هل التيمم رافع للحدث أو مبيح للعبادة ؟ 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7120


ــ[397]ــ

فما دام عذره عن الغسل باقياً تيمّمه بمنزلته ، فإن كان عنده ماءً بقدر الوضوء توضأ وإلاّ تيمّم بدلاً عنه ، وإذا ارتفع عذره عن الغسل اغتسل ، فإن كان عن جنابة لا حاجة معه إلى الوضوء ، وإلاّ توضأ أيضاً ((1)) هذا ولكن الأحوط إعادة التيمّم أيضاً ، فإن كان عنده من الماء بقدر الوضوء تيمّم بدلاً عن الغسل وتوضأ وإن لم يكن تيمّم مرّتين مرّة عن الغسل ومرّة عن الوضوء ، هذا إن كان غير غسل الجنابة وإلاّ يكفيه مع عدم الماء للوضوء تيمّم واحد بقصد ما في الذمّة .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   تحقيق أنّ التيمّم رافع أم مبيح

   والإنصاف أن كون التيمّم مبيحاً أو رافعاً لم ينقح في كلماتهم ، وذلك لأنّ المراد من الإباحة إن كان هو أنّ المتيمِّم باق على حدثه وجنابته إلاّ أن أدلّة التيمّم مخصّصة لما دلّ على اشتراط الطهور في الصلاة ، وبها جاز للمتيمم الدخول في الصلاة من دون طهارة فهو مقطوع الفساد .

   وذلك لأن أدلّة بدلية التيمّم تدلّنا على أنّ التيمّم أو التراب طهور ، وأن ربّ الصعيد وربّ الماء واحد (2) ، وأنّ المكلّف قد دخل في صلاته بطهر عن تيمّم(3) ، بل يمكن دعوى تواتر الأخبار على أنّ التيمّم طهور كما أنّ الماء طهور .

   فهذا الاحتمال لا يظن القول به من أحد فضلاً عن أن ينسب إلى المشهور .

   وأمّا المراد من الرفع فهو إن كان هو أنّ التيمّم كالغسل يرفع الحدث والجنابة فلازمه أن يكون وجدان الماء الّذي ينقض به التيمّم من أحد أسباب الجنابة فتكون أسبابها ثلاثة : الجماع ، وخروج المني ، ووجدان الماء . مع أ نّه من البديهي أن وجدان الماء ليس سبباً للجنابة أو غيرها من الأحداث وإنّما هو ناقض للتيمم ، والمكلّف جنب بسببه السابق على تيمّمه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مرّ الكلام فيه وفي المسألة الآتية [ في المسألة 820 و 1058 ] .

(2) الوسائل 3 : 385 /  أبواب التيمّم ب 23 ، ذيل ب 14 .

(3) الوسائل 3 : 382 /  أبواب التيمّم ب 21 ح 4 .

ــ[398]ــ

   فلا وقع للبحث عن الرفع والإباحة بهذين المعنيين وليسا قابلين للبحث والكلام .

    الّذي ينبغي التكلّم عليه

   والّذي ينبغي أن يتكلّم عنه هو أنّ التيمّم هل هو رافع للجنابة رفعاً مؤقتاً أي في الزمان المتخلّل بين التيمّم ووجدان الماء ، أو هو غير رافع لها حتّى مؤقتاً وإنّما هو طهور ، فالجنب المتيمِّم باق على جنابته إلاّ أ نّه متطهر ، فالجنب على قسمين : متطهر وغير متطهر .

   وهذا أمر معقول قابل لأن يبحث عنه ويتكلم فيه ، وذلك لأنّ الحدث من أحكام الجنابة يمكن أن يرتفع في مورد بدليل ، ولأنّ الجنابة أمر عرفي أمضاه الشارع ، وهي منتزعة من أمرين : الجماع ونزول المني وعدم الاغتسال . والشخص الواجد للأمرين قد يتيمّم ويتطهر وقد لا يتيمّم ولا يتطهر .

