حكم القطعة المبانة من الميت من حيث الغسل والكفن والدفن 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 10689


 

ــ[401]ــ

   [ 873 ] مسألة 12 : القطعة المبانة من الميِّت ((1)) إن لم يكن فيها عظم لا يجب غسلها ولا غيره بل تلف في خرقة وتدفن (1) وإن كان فيها عظم وكان غير الصّدر تغسل وتلفّ في خرقة وتدفن ، وإن كان الأحوط تكفينها بقدر ما بقي من محل القطعات الثلاث ، وكذا إن كان عظماً مجرّداً . وأمّا إذا كانت مشتملة على الصّدر وكذا الصّدر وحده فتغسل وتكفن ويصلى عليها وتدفن . وكذا بعض الصّدر إذا كان مشتملاً على القلب ، بل وكذا عظم الصّدر وإن لم يكن معه لحم . وفي الكفن يجوز الاقتصار على الثوب واللّفافة إلاّ إذا كان بعض محل المئزر أيضاً موجوداً ، والأحوط القطعات الثلاثة مطلقاً ، ويجب حنوطها أيضاً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقتضى إطلاق ما دل على وجوب الغسل بمس الميِّت الذي لم يغسّل(2) فتشمل مسّ الشهيد والمقتول بالقصاص أيضاً فلا نعيد .

    القطعة المُبانة من الميِّت

   (1) الذي ينبغي أن يقال في المسألة إن القطعة من الميِّت إن صدق عليها عنوان الميِّت وجسده وإن كان ناقص الأعضاء ، فلا مناص من أن يرتب عليها جميع آثار الميِّت من التغسيل والتكفين والصلاة عليه والدفن ، إذ لا فرق في ذلك بين تام الأعضاء وناقصها ، كما لا فرق بينهما حياً ، كما لو كان الانسان ناقص اليد في حياته وذلك لاطلاق ما دل على أن الميِّت يغسّل ويكفّن ويصلى عليه ويدفن ، وهذا كما إذا كان فاقداً للاصبع أو اليد أو الرجل أو الرأس ، لأنه يصدق حينئذ أنه جسد زيد الميِّت ولكنه ناقص الرأس أو اليد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أكثر ما ذكر في هذه المسألة مبنيّ على الاحتياط .

(2) في العبارة خلل والصحيح أن يقال بدل «فتشمل مس الشهيد»، وجوب الغسل بمس الشهيد...

ــ[402]ــ

   وكذا إذا  كان ناقص الصّدر، إذ يصدق أنه جسد زيد الميِّت ولكنه ناقص الصّدر، إذ نسبة الصّدر إلى البدن كنسبة الرأس وغيره من الأعضاء إليه .

   بل الأمر كذلك فيما إذا بقيت عظامه من غير لحم ، كما إذا تناثر لحمه لعارض أو أكله السبع وبقيت عظامه المجردة ، لصدق أنه ميت إنساني فاقد اللحم . بل المدار في صدق ذلك على بقاء معظم الأجزاء بحيث يصدق أنه ميت انساني فاقد لعضو أو عضوين أو أكثر .

   ومنه يظهر أنه إذا بقي معظم الأجزاء من العظام ولم تبق بتمامها أيضاً يجب تغسيله وتكفينه ، لصدق أنه ميت وانسان فاقد اللحم وبعض العظام ، كما إذا أكل السبع لحمه وعظامه اللطيفة فانه في جميع هذه الصور لا بدّ من التغسيل وغيره من الآثار المترتبة على الميِّت تام الأعضاء ، وهو على طبق القاعدة .

   وأما إذا كانت القطعة عضواً من أعضاء الميِّت ولم يصدق عليها عنوان الميِّت كما إذا بقي رأسه أو رجلاه أو يداه أو صدره ، فانه لا يقال إنه زيد الميِّت مثلاً بل يقال هذا رأس زيد الميِّت وهذه رجله وهكذا ، فمقتضى القاعدة عدم وجوب شيء من الآثار الشرعية المترتبة على الميِّت ، لأصالة البراءة ، نعم لا بدّ من دفنها ، لما علمناه من وجوب دفن قطعات الميِّت احتراماً له ولو كان لحماً مجرّداً .

