الجهة التاسعة : هل التقيّة بالمعنى الأخير تختص بزمان شوكة العامّة واقتدارهم وعظمتهم كما في أعصار الأئمة (عليهم السلام) أو أنها تعم عصرنا هذا وقد ذهب فيه اقتدارهم ولم تبق لهم تلك العظمة على نحو لا يخاف من ضررهم ، فلو تشرف أحدنا سامراء مثلاً استحب له حضور مساجدهم والصلاة معهم ، إلى غير ذلك من الاُمور الواردة في الروايات المتقدمة ؟ لم نعثر على من تعرّض لهذه المسألة إلاّ المحقق الهمداني (قدس سره) حيث تعرّض لها واختار اختصاصها بزمان اقتدارهم وأيام عظمتهم(2) .
والصحيح عدم اختصاص التقيّة بوقت دون وقت ، لأن اختصاصها بعصر شوكتهم إنما يتم فيما إذا اُريد من التقيّة معناها المتقدم المتقوم بخوف الضرر ، حيث
ـــــــــــــ
(2) مصباح الفقيه (الطهارة) : 166 السطر 14 .
ــ[277]ــ
لا يحتمل ضرر في ترك التقيّة في أمثال زماننا ، إلاّ أنك قد عرفت أنها بهذا المعنى غير مرادة في مثل الصلاة ، وإنما الحكمة في تشريعها هي المداراة وتوحيد الكلمة وإبراز الميزة بينهم وبين العامة ، وعليه فهي تأتي في امثال زماننا أيضاً فيستحب حضور مساجدهم والصلاة معهم ليمتاز الشيعة بذلك عن غيرهم ويتبيّن عدم تعصبهم حتى تتحد كلمة المسلمين .
والخطاب في بعض الأخبار المتقدمة وإن كان لا يشملنا ، لاختصاصه بذلك الزمان كما اشتمل على الأمر بالصلاة في عشائركم وقوله (عليه السلام) «عودوا مرضاهم» حيث لا عشيرة لنا من المخالفين ليستحب الصلاة معهم ، إلاّ أن في إطلاق بعضها الآخر مما اشتمل على بيان حكمة تشريع تلك التقيّة أو غيره من المطلقات المتقـدمة كما دلّ على أن الصلاة في الصف الأول معهم كالصلاة خلف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) غنى وكفاية ، لتحقق الحكمة في أعصارنا وعدم تقيد استحباب الصلاة في الصف الأول معهم بزمان دون زمان ولا باحتمال ترتب الضرر على تركها ، وعلى هذا يمكن أن يمثل للتقية المستحبة بهذه التقيّة ، أعني حضور مساجدهم والصلاة معهم من دون احتمال الضرر على تقدير تركها .
|