منتهى وقت غسل الجمعة - ثمرة النزاع في كون الغسل بعد زوال الجمعة أداء أو قضاء 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 11733


ــ[10]ــ

إلى الزوال (1) وبعده إلى آخر يوم السبت قضاء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بزوال الليل ، وعليه فيكون ما بين الطلوعين من الليل .

   نعم دلنا غير واحد من الأخبار المعتبرة على أن ما بين الطلوعـين ملحق بالنهار ففي صحيحة أو حسنة زرارة والفضيل قالا «قلنا له : أيجزئ إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة ؟ فقال : نعم»(1) ، ورواه ابن ادريس في آخر السرائر نقلاً عن كتاب حريز بن عبدالله عن الفضيل وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله(2) ، ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حماد ابن عيسى مثله(3) ، ونظيرها ما رواه ابن بكير عن أبيه ومحمد بن الوليد عن ابن بكير(4) فليراجع .

 منتهى وقت غسل الجمعة

   (1) وقع الكلام في منتهى زمان الغسل يوم الجمعة فقال بعضهم بأن آخر وقته هو الزوال ، ذهب إليه المحقق في المعتبر (5) واستدل عليه بجملة من الأخبار :

   منها : صحيحة زرارة قال «قال أبو جعفر (عليه السلام) : لا تدع الغسل يوم الجمعة فانه سنة ، وشم الطيب والبس صالح ثيابك وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال ، فاذا زالت فقم ...»(6) .

   روى في الوسائل تمامها في أبواب صلاة الجمعة وصدرها في الباب السابع من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 322 / أبواب الأغسال المسنونة ب 11 ح 1 .

(2) السرائر 3 : 588 .

(3) الكافي 3 : 418 / 8 .

(4) الوسائل 3 : 322 / أبواب الأغسال المسنونة ب 11 ح 2 ، 4 .

(5) المعتبر 1 : 354 .

(6) الوسائل 7 : 396 /  أبواب صلاة الجمعة ب 47 ح 3 ، 3 : 317 /  أبواب الأغسال المسنونة ب  7 ح 1 .

ــ[11]ــ

أبواب الأغسال المسنونة ، حيث اشتملت على قوله (عليه السلام) : «وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال» وهو كناية عن عدم كونه بعد الزوال سواء كان قبله أم مقارناً للزوال ، وإنما بيّن خصوص الغسل قبله دون المقارن للغلبة ، فان الغالب أن يغتسل قبل الزوال أو بعده ، وأما الاغتسال بنحو يكون آخره مقارناً للزوال فهو نادر بعيد . وكيف كان ، فتدل على أنه بعد الزوال قضاء لا محالة .

   وفيه : أن الظاهر من الصحيحة أن أمره (عليه السلام) بذلك إنما هو من جهة كونه مقدمة للاُمور التي ذكرها بعده كقوله : «فاذا زالت فقم ...» . ولا إشكال في أفضلية قرب الزوال ، وليست الصحيحة بصدد بيان أن الغسل بعد الزوال قضاء .

   على أ نّا لو سلمنا أنها بصدد بيان أن الغسل لا بدّ أن يكون قبل الزوال لا تكون الصحيحة مقيدة للإطلاقات الواردة في الغسل ، لأن التقييد إنما يبتني على أن يكون غسل الجمعة واجباً ، وأما بناء على أنه مستحب كما تقدم فلا مقتضي لتقييد المطلقات بها على ما هو القانون في المطلق والمقيد في المستحبات ، فان المطلق في المستحبات يبقى على حاله واستحبابه ويكون المقيد أفضل الأفراد .

   ومنها : ما رواه سماعة بن مهران عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار ، قال : يقضيه آخر النهار ، فان لم يجد فليقضه من يوم السبت»(1) والاستدلال بها من جهتين :

   الاُولى : تعبيره (عليه السلام) بالقضاء في قوله : «يقضيه آخر النهار» .

