1 ـ العبادة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6872


ــ[327]ــ

 فصل

في أحكام الحائض

    وهي أُمور :

   أحدها : يحرم عليها العبادات المشروطة بالطّهارة ، كالصّلاة والصّوم والطّواف والإعتكاف (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في أحكام الحائض

    (1) لا ينبغي الإشكال في بطلان العبادات الصادرة من الحائض ، كالصلاة والصّوم ونحوهما ممّا يشترط فيه الطّهارة ، كما لا إشكال في حرمتها التشريعيّة .

   وإنّما الكلام في أ نّها محرمة ذاتاً أو ليست محرمة بالذات . وتفصيل الكلام يقع في ضمن جهات :

   الاُولى : أنّ محل الكلام في هذه المسألة إنّما هو العبادات الصادرة من الحائض قبل نقائها من الدم ، وأمّا العبادة بعد نقائها وقبل الاغتسال فهي أيضاً وإن كانت باطلة من غير كلام لفقدانها الطّهارة الّتي هي من شرائطها ، إلاّ أنّ الحرمة الذاتيّة فيها غير محتملة ، وذلك مضافاً إلى التسالم وعدم نقل القول بالحرمة الذاتيّة حينئذ ، أنّ فقدان الطّهارة كفقدان العبادة غير الطّهارة من الشرائط ، فكما لا تكون الصّلاة إلى غير القبلة محرمة بالذات فلتكن الصّلاة من غير طهارة أيضاً كذلك ، وهذا لأ نّه لا دليل عليها .

   وما يمكن أن يستدلّ به على حرمة العبادات الصادرة من الحائض بعد نقائها وقبل الاغتسال موثقة مَسعَدة بن صَدَقة : «إنِّي أمرّ بقوم ناصبيّة وقد اُقيمت لهم الصّلاة وأنا على غير وضوء ، فإن لم أدخل معهم في الصّلاة قالوا ما شاءوا أن يقولوا ، أفاُصلِّي معهم ثمّ أتوضّأ إذا انصرفت واُصلِّي ؟ فقال جعفر بن محمّد (عليه السلام) : سبحان

ــ[328]ــ

الله ، أفما يخاف من يصلّي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفاً ! » (1) ، حيث دلّت على أنّ الصّلاة من غير طهارة من دون أن يقصد بها القربة موجبة للعذاب والعقاب ولا يكون ذلك إلاّ في إرتكاب أمر محرم بالذات .

   ويرد على الاسـتدلال بها : أنّ هذه الرّواية لا تقاوم التسالم في المسألة ، لأ نّها ضعيفة السند حيث لم تثبت وثاقة مسعدة بن صدقة (2) ، فلا يمكن الإعتماد على هذه الرّواية بوجه .

   على أ نّا لا نحتمل حرمة الإتيان بذات الصّلاة من الرّكوع والسّجود وغيرهما لا بعنوان العبادة بحيث لو أرادت الحائض أن تعلّم الجاهل الصّلاة إرتكبت محرماً ، أو أنّ الحائض إذا أمسكت عن الطعام لعدم إشتهائها لا للعبادة كان محرماً ، فإنّه ممّا لم يقم عليه دليل .

   ومعه ماذا كان يمنع الشيعي أن يدخل معهم في الصّلاة من غير وضوء من دون أن يقصد بها القربة ، فإنّه ممّا لا حرمة فيه ولا يكون مثله موجباً للعقوبة المذكورة بوجه فلو لم يتمكن إلاّ من الصّلاة معهم بقصد العبادة فهي أيضاً لا يحتمل حرمتها ، لأنّ الإضطرار والتقيّة يرفعان الحرمة لا محالة .

   فهذه الرّواية لو كانت سليمة السند لم يمكن الإعتماد عليها فضلاً عمّا إذا كان سندها مورداً للمناقشة كما عرفت ، فمحل الكلام في المقام إنّما هو العبادة الصادرة من الحائض قبل انقطاع دمها .

