فان الإنائين الصغيرين يكونان معا طرفا للعلم الإجمالي مع الإناء الكبير، و كذا الظهرين مع صلاة الفجر، فالحق في هذا القسم هو ما ذهب اليه شيخنا الأستاذ «قده» من عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي، لكن لا بالملاك الذي أفاده من التقدم و التأخر الرتبيين بين الأصل في المتلاقيين، لما نشير الى ضعفه في القسم الثاني من هذه الصورة، بل بالملاك الذي ذكرناه، فلاحظ.

(و أما القسم الثاني):- و هو أن يتحد زمان المعلوم بالإجمال، و الملاقاة مع تأخر العلم الإجمالي عنهما، كما إذا فرضنا إناء ماء فيه ثوب، و علمنا في يوم الجمعة بوقوع نجاسة فيه، أو في إناء آخر يوم الخميس- فالحق فيه ما ذهب اليه صاحب الكفاية «قده» من وجوب الاجتناب عن الملاقي. و الوجه فيه: أن المتلاقيين يكونان طرفا للعلم الإجمالي- معا- فيشملهما دائرة المعلوم بالإجمال في عرض واحد، لأن العلم الإجمالي كما تعلق بنجاسة أحد الإنائين، كذلك تعلق بنجاسة الثوب، و الإناء الآخر، فليس هناك شك في حدوث نجاسة جديدة غير المعلومة بالإجمال، كما كان الحال في القسم الأول‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 231‌

..........

______________________________
من هذه الصورة، لعدم سبق زماني بين النجاسة المعلومة بالإجمال، و الملاقاة فيكون المقام نظير العلم الإجمالي بنجاسة الإناء الكبير، أو الإنائين الصغيرين أو العلم بفوات صلاة الفجر، أو الظهرين، فيتعارض الأصول من الجانبين في عرض واحد، لتساوى نسبة العلم الإجمالي إلى الطرفين.

و قد ذكرنا: أن شيخنا الأستاذ ذهب الى القول بعدم وجوب الاجتناب في هذه الصورة تبعا لشيخنا الأنصاري «قدس سرهما» مستدلا على ذلك بجريان الأصل في الملاقي من دون معارض، بدعوى تأخر رتبة الأصل الجاري فيه عن الأصل فيما لاقاه، لأن نجاسته مسببة عن نجاسته، فإذا كان الأصل في السبب معارضا بمثله في الطرف الآخر فلا محالة يبقى الأصل في المسبب بلا معارض، فيحكم بطهارة الملاقي لا محالة.

و يدفعه أولا: أن مجرد السبق، و اللحوق الرتبيين لا يجديان شيئا في المقام بعد فرض اتحاد نسبة العلم الإجمالي إلى المتلاقيين، و الطرف الآخر من حيث الزمان على حد سواء، من دون أن يكون هناك سبق، و لحوق، و ذلك لأن نجاسة الملاقي و إن كانت متأخرة عن نجاسة ما لاقاه رتبة قضاء للسببية بينهما، إلا أن المفروض في المقام اتحاد زمان حصولهما إذ في زمان واحد قد حصلت النجاسة إما في المتلاقيين، أو في الطرف الآخر فيكون نسبة العلم الإجمالي إلى الجميع على حد سواء بحسب الزمان، ففي الظرف الذي يجري الأصل في الملاقي يجري فيما لاقاه أيضا، إذ الأصول العملية ناظرة إلى مقام الخارج، و عمل المكلفين، من دون لحاظ سبق، و لحوق بحسب الرتبة، و لا تقاس الأحكام الشرعية على الأحكام العقلية المترتبة على الرتب، فعليه يكون الأصل في الطرف الآخر معارضا للأصل الجاري في المتلاقيين، و هذا‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 232‌

..........

______________________________
بخلاف ما إذا تقدم زمان النجاسة المعلومة بالإجمال على زمن الملاقاة، فإنه في الظرف السابق تكون الأصول في أطراف العلم الإجمالي متعارضة، و إنما الشك في حدوث نجاسة جديدة بعد حدوث النجاسة الاولى، فيجري فيها الأصل من دون معارض له في الزمان اللاحق.

و الحاصل: أن التقدم الرتبي و إن كان مجديا لحكومة الأصل السببي على الأصل المسببي و تقدمه عليه، إلا أن ذلك في موارد المعارضة بينهما مع فرض جريانه في السبب فيزول الشك عن المسبب بجريان الأصل في سببه، و في المقام لا تعارض بين الأصلين في المتلاقيين، بل الأصل في السبب غير جار في نفسه، لابتلائه بالمعارض، و هو كما يعارض الأصل السببي كذلك يعارض الأصل المسببي، لاتحاد زمانهما الموجب لتساوى نسبة العلم الإجمالي الى جميع الأطراف على حد سواء.

و ثانيا: أن تأخر الأصل في الملاقي عن الأصل في ما لاقاه رتبة لا يلازم تأخره بالرتبة عن الأصل الجاري في الطرف الآخر، بل هما في عرض واحد، لأن السبق الرتبي لا يكون إلا مع تحقق ملاكه من العلية، أو الشرطية، و هو و إن كان متحققا بين الملاقيين، إلا أنه مفقود بين الملاقي و الطرف الآخر، و تأخر شي‌ء عن أحد المتساويين في الرتبة لا يلازم تأخره عن الآخر، إذ لا يجرى قياس المساواة في الرتب، بل يختص بالزمان، و الشرف. و من هنا يكون وجود المعلول متأخرا عن وجود العلة رتبة، و لا يكون متأخرا عن عدم علته بالرتبة مع أن وجود العلة و عدمها في مرتبة واحدة، و على هذا تقع المعارضة بين الأصل في الملاقي، و الطرف الآخر لأنهما في مرتبة واحدة، فيجب الاجتناب عن الملاقي أيضا كالطرفين- كما هو المختار.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 233‌

..........

______________________________
و أما (الصورة الثالثة)- و هي ما إذا تقدمت الملاقاة على العلم الإجمالي و كان العلم بها متأخرا عنه، بأن تتحقق الملاقاة أولا، ثم يعلم إجمالا بنجاسة ما لاقاه، أو الطرف الآخر، ثم يعلم بتحقق الملاقاة، كما إذا حصلت الملاقاة يوم الأربعاء، و علم إجمالا يوم الخميس بنجاسة أحد الإنائين ثم علم يوم الجمعة بحصول الملاقاة فيكون العلم الإجمالي متوسطا بين الملاقاة و بين العلم بها فهل يجب الاجتناب عن الملاقي حينئذ؟- فلها قسمان أيضا، لأن زمان المعلوم بالإجمال ربما يكون مقدما على زمان الملاقاة، و أخرى يتحد زمانهما.

