هل يجوز التيمم بالثلج لو فقد الغبار والطين - وظيفة فاقد الطهورين 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9690


    إذا لم يوجد غبار ولا طين

   وأمّا إذا لم يوجد الطين فماذا يصنع المكلّف ؟ هل يكون فاقد الطهورين أو أ نّه يتيمّم بالثلج إن كان ؟ يقع الكلام في ذلك في مقامين :

   المقام الأوّل :  إذا لم يتمكّن المكلّف من الماء هل يجب أن يتوضأ أو يغتسل بالثلج

ــ[210]ــ

إذا تمكّن منه أو لا يجب بل ينتقل أمره إلى التيمّم ؟ والمراد بالثلج هو الماء المنجمد في الهواء المعبر عنه في الفارسية (برف و تگرگ) لا الثلوج المتكوّنة على الأرض .

   المقام الثّاني :  بعد البناء على عدم وجوب الوضوء أو الغسل بالثلج وانتقال الأمر إلى التيمّم هل يصح التيمّم بالثلج أو لا بدّ في صحّته من وقوعه على الأرض ؟

   أمّا المقام الأوّل :  فقد يقال بوجوب التوضي أو الاغتسال بالثلوج فيما إذا لم يتمكّن من الماء . ويستدل عليه بجملة من الأخبار :

   منها :  ما رواه محمّد بن مسلم قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلاّ الثلج ، قال : يغتسل بالثلج أو ماء النهر»(1) .

   ويتوجه على الاستدلال بها أ نّها ضعيفة السند ، لوقوع علي بن إسماعيل في سلسلة السند لأ نّه السندي أو السري وهو غير موثق ، نعم وثقه ابن الصباح الكناني(2) إلاّ أ نّه غير موثق أيضاً فلا يمكن الاعتماد على توثيقه .

   على أ نّها قابلة للمناقشة من حيث الدلالة أيضاً ، لأن مفروض كلام السائل أ نّه ليس عند المكلّف إلاّ الثلج وقال (عليه السلام) في جوابه : إنّه «يغتسل بالثلج أو ماء النهر» فمنه يظهر أنّ الماء كان موجوداً في مفروض الكلام لكنّه كان بارداً كالثلج .

   فلعلّ المراد به أ نّه إمّا أن يغتسل بالثلج أو بماء النهر وكلاهما على حد سواء ، بمعنى أ نّه يذيب الثلج فيغتسل أو أ نّه يغتسل بماء النهر ، لا أ نّه يدلك بدنه بالثلج ، لأ نّه عبّر بالاغتسال الّذي لا يصدق على الدلك ، إذ قد اُخذ في الاغتسال جريان الماء على المغسول ، فكأ نّه (عليه السلام) قال : إمّا أن يذيب الثلج فيغتسل أو يدخل النهر ويغتسل من مائه وإن كان بارداً . فهي أجنبية عما نحن بصدده من الاستدلال على وجوب الغسل أو الوضوء بالثلج عند عدم التمكّن من الماء .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 356 /  أبواب التيمّم به 10 ح 1 .

(2) بل وثقه نصر بن الصباح ولقّبه بالسندي ، وناقش في كلا الأمرين السيِّد الاُستاذ (دام بقاؤه) راجع معجم رجال الحديث 12 : 302  ترجمة علي بن إسماعيل السندي .

ــ[211]ــ

   ومنها :  ما عن معاوية بن شريح قال : «سأل رجل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده فقال : يصيبنا الدمق والثلج ونريد أن نتوضأ ولا نجد إلاّ ماءً جامداً فكيف أتوضأ ؟ أدلك به جلدي ؟ قال : نعم» (1) .

   وهي من حيث الدلالة ظاهرة ، إلاّ أ نّها ضعيفة السند لوجود معاوية بن شريح فيه وهو ضعيف ، والظاهر اتحاده مع معاوية بن ميسرة وإن ذهب الأردبيلي إلى تعدّدهما (2) وعلى كلٍّ سواء اتّحد أم تعدد لم تثبت وثاقتهما .

   ومنها :  ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجاً وصعيداً أ يّهما أفضل ؟ أيتيمّم أم يمسح بالثلج وجهه ؟ قال : الثلج إذا بلّ رأسه وجسده أفضل ، فان لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم»(3) .

