خلاف صاحب المدارك في وجوب المئزر 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء التاسع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7787


ــ[84]ــ

   الاُولى : المئزر (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    القطعة الاُولى :  المئزر

   (1) المعروف بينهم أنّ الأجزاء الثلاثة من الكفـن هي المئزر والقميص والازار وأنّ المئزر يجب أن يكون من السرة إلى الركبة والأفضل من الصدر إلى القدم والقميص يجب أن يكون من المنكبين إلى نصف الساق والأفضل إلى القدم ، والازار ثوب يغطي تمام البدن .

   وذكر بعضهم(1) أن كون قطعات الكفن بتلك الكيفيّة الّتي ذكرها المشهور بأن يكون المئزر من السرة إلى الركبة لا مستند له من الأخبار ، وإنّما الموجود فيها ثوبان وقميص أو ثلاثة أثواب ، والمتبادر منها أن تكون أثواباً شاملة لتمام البدن ، إلاّ أنّا علمنا أن أحدها القميص ، إمّا قميصه الّذي كان يصلّي فيه حال الحياة كما ورد في بعض الأخبار وأ نّه أحب (2) أو مطلق القميص ، فلا يجب أن يكون شاملاً لتمام البدن ، وأمّا الآخران فلا بدّ أن يكونا شاملين لتمام البدن ، فما هو المعروف من كون أحدها المئزر ـ  وهو ما يستر به ما بين الركبة والسرة  ـ ممّا لا وجه له ، هذا .

   والصحيح ما ذكره المشهور في المقام ، وذلك لأنّ المئزر كما ذكروه وإن لم يرد في الأخبار إلاّ أ نّه ورد فيها الازار ، وظاهر إطلاق الفقهاء الازار في مقابل المئزر في قطعات الكفن وإرادتهم منه الثوب الشامل لتمام البدن ، أنّ الازار متى اُطلق في الأخبار إنّما هو بهذا المعنى المذكور .

   إلاّ أنّ الصحيح أنّ الازار هو ما يشد به من الوسط ـ  أي السرة إلى الركبة أو القدم  ـ فهو بمعنى المئزر في كلماتهم وهو المعبّر عنه بالوزرة عند الاصطلاح فان هذا هو معناه لغة فانّه من الازر بمعنى الظهر كما في قوله تعالى (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي )(3)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهو صاحب المدارك 2 : 94 .

(2) الوسائل 3 : 7 /  أبواب التكفين ب 2 ح 5 ، وفي ص 16 /  ب 4 ح 3 .

(3) طه 20 : 31 .

ــ[85]ــ

والاُزر بالضم موضع الازار من الحقوين مقابل السرة ، ويطلق على كل ما سترك ، ومنه إطلاقه على الدار لأنّها ساترة للانسان عن الغير ، وعلى المرأة لكونها ساترة الرجل عن الفحشاء ، وعلى الملكة النفسانية فيقال : العفاف إزاره أي ساتره من المعايب والمعاصي . وظني أ نّه اُطلق على تلك الاُمور بالتبع ، لأنّها كالوزرة ممّا يتستر به ، لا أنّها من معاني الازار وإنّما اختص بالمئزر والوزرة ، لأنّ العورة أوّل ما يريد الانسان ستره ولا يرضى بكشفه للغير .

   وعليه فالازار محمول على معناه اللغوي وهو المئزر في كلماتهم . وفي الروايات الواردة في ستر العورة في الحمام ما يدل على ذلك بوضوح كرواية حنان بن سدير(1) وكذا فيما ورد في ثوبي الإحرام من أ نّه إزار وغيره (2) .

   وبهذا يندفع الاشكال عن المشهور في تفسيرهم المئزر وأ نّه ما يشد على الوسط من السرة إلى الركبتين ، لأنّ المئزر وإن لم يرد في الأخبار إلاّ أنّ الازار بمعنى المئزر .

   فالكفن هو الازار ـ بمعنى المئزر ـ والقميص ، والثوب ـ  أي التام الشامل لتمام البدن  ـ  ، وهذا الّذي ذكره المشهور يستفاد من الأخبار الواردة في المقام بوضوح ونحن نتعرّض إلى الأخبار المعتبرة منها .

