المقدّمة للمحقق 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7487

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌3، ص: 7

[المقدّمة للمحقق]

______________________________
المقدمة بقلم فضيلة السّيّد مرتضى الحكمي

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 9‌

..........

______________________________
باسمه تعالى ان الفقه الإسلامي- بكامل انظمته و تشريعاته- استجابة واقعية و دقيقة لجميع حاجاتنا، و متطلبان حياتنا و حضارتنا، و ان مختلف تلك الانظمة و التشريعات الّتي تنسق مختلف تصرفات الإنسان و فعالياته: تنظم- كذلك- علاقاته و اتجاهاته من الناحية الروحية و السلوكية.

معطيات الفقه الإسلامي

و يتجه الفقه الإسلامي في أشمل خطوطه و موضوعاته إلى استيعاب:

العبادات، و المعاملات، و العقود و الإيقاعات، و الأحكام. و هي- بمجموعها- تحدد وظيفة الإنسان و تنظم مختلف علاقاته و شئونه، و تعالج مشكلاته العامة و الخاصة على صعيد الحلول الجذرية، و تحمي حقوق افراده و جماعاته بكثير من تشريعاته الحقوقية الكفوءة، و تضمن- كذلك- مصالحهم في ظل قوانين اقتصادية رشيدة تنظم صناعتهم و زراعتهم و تجارتهم، كما تحقق أمنهم و سلامتهم بكلّ تشريعاته السياسية العادلة الّتي تخطط لهم الجهاد و الدفاع و انظمة القضاء، و سائر أنواع الحدود و العقوبات الواقية، و ما إلى ذلك مما تعالج به الشريعة الإسلامية واقع الحياة البشرية بطريقة الوقاية، و التوجيه و الهداية.

و يدور الفقه الإسلامي- في فاعليته- على تصعيد الافراد إلى مستويات ذات قدرة ذاتية على التصرف السليم، و تكييف المجتمعات إلى مستويات حضارية بفعل نواميس تقيم العدل و التكافؤ و المساواة، لإيجاد حياة متطورة، و حضارة بعيدة عن التعقيد و المتناقضات.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 10‌

مهمة الكتاب

______________________________
و أبحاث الكتاب هذا، و ان بدأت في تصوير و استيعاب الجانب الأول من الفقه الإسلامي، و هو تشريعات العبادية الّتي تقرب الإنسان و توثق علاقاته بخالقه بالطراز الصحيح من العبادات، و لكنها تنتقل- مرحلة بعد مرحلة- إلى الموضوعات الفقهية الأخرى، و تنتهي إليها.

و الكتاب في جميع مجالاته- بعد ذلك- يبحث عن دليل الحكم، و مستند التشريع، و يلتمس طريق الوصول إلى الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، فان النفاذ إلى أصول الأحكام و مصادرها، و معرفة استنباطها من تلك الأصول و المصادر الاساسية يعطينا الدليل القاطع على شرعيتها، و تنجيزها في حق المكلفين بها.

الاجتهاد و عامل الزمن

و يدور الاجتهاد على اختيار المباني و القواعد الأصولية العامّة، و التماس النصوص الشرعيّة المعتبرة الّتي يستخرج منها- ضمن هذا الإطار- مختلف الأحكام الفقهية. و في ظل ممارسة عمليات الاجتهاد يبقى الفقه الإسلامي كائنا حيا ينمو و يتكامل، و تتجدد أحكامه و دلالاته، و تبقى منطبقة على واقع الحياة الإنساني في جميع أدوار المجتمع و حالاته.

و لهذه الضرورة الحياتية ظل الاجتهاد قائما عند الشيعة الإمامية، و ظل عامل الزمن من مقومات إبداعه و جدّة أحكامه و تشريعاته، و ظل الفقه الشيعي يستوعب جميع متطلبات الحياة، و يتحكم فيها بفعل مرونته و قابليته و حكمته.

قيمة الاعتبارات العقلية

و بالرغم من منطقية الفقه الشيعي، و انسجامه و ترابطه مع الواقع‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 11‌

..........

______________________________
الزمني المتطور فإنه لا يتجه إلى اعتبار ان للعقل- بمعناه العام- أو للتحليلات العقلية دورا إيجابيا في إدراك الأحكام، أو جعلها، أو استنباطها لأنّ: «دين اللّه لا يصاب بالعقول» و لان اللّه لم يوكل الإنسان إلى مجرد عقله، فأرسل له دينا يهتدى به لنفسه، و يتبصر به إلى سبيله. و قد نحا إلى ذلك الفقه السّني أيضا- في بعض مذاهبه- في خصوص العبادات، باعتبار أنها أمور توقيفية لا مجال لإدراك العقل لعللها، و لا مسرح للتعليلات العقلية فيها. الّا اللّهمّ المستقلات العقلية، باعتبار: «ان كل ما حكم به العقل حكم به الشرع» سواء في ذلك ما استحسنه العقل استحسانا ذاتيا فأوجبه الشارع و دعا إليه، أو ما استقبحه- كذلك- فحرمه الشارع و نهى عن ارتكابه.

