وظيفة العاجز عن المباشرة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6087


ــ[376]ــ

   [ 562 ] مسألة 23 : إذا لم يتمكّن من المباشرة جاز (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سواء قصد الصاب بصبِّه هذا أن يتوضأ به غيره أم لم يقصده . ففرق ظاهر بين أن تكون يده في موضع فصبّ عليها الماء غيره ، وأن يصبّ الماء غيره وهو وضع يده تحته للوضوء ، لأن الوضوء حينئذ يستند إلى فاعله حقيقة . نعم لو أمر المتوضئ غيره بأن يصبّ الماء على يده دخل ذلك في الاستعانة بالغير في المقدمات وقد أسلفنا حكمها .

    وظيفة العاجز عن المباشرة :

   (1) المسألة متسالم عليها عندهم ولم يعرف فيها الخلاف ، وإنما الكلام في مدركها وأن المكلف بعدما وجبت عليه المباشرة في العمل وإصدار المكلّف به بنفسه من جهة اقتضاء ظواهر الخطابات ذلك ، إذا عجز عن التصدي له بالمباشرة لماذا يجب عليه الاستنابة والاستعانة بغيره ، مع أن مقتضى القاعدة أن تتبدّل وظيفته إلى التيممّ ، لعدم تمكّنه من الوضوء المأمور  به أعني الوضوء الصادر منه بالمباشرة ؟

   وقد قيل في وجه ذلك اُمور :

   الأوّل : قاعدة الميسور ، وأن الوضوء المباشري إذا تعذّر على المكلّف وجب عليه أن يأتي بميسوره وهو أصل طبيعي الوضوء بالغاء قيد المباشرة .

   وفيه : مضافاً إلى ما مرّ منّا غير مرّة من المناقشة في كبرى تلك القاعدة ، أن الصغرى قابلة للمنع في المقام ، وذلك لأن طبيعي العمل المأمور  به وإن كان بالنظر العقلي ميسوراً للطبيعي المقيد بالمباشرة إلاّ أنهما بالنظر العرفي متباينان ولا يعد العمل الصادر من الغير بالتسبيب ميسوراً للعمل الصادر منه بالمباشرة فانهما أمران متباينان عندهم . وعلى الجملة إن التمسّك في المقام بقاعدة الميسور مما لا وجه له ، والعمدة فيه هي المناقشة الكبروية .

   الثاني : الاجماع القطعي في المسألة ، ويمكن المناقشة فيه أيضاً بأن المستند في

ــ[377]ــ

حكمهم في المسألة إن كان منحصراً بالاجماع فهو وإن أمكن الاستدلال به نظراً إلى أنه اجماع تعبدي كاشف عن رضى المعصوم (عليه السلام) إلاّ أن الوجه متعدد في المقام ولا ينحصر المستند بذلك ، ومعه يحتمل أن يكون المستند لهم في ذلك قاعدة الميسور أو غيرها من الوجوه المستدل بها في المقام ، ومع هذا الاحتمال لا يكون الاجماع تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) بوجه .

   الثالث : ما رواه الشيخ (قدس سره) بطرق متعددة عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث أنه كان وجعاً شديد الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان بارد قال : فدعوت الغلمة فقلت لهم ، احملوني فاغسلوني فحملوني ووضعوني على خشبات ، ثم صبوا عليَّ الماء فغسلوني(1) حيث دلّ على أن من عجز عن الغسل بالمباشرة ينتقل فرضه إلى الغسل بالتسبيب أي بالاستعانة بغيره حتى يغسله .

   وما رواه الكليني باسناده عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قيل له : إن فلاناً أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات ، فقال : قتلوه ألا سألوا ؟ ألا يمموه ؟ إن شفاء العي السؤال» (2) وغيرها من الأخبار الواردة بهذا المضمون ، لدلالتها على أن من عجز عن المباشرة بالتيمّم يجب أن يستعين بفعل الغير حتى ييمِّمه .

   والاستدلال بهذه الأخبار إنما يفيد فيما إذا انضم إليه القطع بعدم الفرق في ذلك بين الغسل والتيمّم وبين الوضوء ، وأن فرض من عجز عن المباشرة لغسله وتيمّمه إذا كان هو الاستعانة والاستنابة لتغسيله وتيمّمه فلا بدّ أن يكون الأمر كذلك في الوضوء أيضاً ، حيث إنه لولا دعوى القطع بعدم الفرق يمكن أن يقال إن الحكم بما أنه على خلاف القاعدة لأنها تقتضي انتقال الأمر إلى التيمم ، فلا يمكن أن نتعدى عن مورد النص إلى سواه .

   الرابع : أن دليل اعتبار المباشرة وشرطيتها في الواجبات ليس دليلاً لفظياً حتى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 478 / أبواب الوضوء ب 48 ح 1 ، التهذيب 1 : 198 / 575 ، الاستبصار 1 : 162 / 563 .

(2) الوسائل 3 : 346 / أبواب التيمم ب 5 ح 1 ، الكافي 3 : 68 / 5 .

ــ[378]ــ

يمكن التمسّك بإطلاقه في كلتي حالتي التمكن منها وعدمه ، وذلك لأن دليل الشرطية إذا كان لفظياً لم يكن أي مانع من الحكم بشرطية المباشرة في كل من المتمكن والعاجز عنها .

