(الخامس) الانقلاب 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌5   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6973

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 313‌

[ (الخامس) الانقلاب]

(الخامس) الانقلاب، كالخمر ينقلب خلّا، فإنه يطهر (1).

______________________________
تخليل الخمر

(1) لا يخفى أن الانقلاب يكون من مصاديق الاستحالة، لما ذكرنا من أن الاستحالة الموجبة لتغيير الحكم أعم من الاستحالة العقليّة بتبدل الصورة النوعيّة إلى أخرى، كتبدّل النطفة إنسانا، و الكلب ملحا، و من الاستحالة العرفية، كتبدّل الخمر أو العصير خلّا، حيث أن ذات الموضوع باق في الحالتين، إلا أنه يزول وصفه كالإسكار بالانقلاب، و هذا المقدار و ان لم يكن تبدّلا حقيقيّا إلا أنه تبدّل عرفي يكتفى به في الخطابات الشرعيّة المنزلة على المفاهيم العرفيّة.

و قد ذكرنا: أن المستفاد- عرفا- من أدلّة النجاسات العينيّة: أن موضوع النجاسة فيها هو العنوان الخاص، كالبول، و الدّم، و الخمر، و نحو ذلك، فإذا زال العنوان زالت النجاسة، و الخمر المنقلب خلّا يكون كذلك، لزوال ما هو موضوع النجاسة- عرفا- و هو عنوان الخمرية، فلا عبرة بالمداقة العقليّة، و هذا بخلاف المتنجسات، فإنه لا مدخل للعناوين الخاصة في حكمها، لان موضوعه فيها الجسم الملاقي للنجس كما تقدم.

و كيف كان فلا إشكال في أصل الحكم إجماعا [1] و نصا، فإنهم عدّوا انقلاب الخمر خلّا مما اتفق الكل على أنّه موجب للطّهارة، و قد وردت روايات تدل على ذلك أيضا.

لما ذا أفردوا الانقلاب بالذكر و إنما أفرد و الانقلاب بالذكر، و جعلوه في عداد المطهرات في قبال الاستحالة مع أنه مع مصاديقها العرفيّة- جزما- لأمرين يجمعهما توهم تنجّس‌

______________________________
[1] الحدائق ج 5 ص 471 و الجواهر ج 6 ص 285 و عن المنتهى نسبة الحكم فيه إلى علماء الإسلام و في مجمع البرهان إلى إجماع الأصحاب، بل المسلمين- مستمسك العروة ج 2 ص 97.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 314‌

..........

______________________________
الخل المستحيل من الخمر بنجاسة عرضيّة، فتكون مانعة عن الطهارة الفعليّة، و السبب في ذلك أمران.

الأمر الأول (الأول) توهم تنجس الخلّ بملاقاة الإناء، فإن الانقلاب و ان أوجبت زوال النجاسة الذاتيّة، و لكن تعرضه النجاسة ثانيا بملاقاة الإناء المتنجس بالخمر قبل الانقلاب، فلا أثر للانقلاب في الطهارة الفعليّة، و من هنا نحتاج الى دليل آخر في عدم تنجسه بملاقاة الإناء، و ليس ذلك إلا التعبّد بالأخبار الواردة في المقام الدالة على الطهارة الفعليّة، و جواز الشرب بعد الانقلاب، فإنها تدل- لا محالة- بالالتزام على طهارة الإناء تبعا.

الأمر الثاني (الثاني) توهم تنجسه بما يتبقى مما يعالج به في التّخليل من الملح، أو ما يتخلّف منه من الرّمل و التراب، و نحو ذلك، فإنه لا يذوب و لا يستهلك في الخمر، بل يبقى و يتنجس به لا محالة، فيتنجّس الخل المستحال إليه بملاقاته، و من المعلوم أن طهارة مثل ذلك تبعا أيضا يحتاج إلى تعبّد خاص، كما كان في الإناء، و لا دليل على ذلك الا الروايات الخاصّة الدّالة على الطهارة و الحليّة الفعليّتين و لو كان بعلاج بنحو ذلك و لا يتم ذلك إلا بطهارة ما يعالج به في التخليل تبعا، فالدّلالة الالتزاميّة تستقر من هذه الجهة أيضا.

و من هنا نتعبّد بخصوص موردها، و هو انقلاب الخمر خلّا، و لا يمكننا التعدّي إلى غيره- كما ستعرف.

فتحصل: أن الانقلاب و ان كان من مصاديق الاستحالة- عرفا- إلا أنه لا يجدى إلا في زوال النجاسة الذاتيّة في الخمر المنقلب خلّا، و لكن عدم انفعال الخل المستحال اليه بملاقاة الإناء أو العلاج يحتاج الى دليل خاص، و إن شئت فقل: إن طهارة إناء الخمر، أو ما يعالج به في التخليل تبعا، يحتاج الى تعبد خاص لا ربط له بالاستحالة، و لا تعبّد إلا في انقلاب الخمر خلّا، و سيأتي ذكر أخباره.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 315‌

سواء كان بنفسه أو بعلاج، كإلقاء شي‌ء من الخلّ أو الملح فيه (1).

______________________________
تخليل الخمر بالعلاج

(1) الأخبار الواردة في انقلاب الخمر خلّا تكون على ثلاث طوائف.

(الأولى) ما تدل بإطلاقها على طهارته بالانقلاب سواء كان بنفسه أو بعلاج.

كصحيحة على بن جعفر (عليه السلام): في كتابه عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن الخمر يكون أوله خمرا ثم يصير خلّا؟ قال: إذا ذهب سكره فلا بأس.» «1».

و نحوها غيرها، و في بعضها ان الخل المستحيل من الخمر تقتل دواب البطن و يشدّ الفم «2» و في بعضها أنه يشدّ اللّثة و العقل «3».

(الثانية) ما تكون صريحة أو ظاهرة في مطهريّة الانقلاب بالعلاج.

(منها) ما عن السرائر عن جامع البزنطي عن أبى بصير عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) أنه سئل عن الخمر تعالج بالملح، و غيره لتحول خلّا؟

قال: لا بأس بمعالجتها.» «4».

فإنها صريحة في جواز علاج الخمر بالملح أو غيره، لتحوّل خلا.

(و نحوها) صحيح عبد العزيز بن المهتدي قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام): جعلت فداك العصير يصير خمرا، فيصبّ عليه الخل و شي‌ء يغيّره حتى يصير خلا؟ قال: (عليه السلام) لا بأس به» «5».