    الأخبار الواردة في المقام

   منها :  معتبرة يونس عنهم (عليهم السلام) قال : «في تحنيط الميِّت وتكفينه ، قال : ابسط الحبرة بسطاً ـ وهي الثوب الشامل لتمام البدن ـ ثمّ ابسط عليها الازار ثمّ ابسط القميص عليه وتردّ مقدم القميص عليه ... » (3) ، وقد مرّ أن نظائر ذلك من الأخبار لا يعامل معها معاملة المراسيل ، لأنّها مروية عن علي بن إبراهيم عن رجاله عن يونس.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 39 /  أبواب آداب الحمام ب 9 ح 4 .

(2) الوسائل 12 : 361 /  أبواب الإحرام ب 29 ح 2 وغيرها .

(3) الوسائل 3 : 32 /  أبواب التكفين ب 14 ح 3 .

ــ[86]ــ

   ومنها :  موثقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه سئل عن الميِّت ، فذكر حديثاً يقول فيه : «ثمّ تكفنه ، تبدأ وتجعل على مقعدته شيئاً من القطن وذريرة تضم فخذيه ضمّاً شديداً ، وجمر ثيابه بثلاثة أعواد ، ثمّ تبدأ فتبسط اللفافة طولاً ـ اللفافة والحبرة بمعنى واحد ـ ثمّ تذر عليها من الذريرة ثمّ الازار طولاً حتّى يغطي الصدر والرجلين ... » (1) .

   ومنها :  صحيحة عبدالله بن سنان قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) كيف أصنع بالكفن ؟ قال : تأخذ خرقة فتشد بها على مقعدته ورجليه ، قلت : فالازار ؟ قال : لا ، إنّها لا تعدّ شيئاً إنّما تصنع لتضم ما هناك لئلاّ يخرج منه شيء وما يصنع من القطن أفضل ... » (2) حيث تعجب عبدالله بن سنان من أمره بأخذ الخرقة لشد مقعدته تخيلاً أنّ ذلك لستر عورته فقال : إنّ الازار هو الساتر لها فلا حاجة إلى الخرقة ، فأجابه (عليه السلام) بأنّ الخرقة ليست من الكفن ولا لستر العورة ، بل للتحفظ من خروج شيء منه، فتدل على أنّ الازار إنّما هو المئزر الّذي يشدّ من السرة إلى الركبتين.

   ومنها :  صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «يكفن الرجل في ثلاثة أثواب، والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع ، ومنطق ، وخمار ولفافتين»(3) وهي وإن لم تدل على أنّ الكفن في الرجال أيّ شيء إلاّ أنّا علمنا خارجاً أن زيادة الكفن في المرأة عن الرجال إنّما هو الخمار واللفافة الثانية، فيبقى للرجال ثلاثة: الدرع وهو القميص وقد يطلق على القميص المصنوع من الحديد ، والمنطق بمعنى ما يشد به من الوسط أي المئزر ـ  وبهذا الاعتبار تطلق المنطقة ومنطقة البروج بتخيّل الدائرة في الفلك كالمنطقة  ـ واللفافة وهي الحبرة أي الثوب التام لتمام البدن ، فالأخبار الواردة في المقام يستفاد منها ما ذكره المشهور بوضوح ، هذا كلّه في الأخبار المعتبرة وأمّا غيرها فكثيرة لا حاجة إلى التعرّض لها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 33 /  أبواب التكفين ب 14 ح 4 .

(2) الوسائل 3 : 8 /  أبواب التكفين ب 2 ح 8 .

(3) الوسائل 3 : 8 /  أبواب التكفين ب 2 ح 9 .

ــ[87]ــ

   وتدل على ذلك ـ مضافاً إلى ما ذكرناه من أ نّه معنى الازار لغة واستظهرناه من الأخبار المتقدمة ـ السيرة العملية الجارية على ذلك ، إذ من البعيد أن تكون هذه السيرة على خلاف الحكم الثابت في الشريعة المقدسة ، فهذا يكشف عن أنّ المراد بما ورد في الأخبار هو المئزر ، وذلك لأنّ الحكم لو كان على خلاف ذلك لاشتهر وبان لأنّ المسألة ممّا تعم بها البلوى في كل زمان ومكان ولا يكاد يخفى حكمها على أحد ولم ينحصر المخالف فيها بصاحب المدارك وتلميذه الأمين الاسترابادي ـ كما في الحدائق(1) ـ ولم تظهر المخالفة في عصرهما بل ظهرت من الابتداء .

