الدم الّذي تراه المبتدئة والناسية والمضطربة قبل مضي ثلاثة أيّام 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6807


ــ[206]ــ

    الكلام في المقام الثّاني

   وأمّا المقام الثّاني : أعني الدم الّذي تراه المبتدئة أو المضطربة أو الناسية قبل أن تمضي عليه ثلاثة أيّام ـ أعني أوّل ما رأته من الدم ـ فهل يحكم عليه بالحيضيّة ولو ظاهراً ، ثمّ إنّه إن دام الدم ثلاثة أيّام فهو ، وإلاّ فيستكشف عدم كونه حيضاً ، وتقضي ما تركته من الصّلاة أو لا يحكم عليه بالحيضيّة ؟

   ولا إجماع على الحيضيّة في هذه المسألة ، بل ذهب بعضهم إلى الحكم بالحيضيّة وذهب بعضهم إلى أ نّه إستحاضة ، والكلام يقع في هذه المسألة في مقامين :

   أحدهما : فيما إذا كان الدم الّذي تراه المبتدئة وأخواتها أحمر ، وهذا لم يتعرّض الماتن لحكمه .

   وثانيهما : فيما إذا كان الدم أصفر .

   أمّا المقام الأوّل : أعني ما إذا كان الدم أحمر فالمعروف أ نّه حيض ، وهذا هو الصحيح ، ويكفي في ذلك :

   أوّلاً : الاستصحاب ، لأ نّه كما يجري في الاُمور المتقدّمة كذلك يجري في الاُمور المستقبلة ، وحيث إنّها قاطعة بجريانه بالفعل ، فإذا شكّت في أ نّه ينقطع قبل الثلاثة أو لا ينقطع فالأصل عدم انقطاعه قبل الثّلاثة ، وبه يحكم بأ نّه حيض ، إذ المفروض اشتماله على الأوصاف ولم يكن شكّ في حيضيّته إلاّ من جهة الاسـتمرار ثلاثة أيّام وقد حكم الشارع بكونه مستمراً كذلك .

   وثانياً : الأخبار ، وهي كثيرة .

   منها : موثقة سماعة ، قال «سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض فتقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة ايّام ـ إلى أن قال ـ فلها أن تجلس وتدع الصّلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة»(1) حيث دلّت على أنّ الدم حيض من أوّل وقت تراها المبتدئة بلا فرق في ذلك بين إحتمال إنقطاع الدم قبل الثّلاثة وعدمه ، لأنّ احتمال الانقطاع قبل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 304 / أبواب الحيض ب 14 ح 1 .

ــ[207]ــ

الثّلاثة وإن لم يكن بأغلب إلاّ أ نّه كثير في نفسه ، فتشمله الإطلاقات في هذه الرّواية والأخبار الآتية لا محالة .

   ومنها : صحيحة إسحاق بن عمّار ، قال «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين ، قال : إن كان دماً عبيـطاً فلا تصلِّي ذينك اليومين وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين» (1) لدلالتها على ترتيب آثار الحيض من أوّل يوم رأت الدم .

   وقد يقال : إنّها معارضة بما دلّت على أن أقلّ الحيض ثلاثة أيّام ، فإنّ الصحيحة تدلّ على أنّ الدم حيض في ذينك اليومين .

   ولكنّا أجبنا عن ذلك عند الكلام على اعتبار الإستمرار ثلاثة أيّام في الحيض وقلنا إنّها إنّما تكون معارضة للأخبار الدالّة على اعتبار الثّلاثة في الحيض فيما إذا كانت ناظرة إلى الحكم بترك الصّلاة بعد ذينك اليومين ، إلاّ أنها ليست كذلك لأ نّها واردة لبيان الوظيفة الفعلية في أوّل آن رأت فيه الدم ، إذ لا معنى للحكم بترك الصلاة ذينك اليومين بعد إنقضائها ، وإنّما يصح ذلك قبل إنقضائها ، وقد دلّت على أ نّها تترك الصّلاة في أوّل زمان رؤيتها .

   وأمّا أ نّه لا تقضي تلك الصلوات حتّى إذا انقطع قبل الثّلاثة ليدل على أنّ الحيض يتحقّق ليوم أو يومين ، أو تقضي تلك الصلوات عند عدم استمرار الدم ثلاثة أيّام فهو أمر آخر لا دلالة عليه في الرّواية ، بل مقتضى ما دلّ على اعتبار الثّلاثة في الحيض الحكم بعدم حيضيّته بعدما انكشف عدم استمراره ثلاثة أيّام ، وهذا لا ينافي الحكم بالحيضيّة ظاهراً من أوّل يوم رأت فيه الدم .