(و منها) حسنة زرارة عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن‌

______________________________
(1) الوسائل ج 17 ص 296 في الباب 31 من الأشربة المحرمة ح: 9.

(2) الوسائل ج 17 ص 69 في الباب 45 من الأطعمة المباحة، ح 1 و 2.

(3) الوسائل ج 17 ص 69 في الباب 45 من الأطعمة المباحة، ح 1 و 2.

(4) الوسائل ج 17 ص 298 ب 31 من أبواب الأشربة المحرمة: ح 11.

(5) الوسائل ج 17 ص 297 ب 31 من أبواب الأشربة المحرمة: ح: 8.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 316‌

..........

______________________________
الخمر العتيقة تجعل خلا قال لا بأس»
«1».

فإنها ظاهرة في الجعل بالعلاج في قبال الصيرورة بنفسه.

(و نحوها) موثقة عبيد بن زرارة عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) أنه قال في الرجل إذا باع عصيرا فحبسه السلطان حتى صار خمرا، فجعله صاحبه خلا؟

فقال: إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به» «2».

فإنها أيضا ظاهرة في الجعل بالعلاج في مقابل الصيرورة بنفسه.

(الثالثة) ما تدل على المنع عن العلاج بشي‌ء، فلا يحلّ المنقلب بالعلاج و لا يطهر، فتكون معارضة للطائفة الثانية.

(منها) موثقة أبي بصير عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سئل عن الخمر يجعل فيها الخل؟ فقال: لا، إلا ما جاء من قبل نفسه» «3».

(و منها) موثقته الأخرى قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الخمر يصنع فيها الشي‌ء حتى تحمضّ قال: إن كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فلا بأس به» «4».

و نحوها غيرها «5».

و هذه تعارض الطائفة الثانية، كما أشرنا، إلا أن مقتضى الجمع العرفي بينهما هو حمل النهي في الثالثة على الكراهة، لصراحة الثانية في الجواز و بها يخرج عن ظهور المنع في الحرمة، و عدم تأثير الانقلاب بالعلاج في الطهارة و الحليّة، فالصحيح هو ما ذكره في المتن المدّعى عليه الإجماع [1].

______________________________
[1] الجواهر ج 6 ص 286 خلافا لما عن الشهيد من التوقف في أصل العلاج بالأجسام، و قد رد عليه في الجواهر بأنه مسبوق بالإجماع و محلوق به.

______________________________
(1) الوسائل ج 17 ص 296 ب 31 من الأشربة المحرمة ح: 1.

(2) الوسائل ج 17 ص 296 ب 31 من الأشربة المحرمة، ح: 5.

(3) الوسائل ج 17 ص 296 ب 31 من الأشربة المحرمة، ح: 7.

(4) الوسائل ج 17 ص 296 ب 31 من الأشربة المحرمة، ح: 2 و ج 2 ص 1098 ب 77 من النجاسات، ح: 4.

(5) في الباب المتقدم، ح: 4.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 317‌

سواء استهلك أو بقي على حاله (1).

______________________________
حكم ما يبقى بعد التخليل

(1) لا يخفى: أن الذي تقتضيه القواعد هو طهارة الخمر المنقلب خلّا بنفسه، أو بعلاج غير الأجسام، أو بأجسام مستهلكة فيه قبل التخليل، أو المنقلبة قبله خلا أو معه، بناء على طهارة المتنجس بالاستحالة الشاملة لمثل ذلك، دون ما إذا كان التخليل بأجسام باقية بعد الانقلاب- كالرّمل الباقي من الملح المختلط به، أو التراب المتبقى منه، و نحو ذلك من الأجسام- لتنجس الخلّ حينئذ بتلك الأجسام الباقية، و لا يجدى استحالتها خلّا بعد ذلك، لسبق نجاسة الخل المستحيلة من الخمر بها، هذا كله ما تقضيه القواعد الأوليّة.

و لكن بالنظر إلى إطلاق الأخبار المتقدمة فلا بد من الالتزام بطهارتها تبعا، لدلالتها على جواز التخليل بالعلاج، صراحة أو ظهورا، و مقتضى إطلاقها أو ترك الاستفصال فيها عدم الفرق بين ما لو بقي فيها عين ما عولجت به بعد صيرورتها خلّا أو استهلكت فيها قبل التخلّل، لا سيما مع كثرة ما يتخلف من الملح و نحوه من الرّمل و التراب، و من المعلوم أن حصول الطهارة و الحليّة الفعليّتين للخلّ المذكور لا يمكن الا بحصول الطهارة التبعيّة للمتبقى مما يعالج به الخمر لأجل التخليل، و إلا لم يكن الخلّ المذكور حلالا و طاهرا، لتنجسه بالمتبقي ثانيا، و هذا خلاف ظهور الأخبار المتقدمة جزما.

فما عن بعض [1] من التفصيل بينهما، و اختصاص الطهارة بما إذا لم تبق العين بعد الانقلاب نظرا إلى أن نجاسة العين الباقية مانعة من الطهارة، و لا دليل على طهارتها بالتبع مما لا ينبغي الالتفات إليه، لدلالة الأخبار المذكورة على حصول الطهارة التبعيّة لمثل ذلك أيضا، كالإناء.

______________________________
[1] كما في مصباح الفقيه كتاب الطهارة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 318‌

و يشترط في طهارة الخمر بالانقلاب عدم وصول نجاسة خارجيّة إليه، فلو وقع فيه- حال كونه خمرا- شي‌ء من البول، أو غيره، أو لاقى نجسا لم يطهر بالانقلاب. (1) [1].

______________________________
حكم النجاسة الخارجية في التخليل

(1) قد يقال «2» إنه لو وصلت نجاسة خارجيّة إلى الخمر ثم انقلب خلا لم يطهر، كما إذا وقعت فيه قطرة بول أو دم، ثم انقلب خلّا.

و هذا مبنيّ على تضاعف النجاسة بذلك، فيقتصر فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن، لدلالة أخبار الانقلاب على حصول الطهارة من النجاسة الخمريّة، دون غيرها من النجاسات، بل لو أحيل الخمر بمتنجس لم يطهر أيضا، كما إذا وضع فيه ملح متنجس- مثلا- لعين الملاك، و الحاصل:

أن غيرها على حالها، لاختصاص الدليل بتخليل الخمر، لا أكثر.

