التيمم أو الوضوء باعتقاد الضرر أو عدمه فينكشف الخلاف 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6451


ــ[119]ــ

   [ 1077 ] مسألة 19 : إذا تيمم باعتقاد الضرر أو خوفه فتبيّن عدمه صحّ تيمّمه وصلاته ((1)) (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   إحداهما : كونها قيداً للواجبات المشروطة بالطهارة ، وهي مورد الإلزام من هذه الجهة لكونها شرطاً في الواجب فلا مانع من الحكم بسقوطها عن القيدية بأدلة نفي الضرر والحرج عند كونها ضررية أو حرجية ، لأنه في رفعها منة على العباد فيحكم ببركتها بعدم تقيد الواجب بها .

   وثانيتهما : كونها مستحبات نفسية وهي من هذه الجهة لا تشملها أدلّة نفي الضرر والحرج ، لما تقدم من عدم شمولهما الأحكام الترخيصية . إذن فهي على استحبابها في موارد الضرر والحرج ، فان أتى المكلف بها وقعت مستحبة ، ومع استحبابها يحكم على المكلف بالطهارة فلو صلّى معها وقعت صلاته صحيحة لكونها واجدة لشرط الطهور .

   وعليه فما أفاده الماتن (قدس سره) هو الصحيح ونتيجته كون المكلف مخيراً بين الطهارة المائية والترابية في تلكم الموارد للوجه الذي بيناه لا لما يظهر من الماتن .

    إذا تيمّم باعتقاد الضرر

   (1) الصور المتعلِّقة بالمقام أربع :

   وذلك لأن المكلف عند خوف الضرر أو اعتقاده إما أن لا يعمل على طبق وظيفته الفعلية كما لو اعتقد أو خاف الضرر من الغسل أو الوضوء وكانت وظيفته التيمّم لكنه لم يعمل على طبق وظيفته الفعلية فاغتسل أو توضأ ، أو أنه لم يحتمل ولم يعتقد الضرر فيهما ووجب عليه الغسل أو الوضوء لكنه لم يعمل على طبق وظيفته الفعلية فتيمم ثم انكشف الخلاف وأنه لا ضرر في الغسل والوضوء أو فيهما الضرر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال والاحتياط بالاعادة لا يترك .

ــ[120]ــ

نعم ، لو تبين قبل الدخول في الصلاة وجب الوضوء أو الغسل ، وإذا توضأ أو اغتسل باعتقاد عدم الضرر ثم تبين وجوده صح ، لكن الأحوط مراعاة الاحتياط في الصورتين ، وأما إذا توضأ أو اغتسل مع اعتقاد الضرر أو خوفه لم يصح وإن تبين عدمه ، كما أنه إذا تيمم مع اعتقاد عدم الضرر لم يصح وإن تبين وجوده .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وإما أن يعمل على طبق وظيفته الفعلية ، كما إذا اعتقد أن في الغسل أو الوضوء ضرراً عليه أو خاف منهما فتيمم ثم انكشف عدم الضرر فيهما . أو اعتقد أن لا ضرر فيهما ولم يخف من استعمال الماء فاغتسل أو توضأ ثم انكشف وجود الضرر فيهما وأن اللاّزم عليه هو التيمّم .

   أمّا إذا لم يعمل على طبق وظيفته الفعلية فلا ينبغي الإشكال في بطلان عمله ولزوم الإعادة عليه سواء انكشف الخلاف أم لم ينكشف . أما إذا لم ينكشف الخلاف فلوضوح أنه بحسب مرحلة الامتثال لم يأت بما هو اللازم في حقه فلا يمكنه الاكتفاء بما أتى به .

   وأمّا إذا انكشف الخلاف وظهر أن ما أتى به على خلاف وظيفته الفعلية هو المطابق للواقع فلأنه مع اعتقاده أن ما يأتي به خلاف الواجب في حقه لا يتأتى منه قصد القربة فيقع ما أتى به باطلاً لا يمكن الاجتزاء به .

   وأمّا إذا عمل على طبق وظيفته الفعلية(1) فله صورتان : لأنه عندما يعتقد التضرر من الطهارة المائية أو يخاف من استعمال الماء فيتيمم ثم ينكشف عدم الضرر في استعمال الماء وأن وظيفته الوضوء أو الغسل قد يكون انكشاف عدم الضرر بعد الصلاة وقد يكون قبل الدخول في الصلاة ، وقد فصل الماتن بينهما فحكم في الصورة الاُولى بصحّة تيمّمه وصلاته وحكم في الصورة الثانية بوجوب الوضوء أو الاغتسال عليه .