   فالجنب على قسمين : متطهر وغير متطهر . وقد قال سبحانه في ذيل آية التيمّم : (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج وَلكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ )(1) فهو كالصريح في أنّ التيمّم مطهر ، وكذلك غيره من الأخبار المتقدمة ، فانّ المتيمِّم ممّن خرج منه المني ولم يغتسل كما أن غير المتيمِّم كذلك أيضاً ، فلا منافاة بين الجنابة والطّهارة ، فانّ الرافع للجنابة إنّما هو الغسل وحسب دون التيمّم .

   ولعلّه إليه أشار قوله سبحانه : (وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيل حَتَّى تَغْتَسِلُوا )(2) أي لا ترتفع الجنابة إلاّ بالاغتسال وتبقى الجنابة عند التيمّم .

   كما أنّ الجنابة أمر اعتباري لا مانع من ارتفاعه في الوسط مع بقائه في الأوّل والأخير ، وهو مستند إلى سببه السابق ، بأن يكون المكلّف جنباً باعتبار ملامسته النِّساء أو خروج المني ، ثمّ يرتفع ذلك الاعتبار عند تيمّم المكلّف إلى زمان وجدان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 6 .

(2) النِّساء 4 : 43 .

ــ[399]ــ

الماء ، ثمّ بعد وجدانه يعتبر جنباً بالسبب السابق ـ وهو ملامسته أو إمناؤه ـ بمعنى أ نّه يمكن أن يكون اعتبار [ ارتفاع ] الجنابة محدوداً بحد وزمان ويكون قبله وبعده مستنداً إلى سببه السابق ، فيكون التيمّم رافعاً للجنابة حقيقة رفعاً مؤقتاً من دون أن يكون وجدان الماء سبباً للجنابة .

   نعم هذا غير معقول في الاُمور التكوينية والحقيقية ، لأنّ المعلول إذا ارتفع احتاج حدوثه وعوده بعد ذلك إلى علّة جديدة ، ولا يعقل أن تكون علّته السابقة موجودة ويرتفع معلولها في الوسط ويعود في الأخير .

   وما ذكرناه في المقام له نظائر كثيرة منها : ما إذا استأجر شخص داراً إلى سنة فانّه يملك منفعتها بسبب عقد الإجارة إلى آخر السنة ، ثمّ آجرها في الوسط من شخص آخر فان منافعها تخرج عن ملكه في الأثناء وبعد شهرين مثلاً تعود إلى ملكه بعين السبب السابق ـ وهو عقد الإجارة ـ فهو سبب للملكية في الأوّل والأخير مع ارتفاعها في الوسط حقيقة .

   فهذان الاحتمالان يقبلان البحث والنزاع ، وتبتني عليهما المسألة الّتي بأيدينا .

   وذلك لأ نّا لو قلنا بأنّ التيمّم رافع للجنابة حقيقة رفعاً مؤقتاً فالمكلّف ليس بجنب حقيقة، وغير الجنب والمحدث لو أحدث بحدث أصغر وجب عليه الوضوء، وهو ظاهر.

   ولو قلنا بأ نّه يبقى جنباً لكنّه متطهر وجب عليه التيمّم ثانياً ، لزوال طهارته بالحدث الأصغر ، وهذا ما ذهب إليه المشهور .

   والصحيح هو الثّاني وأن وظيفة المكلّف في مفروض الكلام هو التيمّم دون الوضوء ، وذلك :

   أمّا من حيث الأصل العملي فلأ نّا لو قلنا بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية الكلية نستصحب بقاء جنابة المكلّف بعد تيمّمه ، وذلك لكونه جنباً قبل التيمّم يقيناً ، فلو شككنا في بقائه على جنابته بعد التيمّم نستصحب جنابته فيجب عليه التيمّم ثانياً إذا أحدث بالأصغر .

ــ[400]ــ

   ولو لم نقل بجـريان الاستصحاب فيها ـ  كما هو المختار  ـ فمقتضى العلم الإجمالي هو وجوب الجمع بين التيمّم والوضوء ، وذلك لأ نّه إن كان باقياً على جنابته بعد التيمّم فوظيفته التيمّم ثانياً ، وإن كانت جنابته مرتفعة به فوظيفته الوضوء ، فلا مناص من أن يجمع بينهما عملاً بالعلم الإجمالي .