   وهي ضعيفة السند لوجود محمّد بن أحمد العلوي فيه وهو غير موثق في الرجال على أن مدلولها خارج عن محل الكلام ، لأ نّه (عليه السلام) أجاب بأنّ الثلج إذا بلّ رأسه فهو أفضل ، وذلك لأن بل الجسد هو أدنى مراتب الاغتسال ، فإذا تمكّن المكلّف منه بوجه ولو بحرارة بدنه فهو متمكّن من الوضوء والاغتسال بالماء لا أ نّه اغتسال أو وضوء بالثلج .

   ومنها :  رواية ثانية لعلي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل تصيبه الجنابة فلا يقدر على الماء فيصيبه المطر هل يجزئه ذلك أم يتيمّم ؟ قال : إن غسله أجزأه وإلاّ عليه التيمّم ، قال قلت : أ يّهما أفضل ؟ أيتيمّم أم يمسح بالثلج

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 357 /  أبواب التيمّم ب 10 ح 2 .

(2) جامع الرواة 2 : 238 / 1734 .

(3) الوسائل 3 : 357 /  أبواب التيمّم ب 10 ح 3 ، واستظهر السيِّد الاُستاذ في المعجم حسن الرجل ، مضافاً إلى كونه مذكوراً في أسناد التفسير . راجع ج 16 : 59 من الكتاب ترجمة محمّد بن أحمد العلوي .

ــ[212]ــ

وجهه وجسده ورأسه ؟ قال : الثلج إن بل رأسه وجسده أفضل ... » (1) وهي من حيث الدلالة عين سابقتها ، ومن حيث السند ضعيفة لأن في سندها عبدالله بن الحسن وهو غير موثق .

   فالمتحصل : أنّ الأخبار المستدل بها على وجوب الوضوء أو الاغتسال بالثلج بمعنى الدلك به كلّها ضعيفة السند وقابلة للمناقشة في دلالة أكثرها .

   وأمّا المقام الثّاني :  فمقتضى القاعدة المستفادة من الكتاب والسنّة عدم جواز التيمّم بالثلج ، لأنّ الطهور منحصر بالماء والتراب ـ بمعنى الأرض ـ وليس الثلج من الأرض ولا أ نّه ماء .

   لكن قد يقال بجواز التيمّم عليه . ويستدل عليه بصحيحة محمّد بن مسلم أو حسنته بإبراهيم بن هاشم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألت عن رجل أجنب في سفر ولم يجد إلاّ الثلج أو ماءً جامداً ، فقال : هو بمنزلة الضرورة يتيمّم» (2) .

   وفيه : أنّ الرواية تدل على أنّ المكلّف ـ في مفروض السؤال ـ فاقد للماء ويجوز له أن يتيمّم ، وليست فيها أية دلالة على أ نّه يتيمّم بالثلج أو الماء الجامد بل يتيمّم بما يتيمّم به شرعاً . وقوله : «ولم يجد إلاّ الثلج أو ماء جامداً» ليس بمعنى أ نّه لا يجد ما يتيمّم به أيضاً ، بل لم يجد ما يتوضأ أو يغتسل به . فلا دلالة في الصحيحة على ذلك المدّعى .

   وروى صاحب الوسائل في الباب الثّامن والعشرين من أبواب التيمّم رواية عن المقنع للصدوق قال ـ في المقنع ـ  : وروي: «إن أجنبت في أرض فلم تجد إلاّ ماءً جامداً ولم تخلص إلى الصعيد فصلّى بالتمسح ثمّ لا تعد إلى الأرض الّتي توبق فيها دينك» (3) .

   وذكر المعلِّق في الهامش: قلت: رواه البرقي أيضاً في المحاسن في [ 2 : 122 / 1337  ]

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 357 /  أبواب التيمّم ب 10 ح 4 .

(2) الوسائل 3 : 355 /  أبواب التيمّم ب 9 ح 9 .

(3) الوسائل 3 : 391 /  أبواب التيمّم ب 28 ح 3 ، المقنع : 43 .

ــ[213]ــ

عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن عبيدالله بن علي الحلبي نحوه .

