الجهة الخامسة : إذا ترك العمل رأساً للتقيّة فهل تجب الاعادة أو القضاء ؟ 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5678


    الجهة الخامسة : أن ما ذكرناه آنفاً من أن العمل المأتي به تقيّة محكوم بالصحة والإجزاء بمقتضى السيرة العملية أو الأدلة اللفظية المتقدمة ، إنما هو فيما إذا أتى المكلف بعمل في مقام الامتثال ولكنه كان ناقصاً لافتقاده جزءاً أو شرطاً أو لاشتماله على مانع تقيّة ، وحينئذ يأتي ما ذكرناه من أنه يجزئ عن العمل التام بمقتضى السيرة أو بحسب الأدلة اللفظية ، وأما إذا أدت التقيّة إلى ترك العمل برمته ، كما إذا ترك الصلاة مثلاً تقيّة فلا ينبغي الاشكال حينئذ في وجوب الاتيان بالمأمور  به الأوّلي بعد ذلك في الوقت إن كان باقياً وفي خارجه إذا كانت التقيّة مستوعبة للوقت ، فان ترك العمل لا يجزئ عن العمل ، وهذا بحسب الكبرى مما لا إشكال فيه عند الأعلام .

   وإنما وقع الكلام في بعض تطبيقاتها ومصاديقها ، كما إذا حكم الحاكم بثبوت الهلال فاضطر المكلف إلى أن يظهر موافقته لحكمه فأفطر في ذلك اليوم تقيّة ، فقد يقال وقتئذ إن ذلك من باب ترك العمل الواجب وهو الصوم من أجل التقيّة ، وقد قدمنا أن الإجزاء والصحّة إنما يأتيان فيما إذا أتى المكلف بعمل ناقص في مقام الامتثال ، فانه يجزئ عن المأمور  به التام بحسب الأدلّة التي قد عرفتها ، وأما ترك المأمور  به رأساً فهو لا يجزئ عن الواجب بوجه ، فيجب قضاء ذلك اليوم الذي ترك فيه الصيام تقيّة .

   ويستشهد على ذلك برواية داود بن الحصين عن رجل من أصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال وهو بالحيرة في زمان أبي العباس: «إني دخلت عليه وقد شكّ الناس في الصوم وهو والله من شهر رمضان فسلمت عليه ، فقال : يا أبا عبدالله صمت اليوم ؟ فقلت : لا ، والمائدة بين يديه قال : فادن فكل ، قال : فدنوت فأكلت ، قال : وقلت : الصوم معك والفطر معك ، فقال الرجل لأبي عبدالله (عليه السلام) تفطر يوماً


ــ[262]ــ

من شهر رمضان ؟ فقال : إي والله أفطر يوماً من شهر رمضان أحب إليَّ من أن يضرب عنقي» (1) فان هذه الرواية وإن لم تشتمل على قضاء ذلك اليوم الذي أفطر فيه تقيّة ، إلاّ أن كلمة «أفطر» التي صدرت منه (عليه السلام) ظاهرة في أن ما صنعه من أكل وشرب كان مفطراً لصومه ، وأنه قد بطل بارتكابه ، فلو كان الافطار تقيّة غير مبطل للصوم ولا موجب لارتفاعه لم يكن وجه لتوصيفه ذلك الفعل بالافطار ، فقد دلّتنا هذه الرواية على أن ترك الصيام تقيّة غير مقتض للإجزاء ، بل لا بدّ من قضائه لبطلانه بالافطار .

   وبرواية رفاعة عن رجل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال : يا أبا عبدالله ما تقول في الصيام اليوم ؟ فقال : ذاك إلى الامام إن صمت صمنا إن فطرت أفطرنا ، فقال : يا غلام عليَّ بالمائدة فأكلت معه وأنا أعلم والله أنه يوم من شهر رمضان ، فكان إفطاري يوماً وقضاؤه أيسر عليَّ من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله» (2) وهي صريحة الدلالة على عدم إجزاء ترك الصوم تقيّة ووجوب قضائه بعد ذلك .

   ولا يخفى أن كبرى عدم إجزاء ترك العمل رأساً عن الوظيفة المقررة وجوباً وإن كانت مسلمة كما عرفت ، إلاّ أن تطبيقها على الافطار تقيّة لحكم حاكمهم بثبوت الهلال مما لا وجه له ، والسر في ذلك : أن إلزام الامام (عليه السلام) أو غيره على إظهار الموافقة لحكم حاكمهم إنما يقتضي الافطار في قطعة خاصة من اليوم كساعة أو ساعتين ونحوهما أو طول المدّة التي كان (عليه السلام) عند الحاكم في تلك المدة مثلاً ولا يقتضي التقيّة أزيد من الافطار في ذلك الزمان كتمام النهار من أوله إلى آخـره وعليه فالمكلف العامل بالتقية حينئذ لا يترك صيامه الواجب في مجموع النهار ، وإنما تركه تقيّة في جزء خاص منه مع تمكنه من الصيام في المدة الباقية من النهار ، ومعه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 10 : 131 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 4 .

(2) الوسائل 10 : 132 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 5 .

ــ[263]ــ

لا  يسقط عنه الأمر بالصوم بذلك ، ومن هنا لا يجوز له أن يتناول شيئاً من المفطرات في غير ساعة التقيّة ، فلا مرخّص له أن يتغدّى في منزله ، وليس هذا إلاّ من جهة أمره بالصيام وعدم اضطراره إلى ترك الصوم في تمام النهار ، ومع ذلك كيف تنطبق كبرى ترك العمل رأساً على ترك الصيام في جزء من النهار ، بل هو من إتيان العمل الناقص ـ  تقيّة  ـ في مرحلة الامتثال ، وقد مرّ أن ذلك يجزئ عن العمل التام المأمور  به .

   وهذا نظير ما إذا أفطر بما لا يراه العامة مفطراً ـ تقيّة ـ فكما أنه محكوم بالصحة والإجزاء ولا يجب معه القضاء كما مر ، لأنه ليس من ترك العمل المأمور  به برمته ، بل من قبيل الاتيان بالعمل الناقص وهو مجزئ عن التام ، فكذلك الحال في المقام .

   نعم ، لو اضطر في مورد إلى ترك الصيام المستمر من أول النهار إلى آخره ، انطبق عليه الكبرى المتقدمة أعني ترك العمل رأساً تقيّة ، وهو غير مجزئ عن الواجب كما عرفت .

   وأما الروايتان المستشهد بهما على وجوب القضاء في محل الكلام ، فيدفعه : أنهما ضعيفتا السند لارسالهما ، فان كُلاً من رفاعة وداود بن الحصين يروي عن رجل وهو مجهول . على أن في سند إحداهما سهل بن زياد وهو ضعيف فلا يصح الاعتماد على شيء منهما للاستدلال . فالصحيح عدم وجوب القضاء فيما إذا أفطر في نهار شهر رمضان تقيّة لثبوت الهلال عندهم .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net