   وأمّا من حيث الأدلّة الاجتهادية فمقتضى إطلاق الكتاب والسنّة وجوب التيمّم على المكلّف في مفروض المسألة، وذلك لأن قوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً )(1) يفيدنا أنّ المحدث بالأصغر إذا أراد الصلاة فان كان في طبعه ونفسه مكلفاً بالوضوء ولم يجد ماءً تيمّم ولو وجده توضأ ، كما أنّ المكلّف ـ  بحسب طبعه ونفسه  ـ بالغسل إن وجد ماءً اغتسل وإن لم يجد ماءً تيمّم .

   ومن البديهي أنّ المكلّف في مفروض الكلام في طبعه مكلّف بالاغتسال ، وحيث إنّه محدث بالأصغر وقد قام إلى الصلاة ولم يجد ماءً وجب أن يتيمّم بمقتضى إطلاق الآية الكريمة .

   وكذا ما ورد في الأخبار من أنّ المكلّف المجنب إذا وجد ماءً لا يكفي لغسله وجب أن يتيمّم لا أن يتوضأ(2) ، فانّها تدلّنا على أن من كانت وظيفته الاغتسال ولم يجد ماءً وجب عليه التيمّم . والمكلّف مأمور بالاغتسال في المقام ولكنّه لم يجد الماء فوجب عليه أن يتيمّم لا محالة .

   وملخّص الاستدلال بالكتاب: أ نّه سبحانه عنون «لمس النِّساء» فقال: (أَوْ لمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ... ) وهذا العنوان كعنوان الجنابة باق بعد التيمّم أيضاً ، حيث يصدق في المقام أ نّه رجل لامس النِّسـاء ولم يجد ماءً فيجب أن يتيمّم بعد الحدث الأصغر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 6 .

(2) الوسائل 3 : 386 /  أبواب التيمّم ب 24 .

 
 

ــ[401]ــ

   بل يمكن الاستدلال في المقام بكل ما دلّ على أن فاقد الماء من المحدث بالجنابة أو بغيرها يتيمّم ، حيث إن إطلاقه يشمل المقام ، لما قررناه من أنّ الجنابة لا ترتفع إلاّ بالغسل وتبقى مع التيمّم لأ نّه مطهر فقط ، والجنابة أمر انتزاعي كما تقدم ، وحيث إنّه محدث ولا يجد الماء وجب عليه أن يتيمّم .

   ويضاف إلى ذلك الأخبار الدالّة على أنّ المتيمِّم باق على جنابته وأنّ التيمّم طهور وحسب ، وليس رافعاً للجنابة ، وإليك بعضها :

   منها :  صحيحة جميل بن دراج قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل أيتوضأ بعضهم ويصلِّي بهم ؟ قال : لا ، ولكن يتيمّم الجنب ويصلِّي بهم ، فانّ الله جعل التراب طهوراً» (1) .

   ومنها :  موثقة عبدالله بن بكير قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أجنب ثمّ تيمّم فأمّنا ونحن طهور ، فقال : لا بأس به» (2) .

   ومنها : موثقته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قلت له : رجل أمّ قوماً وهو جنب وقد تيمّم وهم على طهور ، فقال لا بأس» (3) .

   ومنها :  صحيحة ابن المغيرة (4) الّتي هي مثلها ، لأ نّها مروية بإسناد الشيخ إلى محمّد بن علي بن محبوب(5) ، وله طريق صحيح إليه وإن كان له طريقان آخران إلى الرجل ، وهما ضعيفان بأبي المفضل وابن بطة وبأحمد بن محمّد بن يحيى .

   إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في أنّ الإمامة لا يشترط فيها الاغتسال ، بل لو تيمّم كفى في صحّة صلاته .

   والوجه في دلالتها على المدّعى أ نّها دلّت على أنّ الجنب بالفعل ـ لا من كان جنباً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 386 /  أبواب التيمّم ب 24 ح 2 .

(2) الوسائل 8 : 327 /  أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 2 .

(3) ، (4) الوسائل 8 : 327 /  أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 3 .

(5) التهذيب 1 : 404 / 1265 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net