أما (القسم الأول):- و هو كما إذا علم في المثال بحصول النجاسة من يوم الثلاثاء، فتكون النجاسة المعلومة متقدما زمانا على الملاقاة التي هي يوم الأربعاء- فلا يجب فيه الاجتناب عن الملاقي، لجريان الأصل فيه بلا معارض، لما تقدم من أن العبرة بزمان المعلوم، لا العلم، لتنجز التكليف من حينه، و لو تعلق العلم به متأخرا، فتكون النجاسة المعلومة بالإجمال منجزة من حين تحققها، و تتعارض الأصول في أطرافها من حينه، فيكون الشك في نجاسة الملاقي من الشك في حدوث نجاسة جديدة، لتأخر زمانها عن المعلوم بالإجمال، فيجري فيها الأصل بلا معارض. نعم: إذا كان الطرف الآخر مختصا بأصل طولى تقع المعارضة بينه و بين الأصل الجاري في الملاقي- كما عرفت في الصورة الاولى.

و أما (القسم الثاني):- و هو ما لو اتحد زمان المعلوم بالإجمال، و الملاقاة كما إذا علم- في المثال- بحدوث النجاسة و الملاقاة معا في يوم الأربعاء- فربما يقال فيه بعدم وجوب الاجتناب عن الملاقي، من جهة أن‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 234‌

..........

______________________________
سبق حدوث العلم الإجمالي بالنجاسة أوجب تنجزها، بتعارض الأصول في أطرافه، فإذا حصل العلم بالملاقاة بعد ذلك كان مرجعه الى الشك في حدوث نجاسة جديدة للملاقي فتكون مجرى الأصل، كما إذا تأخرت الملاقاة عن العلم الإجمالي أيضا، هذا.

و لكن الصحيح وجوب الاجتناب، لأن تنجز التكليف يدور مدار منجزه حدوثا و بقاء، فكما انه يحتاج في حدوثه الى حدوث المنجز، كذلك في بقائه يحتاج إلى بقائه، ففي المقام العلم الإجمالي بالنجاسة و ان كان قد حدث قبل العلم بالملاقاة، و أوجب تنجز المعلوم، إلا أنه بعد أن علم بالملاقاة من حين حدوث النجاسة ينقلب الى علم إجمالي آخر، و هو العلم بنجاسة المتلاقيين أو الطرف الآخر، فيستند التنجز بقاء الى هذا العلم، لزوال الأول فيجب الاجتناب عن الجميع، كما إذا كان العلم بالملاقاة قبل العلم الإجمالي بالنجاسة، و هذا نظير ما إذا علم أولا بنجاسة الإناء الكبير، أو أحد الصغيرين، ثم علم أيضا بنجاسة الكبير أو الصغيرين معا، فإنه لا ينبغي التأمل في وجوب الاجتناب عن الجميع، لانقلاب العلم الإجمالي الأول الى الثاني الموجب لتنجز الحكم في جميع الأطراف، كما إذا حدث ابتداء.

هذا تمام كلامنا في الأقسام الخمسة لملاقي أطراف الشبهة في ضمن صور ثلاث، و الغالب منها هو القسم الأول، و هو محكوم بالطهارة- كما عرفت.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 235‌

[ (مسألة 7) إذا انحصر الماء في المشتبهين تعين التيمم]

(مسألة 7) إذا انحصر الماء في المشتبهين تعين التيمم (1)

______________________________
انحصار الماء في المشتبهين بالنجس

(1) كما في النص، و هو موثق عمار «1» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام:

«أنه سئل عن رجل معه إنا آن فيهما ماء، وقع في أحدهما قذر لا يدرى أيهما هو، و حضرت الصلاة، و ليس يقدر على ماء غيرهما؟ قال: يهريقهما جميعا، و يتيمم» و مثله رواية سماعة «2».

و ينبغي التكلم في مقامات ثلاثة (الأول) في أن مشروعية التيمم عند انحصار الماء في المشتبهين- الثابتة بالنص- هل هي حكم على القاعدة، أو أنها تعبد محض؟ و على الأول يجوز التعدي عن مورد النص- و هو الماء القليل- الى ما إذا كان ألما آن أو أحدهما كثيرا، بخلاف الثاني. (الثاني) في أن وجوبه تعييني، أو تخييري؟ بمعنى أنه لو أمكن الاحتياط بالمائين المشتبهين على نحو يحصل له القطع بالإتيان بصلاة مقترنة بالطهارة عن الحدث و الخبث- كما سنذكر- فهل له ذلك، أو يتعين في حقه التيمم؟ (الثالث) في أن الأمر بإراقة المائين في النص هل هو من باب التعبد، أو لكون الإراقة شرطا للتيمم، أو أنه إرشاد محض؟

مشروعيّة التيمم أما (المقام الأول): فنقول إذا لم يتمكن المكلف من تحصيل الطهارة‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 116 الباب 8 من أبواب الماء المطلق، الحديث 14.

(2) في الباب المتقدم، الحديث 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 236‌

..........

______________________________
الحدثية، و الخبثية بالمائين المشتبهين- على النحو الآتي- إما من جهة العسر و الحرج، أو لقلة المائين، أو لضيق الوقت و نحو ذلك كان وجوب التيمم حينئذ هو مقتضى القاعدة من دون حاجة فيه الى النص، فيجوز التعدي عن مورده الى غيره، و أما إذا تمكن من ذلك- كما في بعض الصور الآتية- فمشروعيته حينئذ تخالف القاعدة الأولية، إذ لا يسوغ التيمم مع التمكن من الطهارة المائية، فلا بد من الاقتصار على مورده- و هو الماء القليل-، و لتوضيح الحال و تحقيق ما هو الحق في المقام في كل من الأقسام لا بد من بيان صور التوضؤ، أو الاغتسال بالمائين المشتبهين، و أنه في أي منها يحصل اليقين بالصلاة مقترنة بالطهارة عن الحدث و الخبث، و في أي منها لا يحصل.

و هي ثلاثة (الأولى): أن يتوضأ أولا بأحد المائين، و يصلى، ثم يطهر أعضاء الوضوء بالماء الثاني، و يتوضأ به ثانيا، فيصلي مرة أخرى عقيب الوضوء الثاني، فإذا عمل بهذه الكيفية فلا إشكال في انه يجزم بصحة إحدى الصلاتين، و بفراغ ذمته بها، لصحة أحد الوضوئين، لأن المفروض تخلل تطهير الأعضاء بينهما.