   وأمّا استصحاب وجوب التغسيل وغيره من الآثار قبل الانفصال أو قاعدة الميسور فشيء منهما لا يقتضي وجوبها ، وذلك لأن الاستصحاب لا يجري في الشبهات الحكمية ، على أن الموضوع غير باق بحاله ، لأن المحكـوم بتلك الآثار هو الميِّت الانساني لا الرأس المجرد مثلاً ، فالموضوع متعدد .

   وقاعدة الميسور غير تامة في نفسها ، وعلى تقدير التنازل فموردها ما إذا كان المركب متعذراً بعض أجزائه وكان بعضها الآخر ممكناً للمكلف ، ولا تجري في مثل المقام الذي لا يعدّ الممكن ميسوراً للمأمور به المتعذر ، فان تغسيل الرأس من الميِّت لا يعدّ ميسوراً من غسل الميِّت الانساني وإنما هما متغايران ، هذا كله بحسب القاعدة .

ــ[403]ــ

    روايات المسألة

   وأمّا بحسب الأخبار الواردة في المقام فلابد من التعرض لها ليظهر أنها موافقة مع القاعدة أو هي على خلافها .

   منها : ما رواه محمد بن علي بن الحسين باسناده عن علي بن جعفر «أنه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به ؟ قال : يغسل ويكفّن ويصلى عليه ويدفن»(1) وهي كما ترى مطابقة للقاعدة ، حيث دلت على وجوب ترتيب الآثار المترتبة على الميِّت عند بقاء عظامه لصدق أنه ميت إنساني ناقص اللحم كما مر .

   ومنها : ما رواه باسناده عن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليهما السلام) «أن عليّاً (عليه السلام) وجد قطعاً من ميت فجمعت ثم صلّى عليها ثم دفنت»(2) ووجدان القِطع من الميِّت له صورتان : إحداهما : أن تكون القطع الموجودة معظم الميِّت . وثانيهما : أن تكون جملة من أعضائه غير المعظم منها ، فلو كانت الرواية شاملة لكلتا الصورتين كانت على خلاف القاعدة ، لدلالتها على أنه (عليه السلام) صلّى على مقدار مجموع من العظام مع عدم صدق الميِّت عليها ، لعدم كونها معظم أعضائه .

   إلاّ أن الرواية تنقل فعل علي (عليه السلام) ولا إطلاق في الفعل ، فلا يمكن الاستدلال بها على وجوب ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على الميِّت على عضو أو عضوين أو غيرهما ، ممّا لا يصدق عليه عنوان الميِّت .

   ومنها : ما رواه الصدوق عن الصادق (عليه السلام) «عن رجل قتل ووجدت أعضاؤه متفرِّقة كيف يُصلّى عليه ؟ قال : يصلى على الذي فيه قلبه» (3) . ودلالة هذه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 134 / أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 1 .

(2) الوسائل 3 : 135 / أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 2 .

(3) الوسائل 3 : 135 / أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 3 .

ــ[404]ــ

الرواية على أن المدار في وجوب الصلاة وغيرها من الآثار على وجود الصّدر الذي هو وعاء القلب أو على وجودهما وإن كانت غير قابلة للانكار ، لكونها مطلقة فتشمل ما إذا وجد القلب مع شيء يسير من بقية أعضائه ، إلاّ أنها ضعيفة السند بالارسال فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه .

   ومنها : ما رواه الصدوق عن الفضل بن عثمان الأعور عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) «في الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة ، ووسطه وصدره ويداه في قبيلة والباقي منه في قبيلة قال : ديته على من وجد في قبيلته صدره ويداه والصلاة عليه»(1) .