   أمّا الصورة الاُولى فالظاهر أن الماتن اعتمد في حكمه بصحّة التيمّم فيها على أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ولا يخفى أن للعمل على طبق الوظيفة الفعلية موردين ذكر للأوّل منهما الصورتين الآتيتين ثم يتطرّق فيما يأتي للثاني بعنوان : الصورة الاُخرى .

 
 

ــ[121]ــ

الخوف موضـوع لجواز التيمّم لا أنه طريق إليه ، والمدار على احتمال الضرر لا على الضرر الواقعي كما قدّمناه وقلنا : إن المريض غالباً يحتمل الضرر في استعماله الماء ببطء مرضه أو صعوبة علاجه ونحوهما ، والقطع بالضرر نادر جداً . إذن فهو عند خوفه من الضرر باستعمال الماء يجب عليه التيمّم واقعاً وقد أتى بما هو الواجب في حقه فلا وجه للحكم ببطلانه ووجوب الإعادة عليه . هذا إذا خاف الضرر ، وأما لو اعتقد تضرره بالماء فحكمه كذلك بطريق أولى ، إذ لا يحتمل مع الاعتقاد انتفاء الضرر أصلاً بخلاف الخوف من الضرر ، فلو ثبت الحكم المذكور عند الخوف ثبت مع اعتقاد الضرر بطريق أولى .

   ويندفع : بأ نّا لو سلمنا ما ذكره من أن الخوف موضوع للحكم بجواز التيمّم وليس طريقاً إلى الضرر ، ولم نقل إنه خلاف المتفاهم العرفي من مثل قوله : «يخاف على نفسه من البرد»(1) لأن الظاهر من الخوف وغيره من الأوصاف النفسانية هو الطريقية ، كما في الظن بل اليقين كما في قوله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَ بْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ ا لْفَجْرِ )(2) مع ذلك أيضاً لا يمكننا المساعدة على ما أفاده حتى فيما إذا كان اعتقاده أو خوفه مطابقاً للواقع بأن كان استعمال الماء مضراً بحاله واقعاً .

   وذلك لأن الموضوع للحكم بجواز التيمّم إنما هو الخوف المستوعب للوقت لا  الخوف ساعة ، حتى لو كان مضراً واقعاً في تلك الساعة فلا نلتزم بصحته فضلاً عما إذا لم يكن مضراً واقعاً .

   وأما الصورة الثانية ـ أعني ما إذا انكشف الخلاف وعدم الضرر قبل الصلاة ـ فقد جزم الماتن (قدس سره) فيها ببطلان التيمّم ، وهو الصحيح .

   وليس الوجه في ذلك ما قد يتوهم من أن القدر المتيقن من أدلّة مسوغية الخوف للتيمم ما إذا كان موضوع المشروعية ـ وهو الخوف ـ باقياً ، وأما إذا ارتفع لانكشاف عدم الضرر فلا بدّ من الرجوع إلى عموم أو إطلاق ما دل على وجوب الوضوء أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 348 /  أبواب التيمّم ب 5 ح 7 ، 8 .

(2) البقرة 2 : 187 .

ــ[122]ــ

الغسل .

   وذلك لأن ما دل على مسوغية الخوف للتيمم مثل قوله : «لو يخاف على نفسه من البرد لا يغتسل ويتيمم» أو قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُم مَّرْضَى )(1) بالتقريب المتقدم ـ  حيث قلنا إن المريض غالباً يحتمل الضرر في استعمال الماء لا أنه يقطع بالضرر  ـ ليس فيه أي إجمال حتى يؤخذ بالقدر المتيقن منه ، بل هو مطلق يعم ما إذا بقي الخوف وما إذا ارتفع تمسكاً باطلاقه ، بل الأمر كذلك حتى مع قطع النظر عن هذا الإطلاق لأن الخوف المتأخر الباقي لا يؤثر في مسوغية الخوف الحادث السابق ، ولا يكون ارتفاعه موجباً لسقوط ما سبق من الخوف عن الموضوعية والمسبوقية ، ومع الشك يرجع إلى إطلاق أدلة الخوف لا إلى إطلاق أدلة وجوب الوضوء أو الغسل .