و أما قضية الابتلاء بنجاسة البدن بمقتضى الاستصحاب أو العلم الإجمالي- كما يأتي تقريبهما في الصورة الثالثة- فلا تضر بالجزم بصحة إحدى الصلاتين و القطع بفراغ الذمة- على هذه الكيفية- إذ المفروض تكرار الصلاة عقيب كل وضوء بداعي رجاء الواقع، فبعد الفراغ عنهما يجزم بتحقق صلاة صحيحة مقترنة بالطهارة، إذ على تقدير أن يكون الوضوء الأول بالماء الطاهر فقد ارتفع حدثه به، و لم يتنجس بدنه، فكانت أولى الصلاتين صحيحة، و على تقدير أن يكون الوضوء الثاني بالماء الطاهر كانت الصلاة‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 237‌

..........

______________________________
الثانية صحيحة، لأن المفروض تطهير الأعضاء قبل الوضوء الثاني. نعم:

لا يجوز له الدخول في الصلوات الآتية إلا مع تطهير ما أصابه الماءان من أعضاء بدنه و هذا غير ما نحن فيه.

فلو تمكن المكلف من الصلاة مع تحصيل الطهارة المائية بالمائين المشتبهين بهذه الكيفية لسعة الوقت، و كفاية المائين، كان مقتضى القاعدة تعينها عليه، إلا أن إطلاق النص يدل على مشروعية التيمم حتى مع التمكن منها بهذه الصورة، فلا بد من الاقتصار على مورده من كون المائين قليلين لمخالفة مشروعية التيمم فيها للقاعدة الأولية، و لعل تشريعه في هذا الحال يكون من باب التسهيل على العباد، لأن الصلاة مع الاحتياط المذكور لا تخلو عن مشقة نوعية. نعم: لو استلزم الحرج كان الحكم بجواز التيمم مطابقا للقاعدة، إلا أن النص لا يختص به.

(الصورة الثانية): أن يتوضأ بكل من المائين المشتبهين متعاقبا من دون تخلل تطهير الأعضاء في البين، ثم يأتي بصلاة واحدة عقيبهما.

و في هذه الصورة يجزم ببطلان الصلاة، لفقدها الطهارتين، أما فقدها الطهارة الخبثية فبالوجدان، للعلم بتنجس بدنه أما بملاقاة الأول أو الثاني، و أما فقدها الطهارة الحدثية فبالتعبد، لاستصحاب الحدث من جهة احتمال بطلان الوضوء بالإناء الأول من جهة نجاسته، و بطلان الوضوء بالثاني من جهة احتمال نجاسة الأعضاء بملاقاة الماء الأول. نعم: لو كان الماء الأول طاهرا لارتفع حدثه به فمع الشك يستصحب الحدث.

فلو فرض عدم تمكن المكلف من التوضؤ بالمائين المشتبهين إلا بهذه الكيفية، إما لقلة المائين على نحو لا يفي الثاني بغسل الأعضاء في البين، أو لمانع‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 238‌

..........

______________________________
آخر كضيق الوقت، و نحوه كان وظيفته التيمم، فيكون النص في هذه الصورة موافقا للقاعدة، فيصح التعدي عن مورده الى ما إذا كان الماءان، أو أحدهما كثيرا، فهاتان الصورتان لا اشكال فيهما، و إنما الإشكال في (الصورة الثالثة): و هي متوسطة بين الأوليين، و هي أن يتوضأ بكل من المائين المشتبهين، و يطهر أعضائه بين الوضوئين بالماء الثاني، و يكتفى بصلاة واحدة عقيبهما، و فيها يجزم المتوضئ بحصول الطهارة الحدثية، لصحة أحد الوضوئين واقعا لأن المفروض تخلل تطهير أعضاء الوضوء في البين إذ لو كان الأول هو النجس فقد طهر أعضائه بالثاني و توضأ به، فيعلم برفع الحدث إما بالأول ان كان الثاني هو النجس و إما بالثاني ان كان النجس هو الأول، و هذا ظاهر.

و أما الطهارة الخبثية فهل يمكن تحصيلها بقاعدة الطهارة، أو أن المرجع استصحاب النجاسة، و على الأول يكون النص في هذه الصورة أيضا على خلاف القاعدة، دون الثاني.

فصل صاحب الكفاية «قده» [1] بين مورد النص- و هو فرض قلة المائين- و بين ما إذا كان الثاني كرا، و قال بالرجوع إلى استصحاب النجاسة في الأول، فيكون الأمر بالتيمم في مورد النص على طبق القاعدة من جهة ابتلاء الموضئ بنجاسة بدنه، و معه ليس له الدخول في الصلاة، بخلاف الثاني فإنه يرجع فيه الى قاعدة الطهارة، و لا يشرع فيه التيمم، لتمكن المكلف من تحصيل الطهارتين.

و حاصل ما أفاده في وجه التفصيل هو أنه لو كان الماءان قليلين،

______________________________
[1] في ذيل التنبيه الثاني من تنبيهات بحث اجتماع الأمر و النهى.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 239‌

..........

______________________________
فتوضأ بالأول ثم غسل مواضع الوضوء بالثاني، و توضأ به ثانيا، فبمجرد وصول الماء الثاني إلى بدنه يحصل له العلم التفصيلي بنجاسته، إما بالماء الأول أو الثاني، و بعد انفصال الغسالة المعتبر في التطهير بالماء القليل يشك في ارتفاع النجاسة، لاحتمال أن يكون النجس هو الماء الثاني، فيجري الاستصحاب و يحكم بنجاسة بدنه، و لا يعارضه استصحاب طهارته المعلومة بالإجمال، إما قبل الغسل بالماء الثاني أو بعده، لأنها مجهولة التأريخ، بخلاف النجاسة فإن تأريخها معلوم، و هو أول آن وصول الماء الثاني لبدنه، فيجري استصحاب النجاسة من دون معارض، و معه ليس له الدخول في الصلاة، و حيث أن الوضوء بالمائين المشتبهين على هذا الوجه في فرض قلتهما يوجب ابتلاء المتوضئ بالنجاسة حكم الشارع بوجوب التيمم و إراقتهما، لأن الطهارة المائية لها بدل بخلاف الطهارة عن الخبث.

و أما إذا كان الثاني كرا فلا يحصل له العلم التفصيلي بنجاسة بدنه في تأريخ معين، لكفاية مجرد إصابة الكر في طهارة المغسول من دون حاجة الى انفصال الغسالة، أو التعدد في الغسل به، فحين وضع يده- مثلا- في الكر لا يجزم بنجاسة بدنه في هذا الحال بخصوصه لاحتمال طهارة الكر، فيطهر البدن بإصابته. نعم: يحصل له العلم الإجمالي بنجاسة بدنه إما في هذا الحال أو حال إصابة الماء الأول، كما يحصل له العلم الإجمالي بطهارته في إحدى الحالتين، فيكون من موارد الشك في المتقدم و المتأخر من الحادثين، و لا يجرى فيهما الاستصحاب على مسلكه «قده» للجهل بتاريخهما، بل المرجع حينئذ قاعدة الطهارة، هذا بالنسبة إلى الطهارة الخبثية، و أما الطهارة الحدثية فقد عرفت الجزم بحصولها، فمشروعية التيمم في هذا الفرض تكون على خلاف القاعدة،

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 240‌

..........

