انفعال المضاف بالملاقاة مع النجاسة وإن كان كثيراً 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7311


    المضاف ينفعل بالملاقاة

   أمّا المقام الأول: فقد تسالموا على أن المضاف ينفعل بملاقاة النجاسة، ولم يستشكل في ذلك أحد من الأصحاب ، ويدل عليه جميع ما دلّ على عدم جواز استعمال سؤر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 202 / أبواب الماء المضاف ب 2 ح 1 .

(2) الوسائل 1 : 133 / أبواب الماء المطلق ب 1 ح 4 .

ــ[35]ــ

الكلب والخنزير والكافر والكتابي على تقدير نجاسته ، بل الناصب على ما في بعض الروايات (1) ولو لا نجاسة تلك الأسآر بمباشرة أحد هذه المذكورات لم يكن وجه للمنع من استعمالها، وإطلاق تلك الأخبار يشمل ما إذا كان السؤر من المائعات المضافة ، إذ المراد بالسؤر مطلق ما باشره جسم حيوان ولو بغير الشرب ، فلا اختصاص له بالماء ولا بالمباشرة بالشرب ، فالذي تحصّل إلى هنا : أن ملاقاة النجاسة تقتضي نجاسة ملاقيها مطلقاً ، والحكم بعدم الانفعال في بعض الملاقيات يحتاج إلى دليل وهو مفقود في المقام .

   أمّا المقام الثاني : فالصحيح أ نّه لا فرق في انفعال المضاف بين قلّته وكثرته والوجه في ذلك : أن المستفاد من روايات الأسآر أن نجاسة الملاقي من آثار نجاسة الملاقى كما يستفاد هذا من موثقة عمّار المتقدمة (2) حيث دلت بعمومها على وجوب غسل كل ما لاقاه متنجس، فنجاسة الملاقى بنفسها تقتضي نجاسة كل ما لاقاه كثيراً كان الملاقي أم قليلاً ، ماءً كان أو مضافاً ، والخروج عن ذلك يحتاج إلى دليل ، ومن يدعي عدم انفعال الملاقي للنجس في مورد فعليه إثبات عدم تأثره وانفعاله بالملاقاة وقد أثبتنا ذلك في الكر من الماء بما يأتي في محله . وأمّا غيره كالماء القليل أو المضاف قليله وكثيره فلم يقم دليل على عدم انفعاله بملاقاة النجس ، فمقتضى ما ذكرناه من القاعدة عدم الفرق في انفعال المضاف بالملاقاة بين قليله وكثيره .

   ومما يوضح ما ذكرناه ويؤكده : الاستثناء الواقع في بعض روايات الأسآر (3) حيث إنه بعد ما منع عن استعمال سؤر الكلب في الشرب استثنى منه ما إذا كان السؤر حوضاً كبيراً يستقى منه ، فإن الاستقاء قرينة على أن المراد بالحوض الكبير هو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهي موثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : «واياك أن تغتسل من غسالة الحمّام ، ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت فهو شرهم ، فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب وأنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه» المروية في الوسائل 1 : 220 / أبواب الماء المضاف ب 11 ح 5 .

(2) الوسائل 1 : 142 / أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1 .

(3) الوسائل 1 : 226 / أبواب الأسآر ب 1 ح 7 .

ــ[36]ــ

الحوض المحتوي على الماء لأ نّه الذي يستقى منه للحيوان أو لغيره ، والحوض الكبير يشمل الكر بل الأكرار ، فالرواية دلت على نجاسة السؤر في غير ما إذا كان كراً من الماء ، بلا فرق في ذلك بين ما كان ماءً ولم يكن كراً وما إذا لم يكن ماءً أصلاً ، كما إذا كان مضافاً ، قليلاً كان أم كثيراً ، فالخارج عن الحكم بنجاسة الملاقي للنجس ليس إلاّ الكر من الماء .

   ويدل على ذلك أيضاً أمران :

   أحدهما : ما ورد في بعض الأخبار من أن الفأرة إذا وقعت في السمن فماتت فيه فإن كان جامداً فألقها وما يليها وكُلْ ما بقي ، وإن كان ذائباً فلا تأكله ، واستصبح به والزيت مثل ذلك (1) حيث إننا نقطع من قوله (عليه السلام) والزيت مثل ذلك أن الحكم المذكور ـ أعني نجاسة ملاقي النجس ـ ليس مما يختص بالسمن أو الزيت وإنّما هو مستند إلى ميعانهما وذوبانهما ، فكل مائع له ذوبان يحكم بنجاسته إذا لاقى نجساً بلا  فرق في ذلك بين كثرته وقلته .