   الثانية : اقتران الغسل بعد الزوال بالغسل يوم السبت ، فكما أنه قضاء بلا كلام فليكن الأمر كذلك بعد زوال يوم الجمعة .

   وفيه : أن الرواية لو تمت بحسب السند لا تتم بحسب الدلالة ، وذلك لأن القضاء في لغة العرب بمعنى الإتيان بالشيء وليس بالمعنى المصطلح عليه ، نعم علمنا خارجاً أن الغسل يوم السبت قضاء اصطلاحاً ، لا أن القضاء في الرواية بهذا المعنى ، بل معناه أنه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 321 / أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 3 .

ــ[12]ــ

إذا لم يأت به قبل الزوال يأتي به بعد الزوال وإلاّ فيقضيه يوم السبت .

   على أن الرواية ضعيفة سنداً وإن عبّر عنها في الحدائق بالموثقة (1) ، والظاهر أنه من جهة بنائه على أن الراوي جعفر بن عثمان الرواسي الثقة ، إلاّ أنه مما لا قرينة عليه لأنه مردد بين الموثق والضعيف(2) .

   ويحتمل أن يكون توثيقه الرواية من جهة أن الراوي عنه هو ابن أبي عمير ، نظراً إلى أنه لا يروي إلاّ عن ثقة ، وفيه : ما قدّمناه مراراً من أنه ونظراءه قد رووا عن غير الثقة أيضاً فلا يتم ما ذكروه من الكلية .

   ومنها : موثقة عبدالله بن بكير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة ، قال : يغتسل ما بينه وبين الليل ، فان فاته اغتسل يوم السبت»(3) .

   وتقريب الاستدلال بها أن مفروض السؤال من ابن بكير لا بدّ أن يكون هو فوت الغسل عنه قبل الزوال ، وإلاّ فلا معنى لقوله (عليه السلام) : «يغتسل ما بينه وبين الليل» ومعه تدل الموثقة على المدعى ، وذلك لأن السائل اعتقد أن الرجل حيث لم يأت بالغسل قبل الزوال فقد فاته الغسل ، والفوت إنما يتحقق بانقضاء وقت العمل والإمام (عليه السلام) لم يردعه عن هذا الاعتقاد ، بل أقره عليه وأفاده بأنه لو فاته قبل الزوال فليأت به بعده وإن فاته ففي يوم السبت .

   وفيه : أن مفروض سؤاله في الموثقة وإن كان لا بدّ أن يكون هو عدم الإتيان به قبل الزوال كما ذكر إلاّ أنه لا دلالة في الموثقة على الإمضاء وعدم الردع ، بل هي دالّة على الردع عنه ، فكأنه ذكر (عليه السلام) أنه إذا لم يأت بالغسل قبل الزوال لم يفته الغسل المأمور به بل يأتي به بينه وبين الليل وإلاّ ففي يوم السبت ، وليس في كلامه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 4 : 229 .

(2) الذي يظهر من السيد الاُستاذ (دام ظلّه) في المعجم 5 : 47  أنّ جعفر بن عثمان منصرف إلى الرواسي الثقة فيبقى إشكال الدلالة فقط .

(3) الوسائل 3 : 321 /  أبواب الأغسال المسنونة  ب 10 ح 4 .

ــ[13]ــ

لكن الأولى والأحوط ((1)) فيما بعد الزوال إلى الغروب من يوم الجمعة أن ينوي القربة من غير تعرض للأداء والقضاء ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(عليه السلام) أنه يكون فائتاً حينئذ .

   ويمكن أن يقال : إن التعبير بالفوت في كلام السائل إنما يريد به فوت الفرد الراجح من الطبيعة المأمور بها ، وهذا المقدار يكفي في صحّة التعبير بالفوت وإن لم تفت الطبيعة المأمور بها حينئذ .