______________________________
إلا أنه قد عرفت اختصاص النص بالمائين القليلين.

أقول: يرد عليه أولا: أن حصول العلم بنجاسة البدن في تأريخ معلوم لا يختص بالقليلين، بل يحصل ذلك حتى فيما إذا كان الثاني كرا، لأنه حال ملاقاة جزء من بدنه للماء الثاني يحصل له العلم بنجاسة بدنه في هذا التأريخ بعينه، لحصول العلم الإجمالي في هذا الحال إما بنجاسة العضو المغسول بالثاني- على تقدير أن يكون هو النجس- أو نجاسة الأعضاء غير المغسولة بملاقاة الأول- لو كان النجس هو الأول- و يحصل له هذا العلم الإجمالي حتى فيما إذا كان الماء الثاني كثيرا، و دخل فيه على نحو الارتماس، إذ لا يحيط الماء بتمام البدن في آن عقلي، بل لا بد من تدرج الزمان في حصول الإحاطة، فإذا رمس أول جزء من بدنه كرجله- مثلا- في الماء يحصل له العلم الإجمالي بنجاسة بعض أعضاء بدنه في هذا الزمان، اما يده أو رجله، فإذا استمر في الغسل الى تمام الأعضاء يشك في بقاء هذه النجاسة المعلومة بالإجمال، و المعلومة التأريخ من جهة احتمال ارتفاعها بالماء الثاني لو كان طاهرا واقعا، و مقتضى الاستصحاب بقائها.

فلو فرضنا جريان استصحاب النجاسة المعلومة التاريخ في هذا الباب من دون معارض لم يفرق الحال فيه بين القليلين و غيرهما في كون التيمم على طبق القاعدة مطلقا من جهة الابتلاء بنجاسة البدن بمقتضى الاستصحاب.

و ثانيا: إن هذا التفصيل إنما يتم على مسلكه «قده» من عدم جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ حيث أنه يجرى استصحاب النجاسة في فرض قلة المائين من دون معارض، و أما على ما هو الصحيح من جريانه فيه- كما قررناه في محله- فيعارضه استصحاب الطهارة المعلوم تحققها، إما قبل الغسل‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 241‌

..........

______________________________
بالماء الثاني أو بعده، و بعد التساقط يرجع الى قاعدة الطهارة، فلا يفرق الحال بين ما إذا كان الماءان قليلين، أو كان الثاني كثيرا في كون التيمم على خلاف القاعدة فيهما، لإثبات الطهارة الخبثية بقاعدة الطهارة بعد تعارض الاستصحابين، هذا.

و لكن الصحيح أن يقال: انه لا مجال لجريان قاعدة الطهارة في شي‌ء من الفروض، فإنها و إن كانت جارية في نفسها لتعارض الاستصحابين- كما هو الصحيح- إلا أن العلم الإجمالي بنجاسة أحد العضوين بعد غسله، أو العضو الآخر قبل غسله مانع عن الرجوع الى قاعدة الطهارة، لما ذكرناه آنفا من أنه بعد غسل بعض الأعضاء بالماء الثاني- سواء كان قليلا أو كثيرا- يحصل له العلم الإجمالي إما بنجاسة العضو المغسول بالماء الثاني، أو الأعضاء التي لم تغسل به بعد، و معه لا مجال للرجوع إلى قاعدة الطهارة- سواء في فرض قلة المائين أو كثرة الثاني- فإذن لا يمكن إحراز الطهارة الخبثية في شي‌ء من الصورتين- الثانية و الثالثة- فتكون مشروعية التيمم فيهما على طبق القاعدة فلا موجب للاقتصار على مورد النص- أى فرض قلة المائين- بل يتعدى الى ما إذا كان الثاني كثيرا.

هل وجوب التيمم تعييني أو تخييري؟ و أما (المقام الثاني): ففي ان وجوب التيمم مع التمكن من الاحتياط بالوضوء بالمائين المشتبهين على الكيفية المتقدمة في الصورة الأولى هل هو تعييني أو تخييري؟ ربما يقال بالأول جمودا على ظهور الأمر الوارد في النص في الوجوب التعييني، و لكن الصحيح هو الثاني، لأن الأمر و ان كان في نفسه‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 242‌

..........

______________________________
ظاهرا في ذلك إلا انه لما كان واقعا موقع توهم الحظر يصرف عن ظهوره في التعيين الى التخيير، لأنه لو انحصر الماء عند المكلف في المائين المشتبهين ربما يحتمل أن تكون وظيفته المنحصرة هي تحصيل الطهارة المائية مهما أمكن، و لو على الكيفية المتقدمة في الصورة الأولى، لصدق أنه واجد للماء الطاهر حقيقة و معه لا يشرع في حقه التيمم، و هذا الاحتمال صار منشأ للسؤال عن الوظيفة في هذا الحال، فالأمر الواقع في الجواب لا يدل إلا على مجرد الجواز و مشروعية التيمم، فينتج التخيير بينه، و بين الطهارة المائية.

و لعل حكمة الترخيص في التيمم مع التمكن من الطهارة المائية بهذه الصورة دفع ابتلاء المتوضئ بالنجاسة في بدنه، فرخص الشارع في ترك ماله البدل الى ما ليس له البدل.

بل لنا القول بأن الحكم بالتخيير في هذا الحال حكم على القاعدة من دون حاجة الى نص خاص، و ذلك لما أشرنا إليه في طي كلماتنا من أن الوضوء بالمائين المشتبهين لا يخلو عن الحرج- غالبا- و معه يرتفع الوجوب، إذ غاية ما دل على نفيه إنما هي نفى الإلزام به، لأنه الموافق للامتنان لا نفى المشروعية. نعم: لا بد في ذلك من مراعاة الحرج الشخصي، لا النوعي لدوران الحكم مدار الأول، دون الثاني.

بقي أمران:

(الأول): إن التخيير بين التيمم، و الطهارة المائية هل يؤدى الى التناقض بدعوى: أن التيمم حكم فاقد الماء، و الطهارة المائية حكم للواجد فكيف يجتمعان في شخص واحد؟ فجواز هما لشخص واحد أشبه بالتناقض إذ لا يعقل أن يكون شخص واحد واجدا للماء و غير واجد له، و بذلك‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 243‌

..........