   الجهة الثّانية: أنّ الحائض تارة تأتي بالعبادة بقصد أمرها الجزمي، فتصلِّي أو تصوم قاصداً بها امتثال الأمر المتعلّق بهما جزماً ، وهذا لا شبهة في حرمتها التشريعيّة ، لأنّ الله تعالى لم يأذن لها بذلك ، إذ لا أمر للحائض بالعـبادة فتكون داخلة في قوله تعالى ( ... قُلْ ءَآللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) (3) ، فإذا قلنا بحرمة عبادات الحائض

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 367 / أبواب الوضوء ب 2 ح 1 .

(2) وقد فصّل فيه في المعجم 19 : 148 / الرقم [ 12304 ] .

(3) يونس 10 : 59 .

ــ[329]ــ

ذاتاً تتصف بحرمتين ذاتيّة وتشريعيّة ، ولا مانع من إجتماع حرمتين في شيء واحد إذا كان بعنوانين ، كما إذا أتى المكلّف بشيء من المحرمات الذاتيّة بداعي أمره الجزمي ، كما قد ينسب إلى بعض الصوفيّة حيث يشربون الخمر للتقرّب به إلى الله تعالى ، فإنّه محرم بالذات ومحرم تشريعاً أيضاً .

   واُخرى : تأتي الحائض بالعبادة لا بعنوان العبادة بل بعنوان آخر كعنوان التعليم ونحوه ، وهذا أيضاً لا شبهة في عدم حرمته لا تشريعاً إذ لم تنسب إلى الله أمراً قط ولم تقصد القربة بوجه ، ولا ذاتاً لما تقدّم من أنّ ذوات الاُمور العباديّة ممّا لا دليل على حرمتها .

   وثالثة : تأتي بالعبادة لا على النحو الأوّل أعني بقصد أمرها الجزمي ، ولا على النحو الثّاني بأن تأتي بها لا بعنوان العبادة ، بل تأتي بها بعنوان العبادة لكن بقصد الرّجاء وإحتمال مطلوبيتها واقعاً ، وهذا كما في موارد التردّد في أ نّها حائض أو طاهرة فتأتي بالصلاة مثلاً لإحتمال مطلوبيتها ، وليست في ذلك حرمة تشريعيّة بوجه ، إذ لم تسند إلى الله الأمر بها ، وإنّما الكلام في أ نّها محرمة بالذات أو أ نّها غير محرمة بالذات كما هي ليست محرمة تشريعيّة ، وقد قدّمنا أنّ العبادات بناءً على كونها محرمة ذاتيّة على الحائض لا تتمكّن المـرأة من الاحتياط فيها ، بل يدور أمرها بين الحرمة والوجوب .

   ولكنّه قد يقال بأ نّها متمكّنة من الإحتياط ولا ثمرة بين القول بحرمتها الذاتيّة وعدمه ، وذلك لأنّ المرأة إذا أتت بالعبادة بإحتمال كونها طاهرة في الواقع فإن كانت في الواقع أيضاً طاهرة وهي مكلّفة بالصلاة فقد حصل بها الامتثال ، لأ نّها أتت بوظيفتها على الفرض ، وإذا كانت حائضاً في الواقع فهي لم تأت بالعبادة أصلاً ، لأ نّها إنّما قصدت العبادة على تقدير كونها طاهرة في الواقع ومأمورة بالصّلاة ، لأ نّه معنى إتيانها بإحتمال مطلوبيتها ، فإذا لم يحصل المعلّق عليه وهو كونها طاهرة لم تحصل العبادة . نعم أتت بذات العمل من أجزائه وشرائطه إلاّ أ نّها ممّا لا يحتمل حرمته كما مرّ .

ــ[330]ــ

   وقد يقرب هذا المطلب على نحو آخر ، وهو أنّ الإتيان بالعمل بإحتمال مطلوبيّته واقعاً إنّما هو إنقياد ، والعقل مستقل بحسنه لأ نّه والطاعة من باب واحد ، ولا يمكن أن تطرأ عليه الحرمة والقبح بوجه ، لأ نّه نظير كون الإطاعة محرمة وهو ممّا لا معنى له .