   وعليه فالصحيح أن وقت غسل الجمعة يمتد إلى الغروب دون الزوال وإن كان الأحوط بل الأفضل أن يؤتى به قبل الزوال كما سيأتي .

   ونسب إلى الشيخ (قدس سره) أن غسل الجمعة يكون قضاء باتمام صلاة الجمعة(2) . وهذا أمر لم يقم عليه دليل ولم يرد في شيء من الروايات لا في معتبرها ولا في ضعيفها. ويحتمل أن يريد به ذهاب وقت الفرد الأفضل منه وهو ما يؤتى به قبل الصلاة ، إذ باتمامها ينتهي وقته ويكون قضاء .

    ثمرة النزاع في محل الكلام

   وهل هناك ثمرة في النزاع في أن الغسل بعد الزوال يوم الجمعة أداء أو قضاء ، أو لا تظهر له ثمرة عملية بوجه ؟ قد يقال : تظهر الثمرة في القصد ، لأنه على الأوّل لا بدّ من قصد الأداء إذا أتى به بعد الزوال كما لا بدّ من قصد القضاء على الثاني .

   وفيه : أن ذلك لا يكون ثمرة بوجه ، لأن الامتثال لا يتوقف على قصد الأداء والقضاء ، لأنه عبارة عن الإتيان بالعمل مضافاً إلى المولى ، دون اعتبار قصد الأداء والقضاء فيه .

   نعم هذا إنما يلزم إذا كان عليه واجبان وتوجه إليه أمران : أحدهما الأمر بالأداء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يترك .

(2) الخلاف 1 : 621  مسألة 378 .

ــ[14]ــ

كما أن الأولى مع تركه إلى الغروب أن يأتي به بعنوان القضاء في نهار السبت لا في ليله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والثاني الأمر بالقضاء ، كما لو فاتته صلاة الظهر أو الفجر من اليوم السابق فانه بعد الظهر أو الفجر يكلف بواجبين ، ولا يحصل الامتثال لأحدهما إلاّ بقصد الأداء أو القضاء . وأما إذا كان عليه أمر واحد فلا يلزم في امتثاله قصد شيء من الأداء أو القضاء ، فان الإتيان بقصد امتثال الأمر الفعلي كاف في الامتثال .

   وقد يقال بأن للنزاع ثمرتين اُخريين :

   إحداهما : أن من خاف أو أحرز إعواز الماء يوم الجمعة قبل الزوال يجوز له تقديم غسل الجمعة والإتيان به يوم الخميس ، كما أنه لو خاف أو أحرز إعوازه يوم السبت لم يجز له تقديمه يوم الخميس لأنه خارج عن وقت المأمور به .

   وأمّا إعوازه بعد الزوال فهو إنما يسوغ التقديم يوم الخميس إذا كان الغسل فيه أداء فان حكمه حكم [ ما ] قبل الزوال ، وإن كان الغسل فيه قضاء فحكمه حكم الإعواز يوم السبت فلا مسوغ لتقديمه يوم الخميس ، فالثمرة هي مشروعية التقديم على القول بامتداد وقت الغسل إلى الغروب وعدم مشروعيته بناء على كون الوقت إلى الزوال .

   وفيه : أن ما دلّ على جواز التقديم يوم الخميس قد اشتمل على الإعواز في الغد والغد يصدق على ما قبل الزوال كما يصدق على ما بعده على حد سواء ، فالاعواز في كلا الوقتين مسوغ للتقديم كان الغسل بعد الزوال أداءً أم كان قضاءً ، على أن ما دلّ على جواز التقديم مع الإعواز قبل الزوال أو بعده (1) ضعيف لا يمكن الاعتماد عليه .

   ثانيتهما : أنه إذا خاف أو اعتقد الإعواز يوم الجمعة وقدّم الغسل يوم الخميس ثم وجد الماء يوم الجمعة قبل الزوال لزم عليه إعادة الغسل ، لأن ما اعتقده أو احتمله لم يكن مطابقاً للواقع وهو متمكن من الغسل يوم الجمعة ، كما أنه لو وجده يوم السبت لم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 319 / أبواب الأغسال المسنونة ب 9 .