______________________________
أشكل شيخنا الأستاذ «قده» في بعض تعاليقه على المتن [1] حيث حكم المصنف «قده» بالتخيير بين الطهارتين، لحكمه بصحة الوضوء الحرجي، إذا تحمل الضرر من ألم البرد، و نحوه، و إن كان يجوز معه التيمم، و قال مستشكلا عليه: «لا يبعد القطع بعدم التخيير بين الطهارة المائية و الترابية».

و الجواب عن هذه الشبهة هو ان تشريع الأحكام بيد الشارع المقدس و أى مبعد عقلي أو شرعي في أن يكون تكليف نوع خاص من الواجدين للماء التخيير بين الوضوء و التيمم، لما في تعيين الوضوء من نوع مشقة و حرج أو غير ذلك مما يمكن أن يدعو الشارع الى الترخيص في التيمم و لو مع وجدان الماء، فلا مانع من الالتزام بالتخيير بعد مساعدة الدليل، كما في المقام و غيره.

(الثاني): هل يجوز الاحتياط بالمائين المشتبهين عند وجود ماء معلوم الطهارة، أو يتعين عليه الوضوء بالماء الطاهر؟ يبتنى ذلك على القول بجواز الامتثال الإجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي و عدمه، و قد حققنا في محله جوازه، لعدم تنافيه مع ما يعتبر في صحة العبادة من قصد القربة، فالامتثالان في عرض واحد، و يأتي ذلك في المسألة العاشرة.

هل تجب إراقة المائين قبل التيمم؟ و أما (المقام الثالث): ففي أن الأمر بإراقة المائين المشتبهين- الوارد في النص- هل هو للوجوب التعبدي، أو الشرطي، أو أنه إرشاد محض؟

احتمالات ثلاثة أما (الأول) فللجمود على ظاهر النص، و أما (الثاني)

______________________________
[1] كما في (مسألة 18) من فصل التيمم، و في الأمر الخامس من مسوغاته.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 244‌

و هل يجب إراقتهما أولا الأحوط ذلك، و ان كان الأقوى العدم (1)

______________________________
فلصدق الواجد على من يكون عنده الماءان المشتبهان، لوجود الماء الطاهر في البين، فلا يكون فاقد الماء، إلا بعد إراقتهما فتكون الإراقة شرطا في صحة التيمم و أما (الثالث) فلسقوط المائين عن الانتفاعات المرغوبة، إذ بعد العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما لا يجوز استعمالهما فيما يشترط فيه الطهارة من الأكل، و الشرب، و نحوهما، و لا يمكن استعمالهما في رفع الحدث للصلاة، إلا على الكيفية المذكورة في الصورة الاولى، و استعمالهما و لو كذلك توجب ابتلاء المصلي بالنجاسة في ثيابه و سائر أعضاء بدنه، لترشح ماء الوضوء على أطراف الثياب، و البدن- غالبا- و معه لا يمكن الدخول في الصلاة، للعلم بنجاسة أطراف ثيابه و بدنه، لملاقاتها لطرفي العلم الإجمالي، و التحفظ عن ذلك لا يخلو عن مشقة نوعية، فعليه يكون وجود مثل هذين المائين كعدمهما، لفقد المنافع المقصودة بهما إلا النادرة، كالرش، و نحوه. الظاهر هو الاحتمال الأخير بقرينة ما ذكر، فالأقوى عدم وجوب إراقتهما و صحة التيمم مع وجودهما، و إن كان الأحوط الإراقة.

(1) لأن الأمر بالإراقة الوارد في النص إرشاد إلى سقوطهما عن الانتفاع، دون الوجوب الشرطي، أو التعبدي، كما تقدم آنفا في المقام الثالث، فلاحظ.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 245‌

[ (مسألة 8) إذا كان إناءان أحدهما المعين نجس و الآخر طاهر]

(مسألة 8) إذا كان إناءان أحدهما المعين نجس و الآخر طاهر، فاريق أحدهما و لم يعلم أنه أيهما فالباقي محكوم بالطهارة [1] و هذا بخلاف ما لو كانا مشتبهين، و أريق أحدهما فإنه يجب الاجتناب عن الباقي، و الفرق ان الشبهة في هذه الصورة بالنسبة إلى الباقي بدوية، بخلاف الصورة الثانية، فإن الماء الباقي كان طرفا للشبهة من الأول، و قد حكم عليه بوجوب الاجتناب (1)

______________________________
حكم إراقة أحد المائين المعلوم نجاسة أحدهما

(1) يعتبر في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون المعلوم بالإجمال ذا أثر على كل تقدير، أى سواء كان المعلوم بالإجمال منطبقا على هذا الطرف، أو ذاك، فلو فرض عدم ترتب الأثر على بعض أطرافه لم يكن العلم الإجمالي منجزا حينئذ، و تكون الشبهة بالنسبة إلى الطرف الآخر بدوية، و عليه لو علم تفصيلا بنجاسة أحد الإنائين معينا، و بطهارة الآخر كذلك، ثم أريق أحدهما، و لم يعلم أنه أيهما لظلمة و نحوها بحيث لا يميز الباقي عن المراق حكم على الباقي بالطهارة بمقتضى الأصل، لحدوث العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما بعد الإراقة، و لا أثر للمعلوم بالإجمال على تقدير انطباقه على الإناء المراق لانعدامه على الفرض.

نعم: إذا كان له ملاق قبل إراقته، فحصل العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما لم يحكم بطهارة الباقي، لحصول علم إجمالي آخر بنجاسة الملاقي- بالكسر- أو الباقي، و يكون المعلوم بالإجمال ذا أثر على كل تقدير، إذ لو كان النجس هو المراق كان أثره نجاسة الملاقي بالفعل، فالأصل في الإناء‌

______________________________
[1] و في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «فالباقي محكوم بالطهارة»: (هذا إذا لم يكن للماء المراق ملاق له أثر شرعي، و إلا لم يحكم بطهارة الباقي).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 246‌

[ (مسألة 9) إذا كان هناك إناء لا يعلم أنه لزيد أو لعمرو]

(مسألة 9) إذا كان هناك إناء لا يعلم أنه لزيد أو لعمرو، و المفروض أنه مأذون من قبل زيد- فقط- في التصرف في ماله لا يجوز له استعماله، و كذا إذا علم أنه لزيد- مثلا- لكن لا يعلم أنه مأذون من قبله أو من قبل عمرو (1).

______________________________
الباقي يكون معارضا بالأصل في ملاقي الإناء التالف، فيجب الاجتناب عن كليهما، هذا كله فيما إذا حصل العلم الإجمالي بعد الإراقة.

