حكم المجانين من الفريقين - تبعيّة الطفل لآسره - حكم لقيط دار الإسلام 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7248


ــ[313]ــ

والمجنون إن وصف الاسلام بعد بلوغه مسلم ، وإن وصف الكفر كافر ، وإن اتصل جنونه بصغره فحكمه حكم الطفل في لحوقه بأبيه أو اُمّه (1) والطفل الأسير تابع لآسره إن لم يكن معه أبوه أو اُمّه بل أو جدّه أو جدّته (2) ولقيط دار الاسلام بحكم المسلم (3) وكذا لقيط دار الكفر إن كان فيها مسلم يحتمل تولده منه .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كيف ولو كان الولد حلالاً للكافر لكنّا حكمنا بعدم وجوب تغسيله ، مع أن خسته من جهة واحدة وهي كفره فكيف بولده من الزِّنا الّذي خسّته من جهتين كفره وكونه من زنا ، فولد الكافر من الزِّنا ليس بأولى للارفاق من ولده الحلال .

    حكم المجانين من الفريقين

   (1) بمعنى أن حكمه حكم ما قبل جنونه ، فان كان قبله مسلماً بالغاً فهو مسلم بعد جنونه ويقال إنّه مسلم مجنون كما أ نّه لو كان كافراً بالغاً قبله فهو كافر مجنون ، وذلك للصدق العرفي .

   وأمّا إذا كان غير بالغ قبل الجنون فاسلامه أو كفره يتبعان أبويه ، لأنّ الحكم في غير البالغ من جهة التبعية كما مرّ والصدق العرفي ، حيث يصدق عليه أ نّه نصراني مجنون مثلاً .

   (2) للتبعية إلى آسره إذا لم يكن معه أبوه أو اُمّه أو نحوهما ، وإلاّ لتبعهم في كفرهم كما قدّمناه في بحث النجاسات (1) والمطهرات (2) .

    لقيط دار الاسلام

   (3) كما هو المشهور ، بل قيل إنّ المسألة إجماعية ، لعدم نقل الخلاف فيها ، والكلام في مدرك ذلك :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 3 : 59 .

(2) شرح العروة 4 : 211 .

ــ[314]ــ

   وليس الوجه فيه هو الاجماع في المقام ، لأنّا نطمئن أو نظن أو نحتمل استنادهم في ذلك إلى مدرك وصل إليهم في المسألة ، ومعه لا يكون الاجماع تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) .

   كما أنّ الوجه فيه ليس هو التمسُّك بعموم ما دلّ على وجوب تغسيل كل ميت [ مسلم ] ، لأ نّه من التمسُّك بالعام في الشبهة المصداقية ، لاحتمال أن يكون اللقيط ولد الكافر واقعاً ، وقد بيّنا في محله أنّ الشك في الشبهات المصداقية ليس راجعاً إلى الشك في التخصيص، ليدفع بأصالة العموم، وإنّما هو من جهة الشك في انطباق عنوان الخارج على المشكوك فيه ولا يمكن معه التمسُّك بالعام .

   كما أ نّه ليس الوجه فيه ما ورد من أن «الاسلام يعلو ولا يعلى عليه» (1) لأ نّه أجنبي عن المقام رأساً ، لأن معناه أنّ الاسلام قوي الحجّة وواضح المحجة والطريق فهو يعلو بنفسه على غيره ولا يعلو عليه شيء ، وأمّا أنّ المشكوك كفره وإسلامه فهو مسلم فهذا ممّا لا يستفاد منه بوجه .

   وكذا ما ورد من أن «كل مولود يولد على الفطرة»(2) وقوله تعالى (فِطْرَتَ اللهِ ا لَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) (3) فانّها أجنبية عن المقام، لأنّ المراد بالفطرة ـ في الآية والأخبار ـ فطرة التوحيد لا فطرة الاسلام ، فان كل واحد لو التفت إلى خلقته عرف أن له خالقاً غيره ، إذ لو لم يكن له خالق فامّا أن يكون هو الخالق لنفسه أو يكون مخلوقاً من غير خالق ، وكلاهما مستحيل كما أشار إليه سبحانه بقوله (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْء أَمْ هُمُ ا لْخَالِقُونَ )(4) وقوله (وَلَئِنْ سَأَ لْتَهُمْ عَمَّنْ خَلَقَ ا لْسَّموَاتِ وَا لاَْرْض لَيَقُولَنَّ اللهُ قُلْ فَأَنَى تُؤْفَكُونَ )(5) إلى غير ذلك من الآيات .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه عن الصدوق مرسلاً في الوسائل 26 : 14 /  أبواب موانع الارث ب 1 ح 11 .

(2) البحار 64 : 135 /  باب فطرة الله ح 7 .

(3) الرُّوم 30 : 30 .

(4) الطور 52 : 35 .

(5) الزّخرف 43 : 87 .  والصحيح (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَى يُؤْفَكُونَ ) .