   وهذا السند كما ترى صحيح ، وهو يوهم وجود رواية صحيحة تدل على لزوم التمسح بالماء الجامد فيما إذا لم يجد المكلّف سوى الماء الجامد ولم يخلص إلى الصعيد فلا بدّ من اتباعها وإن كانت رواية المقنع مرسلة .

   إلاّ أنّ الأمر ليس كما توهِمه التعليقة ، إذ لم توجد رواية اُخرى دالّة على لزوم التمسح بالماء الجامد ، وإنّما الرواية هي ما قدّمناه من الصحيحة أو الحسنة عن محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألت عن رجل أجنب في سفر ولم يجد إلاّ الثلج أو ماءً جامداً ، فقال : هو بمنزلة الضرورة يتيمّم ، ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض الّتي توبق فيها دينك» . فانّ البرقي روى هذه الرواية في المحاسن عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن عبيدالله بن علي الحلبي عن أبي عبدالله فراجع الباب التاسع من أبواب التيمّم من الوسائل ، والاشتباه من المعلّق .

   كذا أفاده أوّلاً ، ثمّ ذكر (دام ظلّه) أ نّه عند المراجعة إلى المحاسن ظهر أنّ الاشتباه من صاحب الوسائل دون المعلّق ، لأن صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة الّتي ذكر بعدها صاحب الوسائل أنّ البرقي روى مثله بالسند السابق لا يتطابق مع ما هو الموجود في المحاسن إلاّ في النهي عن العود إلى هذه الأرض الّتي توبق دينه ، فقول صاحب الوسائل : روى في المحاسن مثله ، اشتباه ، بل رواية المحاسن مثل رواية المقنع مع اختلاف يسير بينهما في الألفاظ على ما أشار إليه المعلّق . إذن فهي صحيحة السند ولا يمكن المناقشة في سندها .

   إلاّ أنّ دلالتها تبقى قابلة للمناقشة ، وذلك لأنّ قوله : «فصلّ بالمسح» ـ  لا (فصلّى بالمسح) كما في المقنع ـ لا دلالة له على إرادة التوضي أو الاغتسال بالماء الجامد تمسحاً كما لا دلالة له على إرادة التيمّم بالماء الجامد ، لأنّ ذلك وإن كان قد يستفاد منه إرادة التوضي أو الاغتسال بالماء الجامد تمسحاً بحسب الميزان البحثي إلاّ أ نّه بحسب الرواية فلا ، لأنّ المراد به ـ ولو بحسب الاحتمال ـ هو التيمّم دون الوضوء أو الاغتسال، حيث إنّ المأمور به على ما دلّت عليه الآية المباركة ينقسم إلى أقسام ثلاثة :

ــ[214]ــ

   أحدها : غَسل محض وهو الغُسل بالضم .

   ثانيها : ملفق من الغَسل والمسح وهو الوضوء .

   ثالثها : مسح محض وهو التيمّم .

   وإليه أشارت الآية المباركة قال عزّ من قائل : (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلـوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ا لْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ا لْكَعْبَيْنِ )(1) وهذا كما ترى ملفّق من الغسل والمسح . ثمّ قال : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) ـ  أي اغتسلوا  ـ  على ما يستفاد من قوله تعالى في آية النهي عن قرب الصلاة سكراناً أو جنباً (حَتَّى تَغْتَسِلُوا )(2) فظهر أنّ الغسل بالضم هو غسل محض . ثمّ قال تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) أي اقصدوا (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ )(3) من دون لفظة «منه» فعلم منه أنّ التيمّم مسح محض .

   والظاهر أنّ قوله (عليه السلام) في الرواية : «فصلّ بالمسح» إشارة إلى ذلك أي فصل بالتيمّم ، أو لا أقل أ نّه محتمل .

   ثمّ إنّه لم يبيّن أن ما يتيمّم به هو الماء الجامد بل أمر بالتيمّم وحسب ، فيكون المتيمم به موكولاً إلى بيان الشرع ، والمشروع حينما لم يجد المكلّف ماءً ولا صعيداً هو أن يتيمّم بغبار الثوب أو نحوه ، فلا دلالة في الرواية على هذا المدّعى ، فانّ الطهور منحصر بالماء والصعيد ، هذا .