و أما إذا علم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين أولا، ثم أريق أحدهما بعد ذلك فيجب الاجتناب عن الباقي لحدوث العلم الإجمالي في زمان كان الأثر ثابتا في المراق قبل إراقته، فيكون الأصل فيه في الزمان السابق معارضا بالأصل في الباقي في الزمان اللاحق، و العلم المزبور باق حتى بعد إراقة أحدهما و يدور التنجيز مداره حدوثا و بقاء.

العلم الإجمالي بالإذن في التصرف

(1) الشك في إذن المالك قد يكون من ناحية عدم المعرفة بالمالك، و أخرى من ناحية عدم العلم باذنه، و مقتضى الأصل عدمه في كلا الفرضين فيرجع الى عموم ما دل على حرمة التصرف في مال الغير، لأن الخارج إنما هو صورة إذن المالك، و مع الشك في تحققه يجرى استصحاب عدمه، و العلم الإجمالي بأن المالك هو الآذن أو غيره- كما في المثال الأول في المتن- أو أن الآذن هو المالك أو غيره- كما في المثال الثاني- لا يجدى شيئا لأن المعتبر في حل التصرف في مال الغير أمران- الاذن و الملكية- فإحراز أحدهما دون الآخر لا أثر له، فلا أثر لإحراز الإذن دون الملكية- كما في الأول- أو إحراز الملكية دون الاذن- كما في الثاني- و استصحاب عدم ملكية غير الآذن لا‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 247‌

[ (مسألة 10) في الماءين المشتبهين إذا توضأ بأحدهما، أو اغتسل]

(مسألة 10) في الماءين المشتبهين إذا توضأ بأحدهما، أو اغتسل، و غسل بدنه من الآخر ثم توضأ به، أو اغتسل صح وضوءه، أو غسله على الأقوى [1] (1) لكن الأحوط ترك هذا النحو مع وجدان ماء معلوم الطهارة، و مع الانحصار الأحوط ضم التيمم أيضا.

______________________________
يثبت ملكية الآذن، كما أن استصحاب عدم إذن غير المالك لا يثبت إذن المالك، إلا على القول بالأصل المثبت فيهما.

و العلم بتحقق الاذن في الجملة مرددا بين كونه من المالك أو غيره لا يمنع عن استصحاب عدم اذن المالك بخصوصه بعد ترتب الأثر على الثاني دون الأول، و هل المقام إلا نظير استصحاب حياة زيد مع العلم بموت شخص مردد بينه و بين عمرو؟! إذ لا إشكال في ترتب آثار حياته من جواز تقليده، و حرمة تزويج زوجته، الى غير ذلك من الآثار الشرعية.

كيفية التطهير عن الحدث بالإنائين المشتبهين

(1) كما تقدم في ذيل المسألة السابعة في الصورة الاولى من الصور الثلاث التي ذكرناها هناك فراجع.

ثم ان ظاهر المصنف «قده» في تلك المسألة هو تعين التيمم، و صريح كلامه هنا هو جواز التوضؤ أيضا، و قد ذكرنا أن الصحيح هو التخيير في الصورة الأولى- فقط- و تعين التيمم في الصورتين الأخيرتين، و لا فرق فيما‌

______________________________
[1] و في تعليقته (دام ظله) على قوله «على الأقوى»: (نعم الأمر كذلك الا انه لا تصح الصلاة عندئذ للعلم الإجمالي بنجاسة بدنه، بملاقاة الماء الأول أو الثاني، و ان كان الثاني كرا على ما بيناه في محله، و حينئذ فلا بد من غسل تمام المحتملات حتى يحكم بصحة الصلاة، و بذلك يظهر الحال في صورة الانحصار).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 248‌

[ (مسألة 11) إذا كان هناك ماءان توضأ بأحدهما، أو اغتسل]

(مسألة 11) إذا كان هناك ماءان توضأ بأحدهما، أو اغتسل، و بعد الفراغ حصل له العلم بأن أحدهما كان نجسا، و لا يدرى أنه هو الذي توضأ به، أو غيره ففي صحة وضوئه، أو غسله إشكال، إذ جريان قاعدة الفراغ هنا محل اشكال [1] (1).

______________________________
ذكرناه بين وجود ماء آخر، و عدمه بناء على أن الامتثال الإجمالي في عرض الامتثال التفصيلي، لا في طوله.

العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإنائين بعد الاستعمال

(1) منشأه احتمال اعتبار الالتفات حين العمل في جريان قاعدة الفراغ و عدمه، إذ على الأول لا تجري القاعدة في مفروض المسألة، لحصول العلم الإجمالي بعد العمل، و أما حينه فكان غافلا عن النجاسة، بخلافه على الثاني فإنه يحكم بالصحة تمسكا بالقاعدة المذكورة.

و الصحيح- كما فصلنا في محله- هو الأول، إذ لا دليل على ثبوت هذه القاعدة فيما لو احتمل التمامية لمجرد الصدفة مع فرض الغفلة حين العمل عن الخصوصيات المعتبرة فيه، كما إذا توضأ، أو اغتسل، و كان في يده خاتم ثم شك بعد الفراغ في وصول الماء تحته- صدفة- مع العلم بعدم تحريكه حين العمل للغفلة عن كونه في يده.

و ذلك لوجهين (أحدهما): أن الظاهر أن هذه القاعدة ليست تعبدية محضة، بل هي قاعدة ارتكازية أمضاها الشارع، و لا تكون ثابتة إلا في‌

______________________________
[1] في تعليقته (دام ظله): «و الأظهر بطلان الوضوء فيما إذا كان الطرف الآخر، أو ملاقيه باقيا، و الا فالوضوء محكوم بالصحة».

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 249‌

..........

______________________________
صورة الالتفات أو احتماله. بيان ذلك: أن كل عاقل لو احتمل فساد عمله المركب بعد أن فرغ منه فلا يخلو الحال من استناد هذا الاحتمال إما الى احتمال ترك جزء، أو شرط عمدا، أو احتمال تركهما غفلة، و قد جرى بناء العقلاء على عدم الاعتناء بشي‌ء من الاحتمالين، أما الأول فلكونه نقضا للغرض، لأن المفروض أنه أراد إتيان العمل إما امتثالا لأمر المولى، و تفريغا لذمته- كما لو كان العمل مأمورا به- أو لغرض شخصي دعاه الى العمل و إلا فلم يشرع في العمل من الأول، و أما الثاني فلأصالة عدم الغفلة بمعنى ثبوت بنائهم على استمرار الالتفات الى آخر العمل، و من هنا قلنا بثبوت هذه القاعدة حتى في صورة احتمال الالتفات، لاستقرار بنائهم على عدم الغفلة من الأول، أو في الأثناء، فعليه لا بد في إجرائها من إحراز الالتفات أو احتماله، و أما إذا علم بالغفلة فلا يستند احتمال الصحة إلا إلى مجرد الصدفة، و لا ارتكاز منهم على وجود الشي‌ء بمجرد احتمالها من دون توسيط اختيار الفاعل، و منصرف الروايات الواردة في الباب أنها إمضاء لهذه القاعدة العقلائية، و إنما وقع السؤال في جملة منها عن حكم ذلك توهما لردع الشارع بتخيل تأسيسه أصلا في قبالهم، فلا يكشف عن عدم هذا الارتكاز.