   وعليه فلم تبق ثمرة مترتبة على القول بالحرمة الذاتيّة ، فإنّ موضوع الحرمتين شيء واحد ، وهو ما إذا أتت بالعبادة بداعي أمرها الجزمي ، وذلك لأنّ المرأة إذا أتت بالعبادة بقصد أمرها الجزمي فهي محرمة قطعاً في حقّها للتشريع ، سواء أكانت محرمة عليها بالذات أيضاً أم لم تكن ، وإذا أتت بها بداعي الإحتمال فلا حرمة عليها مطلقاً قلنا بالحرمة الذاتيّة أم لم نقل .

   ولكن الأمر ليس كذلك ، وذلك لأ نّا إن قلنا بتماميّة ما استدلّ به على الحرمة الذاتيّة فمقتضى إطلاقها أن ما يؤتى به عبادة محرم بالذات سواء أكانت عباديّته من جهة قصد أمره الجزمي أم من جهة قصد أمره الإحتمالي ، فإنّ قوله (عليه السلام) : فلتمسك عن الصّلاة يقتضي حرمة الصّلاة على الحائض أتت بها بداعي أمرها الجزمي أم بداعي إحتمال الأمر .

   وأمّا ما ادعي من أنّ المرأة حينئذ لم تأت بالعبادة إذا كانت حائضاً واقعاً ففيه خلط ظاهر بين الاُمور الإعتباريّة والاُمور الواقعيّة ، حيث إنّ الاُمور الإعتباريّة إختيارها بيد المعتبر ، فقد ينشئها المنشئ ويوجدها مطلقاً وقد ينشئها ويوجدها معلّقة على شيء فيقول : هي إن كانت زوجتي طالق ، أو بعتك هذا الكتاب إن كنت ابن عمّي ، أو أبحتك هذا المال إن كنت أخي ، فإنّ الطلاق والبيع والإباحة إنّما تتحقّق على تقدير تحقّق ما علّقت عليه بحيث لا طلاق ولا بيع ولا إباحة حقيقة على تقدير عدم تحقّق المعلّق عليه ، فإنّ التعليق إنّما هو في المُنشأ لا في الإنشاء . نعم قد يوجب التعليق بطلان المعاملة وقد لا يوجبه ، وهو أمر آخر تعرّضنا لتفصيله في محله .

   وأمّا الاُمور الواقعيّة فأمرها مردّد بين الوجود والعدم ، فهي إمّا أن تكون موجودة وإمّا أن تكون معدومة ، ولا معنى فيها لكونها موجودة على تقدير كذا ، فلو ضرب أحداً على أ نّه عدوه لا معنى لكون الضرب معلقاً على كونه عدوه بحيث لو كان

ــ[331]ــ

صديقه لم يضربه ، فإنّ الضرب قد تحقّق على الفرض سواء أكان المضروب صديقه أم عدوه ، وكذا إذا شرب المائع على تقدير أ نّه ماء أو اقتدى بأحد على تقدير أ نّه عمرو ، لأنّ الشرب والإقتداء قد تحقّق ، كان المشروب ماءً أو غيره وكان الإمام عمراً أم لم يكن .

   وعليه ما معنى قصد المرأة العبادة على تقدير كونها طاهرة واقعاً ، فإنّ القصد أمر واقعي إمّا أن يكون موجوداً وإمّا أن لا يكون ، وأمّا قصدها معلّقاً على شيء فهو ممّا لا معنى له ، بل الصحيح أ نّها قاصدة للعبادة مطلقاً ، غاية الأمر أنّ قصدها وحركتها نشأت من إحتمالها الأمر لا من الأمر الجزمي .

