الالتفات إلى الغصبية أثناء الوضوء - الالتفات إلى الغصبية بعد الغسلات 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5979


ــ[322]ــ

   [ 544 ] مسألة 5 : إذا التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء صح ما مضى من أجزائه ويجب تحصيل المباح للباقي (1) . وإذا التفت بعد الغسلات قبل المسح هل يجوز المسح بما بقي من الرطوبة في يده ويصح الوضوء أو لا ، قولان (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   هذا كله فيما إذا كان النسيان عذراً ، وأما النسيان غير المعذّر الذي هو من قبيل الممتنع بالاختيار المستند إلى اختياره وترك تحفّظه كما في نسيان الغاصب ، فان الغالب فيه هو النسيان ، حيث إنه بعدما غصب شيئاً ولم يردّه إلى مالكه ينسى كونه مغصوباً غالباً ، إلاّ أن نسيانه ناش عن سوء الاختيار أعني غصبه لمال الغير وعدم ردّه إلى مالكه في أوّل الأمر .

   إذن فهو من قبيل أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، فهو عمل يعاقب عليه الغاصب ويصدر عنه مبغوضاً ، ومع المبغوضية الواقعية وكونه موجباً للعقاب لا يمكن التقرّب به بوجه ، لأن المبعّـد يسـتحيل أن يكون مقرّباً ، والمبغوض لا يقع مصـداقاً للواجب والمحبوب كما مرّ في الجاهل المقصر .

    الالتفات إلى الغصبية في أثناء الوضوء :

   (1) هذا على مسلكه (قدس سره) من عدم بطلان وضوء الجاهل بغصبية الماء وأما بناء على ما قدمناه فلا بدّ من الحكم ببطلان ما مضى من الأجزاء المتقدمة ووجوب استئنافها بالماء المباح ، اللّهمّ إلاّ أن يكون ناسياً بنسيان عذري ، لما تقدم وعرفت من أن مصداق المأمور  به إذا كان متحداً مع المنهى عنه فلا محالة يخصّص إطلاق دليل الواجب بالحرام تخصيصاً واقعياً ، ومن المعلوم أن الجهل بالحرام لا يجعل ما ليس بمأمور  به مأموراً به كما تقدّم تفصيله .

    الالتفات إلى الغصبية بعد الغسلات :

   (2) قد استدلّ عليه بما أشار إليه في المتن من أن النداوة الباقية من الغسل بالماء

ــ[323]ــ

المغصوب لا تعدّ مالاً ولا يمكن ردها إلى مالكها . والظاهر أنه لم يرد بذلك أن الرطوبة لا تعدّ مالاً ، لعدم امكان الانتفاع بها مع بقائها على ملك مالكها ، وإلاّ لم يصح حكمه بجواز التصرّف في النداوة المذكورة بالمسح بها ، لأن المال والملك يشتركان في حرمة التصرّف فيهما من دون إذن مالكيهما . وإنما الفرق بينهما في أن الملك لا ضمان فيه كما في حبة من الحنطة والثاني فيه الضمان لمكان المالية له ، ولكن الحكم بوجوب الرد إلى المالك وحرمة التصرف وغيرهما أمر يشترك فيه كل من المال والملك ، وإن كانت الأدلة اللفظية الواردة في حرمة التصرف من دون إذن المالك واردة في خصوص المال كقـوله (عليه السلام) «لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفس منه» (1) إلاّ أن من الظاهر أن التصرف في ملك الغير أيضاً ظلم ومن أظهر موارد التعدي والعدوان ، فهو أيضاً محرّم ولا بدّ من ردّه إلى مالكه .

   فكأنه (قدس سره) أراد بذلك بيان أن الماء بعدما صرف في الغسل يعد تالفاً وينتقل الأمر فيه إلى بدله من القيمة أو المثل ، فالرطوبة في الأعضاء لا تعتبر مالاً حيث لا ينتقع به في شيء بحسب الغالب ، فالرطوبة المتحققة في التراب عند إراقة ماء الغير على الأرض لا تعتبر مالاً لمالكها كما لا تعتبر ملكاً له ، للغوية اعتبار الملك فيما لا يمكن إرجاعه إلى مالكه كما في النداوة . فاذا لم تكن الرطوبة مالاً ولا ملكاً لأحد جاز للمتوضئ أن يتصرف فيها بالمسح أو بالصلاة في الثوب المرطوب الذي قد غسل بالماء المغصوب مع بقاء الرطوبة فيه ، أو بالصلاة مع رطوبة بدن المصلي فيما إذا اغتسل بماء الغير ثم التفت إلى غصبيته قبل جفاف البدن .

   وما أفاده في المقام وفيما رتبه على ذلك بقوله : إذا توضأ بالماء المغصوب عمداً ثم أراد الاعادة هو الصحيح، فإذا توضأ أو اغتسل بماء الغير نسياناً عذرياً على ما سلكناه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في موثقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : «من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفس منه» المروية في الوسائل 5 : 120 / أبواب مكان المصلي ب 3 ح 1 .

