وجوب تأخير الصلاة إذا علمت المستحاضة بانقطاع دمها 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6629


ــ[110]ــ

   [ 799 ] مسألة 13 : إذا علمت المستحاضة انقطاع دمها بعد ذلك إلى آخر الوقت انقطاع برء أو انقطاع فترة تسع الصلاة وجب عليها تأخيرها إلى ذلك الوقت ، فلو بادرت إلى الصلاة بطلت إلاّ إذا حصل منها قصد القربة وانكشف عدم الانقطاع (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   واُخرى لا تعيدها إلاّ بعد مدة كشهر كما في مورد الرواية حيث إنها لم تعد صلاتها الواقعة من غير غسل ولا غيره حتى خرج شهر رمضان ، كما هو مقتضى قوله «فصلّت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ...» (1) ، وفي مثله بما أن المبادرة الفورية غير متحققة فلا بدّ عند إعادة صلاتها من أن تعيد غسلها أيضاً للاخلال بالمبادرة .

   هذا معنى اشتراط الوضوء في صحة صومها ، فإنها لو لم تتوضأ بطلت صـلاتها ومع بطلانها والاخلال بالمبادرة يبطل غسلها ، ومع بطلانه يبطل صومها ، فيشترط في صحة صومها أن تتوضأ ، ومجرد إتيانها الغسل من دون أن تأتي بالصلاة لا يقتضي صحة صومها ، فإن المأمور به إنما هو الغسل المتعقب بالصلاة ، وحيث إنها لم تأت بالصلاة لبطلانها بترك الوضوء فلم تأت بالغسل المعتبر في حقها إذا لم تعده على نحو لا يخل بالمبادرة، ومعه يحكم بفساد صومها لا محالة، والذي يسهل الخطب أنّا لا نلتزم بوجوب الوضوء في الاستحاضة الكثيرة .

    علم المستحاضة بانقطاع الدم بعد ذلك

   (1) يحتمل في عبارة الماتن (قدس سره) أمران :

   أحدهما : أن يراد من الفترة فترة تسع الصلاة فحسب ، ويراد بقوله «بعد ذلك» أي بعد إتيانها بالوظائف المقررة للمستحاضة من الاغتسال أو الغسل والوضوء ، وهذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 349 / أبواب الحيض ب 41 ح 7 .

ــ[111]ــ

الاحتمال وإن كان أنسب إلى اللفظ وعبارة الماتن لقوله «تسع الصلاة» حيث لم يضم إليها الطهارة .

   إلاّ أنه فاسد معنى وحقيقة ، وذلك لأنه لا دليل على وجوب تأخير المستحاضة صلاتها وإيقاعها في زمان الفترة بعد اغتسالها وتوضئها قبل زمان الانقطاع ، حيث إن صلاتها حينئذ اضطرارية أي واقعة مع الطهارة الاضطرارية ، فإن خروج دم الاستحاضة ولو آناً ما كاف في الحدث بلا فرق في ذلك بين تأخيرها الصلاة وعدمه .

   نعم ، إنما يفرق الحال في قلة الدم وكثرته إلاّ أن الطهارة الاضطرارية لا يفرق فيها بين كون دم الاستحاضة الخارج من المرأة كثيراً وبين كونه قليلاً .

   فوجوب التأخير غير ثابت على المستحاضة حينئذ ، بل التأخير غير جائز في حقها لوجوب المبادرة إلى الصلاة بعد الطـهارة ، والتأخير إخلال بالمبادرة العرفية ومعه تبطل صلاتها وطهارتها ، فهذا الاحتمال مما لا يمكن نسبته إلى الماتن (قدس سره) .

   وثانيهما :  أن يراد بالفترة فترة تسع كلاً من الطهارة والصلاة ، ويراد بقوله «بعد ذلك» أي بعد كونها مستحاضة ، فهل يجب عليها تأخير صلاتها حينئذ إذا علمت بانقطاع دمها كذلك أو لا يجب ؟

   ذهب جماعة من المحققين ومنهم الماتن (قدس سره) إلى وجوب تأخيرها ، والظاهر أن الحكم كذلك ، وهو يتوقف على بيان أمرين :

   أحدهما :  أن طهارة المسـتحاضة وصلاتها صلاة وطهارة اضطرارية وليست اختيارية ، بمعنى أن تكليف المستحاضة تكليف اضطراري ، وذلك لأنّا وإن أسلفنا أن ما دلّ على وجوب الصلاة في حقها ليس تخصيصاً في أدلة اشتراط الصلاة بالطهارة ، لأنها من الأركان التي تبطل بفقدانها ، وإنما هو تخصيص في أدلة ناقضية الدم كما هو الحال في المسلوس والمبطون ، إلاّ أنه لا إشكال في أن طهارتها بالاغتسال والتوضؤ طهارة اضطرارية وليست اختيارية بوجه ، ويدل على ذلك اُمور :

ــ[112]ــ

   منها: قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدمة «تقدم هذه وتؤخر هذه»(1) .