   وأمّا ما ادعي من أنّ الإتيان بالعبادة بداعي إحتمال الوجوب إنقياد ، وهو حسن لا يطرأ عليه القبح والحرمة فنعم وإن كان الأمر كما اُفيد ، إلاّ أنّ الكلام في تحقّق الانقياد مع احتمال الحرمة الذاتيّة ، إذ يتعارض إحتمال الوجوب مع احتمال الحرمة حينئذ ، فلا يمكنها التحرّك من أحدهما ، فهل ترى أ نّه يمكن أن تأتي بشيء من المحرمات بداعي احتمال الوجوب والإنقياد .

   فالإنصاف أنّ موضوع الحرمتين متغاير ، لأنّ موضـوع الحرمة التشريعيّة هو الإتيان بالعبادة بقصد أمرها الجزمي ، وموضوع الحرمة الذاتيّة هو الإتيان بالعبادة الأعم من تحقّقها بقصد الأمر الجزمي وقصد الأمر الإحتمالي .

   الجهة الثّالثة : فيما استدلّ به على الحرمة الذاتيّة .

   المعروف بينهم عدم كون العبادة على الحائض محرمة ذاتاً ، وإنّما حرمتها تشريعيّة فقط ، وذهب جمع إلى أ نّها محرمة بالذات واختاره المحقّق الهمداني(1) (قدس سره) وغيره واستدلّوا على ذلك بوجوه :

   منها : قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «دعي الصّلاة أيّام أقرائك»(2) . فإنّ ظاهر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 284  السطر 31 .

(2) الوسائل 2 : 287 / أبواب الحيض ب 7 ح 2 .

ــ[332]ــ

الأمر بالترك والودع أ نّه أمر مولوي ، وبما أ نّا لا نحتمل أن يكون ذلك من جهة المصلحة في ترك الصّلاة فيستكشف من الأمر بتركها أنّ في فعل الصّلاة مفسدة وهي محرمة على الحائض بالذات ولذا أمرها (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بتركها .

   ويدفعه : أنّ هذه الجملة لم ترد في كلام النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إبتداءً ليدّعى أنّ ظاهره حرمة العـبادة على الحائض ، وإنّما ورد بعد السؤال عن حكم المستحاضة الّتي لم تشخص حيضها من غيره ، فأمرها (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بتركها الصّلاة في أيّام أقرائها ، فهذه الجملة واردة لبيان طريقيّة أيّام العادة إلى الحيض وأ نّها أمارة عليها ، ولم تصدر لبيان أنّ العبادة محرمة على الحائض وأن تركها واجب لأ نّه أمر معلوم لكلّ أحد فإنّ الصّلاة غير واجبة على الحائض ، وإنّما ورد للدلالة على أنّ أيّام العادة طريق إلى حيضيّة الدم المرئي فيها ، هذا .

   على أ نّا لو سلمنا أ نّها واردة لبيان وجوب ترك الصّلاة أيضاً لا دلالة لها على أنّ العبادة محرمة على الحائض بالذات ، وذلك لأنّ حالها حال بقيّة النواهي الصادرة عنهم (عليهم السلام) لبيان ترك العبادة والمركّبات عند فقدها جزءاً أو شرطاً ، كما في نهيه عن السجود على ما يؤكل ، ونهيه عن الصّلاة فيما لا يؤكل لحمه ، ونهيه عن الصّلاة إلى غير القبلة وغير ذلك من النواهي .

   وقد ذكرنا في موردها أنّ الأوامر والنواهي الواردة في المركّبات قد إنقلبت عن ظهورها الأوّلي إلى ظهور ثانوي في الإرشاد إلى جزئيّة شيء أو شرطيّته أو الإرشاد إلى مانعيّته أو الإرشاد إلى الفساد ، وأظهر منها المعاملات كنهيه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن البيع الغرري أو المنابذة ونحوهما ، لأ نّه ظاهر في الإرشاد إلى فساد تلك المعاملات ، وأمره بترك الصّلاة في أيّام العادة أيضاً كذلك ، لأ نّه إرشاد إلى إشتراط الطّهارة في الصّلاة وفسادها في حالة الحيض ، فلا ظهور لها في الأمر المولوي حتّى يستدلّ به على كون العبادات محرمة ذاتيّة على الحائض .