(الوجه الثاني): أن التعليل الوارد في بعض روايات الباب بالأذكرية حين العمل، أو بالأقربية إلى الواقع حينه قرينة على عدم شمول القاعدة لموارد الغفلة، و احتمال وجود المشكوك صدفة، و إلا فكيف يجتمع الذكر مع الغفلة، و الأقربية إلى الواقع مع بعد الغافل عنه.

و ذلك كما في موثقة بكير بن أعين «1» قال: «قلت له: الرجل يشك‌

______________________________
(1) الوسائل ج 1 ص 331 الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 7.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 250‌

..........

______________________________
بعد ما يتوضأ؟ قال: هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك».

و صحيحة محمد بن مسلم «1» عن أبى عبد اللّه عليه السّلام إنه قال: «إذا شك الرجل بعد ما صلى، فلم يدرأ ثلاثا صلى أم أربعا، و كان يقينه حين انصرف أنه كان قد أتم لم يعد الصلاة، و كان حين انصرف أقرب الى الحق منه بعد ذلك».

إذ هما تدلان على أن الملحوظ إنما هو رعاية الواقع، و القرب اليه حين العمل لا مجرد التعبد بالبناء على إتيان المشكوك، و لا يتم ذلك إلا مع فرض الالتفات حين العمل أو احتماله دون الغفلة، و عليه لو سلم وجود إطلاق في بعض روايات الباب، و عدم انصرافها إلى صورة الالتفات كان حملها على المقيدات طريق الجمع، إذ لا موجب لصرف القرينة المذكورة إلى الحكمة بعد ظهورها في العلية التي يدور مدارها الحكم.

و أما حسنة حسين بن أبى العلاء «2» التي قد يتوهم ظهورها في جواز المضي و لو مع النسيان. و هي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخاتم إذا اغتسلت؟ قال: حوّله من مكانه، و قال: في الوضوء تدره فان نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة».

فهي أجنبية عن المقام رأسا، لأنها في مقام بيان حكم تعبدي من حيث تحويل الخاتم عن مكانه في الغسل، و إدارته في الوضوء، و لو لا العلم الخارجي لقلنا بوجوبهما في ظرف الالتفات تعبدا، و ليست في مقام بيان عدم الاعتناء باحتمال عدم وصول الماء الى تحت الخاتم من جهة النسيان، و إلا فلا‌

______________________________
(1) الوسائل ج 5 ص 343 الباب 27 من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث 3.

(2) الوسائل ج 1 ص 329 الباب 41 من أبواب الوضوء، الحديث 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 251‌

و أما إذا علم بنجاسة أحدهما المعين، و طهارة الآخر فتوضأ، و بعد الفراغ شك في أنه توضأ من الطاهر أو من النجس، فالظاهر صحة وضوئه، لقاعدة الفراغ (1) نعم لو علم أنه كان حين التوضؤ غافلا عن نجاسة أحدهما يشكل جريانها.

[ (مسألة 12) إذا استعمل أحد المشتبهين بالغصبية لا يحكم عليه بالضمان]

(مسألة 12) إذا استعمل أحد المشتبهين بالغصبية لا يحكم عليه بالضمان (2) إلا بعد تبين أن المستعمل هو المغصوب.

______________________________
وجه للتفصيل بين الوضوء و الغسل، بإدارة الخاتم في الأول، و التحويل في الثاني، إذ في كليهما يجوز إيصال الماء تحت الخاتم على نحو واحد، و عليه لا بد من حمل الرواية على الاستحباب.

(1) لأن المفروض تحقق الالتفات إلى نجاسة أحدهما المعين حين العمل، و إنما وقع الشك بعد الفراغ. نعم لو فرض العلم بالغفلة عن النجاسة حين الوضوء لم تجر القاعدة، كما ذكرنا آنفا.

هل يحكم بضمان المشتبه بالغصب

(2) لأصالة عدم الضمان، لعدم إحراز موضوعه- و هو إتلاف مال الغير- لاحتمال أن يكون التالف مال نفسه. توضيح المقام على وجه الإجمال:

هو أنه يعتبر في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون المعلوم بالإجمال حكما فعليا، أو تمام الموضوع للحكم الفعلي، و أما إذا لم يكن هذا، و لا ذاك، بل كان جزء الموضوع فلا يترتب عليه التنجيز، لعدم فعلية الحكم إلا بفعلية تمام موضوعه.

كما هو الحال في العلم التفصيلي، فإنه لا يترتب عليه التنجيز إلا بتعلقه بالحكم الفعلي، أو بموضوعه التام، فلو علم بنجاسة شي‌ء، و شك في الملاقاة، أو علم‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 252‌

..........

______________________________
بالملاقاة، و شك في نجاسة الملاقي- بالفتح- لم يحكم بنجاسة ما لاقاه، لتركب موضوعها من أمرين النجاسة، و الملاقاة، و لم يحرز كلاهما.

و كذا الحال في العلم الإجمالي، و أمثلتها كثيرة:

(منها) ما لو علم إجمالا بأن أحد الميتين ميت الآدمي دون الآخر، فإنه لا يجب الغسل بمس أحدهما، للشك في تحقق موضوعه، لتركبه من جزئين المس، و كون الممسوس آدميا، و الجزء الأول و ان كان متحققا، إلا أن الجزء الآخر مشكوك فيه، لاحتمال أن يكون الممسوس غير ميت الآدمي، فلا أثر للعلم الإجمالي المذكور بالنسبة إلى وجوب غسل المس عند مس أحد الميتين. نعم: يترتب عليه التنجيز بالإضافة إلى الآثار التي يكون ميت الآدمي تمام الموضوع لها، كوجوب الغسل، و الكفن، و الدفن و نحوهما.

و (منها) ملاقي أطراف الشبهة المحصورة، فإنه لا يحكم بنجاسته، لعدم إحراز تمام موضوعها.