   ومنها: قوله (عليه السلام) «تتوضأ لكل صلاة» (2) كما في المتوسطة بل وفي الكثيرة أيضاً على مسلك المشهور ، وذلك لأن طهارتها لو كانت اختيارية لم تكن أيّ حاجة إلى الجمع بين الصلاتين ولا إلى تجديد الوضوء لكل صلاة ، بل كان يجوز لها أن تفرّق بينهما وأن تكتفي بوضوء واحد في الجميع ما لم تحدث بحدث آخر .

   فوجوب الجمع بين الصلاتين ووجوب تجديد الوضوء عليها لكل صلاة يدلاّن على أن في المستحاضة اقتضاء الحدث ، وإنما لا يكون ناقضاً في المقدار الثابت بالدليل أعني زمان غسلها وطهارتها وجمعها بين الصلاتين ، وفي المقدار الزائد على ذلك يؤثر المقتضي أثره وهو النقض .

   ومنها : صحيحة زرارة حيث ورد فيها الأمر بالصلاة في حق المستحاضة والنهي عن تركها لها بقوله : «لا تدعي الصلاة على حال ، الصلاة عماد دينكم» (3) .

   فهذا  كالصريح في أن المستحاضة فيها المقتضي لترك الصلاة إلاّ أنها لا تتركها لأنها عماد الدين ، فيجوز لها الغسل والوضوء والجمع بين الصلاتين بالمقدار الذي دلّ عليه الدليل .

   ومنها : ما ورد في مرسلة يونس الطويلة من قول السائل «وإن سال ؟ » قال : «وإن سال مثل المثعب» (4) لدلالته على أن حدثية الاستحاضة كالحيض أمر ثابت في الأذهان ، ومن هنا سأله السائل بقوله «وإن سال ؟ » إلاّ أنه (عليه السلام) أمر بوجوب الصلاة في حقها وإن الاستحاضة غير الحيض .

   فهذه الوجوه المذكورة تدلنا على أن تكليف المستحاضة تكليف اضطراري وأن طهارتها من غسل ووضوء طهارة اضطرارية نظير طهارة المتيمم أو المسلوس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 371 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1 .

(2) الوسائل 2 : 371 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1 . وفيها «وصلّت كل صلاة بوضوء» .

(3) الوسائل 2 : 373 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5 .

(4) الوسائل 2 : 281 / أبواب الحيض ب 5 ح 1 .

ــ[113]ــ

والمبطون أو الغسل والوضوء مع الجبيرة وغير ذلك من ذوي الأعذار وليست طهارة اختيارية ، ولعلها ظاهرة .

   وثانيهما : أن المرتكز في أذهان كل ملتفت أن الأمر بالبدل الاضطراري إنما هو مع عدم التمكّن من المبدل منه الاختياري وأن التكليف الاضطراري يرتفع مع التمكّن من الاختياري ، فمع تمكن المكلف من الوصول إلى الماء بعد ساعة ولو في قعر بئر لا يراه المتشرعة مكلفاً بالتيمم ، لأنه متمكن من الوضوء مع قطع النظر من أي رواية ودليل .

   وعليه فإذا كانت المستحاضة متمكنة من الصلاة والطهارة الاختياريتين ـ أي مع الطهارة الواقعية ـ لا تكون مأمورة بالطهارة والصلاة الاضطراريتين بالارتكاز .

   وهذه القرينة المتصلة أعني الارتكاز لا تبقي مجالاً للتمسك حينئذ بإطلاقات الأخبار الآمرة بأنها تتوضأ وتغتسل وتصلِّي(1) من غير تفصيل بين صورتي علمها بانقطاع دمها بعد ذلك وعدمه ، بل لا بدّ من حملها على صورة عدم علم المستحاضة بحدوث فترة تسع طهارتها وصلاتها .

   ودعوى أن حمل المطلقات على المرأة غير العالمة بالانقطاع حمل لها على مورد نادر ، لأن الغالب في المستحاضة علمها بانقطاع دمها في شيء من الأزمنة دعوى عجيبة ، إذ أية مستحاضة تعلم بالانقطاع إلاّ في بعض الموارد ، نعم المستحاضة تحتمل الانقطاع ، وأمّا أنها تعلم به فلا .

   هذا على أنه لا إطلاق في الأخبار في نفسها ، لأن ظاهرها إرادة مستمرة الدم وأنها التي تغتسل لكل صلاة أو تتوضأ لها ، ومع الانقطاع لا موضوع للروايات .

   وأمّا ما عن بعضهم من أن الانقطاع إذا كان انقطاع فترة لا برء فهو كزمان عدم الانقطاع محكوم بالحدث والاستحاضة ، فإن الطّهر بين الاستحاضة كالطهر الأقل من عشرة أيام الواقع بين الحيضة الواحدة ملحق بالاستحاضة والحيض ، ومع كون المرأة مستحاضة حتى في حال الانقطاع لا وجه لوجوب التأخير في حقها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 371 / أبواب الاستحاضة ب 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net