التعليلات و الظنون الشخصية

كما ان الفقه الشيعي- أيضا- لا يتجه الى اعتماد التعليلات الكيفية- بطريق أولى- في تشريع الأحكام، و اعتبارها مصادر لها صفة الحجية و الاعتبار الشرعي، أو العقلي القاطع.

فليس للذوق و لا للاستحسان و أشباههما- مما يأخذ به الفقه السني- اعتبار شرعي في تشريع الأحكام و استنباطها، كما انه ليس للمصالح المرسلة، و لا للقياس غير منصوص العلة- الذي مناطه مظنة العلة- محلا في أصول الأحكام و مبانيها. إذ ليس للظنون غير المعتبرة حجية في مفهوم الفقه الشيعي، و لا لمطلق الظن أىّ اعتبار شرعي، ما لم يستند جعله و اعتباره الى الشارع الحكيم.

و يتمسك الفقه السنّي بهذه المباني الموضوعة على أساس: ان النصوص و القواعد العامة، و جميع الإطلاقات و العمومات قاصرة عن ادراك جميع الأحكام. و هي- بمفردها- لا تستوعب الحوادث الواقعة عبر الزمن، و بدون هذه المباني لا يمكن ان يستوعب التشريع الإسلامي المتناهي‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 12‌

..........

______________________________
ما يتجدد من هذه الوقائع الجزئية غير المتناهية. و الحجة في الأخذ بها هي:

التأكيد على نقصان الدين، و نقصان أصوله التشريعية العامة، و هي مبان تستند الى الظنون و الاستحسانات الشخصية، و إذا كان دين اللّه لا يصاب بالعقول فكيف يصاب بظنون المجتهدين و استحساناتهم، أو يكمل بها. و مع ذلك فقد سدوا باب الاجتهاد لكثرة تناقضاته على أساسها، و لقصوره و تخلفه عن مواكبة الحياة. بينما الفقه الشيعي لا يرى أىّ نقص في الدين- بعد أن أكمله اللّه و أتمه- لتتداركه هذه المباني الموضوعة، كما لا يرى سد باب الاجتهاد و تعطيله الا عزلا للدين عن الحياة، و عجزا منه عن مجاراتها، و مجاراة تطورها، بل ان الدين عنده هو الذي يطور الحياة، و يصعد بها الى مدارج الحضارة و التكامل.

و ليس ما يتميز به الفقه الشيعي من التكامل، و سعة الاستيعاب، و عمق الاجتهاد و استمراره، و اداركه لجميع وقائع الحياة و ابعادها و ابداعاتها: الا لتدفقه من معدن الوحي، و معين العترة، و استنباطه من الأصول التشريعية الأصيلة.

دور العلة و الحكمة التشريعيتين

كما ان الفقه الشيعي لا يستند في أحكامه إلى الحكمة الخاصة من جعلها و تشريعها فان وجود هذه الحكمة لا يدخل ضمن مصادر الفقه، و لا ضمن اختصاص الفقيه و واجباته بل ان جميع العلل الواقعية التي أوجدت لها هذه الأحكام الإلهية لا يمكن- ايضا- ان يكون مستندا فقهيا لحكم من الأحكام، الا ان تكون عللا منصوصة أدركها الشارع الحكيم. و أمّا ما تكون منها علّة مظنونة يفرضها المجتهد و يظنها- كما عليه القياسيون- فليست لها آية حجية شرعية تحكي عن ادراك الشارع لها، و اعتباره إياها. بل ان الفقه الشيعي يلح على إبطال هذا القياس، و يشدد في نكيره، و يؤكد على: «ان‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 13‌

..........

______________________________
السنّة إذا قيست محق الدين».

و في عرض هذا التقويم للعلة غير المنصوصة، و الحكمة الخاصة بكل حكم من الأحكام، فان هناك حكمة عامّة لهذه التشريعات الإلهية يمكن معرفتها، و الوصول إليها عن طريق الاعتقاد بان مناط جميع هذه الأحكام في نظر المشرع الحكيم هو إما وجود المصالح الملزمة الّتي تنشأ عنها تلك الأحكام التشريعية المعبر عنها بالواجبات في جميع الأوامر الإلهية الإلزامية، و إما وجود مفاسد منهيّ عنها، و هي الّتي يتفرع عليها تشريع كثير من المحرمات الّتي يجب الاجتناب عنها في جميع النواهي الإلهية الإلزامية أيضا في فقهنا هذا.