   والرواية بحسب السند لا إشكال فيها ، لأن طريق الصدوق إلى الفضيل بن عثمان الأعور وإن كان مشتملاً على محمد بن عيسى بن عبيد وقد ضعفه الشيخ (2) (قدس سره) إلاّ أن الظاهر وثاقته ، لأنه وثقه النجاشي (3) وكأن منشأ تضعيف الشيخ له هو ما ذكره ابن الوليد شيخ الصدوق (قدس سرهما) من أنه لا يعتمد على ما تفرد به محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس ، وحمله على الضعف في الرجل .

   إلاّ أن النجاشي اعترض على ذلك بقوله : من مثل محمد بن عيسى ، فلعل وجه تضعيف ابن الوليد كان لخصوصية فيما يتفرد به عن يونس (4) .

   ثم إن الموجود في الرجال هو الفضيل بن عثمان الأعور دون الفضل ، وصاحب الوسائل نقل الرواية عن الفضيل في كتاب القصاص في الباب الثامن من أبواب دعوى القتل وما يثبت به (5) كما أن الصدوق إنما يروي عن الفضـيل ، فالفضل ـ كما في هذا المقام  ـ غلط من النساخ(6) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 135 / أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 4 . الفقيه 4 : 123 / 428 .

(2) الفهرست : 140 / 611 .

(3) رجال النجاشي : 333 / 896 .

(4) ولتوضيح ذلك راجع معجم الرجال 18 : 119 / 11536 .

(5) الوسائل 29 : 150 / أبواب دعوى القتل ب 9 ح 6 .

(6) الشيخ الصدوق (قدس سره) في هذا الباب يروي عن الفضل [ الفقيه 1 : 104 / 484 ] وفي    باب 67 من أبواب الديات يرويها عن الفضيل بن عثمان [ الفقيه 4 : 123 / 428  ]والشيخ الطوسي (قدس سره) يروي في البابين عن الفضل [ التهذيب 3 : 329 / 1030 ، 10 : 213 / 842 ] والموجود في كتب الرجال كلا التعبيرين راجع المعجم 14 : 327 / 9388 .

ــ[405]ــ

   وأمّا بحسب الدلالة فهي ظاهرة المطابقة مع القاعدة ، وذلك لأن الظاهر أن المراد بالصّدر واليدين في قوله (عليه السلام) «ديته على من وجد في قبيلته صدره ويداه والصلاة عليه» هو القطعة الوسطانية من البدن وهي عند قبيلة ، والرأس عند قبيلة اُخرى ، والقطعة السفلى ـ وهي الرجلان ـ عند قبيلة ثالثة ، ولا إشكال في أن القطعة الوسطانية يصدق عليها عنوان الميِّت ويقال إنها جسد زيد فاقد الرأس والرجلين ، ولا يصدق على الرأس فقط أو الأسفل فقط . ويؤيده ما ورد في سؤال السائل من قوله «ووسطه وصدره ويداه في قبيلة» وعليه فالحكم في الرواية على طبق القاعدة .

   ومنها : ما رواه الشيخ باسناده عن الفضيل بن عثمان الأعور (1) وهي مثل الرواية السابقة إلاّ أنها ضعيفة بمحمد بن سنان الواقع في سندها .

   ومنها : ما رواه خالد بن ماد القلانسي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به ؟ قال : يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن ، فاذا كان الميِّت نصفين صلِّي على النصف الذي فيه قلبه» (2) وهي أيضاً على وفق القاعـدة ، لصدق الميِّت على العظام المجردة كما مرّ ، كما أنه يصدق على النصف المشتمل على الصّدر والقلب فيما إذا قدّ نصـفين ، وهذا بخلاف النصف الآخر ـ أعني الرجلين وما فوقهما ـ لعدم صدق أنه زيد الميِّت مثلاً .

   ومنها : ما عن طلحة بن زيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال : «لا يصلّى على عضو : رجل أو يد أو رأس منفرداً ، فاذا كان البدن فصُلِّي عليه ، وإن كان ناقصاً من الرأس واليد والرجل» (3) . وهي بحسب السند معتبرة ، لأن طلحة بن زيد وإن لم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 135 / أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 4 ، التهذيب 3 : 329 / 1030 .

(2) الوسائل 3 : 136 / أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 5 .