   ثمّ إنّا لو قلنا بتمامية الأخبار المتقدّمة فيه وتمّت دلالتها على أنّ المكلّف حينئذ يتوضأ أو يغتسل بالثلج لوقعت المعارضة بينها وبين هذه الرواية ، لدلالتها على وجوب التيمّم بالثلج حينئذ ، فاذا تساقطا لأجل المعارضة يرجع إلى الكتاب العزيز وهو قد دلّ على أنّ الطّهارة إنّما تحصل بالماء أو الصعيد ، فلا يسوغ التيمّم بالثلج .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 6 .

(2) النِّساء 4 : 43 .

(3) وهو ذيل الآية المباركة في سورة النِّساء .

ــ[215]ــ

ومع فقد الجميع يكون فاقد الطهورين والأقوى فيه سقوط الأداء (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    وظيفة فاقد الطّهورين

   (1) إذا بنينا في المسألة المتقدمة على عدم جواز الوضوء أو الاغتسال أو التيمّم بالثلج أو بنينا على جوازه إلاّ أنّ المكلّف لم يجد شيئاً يتوضأ أو يغتسل أو يتيمّم به فهو فاقد الطهورين . والمحتملات فيه أربعة :

   الأوّل :  أ نّه مكلّف بالأداء فيصلّي من غير طهارة ، ويقضيها مع طهارة خارج الوقت .

   الثّاني :  أ نّه مكلّف بالأداء ويصلِّي من دون طهارة ، ولا قضاء عليه .

   الثّالث :  أ نّه غير مكلّف بالأداء لكن يجب عليه القضاء خارج الوقت .

   الرّابع :  أ نّه غير مكلّف بالأداء ولا بالقضاء .

 

   هذه محتملات المسألة ، ولعلّ لكل واحد منها قائلاً . ويقع الكلام في مقامين :

   أحدهما :  من حيث الأداء وأن فاقد الطهورين مكلّف أو ليس مكلّفاً بالأداء .

   ثانيهما :  من حيث القضاء وأ نّه مكلّف به أو ليس مكلّفاً به .

   المقام الأوّل :  فالظاهر أنّ فاقد الطهورين غير مكلّف بالأداء ، لأنّ الصلاة حسبما دلّتنا عليه الروايات ثلاثة أثلاث : ثلث الطهور ، وأ نّه لا صلاة إلاّ بطهور (1) فإذا لم يتمكّن المكلّف من الطهور سقط عنه الأمر بالصلاة لعدم قدرته عليها .

   وأمّا ما هو المشتهر من أنّ الصلاة لا تسقط بحال فهو بهذا اللّفظ ليس مدلولاً لدليل إلاّ أنّ مضمونه ورد في بعض روايات المستحاضة ، فقد ورد عنهم (عليهم السلام): «ولا تدع الصلاة على حال ، فانّ النّبي (صلّى الله عليه وآله) قال : الصلاة عماد دينكم» (2) وحيث إنّ الصلاة عماد الدين فلا يمكن تركها بحال فهي واجبة في جميع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 365 /  أبواب الوضوء ب 1 .

(2) الوسائل 2 : 373 /  أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5 .

ــ[216]ــ

صور الاستحاضة من القليلة والمتوسطة والكثيرة .

   وكيف كان ، فهو تام بحسب المضمون ، إلاّ أ نّه لا يقتضي وجوب الأداء على فاقد الطهورين ، لأ نّه دلّ على أنّ الصلاة لا تسقط بحال ، وهو لا يعقل أن يتكفّل لإثبات موضوعه ويدل على أن ما أتى به فاقد الطهورين فهو صلاة . وبما أنّ ثلث الصلاة الطهور ولا صلاة إلاّ بطهور فيستكشف منه أن ما يأتي به فاقد الطهورين ليس صلاة لتجب عليه ولا تسقط عنه .