   ومنها : ما ورد في روايات الاسـتظهار من الأمر بالإحتياط بترك العـبادة ، لأنّ العبادة لو كانت محرمة تشريعاً لكان الإحتياط في فعل الصّلاة بداعي إحتمال الوجوب

ــ[333]ــ

لا في تركها ، فيدلّ الأمر بالإحتياط بتركها على أ نّها محرمة بالذات على الحائض .

   ويدفعه : أ نّا لو سلّمنا سند الرّواية المشتملة على الأمر بالإحتياط وظهورها في ذلك يتوجّه على الإستدلال بها ما قدّمناه من أنّ العبادة بناءً على حرمتها الذاتيّة على الحائض إذا تردّدت المرأة في طهرها وحيضها لا تتمكن من الإحتياط ، لدوران أمرها بين الوجوب والحرمة ، لأ نّها إن كانت طاهرة في الواقع فالصلاة واجبة في حقّها وإن كانت حائضاً فهي محرمة عليها ، ومعه لا معنى للإحتياط بترك العبادة . إذن لا مناص من توجيه الأمر بالإحتياط على كلا القولين قلنا بالحرمة التشريعيّة أم قلنا بالحرمة الذاتيّة .

   ودعوى : أنّ الأمر بالإحتياط بتركها من جهة إحتمال أهميّة الحرمة ،

   مندفعة : بأ نّها أيضاً ممّا لا وجه له ، وذلك لأ نّه ـ مضافاً إلى أن الترجيح بإحتمال الأهميّة يختص بالمتزاحمين ، أعني التكليفين الثابتين في أنفسهما مع اشتمالهما على الملاك ولا يمكن الترجيح به في المتعارضين كما في المقام ، للشكّ في أنّ الثابت هو الحرمة أو الوجوب ، فإنّ إحتمال الأهميّة في أحدهما لا يترتب عليه أثر حينئذ ، لعدم العلم بثبوته وإن كان أهمّ على تقدير الثبوت ، إلاّ أنّ نسبة البراءة إلى كلّ من الإحتمالين على حدّ سواء لعدم العلم بثبوته ، فلا يترجح أحدهما على الآخر وإن كان أحدهما على تقدير ثبوته أهمّ من الآخر ـ لا يكون الأخذ بأحد الإحتمالين من جهة احتمال الأهميّة احتياطاً بوجه.

   على أ نّا لا نحتمل أهميّة حرمة الصّلاة من وجوبها ، كيف والصّلاة عمود الدين وهي المائز بين الكفار والمسلمين ، وكيف يحتمل أهميّة تكليف لم يرد في الكتاب على الفريضة الواردة في الكتاب العزيز ، كما في قوله تعالى (إِنَّ الصَّلَوةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابَاً مَّوْقُوتاً )(1) . فتحصل أنّ الأمر بالإحتياط بترك العبادة ممّا لا بدّ من توجيهه على كلا المسلكين .

   وأمّا الرّواية المشتملة على الأمر بالإحتياط بترك العبادة فهي روايتان :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النِّساء 4 : 103 .

ــ[334]ــ

   إحداهما : رواية إسماعيل الجُعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال «المستحاضة تقعد أيّام قرئها ، ثمّ تحتاط بيوم أو يومين ... » (1) .

   ثانيتهما : موثقة عبدالرّحمن بن أبي عبدالله قال «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المستحاضة أيطؤها زوجها وهل تطوف بالبيت ؟ قال : تقعد قرأها الّذي كانت تحيض فيه ، فإن كان قرؤها مستقيماً فلتأخذ به ، وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ، ولتغتسل ولتستدخل كرسفاً ، فإن ظهر عن الكرسف فلتغتسل ثمّ تضع كرسفاً آخر ثمّ تصلّي ، فإذا كان دماً سائلاً فلتؤخر الصّلاة إلى الصّلاة ـ  إلى أن قال  ـ وكلّ شيء إستحلّت به الصّلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت» (2) .