و (منها) ما ذكره في المتن من إتلاف أحد المشتبهين بالغصبية، فإنه لا يوجب الحكم بضمان المتلف، لتركب موضوعه من أمرين- مال الغير و إتلافه أو الاستيلاء عليه بغير إذنه- و هذا لم يحرز بتمامه عند إتلاف بعض أطراف العلم الإجمالي، لأن أحد جزئي الموضوع- و هو الإتلاف- و إن كان محرزا بالوجدان، إلا أنه لم يعلم كون التالف للغير، لاحتمال أن يكون ملك نفسه، و مع الشك يكون مقتضى الأصل عدمه. نعم: يترتب عليه التنجيز بالإضافة إلى حرمة التصرف في المشتبهين، للعلم بتحقق تمام موضوعها- و هو الغصب- في البين، كما أنه لو أتلفهما معا يحكم عليه بالضمان، لعين الوجه. و هكذا لو تبين بعد الإتلاف أن المستعمل هو المغصوب.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 253‌

..........

______________________________
ثم انه ربما يقال بالتفصيل بين ما إذا كان العلم الإجمالي بغصبية أحد المشتبهين قبل استعمال أحدهما، و بين ما إذا كان بعده، فيحكم بعدم الضمان في الأول، دون الثاني. بدعوى: أنه لو كان العلم الإجمالي قبل الاستعمال يجرى استصحاب عدم ضمان التالف بلا معارض، لتساقط أصالة الإباحة في الطرفين بالمعارضة، فلا يحكم بالضمان في هذه الصورة. و أما لو كان العلم الإجمالي بعد الاستعمال كان استصحاب عدم ضمان التالف معارضا بأصالة الإباحة في الباقي، إذ لا أثر للتالف حينئذ بالنسبة إلى حرمة التصرف، بل أثره الضمان فقط، فيكون الأصل فيه معارضا بأصالة الإباحة في الباقي. و ان شئت فقل: إنه يتولد من العلم الإجمالي بغصبية أحدهما بعد التصرف علم إجمالي بضمان التالف لو كان هو المغصوب، أو حرمة التصرف في الباقي لو كان هو المغصوب، فيكون الأصل في كل منهما معارضا بالأصل في الآخر، و بعد التساقط يجب الخروج عن عهدة ضمان التالف، و يحرم التصرف في الباقي.

فيكون المقام نظير ملاقي أطراف الشبهة المحصورة، حيث أنه لا يجب الاجتناب عن الملاقي لو حصل العلم الإجمالي بنجاسة أحد الطرفين قبل الملاقاة، لجريان الأصل فيه بلا معارض، و هذا بخلاف ما لو حصل بعد الملاقاة، فإنه يتعارض الأصل في المتلاقيين مع الأصل في الطرف الآخر، فيجب الاجتناب عن الملاقي أيضا كما تقدم في المسألة السادسة.

أقول: لو كان الأصل الجاري في الباقي من الأصول النافية للتكليف- كأصالة الحل- تم ما ذكر، لمخالفة كلا الأصلين حينئذ للمعلوم بالإجمال، فيسقطان بالمعارضة، و أما إذا كان الأصل فيه مثبتا للتكليف فيجري الأصل النافي في التالف بلا معارض، و يسقط العلم الإجمالي عن التأثير، و الأصل في‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 254‌

..........

______________________________
الأموال المتعارفة التي بأيدي الناس، إلا في بعض الفروض النادرة يقتضي الحرمة لأن الشك في حليتها مسبب عن الشك في السبب الناقل- من شراء، أو هبة أو إرث و نحو ذلك- و مقتضى الأصل عدمه، كما أن مقتضى الأصل عدم إذن المالك لو علم ببقائه على ملك الغير، و شك في اذنه. و عليه لا مجال للرجوع إلى أصالة الحل في الباقي، لحكومة الأصل المزبور عليه، و هو يقتضي حرمة التصرف فيه- كما عرفت- فيجري أصالة عدم الضمان في التالف من دون معارض، لأن الأصل في الباقي موافق للمعلوم بالإجمال، لا أنه مخالف له.

و هذا مبنى على ما حققناه في الأصول من أن وجوب الموافقة القطعية للعلم الإجمالي إنما يستند الى تعارض الأصول في الأطراف، لا إلى نفس العلم الإجمالي، و لا تعارض إلا إذا كان الأصل في الطرفين مخالفا للمعلوم بالإجمال بحيث يلزم من جريانهما المخالفة العملية، فلو كان الأصل في أحد الطرفين موافقا للمعلوم بالإجمال- أى مثبتا للتكليف- فلا مانع من الرجوع الى الأصل النافي في الطرف الآخر، و به يسقط العلم الإجمالي عن التأثير، و من هنا لو علم إجمالا بقضاء صلاة الصبح، أو عدم الإتيان بالظهرين فلا مانع من الرجوع الى قاعدة الحيلولة النافية لوجوب قضاء الصبح، لأن الأصل في الظهرين مع بقاء وقتهما يقتضي الاشتغال، كما أنه لو علم بنجاسة أحد الإناءين كان أحدهما مستصحب النجاسة فلا مانع من جريان قاعدة الطهارة في الآخر.

و كذلك المقام، لأن الأصل في الباقي يقتضي الحرمة، فيجري أصالة عدم الضمان في التالف بلا معارض، و لو كان العلم الإجمالي بعد الاستعمال.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 255‌

..........

______________________________
نعم: لو كان طرف المشتبهين بالغصبية من المباحات الأصلية بأن علم إجمالا أن أحدهما غصب، و الآخر مباح أصلي كان الأصل في الباقي أيضا نافيا للتكليف، لأن الأصل فيه حينئذ أصالة الحل، لأن المفروض عدم سبق ملك الغير كي يجري فيه أصالة عدم السبب الناقل، أو عدم إذن المالك، فاذن لا يمكن الرجوع الى أصالة عدم ضمان التالف، لمعارضته بأصالة الحل في الباقي، فيتنجز المعلوم بالإجمال، و يحكم بضمان التالف، إلا أن هذا من الفروض النادرة- كما أشرنا- لأن الغالب في الأموال المتعارفة التي بأيدي الناس هو سبق ملك الغير، و الأصل فيها يقتضي الحرمة- كما عرفت.

و مما ذكرنا ظهر أن قياس المقام على ملاقي أطراف الشبهة مع الفارق لأن الأصلين فيها في الطرفين نافيان للتكليف، فلو تأخر العلم عن الملاقاة تنجز المعلوم بالإجمال، و هذا بخلاف المقام، لأن الأصل مثبت للتكليف في أحد الطرفين، دون الآخر، و معه لا تنجيز للعلم الإجمالي بالنسبة إلى الموافقة القطعية، فالتفصيل المذكور لا وجه له.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌2، ص: 256‌

..........

______________________________
فصل في الأسئار:

معنى السؤر، سؤر نجس العين، سؤر ما لا يؤكل لحمه، سؤر المسوخ، سؤر الجلّال، سؤر المؤمن، سؤر الهرة، سؤر مكروه اللحم، سؤر الحائض، سؤر المتّهم بالنجاسة

 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net