ــ[15]ــ

تلزم عليه الإعادة لأنه من الوجدان خارج الوقت ، وبما أنه لم يكن متمكناً من الماء في ظرف العمل جاز له تقديمه من دون لزوم الإعادة عليه .

   وأمّا لو وجده بعد الزوال فلزوم الإعادة عليه وعدمه يبتني على أن الغسل بعد الزوال أداء ليلحق بما قبل الزوال وحيث لم يكن معتقده واحتماله مطابقاً للواقع وكان متمكناً من الماء في ظرف العمل لزمت عليه الإعادة ، أو أنه قضاء ليلحق بالسبت في كونه من التمكن بعد الوقت ولا تلزم عليه الإعادة .

   ويدفعه : أن لزوم الإعادة عند وجدان الماء يوم الجمعة ليس مدلول رواية ولو ضعيفة ، وإنما الوجه فيه هو الإطلاقات الآمرة بالغسل لأنها لم تتقيد بالغسل يوم الخميس وعدمه ، بل مقتضاها لزوم الإتيان به يوم الجمعة مع التمكن من الماء ، وبما أنه لم يأتِ به يوم الجمعة وهو متمكن من الماء لا بدّ من أن يأتي به عملاً بالإطلاق .

   وهذا الإطلاق كما يقتضي الإعادة فيما لو وجد الماء قبل الزوال كذلك يقتضي الإعادة على تقدير وجدان الماء بعد الزوال ، لأنه يوم الجمعة والماء موجود وهو لم يغتسل . فمقتضى الإطلاق هو الإعادة سواء كان الإتيان به حينئذ أداء أو قضاء ، بل بالإطلاق يثبت أن الغسل بعد الزوال أداء أيضاً .

   وعلى أي حال لا ثمرة عملية للنزاع في أنه أداء بعد الزوال أو أنه قضاء ، وإن كان الصحيح أن وقت غسل الجمعة ممتد إلى الغروب وإن كان الإتيان به قبل الزوال أرجح وهو أفضل الأفراد ، وذلك لصحيحة زرارة المتقدِّمة (1) المشتملة على أمره بكون الغسل قبل الزوال المحمولة على الاستحباب كما تقدم .

   ثم إن ما ذكرناه من امتداد الوقت إلى الغروب لا فرق فيه بين ترك الغسل قبل الزوال نسياناً وبين تركه عمداً ، إذ لا دليل على التقييد بالزوال ، فالمطلقات هي المحكمة مضافاً إلى موثقة عمار الساباطي المتقدِّمة (2) الدالّة على أن من ترك الغسل قبل الزوال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في صدر المسألة ص 10 .

(2) في صدر المسألة ص 9 .

ــ[16]ــ

نسياناً لا شيء عليه ومن تركه متعمداً أتى به ، لأنها دلّت على صحّة الإتيـان به بعد الزوال وإن تركه قبل الزوال عمداً .

   ثم إن المشهور أن الغسل كلما قرب من الزوال كان أفضل ، فالأفضل ما كان مقارناً مع الزوال وما كان بعيداً عنه بنصف ساعة فهو أقل منه ثواباً وهكذا . إلاّ أن ذلك لم يرد في شيء من الروايات سوى الفقه الرضوي(1) . وقد قدمنا مراراً أنه لا يمكن الاعتماد عليه ، لعدم ثبوت كونه رواية فضلاً عن اعتبارها ، اللّهمّ [ إلاّ ] بناء على التسامح في أدلّة السنن وشموله لما لم يعلم كونه رواية أيضاً . فالثابت أن الغسل قبل الزوال أفضل .
ـــــــــــــــ

(1) المستدرك 2 : 508 / أبواب الأغسال المسنونة ب 7 ح 1 ، فقه الرضا : 175 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net