و هذا ما يتدارك به عن فهم ادراك كل حكمة تشريعية خاصة، أو علة يمكن ان تعتبر سببا لوجود بعض الأوامر و الواجبات المأمور بها، أو النواهي و المحرمات المنهي عنها.

الاجتهاد و التصويب

و كما ان تركيز الاجتهاد على الأصول العامة عصمت الفقه الشيعي من ان تدخلها، أو تتخللها أحكام فقهية شاذة تقتضيها تلك المباني الموضوعة: فإن الأدلة الاجتهادية، و الأصول العامة الّتي يلتمسها المجتهدون للوصول إلى الأحكام الإلهية الواقعية قاصرة عن تبدل تلك الأحكام، أو إنشائها على وفقها. إذ لم يحصل بهذه الأدلة غير أحكام ظاهرية أو تنزيلية أدت إليها تلك الأدلة الاجتهادية، أو الأصول العملية، نعم: ان تعبد الشارع بطريقيتها، و اعتبار معذريتها و منجزيتها في حق المكلفين بها جعلت مؤداها أحكاما واقعية يسقط بها البحث عن حكم آخر لم تصل إليه هذه الأدلة الشرعية المعتبرة، كما يسقط بها التكليف في مجال الامتثال و العمل عن المكلفين بها.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 14‌

..........

______________________________
و على هذا: فان حكم اللّه الواقعي لم يكن تابعا لآراء المجتهدين- كما عليه المصوبون من الأشاعرة و المعتزلة، و هو تصويب باطل لخلو الواقع عن الحكم عند خطأه و انكشاف خلافه، بل ان جميع تلك الأدلة- على اختلاف رتبها- طرق ظنية كاشفة عن تلك الأحكام الإلهية الواقعية، و تابعة لها، و موصلة إليها، قد تخطئ أو تصيب.

و لذلك: لم يكن الفقه الشيعي فقها تصويبيا من حيث الغاية و المؤدى، كما انه لم يكن فقها استحسانيا من حيث المبدأ و المبنى.

مكانة المؤلف من هذه المحاضرات

و أمّا هذه المحاضرات الفقهية فتتميز بسعة التحقيق، و شمول الأدلة، و محاكمتها و غربلة الأحاديث و فحصها، و تحقيق نصوصها في كلّ ما حفلت به هذه الموسوعة الفقهية من أصول الاستدلال، و هي- في مفهوم الحوزات العلمية- دراسات نموذجية عليا يتمرس عليها طبقة ممتازة من ذوي الكفاءات العلمية، و القدرات العالية، من متفهمى الاجتهاد، من أمثال مؤلفنا هذا.

و هذه الأبحاث الفقهية الّتي استوعبها و ضبطها هي النظريات و الابداعات التي انتهجها أستاذه الامام، و هو تلميذه النابه الّذي توسم فيه ان يتسنم دست المرجعية في الفتيا، و يتولّى زمامها، و هو ممن خلّد بجهده هذا مدرسته الفكرية و أحيى منهجه في الاجتهاد فيها اثر عنه من علوم الفقه، و الأصول، و التفسير، و الحديث، بل ظل نموذجا حيا لقدرة الامام على بناء أمثاله من الشخصيات العلمية في العالم الإسلامي، و اطروحة فذة في النبوغ و الألمعية العلمية الّتي جعلته في مصاف العلماء و المحققين ممن تفخر بهم الأمة الإسلامية في حاضرها و مستقبلها.

و قد استوعب في كتابه «فقه الشيعة» دراسات أستاذه الامام الفقهية،

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌3، ص: 15‌

..........

______________________________
و كتب تقريراته و محاضراته بدقة و تحقيق دل على عمقه و مراسه في العلم، كما دل على روعة أسلوبه و بلاغة بيانه، و دقة تعبيره.

و قد اصدر الجزء الأول و الثاني من كتابه هذا، فاحتضنتهما الحوزات العلمية، و جعلتهما محورا لدراستها العلمية، و مدارا لوقوفها على آراء و مناهج الامام الفقهية.

و دأب استاذنا الآية الباهرة السيد الخلخالى- دام ظله- على متابعة فصول هذه الموسوعة الفقهية، و إخراج اجزائه كتابا بعد كتاب، لينتفع بجهده هذا طلاب العلم، و هواة التحقيق، و رواد الفقه و الاجتهاد. و اللّه الموفق للصواب، و الهادي إلى سواء السبيل.

طهران: غرة رمضان المبارك 1393 ه‍ مرتضى الحكمي‌




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net