ــ[292]ــ
ذلك لتمام ما يصرف فيه من أفعاله ومقدّماته من المضمضة والاستنشاق وغسل اليدين (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحديد ماء الوضوء بالمدّ :
(1) كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يتوضأ بمد ويغتسل بصاع ، والمد رطل ونصف والصاع ستة أرطال» (1) وصحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أنهما سمعاه يقول : «كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يغتسل بصاع من ماء ويتوضأ بمد من ماء» (2) .
ومفهوم المد وإن لم يمكن تحقيقه على وجه دقيق ، إلاّ أن شيخنا البهائي (قدس سره) على ما يحكى عنه في حبل المتين ذكر أن المد ربع المن التبريزي الصغير ـ على وجه التقريب ـ وهو ستمائة وأربعون مثقالاً ، وعليه يكون المد مائة وخمسون مثقالاً تقريباً (3) .
والوجه في كون ذلك على وجه التقريب ، أن المد ربع الصاع والصاع ستة أرطال بالرطل المدني وتسعة بالعراقي ، فالمد رطل ونصف وكل رطل مائة مثقال مع شيء زائد ، إذ الصاع ـ الذي هو ستة أرطال ـ ستمائة وأربعة عشر مثقالاً وربع مثقال فيكون الرطل والنصف ـ الذي هو المد ـ عبارة عن مائة وخمسين مثقالاً وثلاثة مثاقيل ونصف مثقال وحمصة ونصف ، وهو قريب من ربع المن التبريزي أعني مائة وخمسين مثقالاً كما ذكره شيخنا البهائي (قدس سره) .
إلاّ أن استحباب كون الوضوء بهذا المقدار من الماء لا توافقه الروايات الواردة في الوضوءات البيانية ، لمكان اشتمالها على أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخذ كفاً من الماء وأسدله على وجهه ، وأخذ كفاً ثانياً فغسل به يده اليمنى ، ثم غرف غرفة ثالثة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) الوسائل 1 : 481 / أبواب الوضوء ب 50 ح 1 ، 2 .
(3) حبل المتين : 27 .
ــ[293]ــ
فغسل بها يده اليسرى ، ومن الظاهر أن ثلاث غرف لا يبلغ ربع المن التبريزي الذي هو المد ، وعليه لا بدّ من الجمع بين الأخبار الواردة في استحباب كون الوضوء بمد من الماء ، والأخبار الواردة في الوضوءات البيانية ، بحمل الثانية على ورودها لبيان الاُمور المعتبرة في الوضوء على وجه الوجوب ولم تشتمل من المستحبات إلاّ على شيء قليل ، إذ الغرض منها تعريضهم (عليهم السلام) للمخالفين ، حيث نسبوا إليه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه غسل منكوساً وغسل الرجلين عوضاً عن مسحهما ، فثلاث غرفات من جهة ما يحصل به المقدار الواجب من الغسل في الوضوء .
وتحمل الاُولى على بيان المقدار المستحب في الوضوء مشتملاً على جميع مستحباته ، لأن الماء المصروف في الوضوء المراعى فيه تمام المستحبات لا يقل عن ربع المن التبريزي بكثير ، لأنه يستحب فيه غسل اليدين مرة من حدث البول ومرتين من حدث الغائط ، فهذا كف أو كفان ، ويستحب غسل الوجه مرتين وهما كفان ، فهذه ثلاثة أكف أو أربعة . ويستحب الغسل في كل من اليدين مرتين وهو يستلزم الماء كفين ، لعدم كون اليد مسطحة كالوجه حتى يكتفي فيها بكفة واحدة في غسلها على وجه الاسباع ، اللّهمّ إلاّ أن يواصل الماء إلى تمام أجزاء يده بامرار اليد وهو ينافي الاسباغ المستحب ، وعليه لا بدّ من صب كف من الماء على ظاهرها وصب كف اُخرى على باطنها ليتحقق بذلك الاسباغ ، وهذه أربعة أكف ومع ضم الثلاثة المتقدمة إليها يبلغ سبعة .
ويستحب المضمضة والاستنشاق ثلاث مرات وهي ستة ، والمجموع تبلغ ثلاثة عشرة أو أربعة عشرة كفاً ، وهو قريب من المد وربع المن التبريزي ، ومعه لا حاجة إلى إدخال الاستنجاء أيضاً في الوضوء كما عن بعضهم ، وحمل أخبار المد على الوضوء مع الاستنجاء ، لوضوح أنه أمر آخر لا موجب لادراجه في الوضوء بعد كون الماء المصروف فيه بجميع مستحبّاته بالغاً حد المد كما عرفت .
وقد ورد في الفقيه أنه قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «الوضوء مد والغسل صاع ; وسيأتي أقوام بعدي يستقلون ذلك فاُولئك على خلاف سنّتي ، والثابت
ــ[294]ــ
[ 536 ] مسألة 46 : يجوز الوضوء برمس الأعضاء كما مرّ ، ويجوز برمس أحدها وإتيان البقيّة على المتعارف بل يجوز التبعيض في غسل عضو واحد مع مراعاة الشروط المتقدِّمة من البدأة بالأعلى وعدم كون المسح بماء جديد وغيرهما (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على سنّتي معي في حظيرة القدس» (1) .
ويمكن الاستدلال بها على كراهة السرف في الوضوء وأنه بأكثر من مد ـ لاستقلال المد وعدم اعتقاده بكفايته للوسواس ـ خلاف سنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غير أن الرواية مرسلة ، فيبتني الاستدلال بها أيضاً على التسامح في أدلة السنن وإلحاق المكروهات بالمستحبات .
جواز التوضّؤ برمس بعض الأعضاء :
(1) تقدّمت (2) مسألة الغسل الارتماسي في الوضوء برمس أعضـائه في الماء وحكم الماتن (قدس سره) بأنه لا بدّ من نيّة الغسل حال إخراج العضو من الماء ، وتقدّم منّا الاستشكال فيما أفاده سابقاً . وتعرض في هذه المسألة لما إذا غسل بعض أعضائه بالارتماس وغسل بعضها الآخر بالترتيب وصبّ الماء عليه وحكم بصحته ، وما أفاده (قدس سره) هو الصحيح ، والوجـه فيه أن الآية المباركة (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم )(3) مطلقة ولم يرد عليها أي مقيد ، وإطلاقها يقتضي جواز الاكتفاء في الغسل بالتبعيض كما ذكره في المتن .
وأمّا ما ورد في بعض الروايات البيانية من أنه (عليه السلام) صبّ الماء على وجهه ويديه(4) فانما هو من جهة الغلبة إذ الغالب في الوضوء أن يكون بالصب والماء القليل .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1 : 483 / أبواب الوضوء ب 50 ح 6 ، الفقيه 1 : 23 / 2 .
(2) في ص 102 .
(3) المائدة 5 : 6 .
(4) هذا مضمون عدة روايات مشتملة على لفظة الصبّ أو ما هو بمعناه كاسدال الماء على الوجه أو اليد أو الذراع أو غيرهما المرويّة في الوسائل 1 : 387 / أبواب الوضوء ب 15 .
|