و يدفعه أولا: أن النجاسة من الأحكام الشرعيّة و الأمور الاعتباريّة غير قابلة للشدّة و الضعف، فلا يشتدّ نجاسة الخمر بوقوع الدّم- مثلا- عليه، و كان نظير وقوع خمر على خمر، فليس هناك إلا نجاسة واحدة و هي النجاسة الخمريّة، نعم لا بد من استهلاك النجس الخارجي في الخمر ثم ينقلب خلا و أما إذا لم يستهلك فيه، أو تنجّس الإناء به لم يطهر، لعروض النجاسة على الخلّ بملاقاة النجس الخارجي بعد الانقلاب.

و ثانيا: لو سلّمنا حصول الاشتداد في نجاسة الخمر و لو استهلك النجس الخارجي فيه كان مقتضى إطلاق أخبار التخليل حصول الطهارة له بالانقلاب أيضا، لشمولها لمثله، لا سيما مع ملاحظة أن الخمر المأخوذ للتخليل كثيرا ما كان مأخوذا من غير المسلمين، كاليهود و النصارى،- كما لا يبعد‌

______________________________
[1] جاء في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده» «لم يطهر بالانقلاب» (الظاهر حصول الطهارة به إذا استهلك النجس و لم يتنجس الإناء به).

______________________________
(2) كصاحب الجواهر «قده» لاحظ ج 6 منه ص 290.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 319‌

[ (مسألة 1) العنب أو التمر المتنجس إذا صار خلّا لم يطهر]

(مسألة 1) العنب أو التمر المتنجس إذا صار خلّا لم يطهر (1).

______________________________
دعوى الإشارة إلى ذلك في بعض الأخبار [1]- و الغالب أن صنّاع الخمر يباشرونه بأيديهم، أو بآلة تلاقى أيديهم مع الرطوبة، نعم: إذا لم يستهلك النجس الخارجي، أو كان الإناء متنجّسا به أو بنجاسة أخرى قبل وضع الخمر فيه، أو تنجّس بها بعده، أو بقي من العلاج بالمتنجس شي‌ء في الإناء إلى ما بعد الانقلاب تنجس الخلّ بذلك كله، كما ذكرنا، لاختصاص الأدلة بحصول الطهارة التبعيّة للإناء و لما يعالج به الخمر إذا كان متنجسا بالخمر، لا بغيره من النجاسات.

و بعبارة أخرى: ان نجاسة الإناء بغير الخمر أو نجاسة ما به العلاج إذا بقي بعد الانقلاب تكون نجاسة باقية تلاقى الخلّ بعد الانقلاب فيتنجس به، و هذا غير المبحوث عنه في المقام من اشتراط عدم وصول نجاسة خارجيّة إلى الخمر.

انقلاب العصير المتنجس خمرا

(1) لو تنجّس العصير- العنبي أو التمري- ثم انقلب خلّا لم يطهر، لاختصاص مطهريّة الانقلاب بأعيان النجاسات، كالخمر لو انقلب خلا، فإنها موضوع للنجاسة فبتبدلها يتبدل الحكم، و هذا بخلاف المتنجسات، فإنه لا تطهر بتبدّل عناوينها الخاصة، كالعصير المتنجّس و نحوه إذا صار خلا أو غيره، لما ذكرنا من أن موضوع النجاسة فيها إنما هو ذات الجسم الباقي في الحالتين لا العنوان الخاص، كعنوان العصير و نحوه.

هذا كله فيما إذا لم ينقلب إلى الخمرية في الأثناء، و أما إذا انقلب كذلك فيأتي الكلام فيه.

______________________________
[1] كموثقة عبيد بن زرارة قال «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلّا قال لا بأس»- الوسائل ج 17 ص 296 في الباب 31 من الأشربة المحرمة ج 3 فإن أخذ الخمر يكون ممن يستحله من غير المسلمين، لأن المسلم لا يصنع الخمر، و ان أمكن.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 320‌

و كذا إذا صار خمرا (1) ثم انقلب خلّا.

______________________________
(1) لو صار العصير المتنجس خمرا في الأثناء، ثم انقلب خمرا، فهل يطهر بذلك أولا؟ ذكر الماتن «قده» انه لم يطهر، كالفرع السابق، أعني صورة عدم صيرورته خمرا في الأثناء، و هذا مبنى على ما تقدم منه «قده» من اعتبار عدم وصول نجاسة خارجيّة إلى الخمر، لاختصاص روايات التخليل بارتفاع النجاسة الخمريّة، دون غيرها، و المفروض في المقام وجود نجاسة زائدة.

و لكن قد عرفت: أن النجاسة لا تكون قابلة للشدّة و الضعف، فإذا تبدّل العصير المتنجس خمرا لا تكون هناك إلا النجاسة الخمرية، و لا أثر لتنجس العصير بعد صيرورته خمرا، فيكون المقام نظير وقوع قطرة من البول في الخمر المنقلب خلا- كما سبق- بل أولى بالطهارة، لأن نجاسة العصير تكون عرضيّة فإذا لا مانع من شمول أخبار التخليل لمثله، فلا مجال لاستصحاب النجاسة «1» بعد عموم الأخبار.

هذا مضافا إلى ما ذكرناه من شمول النصوص المذكورة لصورة مباشرة الخمور المخللة ليد الكفرة الصانعين لها حزما، و لا يمكن تخصيصها بغيرها مع كثرة الابتلاء بها في زمن صدور الروايات المذكورة.

نعم: لا بد من إفراغ الخمر المذكور في إناء آخر قبل صيرورته خلّا، و ذلك لتنجس الإناء الأول بملاقاة العصير المتنجس، فيتنجس الخلّ المحال من الخمر بملاقاته، و لا دليل على التبعيّة في طهارة الإناء فيما إذا كان الإناء متنجسا بغير الخمر [1].

______________________________
[1] و قد جاء في تعليقته (دام ظله) على قول المصنف «قده» «ثم انقلب خلا»: (الظاهر أنه يطهر بذلك بشرط إخراجه حال خمريته عن ظرفه المتنجس سابقا).

______________________________
(1) كما أفاد في المستمسك ج 2 ص 100.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 321‌

[ (مسألة 2): إذا صب في الخمر ما يزيل سكره لم يطهر]

(مسألة 2): إذا صب في الخمر ما يزيل سكره لم يطهر، و بقي على حرمته (1).

______________________________
حكم زوال سكر الخمر بالامتزاج

(1) لا يخفى: أن زوال سكر الخمر يكون بأحد أمرين «أحدهما» انقلابه إلى حقيقة أخرى كالخل أو غيره «ثانيهما» امتزاجه بغيره- كالماء- و الأول مطهّر له، دون الثاني، فهنا فرعان ربما يختلط «1» أحدهما بالآخر.