ــ[324]ــ

أقواهما الأول ، لأن هذه النداوة لا تعد مالاً وليس مما يمكن رده إلى مالكه ، ولكن الأحوط الثاني . وكذا إذا توضأ بالماء المغصوب عمداً ثم أراد الاعادة هل يجب (1) عليه تجفيف ما على محالّ الوضوء من رطوبة الماء المغصوب أو الصبر حتى تجف أو  لا ؟ قولان أقواهما الثاني وأحوطهما الأول . وإذا قال المالك أنا لا أرضى أن تمسح بهذه الرطوبة أو تتصرف فيها لا يسمع منه بناء على ما ذكرنا . نعم لو فرض إمكان انتفاعه ((1)) بها فله ذلك ولا يجوز المسح بها حينئذ (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أو جهلاً ونسياناً ولو غير عذري على مسلكه ثم التفت إلى غصبية الماء قبل المسح جاز له أن يمسح بالرطوبة الباقية على يديه ، وبذلك يصح غسله أو وضوءه .

   (1) الوجوب المذكور في كلامه شرطي لا محالة وليس وجوباً تكليفياً وإلاّ لم يفترق الحال في حرمة التصرف في مال الغير أو في ملكه ـ على تقدير أن تكون الرطوبة باقية على ماليتها وملكيتها ـ بين تجفيفها أو صبّ الماء عليها للتوضؤ أو الاغتسال ، فالوجوب المذكور شرطي أي هل يشترط في صحة الوضوء أحد الأمرين أم لا ؟

   وقد ظهر مما سردناه عدم اشتراط شيء من الأمرين في صحة الوضوء ، لعدم بقاء الرطوبة على ماليتها وملكيتها كما لا يخفى .

    ابتناء المسألة على ثبوت حق الاختصاص :

   (2) تبتني هذه المسألة على ما تعرضنا له في بحث المكاسب (2) تبعاً لشيخنا الأنصاري (قدس سره) من أن المال إذا حكم عليه بالتلف وانتقل الأمر إلى بدله من القيمة أو المثل ، فهل يبقى للمالك حق الاختصاص فيما بقي من آثار ذلك المال مما لا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إذا كان الماء الذي توضّأ به يعدّ من التالف فلا فرق في جواز المسح بما بقي منه من الرطوبة بين إمكان انتفاع المالك به وعدمه .

(2) في مصباح الفقاهة  3 : 373 .

ــ[325]ــ

مالية له ، أو لا يثبت حق اختصاص للمالك فيه ، وذلك كما إذا كسر جرّة غيره وحكم عليه بضمان قيمتها ، فهل المواد الخزفية الباقية بعد الكسر التي لا مالية لها بوجه ترجع إلى مالك الجرة لحق الاختصاص أو لا ترجع إليه ؟ أو إذا أتلف خلاًّ لغيره كما إذا جعله خمراً مثلاً ، فهل لمالك الخل حق الاختصاص بها ، فيصح له منع الغير عن الانتفاع بها في مثل التداوي ونحوه من الانتفاعات المحللة ، فيجوز له خاصّة أن ينتفع منها بتلك الانتفاعات المحلّلة دون غيره إلاّ برضاه أو لا يثبت له حق الاختصاص بها  ؟

   حكم شيخنا الأنصاري (قدس سره) أن الحكم بوجوب ردّ العوض من المثل أو القيمة في تلك الموارد إنما هو غرامة وليس من باب المعاوضة في شيء ، وعلى ذلك ترجع المواد والأجزاء الباقية من المال التالف إلى مالك المال وإن لم يكن لها أية مالية وقيمة عند العقلاء ، وذلك لحق الاختصاص .

   وقد ذكرنا نحن في محلِّه أن مقتضى السيرة وبناء العقلاء عدم ثبوت حق الاختصاص للمالك في تلك الموارد ، لأن رد البدل عندهم معاوضة قهرية حينئذ وبتلك المعاوضة تنتقل الأجزاء الباقية والمواد إلى الضامن دون المالك ، وليس في ذلك حق الاختصاص بها ، وعليه فلو طالب مالك الماء المتوضئ بالرطوبة الباقية على يديه لالصاق ورقة باُخرى بتلك الرطوبة مثلاً ، لم يجب سماعه ، بل للمتوضئ أن يمسح بها لانتقالها إليه بالمعاوضة القهرية ورد البدل ، ومعه لا وجه للاستشكال في جواز المسح بالرطوبة المذكورة عند مطالبة المالك بها لغاية الانتفاع منها على الوجه الحلال . وعلى الجملة لا بدّ أن يكون الماء مباحاً في الوضوء .

   ثمّ إنّ الاباحة قد تستند إلى كون الماء من المباحات الأصلية التي لا مالك لها شرعاً ، وقد تستند إلى كونه ملكاً للمتوضئ بعنوانه وتشخصه ، وثالثة تستند إلى كونه ملكاً لجهة عامة أو خاصة تشمل المتوضئ كما في الأوقاف العامة أو الخاصة فيما إذا كان المتوضئ من الموقوف عليهم ، ورابعة تستند إلى كون منفعة الماء مملوكة للمتوضئ كما في موارد الاجارة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net