   وممّا ذكرنا قد ظهر أنّ التمسّك في المقام بالمطلقات الدالّة على وجوب الصلاة كقوله تعالى : (إِنَّ الصَّلـوةَ  كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتاباً مَّوْقُوتاً )(1) وقوله (عليه السلام) : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلاّ أنّ هذه قبل هذه» (2) وغيرهما من المطلقات ليس في محلِّه ، وذلك لعدم كون الصادر من فاقد الطهورين صلاة ليجب أداؤها ، بل هو غير متمكّن منها فيسقط وجوبها أداءً .

   كما أ نّه ظهر ممّا ذكرناه الحال والفرق بين ما ورد من أ نّه «لا صلاة إلاّ بطهور» وبين ما ورد من أ نّه «لا صلاة إلاّ إلى القبلة» (3) و «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» (4) ونحوهما ، حيث لا تخرج الصلاة عن كونها صلاة بافتقادها الفاتحة أو القبلة وتسقط عن كونها صلاة عند عدم الطهور .

   والوجه فيه ظاهر ، وهو الأدلّة الخارجية الدالّة على صحّة الصلاة الفاقدة للفاتحة أو القبلة ولو في بعض الموارد كالناسي ، كحديث «لا تعاد» (5) وغيره ، فان ضُم ذلك إلى ما دلّ على أ نّه «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» أو « ... إلى القبلة» كانت النتيجة أن اعتبار فاتحة الكتاب أو الاستقبال في الصلاة مختص بحالة التمكّن والاختيار ولا يعتبران في الصلاة عند النسيان أو الاضطرار ، وهذا بخلاف الطهور ، إذ لم يدلّنا دليل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النِّساء 4 : 103 .

(2) الوسائل 4 : 130 /  أبواب المواقيت ب 4 ح 21 وغيره .

(3) الوسائل 4 : 297 /  أبواب القبلة ب 2 ، 10 ، 11 .

(4) الوسائل 6 : 37 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 1 وغيره .

(5) الوسائل 1 : 371 /  أبواب الوضوء ب 3 ح 8 ، وغيرها من الموارد .

ــ[217]ــ

ووجوب القضاء وإن كان الأحوط الأداء أيضاً . وإذا وجد فاقد الطهورين ثلجاً أو جَمداً قال بعض العلماء بوجوب مسحه على أعضاء الوضوء أو الغسل وإن لم يجر ، ومع عدم إمكانه حكم بوجوب التيمّم بهما ، ومراعاة هذا القول أحوط فالأقوى لفاقد الطهورين كفاية القضاء والأحوط ضمّ الأداء أيضاً ، وأحوط من ذلك مع وجود الثلج المسح به أيضاً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على أنّ الصلاة صحيحة من دون طهور .

   إذن فمقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) : «لا صلاة إلاّ بطهور» عدم الفرق بين الاختيار وعدمه والتمكّن وعدمه . وعليه لمّا كان فاقد الطـهورين غير متمكّن من الصلاة مع الطهور فهي ساقطة في حقّه ولا يكلّف بالأداء .

   وأمّا قاعدة الميسور فهي ـ على تقدير تماميتها في نفسها ولم تتم(1) ـ لايمكن إجراؤها في المقام بدعوى أنّ الصلاة الفاقدة للطهور ميسور لمعسورها ، وذلك لأنّ الصلاة من غير طهارة تباين الصـلاة عن طهارة لا أن أحدهما ميسور للآخر . فالمتحصل : أنّ فاقد الطهورين غير مكلّف بالأداء .

   المقام الثّاني :  في وجوب القضاء .

   قد يقال بوجوب القضاء على فاقد الطهورين تمسّكاً باطلاق ما دلّ على قضاء الصلوات الفائتة فانّه يشمل المقام أيضاً .

   واُجيب عنه بأنّ الفوت غير محرز في المقام ، لأ نّه إنّما يصدق فيما لو كانت صلاة فاقد الطهورين مشتملة على الملاك والمكلّف قد فوته كما في النائم ونحوه ، وإذا لم يكن لها ملاك في نفسها كما في صلاة الحائض والنفساء والصبي فلا يكون ترك الإتيان بها محققاً للفوات . ومن المحتمل أن لا يكون لصلاة فاقد الطهورين ملاك أصلاً فلا تشمله إطلاقات أدلّة القضاء .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في مصباح الاُصول 2 : 477 .

