التيمم بدل الأغسال المستحبة - إغناء التيمم بدل الغسل عن الوضوء 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7628


   والتحقيق عدم قيام التيمّم مقام الأغسال المستحبّة حتّى من هذه الجهة ، وسره : أنّ الأمر الغيري ـ على القول به ـ أو تقيد الصلاة بالطّهارة في الأغسال المستحبّة

 

ــ[361]ــ

   [ 1149 ] مسألة 11 : التيمّم الّذي هو بدل عن غسل الجنابة حاله كحاله في الإغناء عن الوضوء (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تخييري لا تعييني بما أن للمكلّف أن يتوضأ أو يأتي بغسل استحبابي ، حيث إن كليهما طهور ، ولا يتعيّن عليه الإتيان بالغسل المستحب تحصيلاً للتقيد أو لما هو الواجب بالأمر الغيري ، وعليه لو تعذر على المكلّف اختيار الطهور بالغسل المستحب تعين عليه العدل الآخر وهو الوضوء ، ولا تصل النوبة إلى التيمّم لتمكّنه من الماء . فالإتيان بالتيمّم بدلاً عن الأغسال المستحبّة محل إشكال ومنع .

   فالمتحصل : أنّ البدلية ـ  بناءً على القول بأنّ التيمّم رافع للحدث  ـ أو التنزيل ـ  بناءً على أ نّه مبيح  ـ يختص بالوضوءات والأغسال الرافعة أو المبيحة على تفصيل قد عرفته .

    التيمّم البدل عن غسل الجنابة مغن عن الوضوء

   (1) صور المسألة خمسة :

   الاُولى :  أن يجب على المكلّف الوضوء وحسب ، ولا بدّ أن يكون وضوءاً واحداً إذ لا يتصوّر وجوب الوضوء زائداً على الواحد ، فانّ التعدّد إنّما يتصوّر في منشئه من بول وغائط ونوم ونحوها ، وأمّا الواجب فلا يكون إلاّ وضوءاً واحداً .

   ولا ينبغي التردد في أنّ المكلّف إذا لم يتمكّن من الماء في هذه الصورة يجب عليه تيمّم واحد بدلاً عن الوضوء الواحد الواجب في حقّه ، وهذا ظاهر .

   الثّانية :  ما إذا وجب على المكلّف غسل واحد من دون أن يجب عليه الوضوء أصلاً . وفي هذه الصورة إذا لم يتمكّن المكلّف من الماء ليغتسل وجب عليه أن يتيمّم تيمماً واحداً بدلاً عن الغسل الواجب عليه ، ولا يجب عليه أن يتيمّم ثانياً بدلاً عن الوضوء .

   وليس هذا لأنّ الغسل أو بدله يغني عن الوضوء ، بل لعدم المقتضي لوجوب

ــ[362]ــ

كما أنّ ما هو بدل عن سائر الأغسال يحتاج إلى الوضوء أو التيمّم بدله مثلها ، فلو تمكّن من الوضوء توضأ مع التيمّم بدلها ، وإن لم يتمكّن تيمّم تيممين أحدهما بدل عن الغسل والآخر عن الوضوء .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوضوء أصلاً ، لأنّ المفروض عدم وجوب الوضوء عليه وإنّما الواجب في حقّه غسل واحد ، وهذا كما في الجنب .

   ويدل على ما ذكرناه الآية المباركة (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلـوةِ ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا )(1) فانّ التفصيل في الآية قاطع للشركة، وهي تدلّنا على أنّ الوضوء وظيفة المحدث غير الجنب ، وأمّا الجنب فوظيفته الاغتسال دون الوضوء إن تمكّن من الماء وإلاّ فوظيفته التيمّم وهو غير مأمور بالوضوء أصلاً .

   الثّالثة :  ما إذا وجب عليه وضوء وغسل واحد كما في المستحاضة المتوسطة على الصحيح ، أو غير غسل الجنابة من الأغسال ـ على ما هو المعروف عندهم من أنّ غسل غير الجنابة لا يغني عن الوضوء ـ فهل يجب عليه أن يتيمّم بتيممين عند عدم تمكّنه من الماء : تيمّم بدلاً عن الغسل وتيمّم بدلاً عن الوضوء ، أو يجب عليه تيمّم واحد ؟

   لا إشكال في وجوب تيممين على المكلّف حينئذ ، لأنّ المفروض أ نّه مكلّف بأمرين : الوضوء والغسل ، فلو اغتسل لم يسقط عنه الوضوء فكيف إذا تيمّم بدلاً عن الغسل ، فلا يكفي تيممه هذا عن الوضوء الواجب في حقّه قطعاً فلا بدّ من أن يأتي بتيممين أحدهما بدل عن الغسل وثانيهما بدل عن الوضـوء ، من غير فرق بين كون التيمّم بدلاً عن الوضوء أو الغسل وبين أن يقال بأنّ التراب بدل عن الماء ، لأن المعنى في كلا التعبيرين واحد ، لأ نّه لا معنى لبدلية التراب عن الماء أو عن غيره من الأشياء لأ نّهما أمران متغايران، ولا مناص من أن تكون البدلية في أمر جامع بينهما وهو استعمالهما في الطّهارة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 6 .