   ومنها : صحيحة عبدالله بن المُغِيرة الواردة «في امرأة نفِست فتركت الصّلاة ثلاثين يوماً ثمّ طهرت ثمّ رأت الدم بعد ذلك ، قال : تدع الصّلاة» (2) فقد دلّت على وجوب ترك الصّلاة من حين رؤيتها الدم كسابقتها ، بلا فرق في ذلك بين إحتمالها إنقطاع الدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 331 / أبواب الحيض ب 30 ح 6 .

(2) الوسائل 2 : 393 / أبواب النّفاس ب 5 ح 1 .

ــ[208]ــ

قبل الثّلاثة وعدمه .

   ومنها : صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : أيّ ساعة رأت المرأة الدم فهي تفطر الصائمة إذا طمثت ، وإذا رأت الطّهر في ساعة من النّهار قضت صلاة اليوم واللّيل مثل ذلك» (1) . وهي تدلّنا على أمرين :

   أحدهما : أنّ صحّة الصوم مشروطة بعدم الحيض في ساعات النّهار ، بحيث لو رأت المرأة الحيض في ساعة منها ولو في آخر ساعات النّهار بطل صومها لا محالة .

   ثانيهما : وجوب ترتيب آثار الحيض في أوّل زمان رؤية الدم ، بلا فرق بين إحتمالها إنقطاع الدم قبل الثّلاثة وعدمه .

   ومنها : الأخبار الواردة في الحبلى من أ نّها إذا رأت الدم عبيطاً تترك الصّلاة (2) وعليه فلا مناص من الحكم بأن ما تراه المبتدئة وأخواتها من الدم الأحمر حيضاً ، ثمّ إن استمر ثلاثة أيّام فهو ، وإلاّ فيستكشف أ نّه كان إستحاضة ، ويجب قضاء ما تركته من الصلوات في اليوم أو اليومين .

   وهل هذا يعم الحبلى وغيرها ، أو أنّ الحبلى لا ترتب آثار الحيض عند رؤيتها الدم الأحمر إلاّ إذا استمرّ ثلاثة أيّام ؟

   ذهب المحقّق الهمداني إلى التفصيل ، ومستنده صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج قال «سألت أبا الحسن عن الحبلى ترى الدم وهي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كلّ شهر ، هل تترك الصّـلاة ؟ قال : تترك الصّلاة إذا دام»(3) بدعوى أنّ مفهوم الجملة الشرطيّة «إذا دام ... » أنّ الدم الّذي رأته الحبلى إذا لم يدم ثلاثة أيّام فهو ليس بحيض فلا يحكم على الحبلى بالحيض إلاّ إذا دام ثلاثة أيّام بخلاف غير الحبلى (4) .

   ويدفعه : أنّ الصحيحة لا دلالة لها على المدّعى، لأنّ «دام» بمعنى استمرّ في مقابل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 366 / أبواب الحيض ب 50 ح 3 .

(2) الوسائل 2 : 331 / أبواب الحيض ب 30 ح 6 .

(3) الوسائل 2 : 330 / أبواب الحيض ب 30 ح 2 .

(4) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 299  السطر 27 ـ 31 .

ــ[209]ــ

الإنقطاع ورؤية الدم دفعة أو دفعتين ، كما في بعض الأخبار ، فالصحيحة تدلّ على أنّ الدم إذا رأته الحبلى وانقطع لا يحكم عليه بكونه حيضاً ، كما ورد في بعض الرّوايات (1) من أنّ الدم الّذي تراه المرأة دفعة أو دفعتين من الهراقة وليس بحيض ، لإعتبار الإستمرار فيه ، وأمّا إذا استمرّ في أوّل زمان رؤيتها ولم ينقطع بعد رؤيته فهو حيض ولا دلالة في الصحيحة على أ نّه إذا استمرّ ثلاثة أيّام فهو حيض لعدم ذكر الثّلاثة في الرّواية .

   فالصحيح عدم الفرق في ذلك بين الحبلى وغيرها ، هذا كلّه في المقام الأوّل .

   وأمّا المقام الثّاني : أعني ما إذا كان الدم الّذي تراه المبتدئة أو أخواتها صفرة ، فهل يحكم بكونه حيضاً ؟

   فإن قلنا بعدم كون الصفرة حيضاً في المقام الأوّل ، أعني ما إذا استمرّ ثلاثة أيّام فلا يحكم بحيضيّتها في هذا المقام بطريق أولى .

   وأمّا إذا حكمنا بحيضيّة الصفرة إذا مضت عليها ثلاثة أيّام فيقع الكلام في أ نّها قبل انقضاء الثّلاثة حيض أو ليس بحيض ، المشهور بينهم هو الحكم بحيضيّته إذ لا فرق عندهم في ذلك بين المستمر ثلاثة أيّام وغير المستمر ، كما لا فرق في الحكم بالحيضيّة عندهم بين واجد الصفات وفاقدها .