و المصنف «قده» انما أراد الثاني دون الأول، فنتكلم في الفرعين توضيحا للحال.

أما «الأول» ففي زوال سكر الخمر بانقلابه الى غير الخلّ، كما لو انقلب ماء- مثلا- فهل يحكم بطهارته و حليّته في هذه الحالة كما يحكم بهما في حالة انقلابه خلا.

و هذا مبنيّ على عموم مطهّرية الانقلاب.

ربما يقال «2»: ان القدر المتيقن من مخالفة القواعد هو تخصيص مطهريّة الانقلاب بانقلاب الخمر خلا، لا غير، لاختصاص الروايات المتقدمة بذلك، و من هنا اختصت كلمات الأصحاب به أيضا، بدعوى «3» بنائهم على تخصيص طهارة الخمر بالانقلاب خلا، لا غير، فهناك تحديد من الناحيتين المنقلب عنه و المنقلب إليه، و ان هذا هو الذي يقتضيه ظاهر كلامهم في مطهرية الانقلاب في التخليل.

أقول: إن مطهّريّة الانقلاب حكم كلى تنطبق على القواعد الأوليّة من دون حاجة الى الروايات و ذلك، لان الانقلاب عبارة عن تبدل موضوع أعيان النجاسات إلى غيرها، فبتبدلها يتبدّل الحكم لا محالة، فإذا انقلبت الى عين طاهرة حكم بطهارتها مهما كانت المنقلب إليها، فلا خصوصية للمنقلب‌

______________________________
(1) لعله إشارة إلى ما وقع في المستمسك ج 2 ص 100.

(2) كما في الجواهر ج 6 ص 290 س 9- 10.

(3) المستمسك ج 2 ص 100.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 322‌

..........

______________________________
عنه، و لا للمنقلب إليه، فالخمر إذا انقلب خلا أو الى طاهر آخر حكم بطهارته، كما أنه لو انقلب البول- مثلا- الى الماء حكم بطهارته.

نعم يفرق بين الانقلاب و الاستحالة من ناحية أخرى، و هي اختصاص الأول بأعيان النجاسات و عموم الثاني للمتنجسات- كما يأتي الإشارة إليها من المصنف «قده» أيضا في «المسألة 5»- و الوجه في ذلك هو ما تقدم «1» و يأتي من أن موضوع الحكم في النجاسات هي العناوين الخاصة، كعنوان الدم، و البول، و الخمر، و هي تزول بالانقلاب فيزول حكم النجاسة.

و هذا بخلاف المتنجسات، فان موضوع النجاسة فيما هو ذات الجسم، و هو باق في كلتا الحالتين، فلا تأثير لانقلاب العنوان فيها، كما لو تبدّلت الحنطة المتنجسة خبزا نعم تؤثر فيها الاستحالة فقط، لأنها عبارة عن تبدّل الحقيقة النوعيّة، كما يأتي توضيحه في ذيل المسألة الخامسة.

فتحصل: أن مطهرية الانقلاب لا تختص بانقلاب الخمر خلا، بل لا تختص بالخمر فتعم مطلق النجاسات، و هذا حكم على القاعدة لا نحتاج فيه الى تعبد شرعي و إنما احتجنا إليه من جهة أخرى، و هي الطهارة التبعيّة لإناء الخمر، نعم هي تختص بالخمر، لاختصاص الروايات بتخليل الخمر، و لو لاها كان مقتضى القاعدة تنجّس الخلّ بملاقاة إناء الخمر، و لكن لمّا دلت على حصول الطهارة الفعليّة للخلّ، و لم يمكن ذلك إلا مع طهارة الإناء تبعا- كما سبق- حكمنا بحصول الطهارة التبعيّة لإنائه إلا أنه لا يمكن التعدي الى غير الخمر من النجاسات، لمنع القياس، و عدم العموم و من المعلوم أن النجاسة الطارئة تكون حينئذ عرضيّة، لا ذاتية، و كلامنا في تأثير الانقلاب في زوال النجاسة الذاتيّة بحيث لو لم نقل بنجاسة الخمر لم نحتج الى التعبّد بالروايات فيها أيضا، و اكتفينا بزوال الحرمة بالانقلاب.

هذا كله ما تقتضيه القاعدة الكلية في مطهريّة الانقلاب عن النجاسة الذاتية.

______________________________
(1) في ص 286.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 323‌

..........

______________________________
و أما الروايات الواردة في التخليل فبعضها و إن اختصت بانقلاب الخمر خلا، سئوالا و جوابا،- كما قيل- إلا أن بعضها تعم انقلابه الى مطلق مائع آخر، و لو لم يكن خلّا.

كموثقة عبيد بن زرارة المتقدمة لقوله (عليه السلام) فيها: «إذا تحول عن اسم الخمر فلا بأس» «1».

فإن السؤال فيها و ان كان عن جعل الخمر خلا، إلا أن جوابه (عليه السلام) دال على كفاية مطلق التحوّل عن الخمرية، و لو كان المتحول اليه غير الخلّ.

و كصحيحة على بن جعفر المروية في كتابه في جواب السؤال عن صيرورة الخمر خلا، لقوله (عليه السلام) فيها «إذا ذهب سكره فلا بأس به» «2».

لدلالته على كفاية زوال السكر الملازم لزوال عنوان الخمريّة، و لو انقلب الى غير الخلّ، و هذه تدل على مطهّرية الانقلاب في مطلق المسكرات، و لو غير الخمر المراد به المتخذ من العنب خاصة، لدلالتها على أن ملاك الحرمة و النجاسة انما هو السكر، فإذا زال زال حكمه، و صار حلالا و طاهرا.

فتحصل مما ذكرناه: أن مقتضى إطلاق بعض روايات الانقلاب هو مطهّريّة انقلاب الخمر، بل مطلق المسكرات الى مطلق الأعيان الطاهرة و لو كانت غير الخلّ و لا مانع من العمل بهذه الإطلاقات و أما ما استظهر من عدم عمل الأصحاب بهذه الظواهر، و بنائهم على تخصيص طهارة الخمر بالانقلاب خلا لا غير، فلا يمكن المساعدة عليه بوجه، لعدم دليل على ذلك، بل الظاهر من كلماتهم هو التعميم، سواء في المنقلب عنه، أو المنقلب اليه.

