التاسع : المباشرة في أفعال الوضوء في حال الاختيار (2) ،
ــــــــــــــــــــــــ اعتبار المباشرة في افعال الوضوء :
(2) ويدل على ذلك مضافاً إلى الأخبار الواردة في الوضوءات البيانية حيث دلت بأجمعها على أنه (عليه السلام) قد أسدل الماء من أعلى وجهه أو من مرفقه وأمرّ يده إلى الذقن أو الأصابع ، نفس الخطابات المتكفلة لوجوب الغسل والمسح كما في الآية المباركة والروايات ، فان مقتضى إطلاق الأمر بالغسل أن المكلف يجب أن يغسل
ــ[365]ــ
فلو باشرها الغير أو أعانه في الغسل أو المسح بطل ، وأمّا المقدّمات للأفعال فهي أقسام : أحدها : المقدّمات البعيدة كاتيان الماء أو تسخينه أو نحو ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجهه ويديه بنفسه وكذلك يجب أن يمسح رأسه أو رجليه بنفسه ، فلو غسلهما أو مسحهما الغير لم يسقط بذلك التكليف عنه ، لأن إيجابهما مطلق ويدل على وجوب الاتيان بهما بالمباشرة سواء أتى بهما غيره أم لم يأت بهما .
وكذلك الحال في جميع التكاليف والواجبات تعبدية كانت أم توصلية ، فان المناط المتقدم أعني ظهور نفس الخطاب وتوجهه في وجوب المباشرة وعدم سقوط الواجب بفعل الغير متحقق في الجميع على حد سواء . اللّهمّ إلاّ أن يقوم دليل خارجي على أن الغرض يحصل في الخارج من مجرد تحقق المأمور به ووجوده ، سواء استند ذلك إلى المباشرة أم التسبيب وفعل الغير ، فلو أمر بغسل ثوبه فمقتضى ظهور هذا الخطاب وإطلاقه عدم كفاية غسل الغير في حصول الامتثال ، إلاّ أن القرينة الخارجية دلتنا على أن الغرض من الأمر بغسله إنما هو مجرّد إزالة النجاسة عنه ، حصل ذلك بفعل نفس المأمور ومباشرته أو بفعل شخص آخر ، بل وسواء حصل من عاقل بالاختيار أم من غير العاقل أو من دون الاختيار ، كما إذا أطارته الريح وألقته في كر من الماء وزالت عنه النجاسة بذلك أو وقع عليه المطر فطهّره .
وأما إذا لم تقم قرينة خارجية على ذلك ، فمقتضى الظهور والاطلاق إنما هو اشتراط المباشرة كما عرفت ، وقد خرجنا عن ذلك في باب العقود والايقاعات ، لأنه لو أمر بالبيع أو النكاح أو الطلاق أو الصلح فكما يحصل امتثال الأمر بذلك بايقاع المعاملة بنفسه والمباشرة كذلك يحصل بأمره الغير بايقاعها ، والسرّ في ذلك ما أشرنا إليه في بحث المكاسب من أن الأفعال التكوينية ليست كالأفعال الاعتبارية من جهة أن إسناد الأفعال التكوينية على وجه الحقيقة لا يصحّ إلاّ إلى فاعلها ومصدرها أو صانعها فلا يصح أن يقال شرب فلان الماء إلاّ إذا شربه بالمباشرة ، فلو أمره غيره بشربه فشربه ذلك الغير لم يصح أن يقال شرب فلان الماء حقيقة .
ــ[366]ــ
وهذا بخلاف الأفعال الاعتبارية ، لأنها كما يصح إسنادها إلى فاعلها بالمباشرة كذلك يصح إسنادها حقيقة إلى فاعلها بالتسبيب ، كما إذا أوجدها من أمره بايجادها وذلك لأن قوام الاُمور الاعتبارية بالاعتبار ، فيصح إسنادها إلى من اعتبرها حقيقـة كما إذا اعتبر ملكية ماله للمشتري وأمر غيره بأن يبيع ماله منه أي من ذلك المشتري فكما يصح أن يقال حقيقة إن الوكيل أو المأمور قد باع ذلك المال كذلك يصح أن يقال حقيقة إن المالك والآمر قد باع ذلك المال لقيام الاعتبار به ، وكذا فيما لو باعه الفضولي فأجازه مالك المال ، لأنه بالاجازة يصح أن يسند البيع إلى المالك بإمضائه وإجازته ويصحّ أن يقال فلان باع داره حقيقة ، لأنه الذي اعتبر ملكيتها للمشتري وأبرزه بإجازته وإمضائه .
وأظهر من ذلك ما إذا كان المأمور وكيلاً في مجرد إيقاع الصيغة وإنشائها من دون علمه بالعوضين ولا عرفانه بشيء من شروطهما ، فان البيع حينئذ يسند إلى الموكل المالك إسناداً حقيقياً ، بل في صحة إسناده إلى الوكيل المذكور إشكال ، ومن هنا تأمل الشيخ (قدس سره) في ثبوت خيار المجلس لمثل هذا الوكيل نظراً إلى أن «البيّع» لا يصدق على مثله حقيقة (1) .
وكيف كان ، فالخطابات بأنفسها وإطلاقها ظاهرة في اشتراط المباشرة في الأفعال التكوينية ، اللّهمّ إلاّ أن يقوم دليل على صحة النيابة كما في الجهاد ، وعليه يكون العمل الصادر من الغير مسقطاً للواجب عن ذمة المنوب عنه لا أنه يقع مصداقاً للمأمور به لوضوح عدم معقولية تكليف أحد بالعمل الصادر من الغير ، وهذا ظاهر .
وأما في الأفعال الاعتبارية فظهور الخطابات وإطلاقها لا يقتضي اعتبار المباشرة كما عرفت ، وحيث إن الغسل والمسح من الأفعال التكوينية ولم يقم دليل على صحة النيابة فيهما فمقتضى ظهور الآية والأخبار وإطلاقاتها هو اعتبار المباشرة في الوضوء وعدم سقوطه بالفعل الصادر من الغير .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المكاسب : 216 السطر 30 .
|