ــ[315]ــ

   ففطرة التوحيد ثابتة في جميع البشر غير أنّها تحتاج إلى أدنى إشارة وتنبيه ، وإليه أشير في قوله تعالى (قَالَ : أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا : بَلَى )(1) وليس المراد من الفطرة فطرة الاسلام ، للقطع بعدم كون الاسلام فطرياً، كيف وممّا يتقوم به الاسلام النبوّة الّتي تتوقف على المعجزة والاثبات وليست أمراً فطرياً يعرفه كل بشر .

   نعم ، ورد تفسير الفطرة في بعض الأخبار بالاسلام(2) إلاّ أن ذيله شاهد على أنّ المراد به هو السلم لله ـ أي الاقرار بالتوحيد ـ وليس المراد به الاسلام المصطلح عليه من الاقرار بالتوحيد والنبوّة والمعاد ، كما هو المراد منه في قوله تعالى إخباراً عن إبراهيم (عليه السلام) (كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً )(3) لأ نّه (عليه السلام) لم يكن مسلماً بالمعنى المصطلح عليه قطعاً ، وإنّما أسلم لله سبحانه ، أي اعترف بالتوحيد ، ومنه «أسلمت وجهي لله» كما في الدُّعاء ، وكيف كان فلا يمكن التشبث في المقام بحديث الفطرة بوجه .

    الوجه في قولهم في اللقيط

   بل الوجه فيما ذكروه : أنّ الحكم الشرعي قد يترتب على عنوان الاسلام كما في اشتراط جواز التزويج بالكفاءة من حيث الاسلام ، فلا يجوز تزويج غير المسلمة كما أ نّه لا يجوز أن تتزوج بغير المسلم ، وفي مثله إذا شكّت المرأة مثلا في أنّ الرّجل الّذي تريد أن تزوج نفسها منه مسلم أو كافر ، فمقتضى استصحاب عدم اتصافه بالاسلام عدم جواز تزويج نفسها منه ، لأنّ الاسلام صفة حادثة مسبوقة بالعدم يثبت عدمها بالاستصحاب .

   وقد يترتب الحكم الشرعي على عنوان الكفر كالنجاسة وعدم وجوب التغسيل لأنّ العموم والاطلاق دلاّ على الطهارة في كل شخص ووجوب التغسيل لكل ميت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأعراف 7 : 172 .

(2) البرهان في تفسير القرآن 3 : 261 .

(3) آل عمران 3 : 67 .

ــ[316]ــ

وإنّما خرج عنهما عنوان الكافر ، فإذا شككنا في كفر أحد واسلامه ليس لنا الحكم بكفره باستصحاب عدم إسلامه ، وذلك لأنّ الكفر ليس من الاُمور العدمية ، وإنّما هو أمر وجودي معناه الاتصاف بعدم الاسلام لا عدم الاتصاف به ، ليكون أمراً عدمياً فانّه من العدم والملكة وقد قالوا إن أعدام الملكات لها حظ من الوجود وحاله حال العمى ، لأ نّه ليس بمعنى عدم الاتصاف بالبصر بل بمعنى الاتصاف بعدم البصر ، ومن هنا لو شككنا في عمى أحد أو بصره ليس لنا استصحاب عدم اتصافه بالبصر والحكم بأ نّه أعمى ، لأنّ العمى ليس هو عدم البصر بل عبارة عن الاتصاف بعدم البصر ، وهو لا يثبت باستصحاب عدم البصر .

   ومن ثمة قلنا في بحث النجاسات (1) إنّ المشكوك كفره وإسلامه محكوم بالطهارة لاستصحاب عدم اتصافه بالكفر ، إذ لا يجري فيه استصحاب عدم الاسلام لاثبات كفره ، حيث إنّ الكفر بمعنى الاتصاف بعدم الاسلام ، وعليه ففي المقام يستصحب عدم اتصاف اللقيط بالكفر ، لأنّ النجاسة وعدم وجوب التغسيل مترتبان على الكفر ولا يمكن إثباته باستصحاب عدم الاسلام ، لأ نّه أمر وجودي ، بل يجري استصحاب عدم الاتصاف به ، وبه يثبت عدم كفره فيشمله ما دلّ على وجوب تغسيل كل ميت .

   هذا كلّه بناءً على أنّ المدرك في عدم وجوب تغسيل الميِّت [ الكافر ] هو السيرة القطعية لأنّها جرت على عدم تغسيل الكافر ـ أي الموضوع فيها هو الكفر  ـ  ، وأمّا بناءً على أنّ المدرك هو الموثقة المتقدِّمة (2) فالأمر ظاهر ، لأن موضوع الحكم بعدم وجوب التغسيل هو التنصّر ، غاية الأمر أنّا علمنا أنّ النصرانية لا خصوصية لها ، بل التهود والتمجس والشرك أيضاً كذلك . ومن الظاهر أن تلك العناوين عناوين وجودية وعند الشك فيها يستصحب عدمها، وبه يثبت أنّ المشكوك فيه من أحد الأفراد الباقية تحت العموم والاطلاق .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 3 : 81 .

(2) في ص 311 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net