و مما يشهد بذلك عدّهم الانقلاب من المطهّرات على وجه الإطلاق، و إنما يذكرون «انقلاب الخمر خلا» من باب المثال، تبعا للروايات، و للغالب في انقلاب الخمر، فإنه ينقلب إلى الخل غالبا و منهم المصنف‌

______________________________
(1) تقدمت ص 319

(2) الوسائل ج 17 ص 297 ج 9.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 324‌

..........

______________________________
«قده» حيث أنه عدّ «الخامس» من المطهّرات «الانقلاب» و مثّل له بانقلاب الخمر خلا- كما سبق- و كذلك يأتي منه «قده» في «المسألة الخامسة» جعل الانقلاب في مقابل الاستحالة، و قال باختصاص الأول بالنجاسات، و عموم الثاني للمتنجسات أيضا.

و كيف كان فالأمر سهل بعد عموم القاعدة و الروايات في معرفة حكم الانقلاب.

هذا كله في «الفرع الأول»، إلا أن المصنف «قده» لم يردها في هذه المسألة- كما توهم «1».

و أما «الفرع الثاني» ففي زوال سكر الخمر بامتزاجه في غيره بأن صارت طبيعة ثالثة لا يصدق عليه عنوان الخمر، و لا الممتزج به، أو استهلكت فيه، و صدق على المجموع عنوان المستهلك فيه، فهل يطهر بذلك و يحكم بحليّته أولا.

و هذا هو الذي أراده المصنف «قده» في هذه المسألة، و الصحيح هو ما ذكره من عدم الطهارة و البقاء على الحرمة حينئذ.

و الوجه فيه ظاهر لعدم تحقق الانقلاب كي ينقلب حكمه الى الطهارة- في هذا الفرض- غاية الأمر حصول امتزاج الخمر بغيره، أو استهلاكه فيه، فيتنجس الممتزج به أو المستهلك فيه بملاقاته لا محالة، فيحرم شربه من جهة النجاسة العرضية، و إن لم يصدق عليه عنوان الخمر، فالخمر ممتزج أو مستهلك في الشي‌ء النجس.

و من الظاهر أن الانقلاب غير الامتزاج أو الاستهلاك، لأن الأول عبارة عن تبدّل الشي‌ء و زواله حقيقية، فيزول حكمه لا محالة و كان هذا هو مفروض كلامنا في «الفرع الأول» و أما «الفرع الثاني» فالمفروض فيه امتزاج الخمر بغيره أو استهلاكه فيه، و هذان لا يوجبان الا تفرق أجزاء النجس- كالخمر- في غيره، مع غلبة الغير عليه تارة و عدمها اخرى، و لو صدق عنوان ثالث على المجموع، و لكن مع ذلك يبقى الخمر على حقيقته، لا سيما في‌

______________________________
(1) المستمسك ج 2 ص 100.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 325‌

..........

______________________________
صورة الامتزاج، فيحرم شرب المجموع للنجاسة العرضيّة حتى لو صدق عليه الخمر، لأن المفروض زوال سكره، و إذا زال سكره زالت نجاسته، لأن العبرة في حرمته و نجاسته بإسكاره، لا باسمه، كما دل عليه النص
«1» من أن اللّٰه تعالى لم يحرم الخمر لاسمه و إنما حرمه لإسكاره.

هذا كله فيما تقتضيه القاعدة في هذا الفرع، و مقتضاها عدم الحكم بالطهارة في الخمر الزائل سكره بالامتزاج أو الاستهلاك فيبقى على الحرمة.

و يؤكده جملة من الرّوايات أيضا.

(منها) رواية عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) ما ترى في قدح من مسكر يصيّب عليه الماء حتى تذهب عاديته، و يذهب سكره؟ فقال: «لا و اللّٰه و لا قطرة قطرت في حبّ إلا أهريق ذلك الحب» «2».

فان السؤال فيها و ان كان عن امتزاج الخمر بالماء، إلا أن الإمام (عليه السلام) أجاب بالمنع و أمر بإهراقه حتى في صورة استهلاكه في غيره، كاستهلاك القطرة في الحبّ.

و (منها) رواية ذكريا بن آدم قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قطرة خمر، أو نبيذ مسكر، قطرت في قدر فيها لحم كثير، و مرق كثير قال:

فقال: «يهراق المرق أو يطعمه أهلّ الذمة.» «3».

و هذه كسابقتها في الدلالة على المنع في صورة الاستهلاك.

و (منها) رواية أبي بصير عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) في حديث قال: «ما يبل الميل ينجّس حبّا من ماء يقولها ثلاثا» «4».

تحصّل من جميع ما ذكرناه في هذا المقام انه لو زال سكر الخمر بالانقلاب يطهر، و يحل سواء انقلب إلى الخل أو غيره و أما إذا زال سكره‌

______________________________
(1) الوسائل ج 17 ص 242 في الباب 9 من الأشربة المحرمة ح 16.

(2) الوسائل ج 17 ص 272 في الباب 18 من أبواب الأشربة المحرمة ح 1 و الباب 26 ح 2 ص 287.

(3) الوسائل ج 17 ص 286 في الباب 26 من أبواب الأشربة المحرمة ح 1.

(4) الوسائل ج 17 ص 275 في الباب 20 من الأشربة المحرمة ح 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 326‌

[ (مسألة 3) بخار البول أو الماء المتنجس طاهر]

(مسألة 3) بخار البول أو الماء المتنجس طاهر (1) فلا بأس بما يتقاطر من سقف الحمام إلا مع العلم. بنجاسة السقف.

______________________________
بامتزاجه بغيره أو الاستهلاك فيه بقي على النجاسة و الحرمة، و الظاهر أن مراد المصنّف «قده» في هذه المسألة هو الفرض الثاني دون الأول- كما ذكرنا.

حكم بخار البول

(1) ما ذكر في المتن يكون من مصاديق الانقلاب، بل الاستحالة، لتبدّل الصورة النوعيّة فيهما، لمغايرة البخار مع البول أو الماء المتنجس- في نظر العرف- فالماء المتحصل من بخارهما- كالقطرات النازلة من سقف الحمام- يكون ماء جديدا طاهر لا محالة، لحصوله من طاهر و هو البخار، إلا إذا عرضته النجاسة بملاقاة نجس آخر، كسقف الحمام لو علمنا بنجاسته، و مغايرة البخار لمنشإه يكون أوضح من مغايرة الغبار لمنشإه، كما أن المغايرة بين البول و الماء المتحصل من بخاره أظهر من المغايرة بين الماء المتنجس، و الماء المتحصّل من بخاره، إذ لعله يتوهم اتحاد المائين في الفرض الثاني و ان توسطهما حالة البخارية، و هذا التوهم و إن كان فاسدا في نفسه، لما ذكرناه من تحقق المغايرة بين الماء و بخاره، إلا أنه لا يجري في الماء المتحصل من بخار البول، لوضوح مغايرة البول مع الماء المتقاطر من بخاره، و يكون نظير الماء المتقاطر من بخار ماء الرّمان- مثلا- و قد تقدم الكلام في هذه المسألة «1».