   وبعبارة اُخرى السمن والزيت وإن كانا خارجين من المضاف ، إلاّ أ نّا نقطع بعدم خصوصية لهما في الحكم ، وأ نّه مستند إلى ذوبان الملاقي وميعانه مضافاً كان أم لم يكن وعلى الأوّل قليلاً كان أم كثيراً .

   وثانيهما : موثقة عمار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سُئل عن الخنفساء والذباب والجراد ، والنملة ، وما أشبه ذلك يموت في البئر ، والزيت ، والسمن ، وشبهه ، قال : كل ما ليس له دم فلا بأس» (2) حيث يظهر من قوله (عليه السلام) وشبهه أ نّه لا خصوصية للزيت والسمن المذكورين في الرواية ، بل المراد منهما مطلق المائع والرواية دلت على أنّ المائع إذا وقعت فيه ميتة ما لا نفس له لم يحكم بانفعاله وأقرت السائل فيما هو عليه من أن وقوع الميتة مما له نفس سائلة في شيء من المائعات

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 97 / أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 2 ، والوسائل 1 : 205 / أبواب الماء المضاف ب 5 ح 1 .

(2) الوسائل 3 : 463 / أبواب النجاسات ب 35 ح 1 .

ــ[37]ــ

   نعم ، إذا كان جارياً من العالي ((1)) إلى السافل ولاقى سافله النجاسة لا ينجس

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يقتضي نجاسته ، وقد دلت باطلاقها على عدم الفرق في المائع بين المضاف والمطلق وبين كثرته وقلته .

   ومما يؤيد به المدعى روايتان : إحداهما ما عن السكوني (2) وثانيتهما : رواية زكريا ابن آدم (3) وقد اشتملتا على السؤال عن حكم المرق الكثير الذي وجدت فيه ميتة فأرة كما في اُولاهما ، أو قطرت فيه قطرة خمر أو نبيذ مسكر كما في ثانيتهما وقد حكم (عليه السلام) في كلتيهما بأن المرق يهراق ، وأمّا اللحم فيغسل ويؤكل حيث دلتا على انفعال المضاف أعني المرق وهو ماء اللّحم مع فرض كثرته عند ملاقاته النجس ، ولا استبعاد في كون المرق بمقدار كر لما حكاه سيدنا الاستاذ (أدام الله إظلاله) من أن العرب في مضايفهم ربّما يطبخون بعيراً في القدور ، والقدر الذي يطبخ فيه البعير يشتمل على مرق يزيد عن الكر قطعاً ، ولا سيما على ما يأتي منّا في محلّه من تحديد الكر بسبعة وعشرين شبراً .

   ودعوى انصراف الأخبار عن المضاف الكثير لقلّة وجوده ـ لو سلّمت ـ فإنّما تتمّ في البلدان والأمصار دون القرى والبوادي ، لأ نّهم كثيراً ما يجمعون الألبان (4) في القدور أو غيرها بما يزيد عن الكر بكثير . فإذا دلّت الأخبار على انفعال المضاف بقليله وكثيره بالملاقاة ، فلا يفرق فيه الحال بين أن يكون كراً أو أزيد منه فإنّه ينفعل بملاقاة النجس مطلقاً حسب الأدلة المتقدمة .

   ثم إن قلنا بعدم انفعال المضاف الكثير فإن قلنا بعدم انفعاله أصلاً فهو كما مرّ مخالف للأدلّة المتقدمة ، وإن قلنا بانفعاله لا في تمامه بل في حوالي النجاسة الواقعة فيه وأطرافها، فيقع الكلام في تحديد ذلك وأ نّه يتنجس بأي مقدار ، مثلاً إذا وقعت قطرة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المناط في عدم التنجس أن يكون الجريان عن دفع وقوة من دون فرق بين العالي وغيره .

(2) الوسائل 1 : 206 / أبواب الماء المضاف ب 5 ح 3 .

(3) الوسائل 3 : 470 / أبواب النجاسات ب 38 ح 8 .

(4) المراد بها هو الذي يصنع منه الزبد المعبر عنه في الفارسية بـ «دوغ» لا الحليب فلا تستبعد .

ــ[38]ــ

العـالي منه كما إذا صبّ الجُـلاّب من إبريق على يد كافر ، فلا ينجس ما في الإبريق وإن كان متّصلاً بما في يده (1).

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دم في مرق كثير فهل نقول بتنجس المرق بمقدار شبر أو نصف شبر من حوالي تلك القطرة فيه أو بأزيد من ذلك أو أقل ؟ .

   لا سبيل إلى تعيين شيء من ذلك ، إذ لو قدّرنا الانفعال بمقدار شبر مثلاً ، فلنا أن نسأل عن أ نّه لماذا لم يقدّر شبر ومقدار إصبع ، وهكذا فيتعيّن أن يحكم بنجاسة جميعه وهذا أيضاً من أحد الأدلة على انفعال المضاف الكثير بملاقاة النجس .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net