(3) الوسائل 3 : 136 / أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 7 .

ــ[406]ــ

يرد فيه توثيق إلاّ أن الشيخ ذكر أنّ له كتاباً يعتمد عليه وهو توثيق منه له ، وأما دلالتها على ما ذكرناه فظاهرة .

   ومنها : صحيحة محمد بن مسلم أو حسنته عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «إذا قتل قتيل فلم يوجد إلاّ لحم بلا عظم لم يصلّ عليه ، وإن وجد عظم بلا لحم فصلّ عليه» (1) .

   فان أريد من قوله (عليه السلام) «وإن وجد عظم بلا لحم فصلّ عليه» أن القطعة المبانة من الميِّت إن وجد عظم منها بلا لحم صلِّي عليه ، فهو ممّا لم يلتزم به أحد من أصحابنا ، لأن العظم المجرد لم يوجبوا الصلاة عليه ، بل لو كان مع اللّحم أيضاً لا يجب عليه الصلاة كما تقدم في رواية طلحة بن زيد حيث قال : «لا يصلى على عضو : رجل أو يد أو رأس ، منفرداً» فالرواية على هذا التقدير ـ مضافاً إلى عدم كونها معمولاً بها ـ معارضة برواية طلحة بن زيد المتقدِّمة .

   وأما إذا اُريد منه ما هو ظاهر الرواية من أن القتيل إذا وجد عظماً بلا لحم صلِّي عليه ، لا القطعة منه ، فهو على طبق القاعدة ، لأن معناها : أن القتيل إذا قطع لحمه أو أكله السبع وبقى عظمه ـ أي تمام عظامه ـ وجبت عليه الصلاة ، ومن الظاهر أن العظام المجردة يصدق عليها الميِّت كما سبق ، بل يصدق الميِّت على معظم العظام وإن لم تكن جميعها ، هذا .

   وقد حملها في الوسائل على وجود عظام الصّدر ، وهو مما لا دليل عليه .

   ومنها : ما رواه البرقي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا وجد الرجل قتيلاً فان وجد له عضو تام صلي عليه ودفن ، وإن لم يوجد له عضو تام لم يصل عليه ودفن» (2) ومضمونها أنّ العبرة في وجوب الصلاة إنما هي بما إذا وجد عضو تام من أعضاء الميِّت من رأس أو يد أو نحوهما .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 136 / أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 8 .

(2) الوسائل 3 : 137 / أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 9 .

ــ[407]ــ

   وتدلّ عليه أيضاً مرسلة الكليني : «وروي أنه يُصلّى على الرأس إذا اُفرد من الجسد» (1) ورواية ابن المغيرة أنه قال : «بلغني عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه يصلّى على كل عضو : رجلاً كان أو يداً ، والرأس جزء (2) فما زاد ، فاذا نقص عن رأس أو يد أو رجل لم يصلّ عليه» (3) .

   وهذه الأخبار حملها بعض الفقهاء على استحباب الصلاة على العضو التام ، ومال المحقق الهمداني (قدس سره) إلى الوجوب ، نظراً إلى أن حمل الأخبار على الاستحباب خلاف الظاهر ، ولا وجه لطرح ظاهرها (4) .

   ومن الغريب أنه عبّر عن رواية البرقي بالصحيحة ، والمظنون أن الذي دعاه إلى الاحتياط في الصلاة على العضو التام والميل إلى وجوبها هو تخيله أن الرواية صحيحة .

   وليت شعري لماذا خفي عليه الأمر وهي مرسلة ، إذ البرقي رواها عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام) مع أن الظاهر أنه راجع الوسائل في المقام حيث قال : وفي الوسائل : قال الكليني «وروي أنه يصلى على الرأس إذا اُفرد من الجسد» .

   وكيف كان ، فالروايات ضعيفة حتى ما رواه ابن المغيرة ، لأنه قال : بلغني عن أبي جعفر (عليه السلام) ولم يذكر الواسطة في البلوغ إليه .