   أمّا الرّواية الاُولى : فهي ضعيفة بالقاسم الواقع في سندها (3) ، وأمّا دلالتها فهي أيضاً قابلة للمناقشة ، إذ لم يذكر فيها أنّ الإحتياط بيوم أو يومين من أيّ جهة .

   نعم ، بضمّ الأخبار الواردة في الإستظهار وأنّ المرأة تترك فيها الصّلاة يمكن أن يقال إنّ المراد فيها بالإحتياط هو ترك العبادة ، وأمّا في نفسها فلا ظهور لها في ذلك فلو كنّا وهذه الرّواية لإحتملنا من ذلك إرادة ترك الدخول في المساجد وغيره من المحرمات دون ترك العبادات .

   وأمّا الرّواية الثّانية : فهي وإن كانت تامّة من حيث السند ، إلاّ أنّ دلالتها غير ظاهرة ، حيث تدلّ على أنّ المرأة غير المستقيمة العادة تحتاط بيوم أو بيومين ، والمرأة غير مستقيمة العادة إمّا هي مضطربة أو مبتدئة أو ناسية ، وقد عرفت عدم وجوب الإستظهار على شيء منهنّ ، وحمل غير مستقيمة القرء على ذات العادة الّتي قد تتقدّم بيوم أو تتأخّر كذلك كما حمله صاحب الحدائق (4) خلاف الظاهر لا يصار إليه .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 302 / أبواب الحيض ب 13 ح 7 ، ص 375 / أبواب الإستحاضة ب 1 ح 10 .

(2) الوسائل 2 : 375 / أبواب الإستحاضة ب 1 ح 8 .

(3) كذا بنى عليه دام ظلّه أوّلاً ، ثمّ إنّه عدل عنه أخيراً وبنى على وثاقته لوجوده في أسناد كامل الزّيارات .

(4) الحدائق 3 : 221 / في الحيض .

ــ[335]ــ

   على أنّ الإحتياط فيها أيضاً لم يذكر أ نّه من جهة ترك العبادة ، لأنّ السابق على تلك الجملة أمران : أحـدهما السؤال عن أنّ الزّوجة يطؤها أو لا يطؤها . وثانيتهما السؤال عن أ نّها هل تطوف بالبيت أو لا تطوف .

   فليحمل الإحتـياط على ترك زوجـها لوطـئها وعلى عدم طوافها حتّى تتيـقّن بطهارتها ، لأنّ الطواف واجب موسع ، فأين دلالتها على الإحتياط بترك العبادة ، بل قوله (عليه السلام) في ذيلها «وكلّ شيء إستحلّت به الصّلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت» قرينة على ما ادّعيناه من أنّ الإحتياط هو ترك الوطء والطواف إلى أن تقطع بطهارتها وارتفاع حيضها ووجوب الصّلاة عليها .

   وأمّا قوله قبل ذلك : «ولتغتسل ولتستدخل كرسفاً ـ إلى قوله ـ ثمّ تصلّي» فهو لا يدل على أنّ هذه الاُمور بعد الإحتياط بيوم أو يومين ، بل يلائم كونها في نفس ذلك اليوم أو اليومين ، فتغتسل فيها وتستدخل الكرسف ثمّ تصلّي ، فلا يستفاد منها أنّ الإحتياط اُريد منه ترك العبادة يوماً أو يومين .

   على أ نّه لو كان اُريد منه ذلك لا بدّ من توجيهه على كلا القولين كما عرفت .