   لكن الماتن احتاط في المسألة بالجمع بين أحكام المستحاضة وتروك الحائض ، والوجه في احتياطه عدم ترجح الأدلّة الدالّة على الحيضيّة ـ كقاعدة الإمكان ، لأ نّه دم يمكن أن يكون حيضاً ـ على أدلّة النافين عنده ، ولكن مقتضى القاعدة ـ لو كنّا نحن والقاعدة ـ هو الحكم بحيضيّته ، وذلك لاستصحاب عدم انقطاعه إلى ثلاثة أيّام والمفروض أ نّه على تقدير استمراره كذلك محكوم بالحيضيّة ، والإستصحاب لا يفرق فيه بين أن يكون متعلّق اليقين أمراً متقدِّماً وبين أن يكون أمراً فعليّاً ويكون المشكوك فيه أمراً استقبالياً ، لأنّ المدار فيه على فعلية اليقين والشكّ ، وأمّا كون متعلّق اليقين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 332 / أبواب الحيض ب 30 ح 8 .

ــ[210]ــ

أمراً سابقاً فهو غير معتبر في جريانه على ما تكلّمنا عليه في محلّه .

   ولم يؤخذ في الحكم بالحيضيّة عنوان آخر وجودي غير استمراره ثلاثة أيّام، ليقال إنّ الإستصحاب لا يثبت ذلك العنوان الوجودي ، وحيث إنّه دم واجد للصفات أو فاقد لها بالوجدان وباق إلى ثلاثة أيّام بالإستصحاب فلا مناص من الحكم بحيضيّته ولم نفهم لمناقشة شيخنا الأنصاري (1) (قدس سره) في جريان هذا الاستصحاب وجهاً صحيحاً ، هذا كلّه بحسب القاعدة .

   إلاّ أنّ النصوص دلتنا على عدم كون الصّفرة حيضا بمجرّد رؤيتها ولو مع الحكم بحيضيّتها بعد استمراره ثلاثة أيّام ، كما في صحيحة إسحاق بن عمار ، قال «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين قال : إن كان دماً عبيطاً فلا تصلي ذينك اليومين وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين» (2) حيث قدّمنا أنّ أظهر ما يمكن أن يحمل عليه هذه الرّواية إنّما هو ترك الصّلاة بمجرّد رؤية الدم لا بعد إنقضاء اليوم أو اليومين ، إذ لا معنى للأمر بترك الصّلاة فيهما بعد إنقضائهما وقد دلّت في هذه الصّورة على أنّ ما تراه الحبلى إذا كان دماً أحمر وعبيطاً فهو حيض وإذا كان صفرة فهو إستحاضة فلتغتسل وتصلّي .

   وكما في صحيحة عبدالرّحمن بن الحجاج ، قال «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن امرأة نفِست فمكثت ثلاثين يوماً أو أكثر ثمّ طهرت وصلّت ثمّ رأت دماً أو صفرة قال : إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصلّ ولا تمسك عن الصّلاة» (3) وبمضمونها غيرها من الأخبار(4) حيث دلّت على أنّ ما رأته النّفساء إذا كان صفرة فهو ليس بحيض وعليه فلا يمكننا الحكم بأن ما تراه المرأة من الصفرة قبل إنقضاء ثلاثة أيّام حيض .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب الطّهارة : 201 السطر الأخير / المقصد الثّاني في الحيض .

(2) الوسائل 2 : 331 / أبواب الحيض ب 30 ح 6 .

(3) الوسائل 2 : 393 / أبواب النّفاس ب 5 ح 2 .

(4) الوسائل 2 : 383 و 387 / أبواب النّفاس ب 3 ح 3 و 16 .

ــ[211]ــ

وأمّا غير ذات العادة المذكورة ـ كذات العادة العدديّة فقط والمبتدئة والمضطربة والناسية ـ فإنّها تترك العبادة وترتب أحكام الحيض بمجرّد رؤيته إذا  كان بالصفات ، وأمّا مع عدمها فتحتاط بالجمـع ((1)) بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة إلى ثلاثة أيّام ، فإن رأت ثلاثة أو أزيد تجعلها حيضاً ، نعم لو علمت أ نّه يستمر إلى ثلاثة أيّام تركت العبادة بمجرّد الرؤية وإن تبيّن الخلاف تقضي ما تركته .
ـــــــــــــ

(1) وإن كان الأقرب كونها استحاضة وإن استمرّ الدم إلى ثلاثة أيّام .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net