ــ[218]ــ

   واُجيب عن هذا الجواب بأنّ وجود الملاك يستكشف من الأمر بالصلاة لأ نّه كاشف قطعي عنه ، والعجز عن تحصيل الطهورين يوجب سقوط الأمر والتكليف ولا يوجب سقوط الصلاة عن كونها واجدة للملاك ، فيكون تركها ـ  ولو من جهة فقدان الطهورين  ـ محققاً للفوت فيجب عليه قضاؤها .

   ويرد على ذلك : أنّ الملاك ليس لنا إليه سبيل إلاّ وجود الأمر والتكليف ، ومع سقوطهما لا كاشف عن الملاك ولا علم لنا بوجوده فمن أين تحرز أن صلاة فاقد الطهورين مشتملة على الملاك ، ولعلها كصلاة الحائض والنّفساء والصبي ممّا لا ملاك فيها .

   والّذي يمكن أن يقال : إنّ فاقد الطهورين مأمور بالقضاء ، وذلك لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : «أ نّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها ، قال : يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار» (1) وذلك بتقريبين :

   أحدهما :  أنّ قوله : «أو نسي صلوات» ذكر تمهيداً لبيان مطلق ترك الصلاة ، وليس لخصوص تركها لنسيانها موضوعية في حكمه بوجوب القضاء ، لأنا نقطع بأن ترك الصلاة متعمداً عصياناً أيضاً مورد للقضاء ، فلو كان للنسيان خصوصية فقد ترك ذكر ما لا إشكال في وجوب قضائه ، فهو إنّما ذكر تمهيداً لبيان أنّ مطلق ترك الصلاة يوجب القضاء ، وكأ نّه جعل عدم الترك عمداً وعصياناً مفروغاً عنه في حقّ المكلّف المسلم ، إذ كيف يعصي الله ولا يأتي بفريضة متعمداً ، فاقتصر على ذكر الشق المحتمل وقوعه في حقّه وهو النسيان .

    فتدلّنا الصحيحة على وجوب القضاء في كل مورد ترك فيه الصلاة عمداً أو نسياناً أو لغيرهما من الأسباب ، وأنّ الصلاة ذات ملاك مطلقاً إلاّ في موارد خاصّة علمنا بعدم وجوب القضاء فيها كالحائض .

   ثانيهما :  أنّ مقتضى إطلاق الصحيحة أن من صلّى بلا طهور وجب عليه القضاء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 253 /  أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 1 .

ــ[219]ــ

هذا  كلّه إذا لم يمكن إذابة الثلج أو مسحه على وجه يجري ، وإلاّ تعين الوضوء أو الغسل ولا يجوز معه التيمّم أيضا (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــ

بلا فرق في ذلك بين تمكّنه من الطهور وبين عدم تمكّنه ، فتدلّنا الصحيحة على أنّ فاقد الطهورين لو صلّى من دون طهارة لوجب عليه قضاؤها .

   فلو وجب القضاء فيما لو صلّى فاقد الطهورين من دون طهور لوجب عليه القضاء فيما لو لم يصل بطريق أولى ، إذ لا يحتمل أن يكون ترك الصلاة موجباً لسقوط القضاء بخلاف الإتيان بها ، نعم الأحوط أن يضم الأداء أيضاً فيأتي بالصلاة في الوقت من دون طهور ثمّ يقضيها خارج الوقت إذا حصل على طهور .

    إذا أمكنه إذابة الثلج

   (1) لما تقدّم من أنّ الوجدان في الآية الكريمة بمعنى التمكّن من الاستعمال ، ومع التمكّن من إذابة الثلج يكون المكلّف متمكّناً من استعمال الماء فيجب عليه الوضوء أو الاغتسال .

   وهذه المسألة مع المسألة المتقدّمة ـ السابعة والثّلاثين ـ من واد واحد ، ووجوب الإذابة هنا والمزج هـناك كلاهما مستند إلى كون المكلّف متمكّناً معهما من الماء فالحكم هنا بوجوب الوضوء أو الغسل بعد إذابة الثلج لأجلهما دون وجوب المزج هناك أو بالعكس كما عن بعضهم ممّا لم يظهر لنا وجهه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net