   فتحصل : أن ما ذكره صاحب المدارك من كون الكفن ثوبين وقميصاً غير متعين ، فهل هو جائز بأن يكفن الميِّت بدلاً عن المئزر ثوباً شاملاً ؟

   الصحيح عدم جوازه أيضاً ، فانّ الوارد في جملة من الأخبار وإن كان مطلق الثوب إلاّ أنّ الأخبار المتقدمة الّتي استظهرنا منها كون أحد الأكفان مئزراً ـ ولا سيما ما دلّ على أنّ الكفن في المرأة العظيمة خمسة ، درع ومنطقة ... فانّها صريحة في إرادة المئزر لأنّ المنطقة ما يشد به من الوسط ـ ظاهرة في تعينه ، ولا مسوغ لرفع اليد عن ظهورها في التعين بوجه .

   فما أفاده صاحب المدارك غير مشروع في نفسه فضلاً عن تعينه ، والمتعين ما ذكره المشهور من كون الكفن الأوّل هو المئزر .

   وأمّا القميص فهل هو متعيّن أو يجوز أن يلبس الميِّت بدله ثوباً شاملاً ؟ .

   ظاهر كلام المدارك هو الجواز ، لأ نّه جمع بين ما دلّ على أنّ الأكفان ثلاثة أثواب وما دلّ على أنّها ثوبان وقميص ، فيحمل على التخيير بين الثوب والقميص ، ولما دلّ على التخيير في ذلك من النصوص وهي روايتان :

   إحداهما : ما رواه الصدوق (قدس سره) عن موسى بن جعفر (عليه السلام) «أ نّه سئل عن الميِّت يموت أيكفن في ثلاثة أثواب بغير قميص ؟ قال : لا بأس بذلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نقله في الحدائق 4 : 3 وراجع المدارك 2 : 94 .

ــ[88]ــ

والقميص أحب إليّ» (1) .

   وثانيتهما : ما رواه محمد بن سهل عن أبيه قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الثياب التي يصلِّي فيها الرّجل ويصوم أيُكفّن فيها ؟ قال : اُحبّ ذلك الكفن ، يعني قميصاً ، قلت : يدرج في ثلاثة أثواب ؟ قال : لا بأس به ، والقميص أحبّ إليّ»(2) .

   وفيه : أن مقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيّد لا الجمع بينهما بالتخيير ، حيث إن ما دلّ على أنّ الأكفان ثلاثة أثواب مطلق فيحمل على ما دلّ على أن أحدها قميص .

   وأمّا الروايتان ، فالاُولى منهما ضعيفة بالارسال ، على أ نّه لم يعلم كونها رواية أصلاً ، لاحتمال أن يشير الصدوق بها إلى ما ورد في ذيل الرواية الثانية عن موسى بن جعفر (عليه السلام) لاتحادهما في المضمون .

   وأمّا الرواية الثانية فهي ضعيفة أيضاً ، لأن محمّد بن سهل لم يوثق ولم يمدح . على أن دلالتها قاصرة ، إذ أن قوله (عليه السلام) «والقميص أحب إليّ» بمعنى أنّ القميص الّذي كان الميِّت يصلّي فيه ويصوم أحب من القميص الّذي ليس كذلك ، أو القميص المصنوع من الأكفان ، لا أ نّه أحب من الثوب لتدل على التخيير بين الثوب والقميص وكون الثاني أفضل .

   نعم ، دلالة المرسلة على المدّعى ممّا لا إشكال فيها إلاّ أن سندها ضعيف ، هذا كلّه في القميص .

   وأمّا الازار فلم يستشكل أحد في تعينه ـ بمعنى الثوب التام ـ حتّى صاحب المدارك لأن هذا الثوب وإن لم يرد في الأخبار بعنوان الازار لما تقدّم من أ نّه بمعنى المئزر ، إلاّ أ نّه ورد بعنوان اللفافة والثوب الشامل ونحوهما .

   فتحصل : أنّ المئزر والقميص والازار ـ بمعنى الثوب الشامل ـ واجبات متعينة في التكفين .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 12 /  أبواب التكفين ب 2 ح 20 ، الفقيه 1 : 93 /  424 .

(2) الوسائل 3 : 7 / أبواب التكفين ب 2 ح 5 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net