   ولا يصغى إلى ما ذكره المحقق القمي (قدس سره) في بعض كلماته ، وكذا صاحب الجواهر(1) (قدس سره) من أن دليل الشرطية والاعتبار إذا كان هو الأمر والايجاب اختص ذلك بحالة القدرة والتمكن ولا يعم حالة العجز ، والوجه في عدم الاصغاء إليه أن القدرة إنما تعتبر في متعلق الأوامر المولوية ، وأما الأوامر الارشادية فلا وجه لاشتراط القدرة فيها بوجه ، لعدم لزوم أيّ محذور في كون الشرطية مطلقة وثابتة في كل من حالتي التمكن وعدمه ، وغاية الأمر أن العاجز عن الشرط بما أنه غير متمكن من الاتيان بالمأمور  به واجداً لشرطه فيسقط عن ذمته وينتقل الأمر إلى بدله من الوضوء أو غيره .

   وكيف كان، إذا كان الدليل على اعتبار المباشرة لفظياً لالتزمنا بشرطيتها مطلقاً، إلاّ أن دليل شرطية المباشرة ليس كذلك في المقام ، لأ نّا إنما استفدنا اعتبارها وشرطيتها من حال الخطابات وظواهرها في نفسها ، لأنها تقتضي اعتبار استناد العمل وصدوره إلى نفس المكلف الفاعل له ، فلا بدّ في الحكم بسقوط الواجبات من أن يصح إسنادها إلى فاعلها ، وهذا يختلف باختلاف الفاعلين ، لأن الفاعل إذا كان قادراً متمكناً من الاتيان بالعمل الواجب بالمباشرة فلا يصح إسناده إليه إلاّ إذا أتى به بنفسه بحيث لو أتى به شخص آخر ولو بتسبيبه لم يصح إسناده إليه على وجه الحقيقة .

   وأمّا إذا كان عاجزاً عن إصدار العمل والاتيان به بنفسه وبالمباشرة فأتى به بالتسبب ، فلا مانع من صحة إسناد ذلك العمل إليه على وجه الحقيقة ، وهذا لا من جهة أن المراد من اللفظ هو إيجاد غير العاجز عن المباشرة بالمباشرة وإيجاد العاجز عن المباشرة بالتسبب ليكون لفظ واحد مستعملاً في معنيين ، بل من جهة أن المتبادر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 2 : 313 .

ــ[379]ــ

من الأوامر الواردة في الآية المباركة والروايات بغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين ليس إلاّ وجوب إصدار مطلق الطبيعة على كل مكلف من المكلفين على وجه يصح إسناده إليه لدى العرف ، وهذا أمر يختلف باختلاف المكلفين والأشخاص من جهة قدرتهم وعجزهم ، فانه كالاختلاف في التعظيم والتجليل حسب اختلاف الأشخاص من حيث القدرة وعدمها ، فنرى أن من عجز عن القيام للتعظيم إذا حرّك جانبه أو قام لا على وجه التمام تعظيماً للوارد عليه أو أقامه غيره ، صحّ أن يسند إليه التعظيم على وجه الحقيقة ، بخلاف من تمكّن من القيام ، لأنه إذا لم يقم على وجه التمام بل حرّك جانبه أو قام لا على وجه التمام ، أو أقامه غيره وهو متمكِّن من القيام لم يصحّ إسناد التعظيم إليه حقيقة .

   وكذلك البناء المتمكِّن من البناية ، لأنه لا تستند إليه البناية إلاّ فيما إذا باشرها بنفسه ، كما إذا بنى داراً أو حانوتاً مثلاً فيصح حينئذ أن يقول قد بنيت الدار ويسند البناية إلى نفسه على وجه الحقيقة ، وأمّا إذا بناهما غيره ولو بتسبيبه فانّه لا يصحّ أن يسند إليه بنايتهما حقيقة ، وهذا بخلاف مالك الدار العاجز عن البناية لصحّة أن يقول إني بنيت داري أو حانوتي أو عمّرتهما ، ويصح أن يسند بنايتهما إلى نفسه حقيقة مع أنه إنما أوجد البناية بالتسبيب من دون أن يصدر عنه بالمباشرة .

   وعليه فاذا عجز المكلف من التوضؤ بنفسه وبالمباشرة واستعان فيه بالغير بأن أوجده بالتسبيب صح أن يسند إليه فعل الوضوء لدى العرف . وبهذا يظهر أن الأخبار الواردة في الغسل والتيمم الدالة على وجوبهما على من عجز عنهما بالتسبيب على طبق القاعـدة ، لأنها كما عرفت تقتضى إصدار العمل بالتسبيب إذا لم يمكن الاتيان به بالمباشرة .

   وهذا الوجه قد ذكره شيخنا المحقق الهمداني (قدس سره) (1) ولعمري أنه قد أجاد فيما أفاد وجاء فيما نقلناه عنه بما فوق المراد وكم له (قدس سره) من بيانات شافية في المطالب الغامضة والدقيقة فشكر الله سعيه وأجزل مثوبته .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الطهارة) : 190 ـ 191 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net