______________________________
(1) ج 1- ص 44- 45.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 327‌

[ (مسألة 4) إذا وقعت قطرة خمر في حب خلّ]

(مسألة 4) إذا وقعت قطرة خمر في حب خلّ، و استهلكت فيه لم يطهر و تنجّس الخلّ إلا إذا علم انقلابها خلا بمجرد الوقوع فيه (1).

______________________________
استهلاك قطرة من الخمر في حبّ الخلّ

(1) إذا وقعت قطرة خمر في حبّ من الخلّ و استهلكت فيه تنجس الحبّ لا محالة، لملاقاته مع الخمر، و لا دليل على مطهريّة الاستهلاك.

و أما لو انقلبت بوقوعها فيه فهل يطهر أولا؟ فصّل المصنف «قده» بين ما إذا انقلبت خلّا بمجرد الوقوع فيه، و ما إذا انقلبت بعده فحكم في الفرض الأول بالطهارة دون الثاني، و لعلّه «لتوهم» أن زمان الملاقاة في الأول هو زمان الانقلاب، فلا ملاقاة مع النجس، و هذا بخلاف ما إذا انقلبت بعد الوقوع فيه، لتحقق الملاقاة مع النجس حينئذ في زمان سابق فيتنجس الخلّ لا محالة «و يدفعه»: أن الملاقاة كما تكون سببا للانقلاب، و مقارنا معها زمانا و ان تأخر عنها رتبة كذلك تكون علّة لتنجس ملاقيه، و هو الخلّ و ان تأخر عنها رتبة أيضا، فيتنجس الخلّ لا محالة، أيضا و لو انقلبت قطرة الخمر بملاقاته، و بمجرد الوقوع فيه الى الخلّ، هذا هو مقتضى قاعدة الملاقاة.

و أما الأخبار المتقدمة الدالة على مطهّريّة الانقلاب و لو بالعلاج بالخلّ، فلا تشمل المقام، لاختصاصها بما إذا كان الخل الموجب للانقلاب تابعا للخمر، و عدّ من تخليل الخمر بالخل كما إذا صبّ في حب الخمر مقدار قليل من الخلّ، لا العكس كما هو مفروض الكلام هنا، لأن القطرة من الخمر تعد من توابع حب الخلّ الذي وقعت فيه فالصحيح هو الحكم بنجاسة حب الخلّ سواء استهلكت قطرة الخمر بوقوعها فيه، أو انقلبت الى الخل بعد وقوعها فيه بزمان أو حينه، و الوجه في الكل هو تنجس الخلّ بملاقاة الخمر «1».

______________________________
(1) و من هنا جاء في تعليقته دام ظله على قول المصنف «قده»: «إلا إذا علم انقلابها خلا بمجرد الوقوع فيه» (بل حتى إذا علم ذلك)

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 328‌

[ (مسألة 5) الانقلاب غير الاستحالة]

(مسألة 5) الانقلاب غير الاستحالة، إذ لا تتبدل فيه الحقيقة النوعيّة بخلافها، و لذا لا تطهر المتنجسات به، و تطهر بها (1).

______________________________
نعم: لو فرض- بفرض بعيد- تحقق الانقلاب قبل وصول القطرة إلى الحب، بحيث كان الهواء المجاور للخلّ مثلا- مؤثرا في انقلابه لا يتنجس الحبّ، و الوجه ظاهر، لطهارة القطرة بالانقلاب قبل الوصول إلى الحب.

فما عن الشيخ و غيره من «الحكم بطهارة الخل الواقع فيه شي‌ء من الخمر بعد أن يصير ذلك الخمر خلا» لا يمكن المساعدة عليه، لانه مخالف للقواعد المقررة في سراية النجاسة بالملاقاة- سواء أراد الاستهلاك أو الانقلاب- كما أورد عليه المتأخرون «1».

الفرق بين الانقلاب و الاستحالة

(1) لا فرق بينهما لغة، فإنّه يفسّر كل منهما بالآخر و هما بمعنى تحوّل الشي‌ء من حال الى حال و تغيّره من صفة إلى أخرى [1] و لم يرد في الروايات عنوان «الاستحالة» و لكن فرّق بينهما في اصطلاح الفقهاء- كما أشار في المتن- بان الاستحالة عبارة عن تبدل الحقيقة النوعيّة- كتبدل الكلب ملحا و العذرة ترابا و النطفة إنسانا- كما تقدم أيضا- و هذا بخلاف الانقلاب، فان المراد به تبدل الوصف العنواني الذي هو موضوع للنجاسة و ان بقي ذات الجسم على حقيقته، كتبدّل الخمر خلا، فان الحقيقة النوعيّة لا تزول بذلك، و ان زوال وصفها العنواني أعني عنوان «الخمر» إلا أنه مع ذلك يكفي في الطهارة، لأن موضوع النجاسة في الأعيان النجسة هو الوصف العنواني، دون ذوات الأجسام.

______________________________
[1] جاء في «أقرب الموارد» حال الشي‌ء: تحول من حال الى حال و قال أيضا «حال:

انقلب» و قال «استحال الشي‌ء استحالة: تحول من حال الى آخر» و قال الحوال: كسحاب الانقلاب و التغيّر.

______________________________
(1) لاحظ الجواهر ج 6 ص 287- 290 و مصباح الفقيه كتاب الطهارة في البحث عن مطهرية الانقلاب.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 329‌

..........