   ومنها : صحيحة خلف الواردة في اشتباه دم الحيض بدم العُذرة ، حيث ذكر للإمام (عليه السلام) أ نّه سأل عن حكم ذلك الفقهاء فأجابوا بأنّ المرأة تصلّي حينئذ ولا تترك صلاتها ، ثمّ إن كانت طاهرة في الواقع فقد أتت بفريضتها ، وإذا كانت حائضاً في الواقع فقد وقعت صـلاتها لغواً ولا شيء عليها ، ولم يرض الإمام (عليه السلام) بما أفتى به الفقهاء وقال «إنّ الله رضي لهم بالضّلال فارضوا لهم بما رضي الله به» ، ثمّ قال (عليه السلام) إنّ المـرأة يجب عليها أن تتقي الله بقوله «فلتتّق الله فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصّلاة ... وإن كان من العُذرة فلتتّق الله ولتتوضّأ» (1) .

   فقد أمرها (عليه السلام) بالتقوى والإمساك عن الصّلاة على تقدير كون الدم حيضاً ، كما أمرها بالتقوى والإتيان بالصلاة إن كان الدم دم عُذرة ، فإنّ الصّلاة إذا لم تكن محـرمة على الحـائض بالذات لم يكن وجه لمنـعه (عليه السلام) عن الإتيان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 272 / أبواب الحيض ب 2 ح 1 .

ــ[336]ــ

بالصلاة بداعي الرّجاء والإحتمال كما ذكره الفقهاء ، فإنّ المرأة حينئذ إن كانت طاهرة في الواقع فقد أتت بفريضتها ، وإن كانت حائضاً فلم ترتكب محرماً ، لأ نّها أتتها بالإحتمال فلا حرمة تشريعيّة في البين كما لا حرمة ذاتيّة ، فيستفاد من منع الإمام (عليه السلام) عن ذلك وأمرها بترك الصّلاة أ نّها محرمة على الحائض بالذات بحيث لو كانت حائضاً في الواقع وأتت بها ولو رجاءً إرتكبت محرّماً ، لأنّ الصّلاة بذاتها محرمة .

   وقد ذكر المحقّق الهمداني(1) (قدس سره) أنّ هذه الرّواية صريحة أو كالصريحة في أنّ العبادة من الحائض محرمة بالذات .

   ولكن الجواب عن ذلك ظاهر ، وهو أنّ المحكي من كلام الفقهاء في هذه الرّواية غير مشتمل على إفتائهم بأنّ المرأة تأتي بصلاتها حينئذ بداعي الإحتياط والرّجـاء بل ظاهره أ نّهم أفتوا بوجوب الصّلاة عليها كما كانت تصلّي في الأيّام السابقة ، أعني بقصد أمرها نظراً إلى أ نّها إن كانت طاهرة فقد أتت بوظيفتها ، وإن كانت حائضاً فلم تأت بالحرام وإنّما وقعت صلاتها لغواً ، وقد غفلوا عن أنّ إتيانها بقصد الأمر حينئذ تشريع محرم ، لأنّ الحائض غير مأمورة بالصلاة ، ومن هنا لم يرتض به الإمام (عليه السلام) وقال : إنّها تتقي الله وتمسك عن الصّلاة ، أي عن تلك الصّلاة الّتي أوجبها الفقهاء ، وهي الصّلاة كالصلاة في الأيّام السابقة ، وذلك لأ نّها تشريع محرم . ثمّ بيّن طريق إستكشاف أنّ الدم حيض أو دم عُذرة ، فلا تعرّض في الرّواية لحكم إتيان المرأة الصلاة بداعي الرّجاء والإحتمال نفياً ولا إثباتاً ، حتّى يقال إن منعه (عليه السلام) عن الصّلاة بداعي الإحتياط كاشف عن أنّ الصّلاة محرمة على الحائض في ذاتها ، وإلاّ لم يكن وجه لمنعه (عليه السلام) عن الإحتياط .

   وعليه فحال هذه الرّواية حال بقيّة الأخبار الناهية عن الصّلاة في أيّام الحيض كقوله «لا تحل لها الصّلاة» (2) وقوله «تدع الصّلاة» (3) وغير ذلك من العـبائر ، وقد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 285  السطر 2 .

(2) الوسائل 2 : 343 / أبواب الحيض ب 39 ح 1 .

(3) الوسائل 2 : 276 / أبواب الحيض ب 3 ح 4 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net