ــ[363]ــ

   ومعناه : أن استعمال التراب كاستعمال الماء كاف في تحقق المأمور به ، نظير ما قدّمناه(1) في معنى «إن ربّ الماء وربّ الصعيد واحد» فانّه لا معنى له سوى أنّ الأمر واحد وبينهما جامع وهو تحصيل الطّهارة الّتي أمر الله سبحانه بها ، وإلاّ فربّ الموجودات بأجمعها واحد من دون اختصاص ذلك بالصعيد . إذن يكون معنى تلكم الجملة هو أنّ التيمّم بدل عن الوضوء أو الغسل ، لأن استعمال التراب هو التيمّم كما أن استعمال الماء عبارة عن الغسل أو الوضوء .

   الرّابعة :  ما إذا وجب على المكلّف أغسال متعددة ومنها غسل الجنابة، كما لو مسّ الجنب ميّتاً ، أو كانت حائضاً وطهرت من حيضها ووجب الاغتسال بأغسال متعددة فهل يجب على المكلّف حينئذ إذا لم يتمكّن من الماء أن يتيمّم بتيممات بعدد الأغسال الواجبة في حقّه أو أ نّه إذا تيمّم تيمماً واحداً كفى عن الجميع ؟

   مقتضى إطلاق الآية المباركة (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (2) إلى آخرها هو أنّ الجنب مأمور بالاغتسال مرّة واحدة سواء كان محدثاً بغير الجنابة من الأحداث الكبيرة أو الصغيرة أم لم يكن ، فيكفي الغسل في حقّه مرّة واحدة ، فهو في الحقيقة مأمور بالغسل الواحد ، فلو تيمّم بدلاً عنه كفاه وذلك بحسب إطلاق الآية والأخبار كما أن مقتضى ما استظهرناه من الآية من أن وظيفة الجنب هي الاغتسال دون الوضوء ـ لأ نّه وظيفة غير المجنب ـ عدم وجوب التيمّم عليه بدلاً عن الوضوء أيضاً إذ لا أمر بالوضوء عليه ليجب عليه التيمّم بدلاً عنه فيكفي في حقّه تيمّم واحد لا تيممان أو أكثر .

   الخامسة :  ما إذا وجب أغسال متعددة غير غسل الجنابة كالحيض ومسّ الميت فهل الواجب عليه حينئذ أن يتيمّم تيمماً واحداً أو لا بدّ أن يأتي بتيممات متعددة حسب تعدّد الأغسال ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 359 .

(2) المائدة 5 : 6 .

ــ[364]ــ

   يبتني هذا على أنّ التداخل عند اجتماع الأغسال المتعددة هل هو في الأسباب أو أنّ التداخل في المسببات ؟

   فان قلنا إنّ التداخل في الأسباب ـ  كما هو الأظهر  ـ بمعنى أن تلك الأسباب المتعددة لا يتسبب منها إلاّ مسبب واحد وهو الغسل الواحد وإن كثرت أسبابه ومناشؤه نظير تعدّد الأسباب في الوضوء وكما أ نّها لا تؤثر إلاّ مسبباً ووضوءاً واحداً كذلك الحال في الأغسال ، بحيث لو اغتسل المكلّف في مفروض الكلام غسلاً واحداً ناوياً لبعضها المعين دون الجميع أو مع الغفلة عن ثبوت غسل آخر عليه كفى ذلك في حقّه ولم يجب عليه غسل آخر بعد ذلك . فلا مناص من الاكتفاء بالتيمّم الواحد بدلاً عن المسبب الواحد الّذي على ذمّته من الأغسال .

   وإن قلنا إن كل مسبِب يؤثر في مسبَب واحد فهناك مسبَبات ، لكن له الإتيان بغسل واحد ناوياً عن الجميع فانّه يجزئ عن غيره إذا نواه ، لقوله (عليه السلام) : «إذا اجتمعت عليك حقوق متعددة أجزأك عنها غسل واحد» (1) بحيث لو لم ينو الجميع لغفلته عن كونه مكلفاً بغسل آخر أو لقصده غسلاً معيّناً لم يسقط عنه إلاّ ما نواه . فلا مناص من أن يأتي بتيممات متعددة حسب تعدّد الأغسال الواجبة في حقّه ، لأنّ التداخل على خلاف الأصل ولا يمكن الالتزام به إلاّ مع الدليل ، وهو إنّما دلّ على ذلك في الأغسال ولم يقم دليل عليه في بدله الّذي هو التيمّم .

   كما أ نّه لو قلنا بأن كل غسل يغني عن الوضوء ـ كما اخترناه ـ اختص ذلك بنفس الأغسال ولم يأت في بدلها الّذي هو التيمّم ، لعدم دلالة الدليل على إغناء التيمّم الّذي هو بدل عن الغسل عن الوضوء ، وحيث إنّه مأمور بالوضوء أيضاً مع كونه محدثاً بتلك الأحداث ـ ومن هنا لو توضأ قبل الاغتسال عنها صحّ وضوءه ولم يكن تشريعاً محرماً غاية الأمر أ نّه لو لم يأت به قبلها لكان له الاجتزاء بالاغتسال ـ فلا بدّ أن يأتي بتيمم آخر بدلاً عن الوضوء .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 261 /  أبواب الجنابة ب 43 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net