   بل الوجه فيما أفاده الماتن (قدس سره) ما دلّ على أن وجدان الماء ناقض للتيمم كناقضية الحدث للطهارة المائية ، وحيث إنه انكشف الخلاف وتبين أنه متمكن من استعمال الماء فقد صار واجداً للماء وهو ناقض للتيمم . هذا كله في إحدى صورتي عمل المكلف بوظيفته الفعلية .

   والصورة الاُخرى ـ وهي ما إذا اعتقد عدم الضرر في استعمال الماء فتوضأ أو اغتسل ثم انكشف ضرره في حقه ولزوم التيمّم عليه ـ فقد ذهب الماتن (قدس سره) فيها إلى صحّة وضوئه أو غسله وعدم وجوب التيمّم عليه ، وهذا هو الصحيح .

   وذلك لأن الضرر الواقعي إذا لم يبلغ مرتبة الحرمة كالحرج ، وقلنا في المسألة السابقة بتخيّر المكلف بين الوضوء أو الغسل وبين التيمّم خلافاً للمحقق النائيني (قدس سره) لا يكون هنا نقض لوضوئه أو غسله .

   وتوضيحه : أن قاعدتي نفي الضرر والحرج إن قلنا بأنهما تختصان بالأحكام الإلزامية دون أن تشمل الأحكام الترخيصية والاستحباب النفسي للوضوء وغيره من الطهارات الثلاثة حتى فيما علمنا بالضرر فضلاً عمّا إذا احتملناه ـ كما في المقام ـ فلا إشكال .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 43 .

ــ[123]ــ

   وكذلك الحال فيما لو لم نقل بالاختصاص ولم نقل بالتخيير في المسألة السـابقة وذلك لأن دليل نفي الضرر والحرج إنما وردا للامتنان على الاُمة ولا امتنان في شمولهما للمقام ، لأن الحكم ببطلان الغسل أو الوضوء السابق وإعادة الطهور بالتيمّم ليس فيه امتنان على العباد . إذن لا وجه للحكم بالبطلان ووجوب التيمّم حينئذ .

   وأمّا إذا بلغ الضرر مرتبة الحرمة فقد يقال بالبطلان نظراً إلى حرمة الوضوء حينئذ حرمة واقعية، والأمر المحرم المبغوض للمولى لا يمكن أن يقع مصداقاً للواجب فيبطل .

   ولا يبتني هذا على جواز اجتماع الأمر والنهي أو امتناعه ، لأن القائل بالجواز لا يلتزم بالصحّة في أمثال المقام مما لا يكون هناك معنونان وعنوانان اجتمعا في مورد واحد اتفاقاً ، بل المعنون شيء واحد له حكمان ، فان أفعال الغسل والوضوء حين التضرر محرمة ، لأن المحرم وإن كان هو عنوان الضرر إلاّ أنه لما كان أمراً توليدياً من الوضوء والغسل كان نفس الوضوء والغسل بذاتهما محرمين كما أنهما بذاتهما واجبان فليس هناك معنونان .

   وفي مثله لا بدّ من الالتزام بالبطلان كما التزمنا به في صورة الوضوء بالماء المغصوب جهلاً بالغصبية ، لأن المحرم لا يمكن صيرورته مصداقاً للواجب ، هذا .

   ويمكن الجواب عن ذلك بما ذكرناه في مبحث الوضوء من أنه لو توضأ بالماء المغصوب ناسياً لغصبيته وقع وضوءه صحيحاً ، لأن النسيان يرفع الحرمة واقعاً لعدم إمكان تكليف الناسي ، ومع عدم الحرمة لا يمكن استكشاف المبغوضية فيقع الوضوء صحيحاً ومتعلقاً للوجوب لا محالة .

   وهذا غير الجهل بالغصبية ، إذ مع الجهل لا ترتفع الحرمة الواقعية ، ومع بقاء الحرمة لايمكن الحكم بصحّة الوضوء لأنه لايمكن أن يكون الحرام مصداقاً للواجب(1) .

   ومقامنا هذا من قبيل النسيان لا الجهل، لأن المدار في سقوط الحكم الواقعي وعدم إمكان التكليف الواقعي عدم قابلية الحكم للبعث أو الانزجار به ، فان الحكم إنما هو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 5 : 317  فما بعد .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net