   فالأخبار مرسلة بأجمعها ومعارضة مع معتبرة طلحة بن زيد لو سلمنا اعتبار أسناد الروايات ، ولا يمكن دعوى انجبار ضعفها بعمل الأصحاب ، لعدم التزامهم بوجوب الصلاة على العضو التام ، بل حملها بعضهم على الاستحباب وهو الصحيح

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 137 / أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 10 . الكافي 3 : 212 / 2 وفيه «لا يُصلّى على الرأس ....» .

(2) «أو الرأس جزءاً» في بعض النسخ .

(3) الوسائل 3 : 138 / أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 13 .

(4) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 372  السطر 6 .

ــ[408]ــ

   [ 874 ] مسألة 13 : إذا بقي جميع عظام الميِّت بلا لحم وجب إجراء جميع الأعمال .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لضعف أسنادها ومعارضتها مع معتبرة طلحة بن زيد الصريحة في أن العضو لا يُصلّى عليه .

   ومنها : مرسلة عبدالله بن الحسين عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا وسط الرجل بنصفين صلي على النصف الذي فيه القلب» (1) وهي مطابقة مع القاعدة ، لأن النصف الذي فيه القلب يصدق عليه الميِّت دون النصف الآخر .

   ومنها : مرسلة البزنطي عن أصحابنا رفعه قال : «المقتول إذا قطع أعضاؤه يصلّى على العضو الذي فيه القلب» (2) وهي مرسلة لا يمكن الاعتماد عليها ، نعم إذا حمل العضو الذي فيه القلب على النصف الذي فيه القلب أو الجملة المعتد بها والمشتملة على القلب كانت مطابقة للقاعدة .

   فالمتحصل إلى هنا : أن ما ذكره المشهور من أن اللّحم المجرّد يلف في خرقة ويدفن وإن كان عظم مجرّد أو عظم مع لحم غسل ودفن ، وأما الصّدر المجرّد أو هو مع غيره فلا بدّ من تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ، ممّا لا يساعده دليل ولا شيء من الأخبار المعتبرة ، ومن هنا ذكرنا في التعليقة أن الحكم في تلك الموارد مبنيّ على الاحتياط .

   نعم، قد يستدل على وجوب تغسيل العظم بالمرسلة المتقدِّمة في مبحث غسل مسّ الميِّت وهي مرسلة أيوب بن نوح عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة فاذا مسه إنسان فكل ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل، فان لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه»(3) وذلك لأن الرواية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 137 / أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 11 .

(2) الوسائل 3 : 138 / أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 12 .

(3) الوسائل 3 : 294 / أبواب غسل المسّ ب 2 ح 1 .

ــ[409]ــ

وإن كانت واردة في القطعة المبانة من الحي ، إلاّ أنه إذا ثبت وجوب الغسل بالمس في الحي ثبت في مسّ القطعة المبانة من الميِّت بطريق أولى ، وحيث إن بين وجوب الغسل بمس ما فيه العظم ووجوب تغسيله ملازمة فتدل الرواية على أن القطعة المبانة من الميِّت المشتملة على العظم لا بدّ من تغسيلها .

   ويرد عليه : أن الرواية مرسلة لا يمكن الاعتماد عليها . على أنها إنما وردت في الحي وتعدينا إلى الميِّت بالأولوية ، ومن الظاهر أن الأصحاب لم يلتزموا بوجوب التغسيل في القطعة المبانة من الحي إذا كانت مشتملة على العظم كالاصبع فمن أين نثبت ذلك في الميِّت بالأولوية . فالاستدلال بها لو كان تاماً فهو في وجوب الغسل بالمس وحسب ، هذا .

   على أنه لا ملازمة بين وجوب الغسل بالمس ووجوب التغسيل كما في مسّ بدن الناصب ومن في حكمه من الكفار وغيره ، فانه يوجب غسل المسّ ولا يجب تغسيله وذلك لأن التغسيل إنما يجب في الميِّت المسلم لا في المحكومين بالكفر وهو ظاهر .