______________________________
و ثمرة الفرق المذكور بينهما هو ما أشار إليه في المتن من أن الاستحالة تكون مطهرة للمتنجسات أيضا، كأعيان النجاسات، فلو تبدّلت الصورة، النوعيّة في متنجس يحكم بطهارته أيضا، كما إذا تبدل الماء المتنجس الى جسم النبات بالسقي، أو الخبز المتنجس الى لحم حيوان مأكول اللحم بالأكل، و نحو ذلك، لان موضوع النجاسة في المتنجسات و ان كان ذات الجسم، دون وصفه العنواني، كعنوان «الماء» أو «الخبز» الا أنه مع ذلك لو زالت صورتها النوعيّة و تبدّلت إلى أخرى تغاير الأولى حقيقة- كما في المثالين- تزول حكمها أيضا، دون ما إذا زالت عناوينها الخاصة، كما إذا اطحنت الحنطة المتنجسة أو طبخت خبزا و هذا بخلاف الانقلاب، فإنه لا يكون مطهّرا إلا لأعيان النجاسات، لأن موضوع الحكم فيها هو الوصف العنواني، كعنوان البول و الدم و الخمر و نحو ذلك فإذا زال بالانقلاب يزول حكمه، و ان كان ذات الجسم باقيا، و لم تتبدل الصورة النوعيّة، كالخمر ينقلب خلا. فمطهرية الاستحالة تكون أعم من الانقلاب، و هذا حكم جار في جميع أعيان النجاسات، و لا يختص بالخمر المنقلب خلا- كما هو واضح- و هذا اصطلاح جرى عليه الفقهاء تمييزا بين النجاسات و المتنجسات من ناحية اختلاف موضوع حكمهما، و لا مشاحة، و لو شئنا لعكسنا التعبير، و عبّرنا عن تبدل موضوع النجاسات العينيّة بالاستحالة و عن تبدله في المتنجسات بالانقلاب، لما عرفت من اتحاد اللفظين- لغة- و من هنا ترى كثيرا ما يعبّرون عن موارد الانقلاب بالاستحالة في أعيان النجاسات.

و كيف كان فالأمر سهل بعد وضوح المراد، و هو زوال الحكم بزوال موضوعه، سواء في النجاسات و المتنجسات، فيطهر الشي‌ء إذا تبدّل عن الموضوع النجس الى الموضوع الطاهر.

و ظهر بما أوضحناه: أنه لا مجال لاستصحاب النجاسة في شي‌ء من موارد النجاسات لو انقلبت إلى حقيقة أخرى- بالمعنى المذكور- اى زال وصفها العنواني الذي هو موضوع للحكم بالنجاسة فيها، سواء الخمر يتبدل خلا، أو البول- مثلا- يتبدل ماء، و نحو ذلك، لزوال الموضوع عرفا، فلا مجال‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 330‌

[ (مسألة 6) إذا تنجس العصير بالخمر، ثم انقلب خمرا و بعد ذلك انقلب خلا]

(مسألة 6) إذا تنجس العصير بالخمر، ثم انقلب خمرا و بعد ذلك انقلب خلا، لا يبعد طهارته، لأن النجاسة العرضيّة صارت ذاتيّة بصيرورته خمرا، لأنها هي النجاسة الخمريّة (1) بخلاف ما إذا تنجس العصير بسائر النجاسات، فان الانقلاب الى الخمر لا يزيلها، و لا يصيّرها ذاتيّة، فأثرها باق بعد الانقلاب أيضا.

______________________________
للاستصحاب، و لم يتضح لنا وجه لما قيل
«1» في المقام من جريان الاستصحاب فيما عدا الخمر من النجاسات.

حكم تنجس العصير قبل الانقلاب

(1) لو تنجس العصير قبل صيرورته خمرا فهل يطهر بانقلابه خلا بعد ذلك؟

فصلّ المصنف «قده» بين ما إذا تنجس العصير بالخمر، أو غيره، فقال في الأول أنه يطهر بانقلابه خلّا، دون الثاني.

و قال في توجيه ذلك إن النجاسة العرضيّة في الفرض الأول تصير ذاتيّة، لاتحادهما في النوع، و هو نجاسة الخمر، فتضمحل الأولى في الثانية، ثم تزول بالانقلاب، و هذا بخلاف الفرض الثاني، لاختلاف نوع النجاسة فيه، كما إذا تنجس العصير أولا بالدّم- مثلا- ثم صار خمرا، فإن نجاسة الدّم لا تضمحل في نجاسة الخمر فيبقى أثرها بعد الانقلاب أيضا، فلا يحكم فيه بالطهارة.

أقول: قد تقدم في صدر البحث أن وصول نجاسة خارجية إلى الخمر لا يمنع عن مطهّرية الانقلاب مطلقا، سواء كانت من نوعه أم لا، لما ذكرناه من زوال أثر النجاسات الملاقية للعصير، أو الخمر، أو المستهلكة فيه مطلقا، لعدم إمكان الشدّة و الضعف في النجاسة، إذا لم تكن أعيانها موجودة في محل واحد، و استهلكت بعضها في بعض، لأنها حكم شرعي يدور أمرها بين‌

______________________________
(1) المستمسك ج 2 ص 103.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 331‌

..........

______________________________
الوجود و العدم شرّعت على موضوعاتها الخاصة، فلا تقبل الشدّة و الضعف في محل واحد و عليه لو صار العصير المتنجس خمرا يكون نجسا لخمريّته، لانه خمر حينئذ، و ليس هناك الا هذا العنوان، و لا أثر لملاقاته للنجس سابقا، لزوال موضوعه و اتحاده مع الخمر وجودا سواء أ كان متنجسا بالخمر أو غيره، لاتحاد الجنس مع النوع في الوجود.

و إن شئت فقل: إن العرف لا يرى في أمثال المقام مما لم يجتمع فيه عين النجاستين و استهلكت إحداهما في الأخرى أو لاقتها فقط وجود نجاستين إحداهما عرضيّة قائمة بالجنس أعنى «جسم الخمر» لملاقاته مع النجس، حيث أن موضوع النجاسة في المتنجسات هو ذات الجسم و الثانية نجاسة ذاتية قائمة بالنوع أعنى عنوان الخمر، لاتحاد وجودهما حينئذ، لتحقق الجنس في ضمن النوع و وحدة وجودهما خارجا، فلا يكون قابلا لعروض نجاستين تزول إحداهما بالانقلاب، و تبقى الأخرى- كما يزعم المصنف «قده»- بل لا يرى العرف في مثله إلا نجاسة واحدة و هي نجاسة الخمر و هي تزول بانقلابه خلّا.

هذا مضافا الى ما ذكرناه أيضا من شمول إطلاق روايات التخليل لما إذا تنجس العصير أو التمر أو العنب بنجاسة خارجيّة، و لو كانت غير الخمر، كيد الكافر و نحوه، مما لا يبالي الخمّارون بملاقاته للتمر و العنب و العصير.

هذا كله مبنى على ما ذكرناه من ان النجاسة الخمريّة تزيل أثر سائر النجاسات سواء أ كانت بالملاقاة أو الاستهلاك، فلو انقلب الخمر خلا يطهر مطلقا سواء تنجس عصيرة بالخمر أو بغيره من النجاسات.

