هل الأمر بالتوبة مولوي أو إرشادي ؟ 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6017


ــ[253]ــ

 فصل

في أحكام الأموات

    إعلم أن أهمّ الأُمور وأوجب الواجبات التوبة من المعاصي (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في أحكام الأموات

    وجوب التوبة من المعاصي

   (1) وجوب التوبة عن المعاصي قد ثبت بالكتاب والسنّة والاجماع والعقل ، فلا إشكال في وجوبها في الجملة .

   وإنّما الكلام في أن وجوبها شرعي مولوي ، أو أ نّه عقلي والأوامر الواردة بها في الكتاب والسنّة إرشادية إليه ؟ .

   قد يقال بأنّها واجبة عقلاً والأوامر المتعلقة بها في الكتاب والسنّة إرشاد إلى حكم العقل ، وذلك لعدم إمكان حملها على المولوية وإلاّ كان ترك التوبة محرماً وتجب التوبة عنه ، وترك التوبة عنه أيضاً محرم فتجب التوبة عنه وهكذا إلى ما لا نهاية له ، فلا مناص من حمل الأمر بها على الارشاد ، نظير الأوامر الواردة في الطاعة حيث حملناها على الارشاد ، لأنّها لو كانت مولوية وكانت الاطاعة واجبة شرعاً لزم التسلسل بالتقريب المتقدِّم، لأن إطاعة ذلك الأمر أيضاً تكون واجبة ومأموراً بها شرعاً فتجب إطاعته ، وهذا الوجوب الثاني أيضاً تجب إطاعته وهكذا إلى ما لا نهاية له فوجوب التوبة عقلي لا محالة .

   والظاهر أنّ التوبة واجبة شرعاً والأوامر الواردة في الكتاب والسنّة مولوية، وذلك لأنّ الوجه في حمل أوامر الطاعة على الارشاد ليس هو المحذور المتوهّم من أن كونها مولوية يستلزم التسلسل ، وإلاّ يمكن الجواب عنه بأن حمل الأمر بالطاعة في الآية المباركة على المولوية والحكم بأنّها واجبة شرعاً أخذاً بظاهر الأمر ممّا لا محذور فيه وإنّما المحذور المتوهّم في كون إطاعة ذلك الأمر أيضاً مأموراً بها بالأمر المولوي ، أي

ــ[254]ــ

كونها واجبة شرعاً ، لأ نّه مستلزم للتسلسل ، فلا بدّ من منع كون تلك الطاعة ـ أي إطاعة الأمر بالطاعة ـ واجبة شرعاً دفعاً للمحذور ، دون حمل الأمر الأوّل بالطاعة على الارشاد ، لأن حمله على المولوية ممّا لا محذور فيه .

   وعليه فيحمل الأمر الأوّل بالطاعة على الوجوب الشرعي والمولوية عملاً بظاهره بخلاف الأمر الثاني والثالث فانّه إرشادي حتّى لا يلزم التسلسل . ولا ملازمة بين كون الأمر بالطاعة مولوياً وبين كون طاعة ذلك الأمر أيضاً واجبة شرعاً ويكون الأمر بها مولوياً، وبهذا تنقطع السلسلة فلا يلزم من كون الأمر الأوّل بالطاعة مولوياً أيّ محذور.

   وكذلك نلتزم في المقام بأنّ الأمر بالتوبة مولوي وأنّها واجبة بالوجوب الشرعي نعم لا تكون التوبة من ترك التوبة واجبة شرعاً وإنّما الأمر بها إرشادي .

   بل الوجه في حمل الأمر بالطاعة على الارشاد : أنّ الأمر بها لا يترتب عليه أثر وذلك لأنّ الطاعة منتزعة عن إتيان الواجبات وترك المحرمات وليس للطاعة محقق غيرهما ، والعقل مستقل باستحقاق العقاب على ترك الواجب وإتيان المحرم وإن لم يكن هناك أمر بالطاعة أصلاً ، فالأثر ـ وهو استحقاق العقاب ـ ثابت في مرتبة سابقة على الأمر بالطاعة ، فاذن لا أثر له في نفسه فلا مناص من أن يكون إرشاداً إلى ما استقل به العقل قبله .

   ومن الظاهر أن ذلك لا يأتي في التوبة ، لأنّها أمر مستقل غير الاتيان بالواجبات وترك المحرمات أو عصيانهما ، وللأمر بها أثر وهو استحقاق العقاب بمخالفته وتركه التوبة بحيث لو ترك الواجب وترك التوبة عنه عوقب عقوبتين فتكون التوبة واجبة شرعاً ولا محذور فيه ، فالتـوبة مأمور بها بالأمر المولوي ومتصفة بالوجوب شرعاً كما أنّها واجبة عقلاً ، ولا مانع من أن يكون شيء واحد واجباً عقلاً وشرعاً كالظلم فانّه قبيح عقلاً ومحرم شرعاً ، وكما في ردّ الأمانة إلى أهلها فهو واجب عقلاً لأن تركه ظلم وواجب شرعاً ، وهكذا .

   ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكرناه بين التوبة عن المعصية الكبيرة والتوبة عن الصغيرة ، لأنّ المدار في وجوبها على المخالفة والخروج عن زي العبودية ووظيفته، وهو متحقق في كليهما.
   نعم ، لا بدّ من الالتزام بعدم كون ترك التوبة في الصغائر معصية كبيرة ، وذلك لبعد أن تكون المعصية صغيرة ويكون ترك التوبة عنها كبيرة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net