   وأما الاستدلال بالاجماع ، فالانصاف أن دعوى الاجماع على وجوب الدفن في اللحم والعظم والصّدر ، لأن حرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً ، غير بعيدة ، وأما التغسيل والتكفين والصلاة عليه ، فإن اُريد من الاجماع ، الاجماع المنقول فهو موجود وقد نقل في المسألة إلاّ أنّا لا نعتمد على الاجماعات المنقولة بوجه .

   وإن اُريد منه الاجماع المحصل التعبدي الكاشف عن قول المعصوم (عليه السلام) فهو مما لا نحتمله فضلاً عن حصول الاطمئنان به ، وذلك لأن أكثر الأصحاب عبّروا بالقطعة المشتملة على الصّدر ولم يعبّروا بالصدر في دعوى الاجماع على وجوب التغسيل والتكفين . وعبّر المحقق (قدس سره) بالصدر واليدين(1) والمظنون أنه (قدس سره) تبع رواية الفضيل بن عثمان الأعور المتقدِّمة ، ولعلّ مرادهم ما إذا كانت القطعة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المعتبر 1 : 316  (وعبّر بما فيه القلب أو الصّدر واليدان أو عظام الميّت) ، الشرائع 1 : 44 (وعبّر بما فيه الصّدر أو الصّدر وحده) .

ــ[410]ــ

معظم الأعضاء أو غيره ممّا يصدق عليه عنوان الميِّت ، فلم يثبت إجماع تعبّدي على ترتيب تلك الاُمور على الصّدر المجرّد أو الصّدر مع بعض الأجزاء التي لا يصدق عليها عنوان الميِّت ، فالأحكام المذكورة مبتنية على الاحتياط .

   تتمّة الكلام : ذكرنا أن وجوب الصلاة وغيرها من الآثار المترتبة على الميِّت إنما تجب فيما إذا صدق على الموجود الخارجي عنوان الميِّت ، وأما إذا لم يصدق عليه ذلك بل كانت قطعة منه كالرأس أو الرجلين أو الصّدر مجرداً أو منضماً إلى شيء آخر لا يصدق الميِّت على المجموع فلا يجب الصلاة عليه ولا التغسيل ولا التكفين .

   ثم لو قلنا بما ذهب إليه المشهور من وجوب الصلاة على الصّدر المجرد أو المنضم إلى شيء آخر فهل يجب ترتيب بقية الآثار عليه كالتغسيل والتكفين أو لا يجب ؟

   قد يقال : إن الصلاة أخص من غيرها ، فاذا وجبت وجبت البقية أيضاً ، وإن كان يمكن أن تجب البقية من دون أن تجب الصلاة ومن هنا التزم المشهور في العظم المجرّد أو مع غيره بوجوب التغسيل من دون وجوب الصلاة .

   وهذه الدعوى غير بعيدة في نفسها ، وذلك لأن محل الصلاة إنما هو بعد التغسيل والتكفين ، فاذا وجبت الصلاة لا بدّ أن يلتزم بوجوب التغسيل والتكفين قبلها وإلاّ لم تقع الصلاة في محلِّها ،

   إلاّ أن هذا فيما إذا وجبت الصلاة على الميِّت ، وأما إذا وجبت الصلاة على ما لا يصدق عليه الميِّت كالقطعة منه مثل الصّدر ونحوه فلم يقم دليل على أن محل الصلاة عليه بعد التغسيل والتكفين ، فلا ملازمة بين وجوب الصلاة عليه وبين وجوب تغسيله وتكفينه ، ولا سيما في التكفين فان التكفين الواجب ثلاث قطعات : الازار والمئزر واللفافة ، مع أن القطعة قد لا تتصل بها الرجلان كما إذا وقعتا في محل آخر أو أكلهما السبع ونحو ذلك ، ومع عدم بقاء الموضوع للمئزر لا معنى للالتزام بوجوبه ووجوب التكفين بالقطعات الثلاثة ، فان المئزر للرجلين والمفروض عدمهما .

   وأما استصحاب وجوب التغسيل والتكفين الثابت على الميِّت وأجزائه قبل




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net