و أما بناء على مسلك المصنف «قده» من عدم زوال أثر سائر النجاسات بالانقلاب- كما هو صريح عبارته في هذه المسألة و قبلها- فلا وجه للتفصيل بين تنجس العصير بالخمر أو غيره من النجاسات لوحدة ملاك المنع و هو إمكان فرض تعدد النجاسة في كلا الفرضين لقيام النجاسة العرضية بجسم الخمر، سواء أ كانت خمريّة أو غيرها، و قيام النجاسة الذاتيّة بعنوان الخمر، و حقيقته النوعيّة و الحاصل: أنه لو قلنا بتعدد موضوع النجاستين (العرضية و الذاتية) و عدم اندكاك إحداهما في الأخرى- كما هو مذهب‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 332‌

[ (مسألة 7) تفرّق الأجزاء بالاستهلاك غير الاستحالة]

(مسألة 7) تفرّق الأجزاء بالاستهلاك غير الاستحالة (1) و لذا لو وقع مقدار من الدّم في الكر و استهلك فيه يحكم بطهارته، لكن لو أخرج الدم من الماء بآلة من الآلات المعدّة لمثل ذلك عاد إلى النجاسة، بخلاف الاستحالة، فإنه إذا صار البول بخارا ثم ماء لا يحكم بنجاسته، لأنه صار حقيقة أخرى، نعم لو فرض صدق البول عليه يحكم بنجاسته بعد ما صار ماء [1].

______________________________
المصنف «قده»- فلا ينبغي أن يفرق بين تنجس العصير بالخمر أو غيره أيضا، فلا بد من الحكم بالطهارة فلا كلا الفرضين لإطلاق روايات الانقلاب كما عرفت [2].

الفرق بين الاستهلاك و الاستحالة

(1) أما الفرق الموضوعي بينهما فظاهر، لأن الاستهلاك عبارة عن تفرق أجزاء الشي‌ء في غيره على نحو انعدامه فيه- عرفا- و ان بقي على حقيقته واقعا، فإنه مأخوذ من الهلاك، و هو بمعنى زوال الشي‌ء و انعدامه. و هذا كقطرة دم وقعت في كرّ من الماء، فإنها تزول و ينعدم- عرفا- و بانعدامها يزول حكمها من باب السالبة بانتفاء الموضوع، و أما الاستحالة فهي عبارة عن تبدل الصورة النوعيّة و تحوّلها من صورة إلى أخرى، فتزول الأولى، و تحدث الثانية، و ان بقيت المادّة المشتركة بينهما، لاتحاد أصل الوجود في الصورتين، و إنما التبدّل في مراتبه- كما قرر في محله- فعند تبدّل الصورة النوعيّة- كتبدل الدم إلى النطفة، و منها إلى الإنسان- مثلا- بحيث يصح أن يقال إن الإنسان‌

______________________________
[1] لا ينبغي الحكم بنجاسته لاختصاص النجاسة ببول الحيوان، و أما البول المحال من البخار أو الماء فلا دليل على نجاسته فهو مغاير للبول المحال الى البخار، و يكون نظير الدّم المخلوق ساعة و الموجود تحت الأحجار حيث حكم بطهارته.

[2] و أشار «دام ظله» في التعليقة أيضا الى ذلك حيث علّق على قول المصنف «قده» «بخلاف ما إذا تنجس العصير بسائر النجاسات» (مر حكم ذلك آنفا) و يقصد بذلك ما ذكره دام ظله في التعاليق السابقة من عدم أثر للنجاسات الخارجيّة الملاقية للخمر، أو المستهلكة فيه.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 333‌

و من ذلك يظهر حال عرق بعض الأعيان النجسة أو المحرّمة، مثل عرق لحم الخنزير، أو عرق العذرة، أو نحوهما، فإنه إن صدق عليه الاسم السابق، و كان فيه آثار ذلك الشي‌ء و خواصه يحكم بنجاسته، أو حرمته، و إن لم يصدق عليه ذلك الاسم، بل عدّ حقيقة أخرى ذات أثر و خاصيّة أخرى، يكون طاهرا و حلالا، و أما نجاسة عرق الخمر فمن جهة أنه مسكر مائع، و كل مسكر نجس.

______________________________
كان ترابا ثم صار نطفة ثم صار إنسانا، كما أشير إليه في قوله تعالى
«أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنىٰ» «1».

و هذا هو الفرق بينهما موضوعا و أما الفرق الحكمي بينهما فهو ما أشار إليه في المتن من عود حكم النجاسة إذا عاد المستهلك، لإعادة الحكم بإعادة موضوعه، و عدم عوده لو عاد المستحال عنه، لأن الثانية غير الأولى.

فمن باب المثال: لو استهلكت قطرة الدم في الكر، ثم أخرجت عنه بآلة معدّة لذلك يحكم بنجاستها، لأنها نفس القطرة السابقة أخذت من ألما و بعودها يعود حكمها، و أما لو أحيلت الى الماء- مثلا- ثم انقلبت دما لم يحكم بنجاستها، لاختصاص النجاسة بدم الحيوان، و هذا الدم ليس بدم الحيوان، و إنما هو دم محال من الماء، و يكون كالدم المترشح من الأشجار أو الموجود تحت الأحجار فهو غير الدم الأول، فيحكم بطهارته، و ان كان الأول محكوما بالنجاسة لتغايرهما حقيقة.

و من هنا يظهر المناقشة في مثال ذكره المصنف «قده» من استحالة البول بخارا، ثم ماء فان هذا الماء و ان لم يحكم بنجاسته أيضا- كما أفاد- إلا أنه ليس بإعادة للبول السابق و لا يصدق عليه عنوان البول، كي يتوهم [1] عروض النجاسة عليه.

______________________________
[1] و إن أمكن دفعه بأنه لا يحكم بنجاسته أيضا، و ان صدق عليه عنوان البول، لأن النجس بول الحيوان دون أى بول و ان كان مصنوعا من الماء و نحوه، فيكون نظير الدّم المترشح من الأشجار أو الموجود تحت الأحجار، و نحو ذلك.

______________________________
(1) سورة 75 الآية: 35

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 334‌

[ (مسألة 8): إذا شك في الانقلاب بقي على النجاسة]

(مسألة 8): إذا شك في الانقلاب بقي على النجاسة (1).

______________________________
الشك في الانقلاب

(1) و الوجه ظاهر، لاستصحاب عدم الانقلاب، أو وجود العنوان السابق أو استصحاب النجاسة.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net